|
||
الدفاع عن إسرائيل ممّن؟ من "داعش" بالطبع. داعش هي "الدولة الإسلامية في العراق والشام"؛ قوة جديدة في العالم العربي. "الشام" هي سوريا الكبرى؛ الاسم العربي التقليدي للمساحة التي تضمّ اليوم كلّا من سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين وإسرائيل. جنبًا إلى جنب مع العراق، هذه هي المنطقة التي تُدعى "الهلال الخصيب"، وهي المنطقة الخضراء التي تحيط بشمال الصحراء العربية المقفرة. في معظم فترات التاريخ كان "الهلال الخصيب" بلدًا واحدًا، جزء من سلسلة متّصلة من الإمبراطوريّات. حافظ الآشوريّون، البابليّون، الفرس، الإغريق، الرومان، البيزنطيّون، العرب، العثمانيّون وغيرهم على سلامتها. حتى جاء اثنان من السادة، السير مارك سايكس والمسيو فرانسوا جورج-بيكو وقطّعاها إربا وفقًا لمصالحهم الإمبريالية. حدث هذا إبّان الحرب العالمية الأولى، والتي اندلعت في أعقاب اغتيال حدث في الأسبوع الماضي قبل 100 عام بالضبط. مع تجاهل تامّ للشعوب، أصولهم العرقية وانتماءاتهم الدينية، شكّل السيّدان سايكس وبيكو دولا قومية في مكان لم تكن فيه قوميّات. قاما هم وخلفاؤهم، وخصوصًا جيرترود بيل، توماس إدوارد لورنس وونستون تشرشل، بضمّ ثلاث طوائف مختلفة تمامًا وأسّسوا دولة "العراق". لقد نصّبوا عليها ملكًا غريبًا أصله من مدينة مكة. مُنحت "سوريا" للفرنسيّين. أخذ أحد السادة خارطة وقلم رصاص، ورسم حدودًا وسط الصحراء بين دمشق وبغداد. بعد ذلك قطع الفرنسيون سوريا وأقاموا جيوبًا مختلفة للسنة، للعلويّين، للدروز، للموارنة وغيرهم. أسّسوا بعد ذلك لبنان وفرضوا فيه نظامًا وضع المسيحيين الموارنة فوق الشيعة المحتقرين. كردستان، هي وطن لشعب آخر، تم تقطيعها لأربعة أجزاء، بحيث تمّ ضمّ كلّ واحد منها إلى دولة مختلفة. في فلسطين تمّ التخطيط لـ "وطن قومي للصهاينة" وسط سكّان عرب معادين. مُزّقتْ منها المساحة التي تقع وراء نهر الأردن لتوفير إمارة لأمير آخر من مكّة. هذا هو المكان الذي نشأنا فيه، وهذا هو المكان الذي ينهار الآن. ما تحاول عناصر "داعش" القيام به الآن هو ببساطة مسح كلّ هذه الحدود. وأثناء القيام بذلك فهم يكشفون من جديد الفجوة القديمة بين السنة والشيعة. يريدون إقامة دولة إسلامية - سنية موحّدة، خلافة جديدة. وهذا يضعهم أمام مصالح متجذّرة هائلة، وقد يفشلون. ولكنهم يزرعون شيئًا من الممكن أن يصمد لوقت أكبر: فكرة ستغوي عقول الملايين. قد تهيمن هذه الفكرة على المنطقة لـ 25، 50 أو 100 عام. قد تكون هذه هي موجة المستقبل. حين نرى هذه الصورة وهي تنمو أمام أعيننا، ماذا علينا أن نفعل؟ بنظري، الإجابة واضحة تمامًا: أن نصنع السلام، سريعًا، طالما أن العالم العربي لا يزال كما هو. "السلام" لا يعني السلام مع الشعب الفلسطيني فحسب، وإنما مع العالم العربي بأسره. ما زالت مبادرة السلام العربية، التي تستند على مبادرة وليّ العهد السعودي (آنذاك) مطروحة على الطاولة. إنّها تقترح السلام الكامل والنهائي مع دولة إسرائيل، مقابل إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة. أعربت حماس عن موافقتها الرسمية على هذه التسوية، شريطة أن تتمّ الموافقة عليها باستفتاء شعبي فلسطيني. صحيح أنّ ذلك لن يكون سهلا. ستكون هناك حاجة للتغلّب على عقبات كثيرة في الطريق. ولكن الأمر ممكن. وسيكون جنونًا ألا نجرّب. أن نعمل الآن! ردّة فعل قادتنا خلاف ذلك تمامًا. تثير الأحداث التاريخية التي تجري حولنا اهتمام القادة الإسرائيليين كتقشير الثوم. مركز اهتمامهم هو الجهد للحفاظ على الضفة الغربية. أي منع إقامة الدولة الفلسطينية. أي منع السلام. الطريق الأسلم لتحقيق ذلك هو الاحتفاظ بغور الأردن. لن يقبل أي زعيم فلسطيني أبدًا بفقدان هذه المنطقة، لا عن طريق ضمّها لإسرائيل ولا عن طريق بقاء التواجد "المؤقّت" للجيش الإسرائيلي في الغور. سيمثّل ذلك فقدان نحو 25% من مساحة الضفة الغربية (والتي لا تبلغ كلّها سوى 22% من