|
||
هم، عبّاد مختلف الأوثان، عباد الله ونبيّه، عباد المصلوب وأمه العذراء. ونحن، القلة والأبطال، والذين في كل جيل وجيل يعملون على تدميرنا وننجح في أن ننقذ أنفسنا من أيديهم. هم، الكثرة والجبناء، الذين يسعون إلى ملاحقتنا وملاحقة وبلادنا، وتنجح جرأة قلوبنا فقط في أن تهزمهم. هم، جميع الأمميّين، ولكن بشكل خاصّ المسلمين، العرب، الفلسطينيين. كلا، لا يسير الأمر على هذا النحو إطلاقا. قبل أيام قليلة قال يتسحاق هرتسوغ شيئا فظيعا بشكل خاصّ. لقد أعلن أنّ حزبه، حزب العمل، قد فشل لأنّه يُقال عنه إنّه حزب "محبّي العرب". إذا ترجمنا ذلك إلى الألمانية، يمكننا أن نفهم كلامه على نحو أفضل: على سبيل المثال، أنّ حزب أنجيلا ميركل قد فشل لأنّه "يحبّ اليهود". لا يقول أحد ذلك. ولا يمكن لأحد أن يقول ذلك. ليس في ألمانيا اليوم. لم يقصد هرتسوغ بالتأكيد إطلاق تصريح كهذا، بكل ما فيه من دلالة. وبالتأكيد ليس علنيا. لقد نطق به خطأ وعن غير قصد. فلنفترض، وأنا مستعد أن أفترض. ولكن لا يمكن أن يكون السياسي الذي يتفوه بمثل هذه الكلمات زعيم معسكر كبيرا، ولا يمكنه أن يكون سياسيا. ولا يمكن للحزب الذي يزعمه، والذي لم يعزله في اليوم ذاته، أن يترأس البلاد. وليس لأنّه غير محقّ. هناك بطبيعة الحال الكثير من الذين يؤمنون أنّ حزب العمل يحبّ العرب (رغم أنه ليست هناك أية علامة على ذلك. إنه كما يبدو حبّ خفيّ، حبّ مُخجل). وهناك الكثير ممن يؤمنون أنّ حزب العمل يتدهور لأنّهم يعتقدون أن هذا حقيقي، إلى حد ما. المشكلة هي أن مثل هؤلاء الأشخاص لن ينتخبوا حزب العمل عموما، ويتسحاق هرتسوغ خصوصا، حتى لو قفزوا في الهواء وصرخوا بصوت عالٍ: الموت للعرب! وهذا ليس هو الأمر الأهم. يبرز وراء كل اعتبار أخلاقي وكل حساب سياسي عدم الفهم المطبق للواقع الإسرائيلي. يشير الواقع الإسرائيلي في أيامنا إلى إنّه ليس هناك أي احتمال وأمل لإسقاط اليمين من الحكم إذا لم يقف ضدّه معسكر سلام حازم وموحّد، يستند إلى الشراكة اليهودية - العربية. هناك واقع ديمغرافي. يشكّل المواطنون العرب نحو 20% من السكان في إسرائيل. من أجل الحصول على غالبية في البلاد من دون العرب سيحتاج اليسار اليهودي إلى تأييد 60% من الجمهور اليهودي. وهذا أضغاث أحلام. هناك من يحلم بـ "وسط"، يقوم بالمهمة بدلا من "اليسار". وهذه أيضًا أضغاث أحلام (أو، لمزيد من الدقة، حلم مستحيل). "الوسط" لا يمثّل قوة، فهو يفتقد إلى عمود فقري، مرونة، أساس فكري، ويجذب ضعفاء القلب، الذين لا يريدون الالتزام بأي شيء. مؤيدو يائير لبيد وموشيه كحلون، كسابقيهم، وكوارثيهم المستقبَليين، هم ذنب لثعالب وليسوا رأس أسود. منذ أيام الحركة الديمقراطية للتغيير، فهم دائما أتباع اليمين. من هناك أتوا، وإلى هناك سيعودون. لقد مضت أيام حزب مباي وأتباعه، بما في ذلك الحزب القومي-المتدين، شاس. يمكن أن ينجح اليسار إذا قام فعلا يسار جديد، كبير وقوي. مثل هذا اليسار، لا يمكن أن يقوم إلا على قاعدة صلبة من الشراكة اليهودية-العربية فقط. ليس هذا حلما، وأيضا ليست رغبة قلبية، وإنما حقيقة سياسية بسيطة. لا يمكن لأي شيء جيد أن يقوم في هذه الدولة إلا على أساس الشراكة اليهودية-العربية. لقد مكّنت هذه الشراكة توقيع اتفاق أوسلو. هذه الشراكة ضرورية لكل خطوة للتقدم نحو السلام. الزعم أنّ الزعيم "لا يحبّ العرب" ليس ذا أهمية. إنه يدل فقط على أنّ الرجل ليس ملائما ليشغل منصب قيادي في دولة إسرائيل. لن ينجح في أي شيء. وبالتأكيد ليس في صنع السلام. وبغض النظر عن كون تعبير "محبّي العرب" طفوليا. كيف يمكن أن نحبّ - أو لا نحبّ - شعبا كاملا؟ في كل شعب - وشعبنا كذلك - هناك الجيّدون والسيّئون، طيّبو القلب والشريرون، اللطيفون والمنفّرون، الودودون والبغيضون. إن التعبير "محبّي العرب" و "محبّي اليهود" - هما تعبيران تقطر منهما رائحة معادية للسامية بشكل واضح، كما يعلم كل يهودي. كنتُ شاهدا ومشاركا في الكثير من المحاولات لإقامة شراكة يهودية-عربية في إسرائيل، تماما منذ اللحظات الأولى من قيام الدولة. كما ذكرتُ مؤخرا، فقد شاركتُ في النواة الأولى (التي لم يكن لها اسم) والتي أنشأت "حلّ الدولتَين"، مباشرة مع انتهاء حرب 1948. في الخمسينيات، شاركتُ في "اللجنة ضدّ الإدارة العسكرية". عام 1984، شاركتُ في إقامة "الحركة التقدّمية للسلام"، والتي أرسلت إلى الكنيست قائمة مؤلفة من اثنين: أحدهما عربي، والآخر يهودي. وكان هناك العديد من المحاولات في المنتصف. أذكر ذلك فقط لإعطاء شرعية للجملة المروعة التالية: منذ 30 عاما لم يتعزّز تعاون بين قوى السلام في البلاد - اليهود والعرب - وإنما على العكس. إنه آخذ بالتراجع المستمرّ. وهكذا أيضًا التعاون بين قوى السلام الإسرائيلية والفلسطينية. هذه حقيقة. حقيقة محزنة، مثيرة للكآبة، بل وحتى محبطة، ولكنها واقعية. من المسؤول؟ لا جدوى كثيرا من طرح هذا النوع من الأسئلة في الحالات التاريخية. هناك لكل كارثة تاريخية مسؤولون كثيرون. ومع ذلك سأحاول تقديم إجابة ما. سأشهد على نفسي: منذ بداية الاحتلال عام 1967 قلّصتُ كثيرا من نشاطي من أجل شراكة يهودية-عربية داخل البلاد، وعملت على تكريس كل جهودي لتحقيق سلام إسرائيلي-فلسطيني. القضاء على الاحتلال، وقف الاستيطان، فرص حلّ الدولتَين، العلاقات مع ياسر عرفات وخلفائه - كل هذه بدت لي أهم من الصراع داخل البلاد. ربما كان هذا خطأ. زعم اليسار الإسرائيلي-اليهودي أنّ المواطنين العرب في البلاد قد "تطرّفوا". وبالمقابل، زعم المواطنون العرب أنّ اليسار الإسرائيلي قد خانهم وأهملهم. ربما يكون كلا الطرفين محقّا. يعتقد العرب أنّ حزب اليسار اليهودي قد تركهم - سواء في جبهة السلام بين الشعبَين أو في جبهة المساواة داخل البلاد. ويعتقد حزب اليسار الإسرائيلي أنّ العبارات التي يصرح بها الشيخ رائد صلاح، حنين زعبي وأمثالهما تدمّر فرصة العودة إلى الحكم. كلاهما محقّ. ربما يجب توزيع المسؤولية بالتساوي. ولكن مسؤولية أفراد الشعب الحاكم ذات أهمية أكبر بكثير من مسؤولية الشعب المضطهد. يكشف كل يوم في طياته عن نماذج جديدة لتوسّع الهوّة بين الشعبين في البلاد. من الصعب أن نفهم صمت حزب اليسار اليهودي أمام عملية القتل التي نفذها الجندي في الخليل. ومن الصعب أيضًا أن نغفر إنكار الجمهور العربي للكارثة. أشعر أنّ هذه الهوة آخذة بالتوسّع، والتعمّق. منذ سنوات لم أسمع ولو عن محاولة جادّة واحدة للقاء بين كلا المعسكرين لإقامة قوة سياسية مشتركة، من أجل إيجاد رواية تاريخية مشتركة، ربط العلاقات الشخصية والعامة - سواء في أوساط القيادة، أو الجمهور العريض. يبادر أشخاص طيبون أحيانا إلى مبادرات صغيرة. ولكن، ليست هناك مبادرة سياسية جادّة. لو تلقّيتُ مكالمة هاتفية حول الموضوع: "أوري، حان الوقت، قامت مبادرة جادة، تعال وانضمّ"! كنت سأقفز من الكرسي وأصرخ "أنا مستعد"! ولكن مثل هذه المكالمة لم تصلْ. ولن يبادر كبار السن إلى أية محاولة أخرى أيضا، وعلى الشباب، العازمين، واضحي الهدف، والحيويين أن يبادروا إلى عملية كهذه. (يمكن أن يساهم كبار السنّ، مثلي، في خبرتهم. ولكن لا يتوقع منهم أن يبادروا). مثل هذا النوع من الجهد يحتاج إلى البدء من الصفر تماما. قبل كل شيء، يجب أن يكون الجهد مشتركا. أن يعمل مواطنون يهود وعرب من المسلمين، المسيحيين، والدروز، بشراكة وثيقة منذ اللحظة الأولى. ليس على اليهود أن يدعوا العرب، وأيضا ليس العكس - وإنما معا، كقوة موحدة، منذ اللحظة الأولى. إحدى المهامّ الأولى هي تأسيس رواية تاريخية مشتركة. ألا تكون مصطنعة، مزيفة، وإنما حقيقية وصحيحة، وأن تأخذ بالحسبان الدوافع الصهيونية ودوافع الحركة القومية العربية، قيود الزعماء من كلا الجانبين، إذلال العرب من قبل الإمبريالية الأوروبية، وصدمة اليهود منذ أيام الكارثة. بالإضافة إلى ذلك أيضًا صدمة الفلسطينيين منذ أيام النكبة. لا جدوى من طرح السؤال: "من المحقّ"؟ يُحظر عرض سؤال كهذا. لقد عمل كلا الشعبين وفق طابعهما، مآزقهما، معتقداتهما، ومقدراتهما. وقد ارتُكبت الخطايا كثيرا، وارتُكبت الجرائم، في كلا الجانبين. ولكنها نتجت عن الظروف في تلك الفترة. يجب تذكرها، بالتأكيد. ولكن يحظر أن تكون عقبة أمام مستقبل أفضل. قبل 20 عاما صاغت "كتلة السلام" (الحركة التي أنتمي إليها) رواية مشتركة كهذه، والتي تمسّكت بالحقائق التاريخية وحاولت فهم أفعال كلا الجانبين. ومؤخرا كانت هناك عدة محاولات كهذه. مثل هذا الجهد ضروري إذا أردنا إقامة أساس فكري وشعوري لشراكة حقيقية. لا يجب أن يكون ذلك حزبا واحدا مشتركا. ربما لا يكون هذا واقعيا. ربما من المفضل إقامة اجتماع لقوى سياسية من كلا الوسطين. إقامة نوع من البرلمان الموازي، والذي تجري فيه نقاشات بشكل ثابت. يجب أن تكون الشراكة الحقيقية شخصية، اجتماعية، وسياسية. منذ اللحظة الأولى، يجب أن يكون الهدف تغيير وجه البلاد، إسقاط القوى التي تقودها إلى كارثة تاريخية. بكلمات بسيطة: الوصول إلى الحكم. في الوقت ذاته، يجب أيضًا إقامة جسور اجتماعية وشخصية، تصل من بلدة إلى أخرى، من مدينة إلى أخرى، من مؤسسة إلى أخرى، من مدرسة دينية إلى أخرى، بل وحتى من كنيس إلى مسجد. لا يستطيع يتسحاق هرتسوغ ولا "المعسكر الصهيوني" بذل هذا الجهد في الجانب اليهودي. فليس هرتسوغ ولا منافسوه، الذين يسعون إلى أخذ مكانه في حزبه قادرين على تحقيقه. المطلوب هو قيادة شابة، حيوية، مخترقة للحدود. وألا يكون المزيد من الشباب الذين يقيم كل واحد منهم مجموعة جديدة خاصة به، تنفذ أعمال جيدة وتختفي بعد سنتين أو ثلاث كما لو أنها لم تكن أبدا. المطلوب أشخاص مستعدون للعمل معا، إقامة قوة، ووضع البلاد المشتركة على طريق جديد. "محبّو العرب"؟ نعم. "محبّو اليهود"؟ نعم أيضًا. ولكن بشكل أساسيّ أن يعيش في هذه الدولة محبّو الحياة، محبو السلام، محبو هذه البلاد. |