مساحة فلسطين التاريخية) والمساحة الأكثر خصوبة فيها. سيعزل ذلك أيضًا الدولة الفلسطينية عن أيّ ارتباط بالعالم. ستتحوّل دولة فلسطين إلى مقاطعة محاطة بإسرائيل من جميع الجهات. مثل "البانتوستانات" في جنوب إفريقيا في فترة الأبارتهايد (الفصل العنصري). حين قدّم إيهود باراك هذا الاقتراح في كامب ديفيد، تفجّر المؤتمر. وافق الفلسطينيون، على الأكثر، وضع قوة عسكرية أمريكية أو تابعة للأمم المتحدة في الغور. وفجأة، طفتْ قضية غور الأردن على السطح مجدّدًا هذا الأسبوع. كانت الصورة بسيطة: "داعش" تهاجم من قاعدتها العراقية السورية نحو الجنوب. ستحتلّ العراق. ومن هناك، ستغزو الأردن وتظهر في الضفة الشرقية لنهر الأردن. كما قال نتنياهو: إذا لم يتم إيقافها هناك من قبل قوة من الجيش الإسرائيلي التي تتموضع هناك بشكل ثابت، فستظهر على بوابات تل أبيب (فيما لو كان لتل أبيب بوابات). منطقيّ؟ واضح؟ حتمي؟ هراء محض! من الناحية العسكرية، تعتبر "داعش" قوة متواضعة. ليس لديها سلاح جوّ، دبابات أو مدافع. ويقف ضدّها كلّ من إيران والولايات المتحدة. وبالمقارنة معها، فإنّ الجيش العراقي أيضًا لا يزال قوة فعالة. وعلى الطريق، فإنّ الجيش الأردني بعيد عن أن يكون قوة يُستهان بها. فضلًا عن ذلك، فيما لو اقتربت داعش من المملكة الأردنية، فإنّ الجيش الإسرائيلي لن ينتظرها على ضفاف نهر الأردن. كان الأردنيّون سيطلبون نجدة إسرائيل، كما حدث في أيلول الأسود (1970) عندما أعلنت جولدا مائير، بأمر من هنري كيسنجر، أن الجيش سيغزو الأردن إذا اقترب الجيش السوري من حدودها. كان ذلك كافيًّا. مجرّد فكرة أنّ الجنود الإسرائيليين سيستلقون في الخنادق بغور الأردن من أجل الدفاع عن إسرائيل ضدّ "داعش"؛ هي فكرة غبيّة تمامًا. بل إنّها أكثر غباءً من خطّ بار-ليف المجيد الذي كان من المفترض أن يوقف عام 1973 المصريين على طول قناة السويس. انهار الخطّ خلال ساعات، الأمر الذي ذكّرنا بمصير "خط ماجينو" الفرنسي و"خطّ سيغفريد" الألماني في الحرب العالمية الثانية. لدى الجيش الإسرائيلي صواريخ، طائرات دون طيّار ووسائل قتالية أخرى ستوقف القوة المعادية قبل وصولها إلى نهر الأردن بكثير. تصل القوة الرئيسية للجيش الإسرائيلي من البحر للأردن خلال ساعات. تثبت هذه الفكرة أنّ ساستنا اليمينيّين - كأصدقائهم في كلّ أنحاء العالم، كما أخشى - لا يزالوا يعيشون في القرن التاسع عشر. لو لم أكن في غاية الكرم لقلتُ إنّهم يعيشون في العصور الوسطى. كان يمكن أن نسلّحهم بأقواس وسهام. يذكّرني هذا الأمر بطريقة ما بأغنية عسكرية ألمانية من القرن التاسع عشر: "إلى نهر الراين! إلى نهر الراين! إلى نهر الراين الألماني! / من يريد أن يكون حارس النهر؟ / أيّها الوطن الحبيب، لا تقلق / حرس الراين يقف ثابتًا ومخلصًا / الشباب الألماني قويّ ويخشى الله / يحمي أرض الكتاب الألمانية!" عودة إلى المستقبل. تأسّس الصليبيّون في البلاد عندما كان العالم العربي مفرّقًا ومجزّأً. كرّس عدوّهم الأكبر، القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي عشرات السنين لتوحيد العالم العربي حولهم قبل أن يهزم جيشهم في معركة حطّين. والعرب اليوم مفرّقون أكثر من أيّ وقت مضى. ولكن يجري التخطيط لعالم عربي جديد، والذي يمكن من الآن رؤية صورته على نحو ضعيف. مكاننا هو داخل الواقع الجديد، لا خارجه. نحن لا نجلس في المدرّجات. للأسف الشديد، لا يستطيع قادتنا رؤية ذلك. ما زالوا يعيشون في عالم سايكس وبيكو، عالم من الحكّام الأجانب (الآن الأمريكيون). بنظرهم، فإنّ الشغب حولنا هو فوضى فحسب. جاء في وثيقة الدولة قبل 118 عامًا أنّنا سننشئ في فلسطين طليعة للثقافة الأوروبية، "كجزء من السور ضدّ البربرية الآسيوية". ما زال قادتنا يعيشون في هذا الواقع الوهمي. يُطلق على ذلك الآن "فيلا في الغابة". إذًا، ماذا نفعل عندما تقترب الحيوانات المفترسة في الغابة وتزأر؟ نبني أسوارا أعلى! ماذا إذًا؟ |