|
||
ولكن إلى ماذا يرمز هذا العلم بالنسبة لسكان نيوزيلندا هذه الأيام؟ قليلا جدّا. بالتأكيد أنّهم على مقربة من بريطانيا والثقافة الأنجلو - سكسونية، ولكنهم دولة جديدة، ولديهم تاريخ، وضع جيو-سياسي وطابع وطني خاصّ بهم. من المفترض أن يوحّد العلم الوطني بين مواطني الدولة، أن يوحي بولائهم وأن يعزّز وطنيّتهم. من المفهوم ضمنًا أن العلم لا يجب أن يستبعد أجزاء كبيرة من السكان. ولذلك قرّرت حكومة دولة الجزر الجنوبية التنازل عن العلم الذي يحمل مغزى فقط لجزء من السكان، واعتماد علم جديد، يحمل مغزى للجميع. وتجري الآن مسابقة لاختيار هذا العلم. تسير نيوزيلندا على خطى كندا، والتي كانت هي أيضًا خاضعة "للسيادة" البريطانية، واستغنت عن علم مماثل، في محاولة حكيمة لتشكيل علم يكون مقبولا بشكل متساو من الكنديّين متحدّثي الإنجليزية، الكنديّين متحدّثي الفرنسية، الشعوب الأصلية وشعوب أصلية أخرى (كانوا يسمّون "الأسكيمو"). مشكلة علمنا مشابهة جدّا. تمّ قبول تصميمه من قبل المؤتمر الصهيوني الأول. تستند الفكرة على شال الصلاة اليهوديّ (تاليت): "كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ أَنْ يَصْنَعُوا لَهُمْ أَهْدَابًا عَلَى أَذْيَالِ ثِيَابِهِمْ مَدَى أَجْيَالِهِمْ، وَيَجْعَلُوا عَلَى هُدْبِ ٱلذَّيْلِ شَرِيطًا أَزْرَقَ" (سفر العدد 15: 38) وعلى نجمة داهود القديمة. وقد أنشئ من أجل حركة عالمية كان هدفها تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في البلاد. مع قيام دولة إسرائيل أصبح علمها الوطني. يستخدم اليوم كعلم للدولة، علم للحركة الصهيونية العالميّة، وفي أعين كثيرين علم جميع اليهود. ولكنه ليس علم جميع الإسرائيليين. بالنسبة للمواطنين العرب، فهذا العلم ليس سوى رمز للظلم والإقصاء. إنّه يذكّرهم في كلّ لحظة وكل حالة بأنّهم مواطنون من الدرجة الثانية، ولا ينتمون إلى الدولة حقّا. من اليوم الأول لقيام الدولة، كان اقتراحي هو اعتماد علم آخر، بحيث يشمل جميع المواطنين. كمواطني نيوزيلاندا اليوم، أحسست أنه مع كامل الاحترام للأصول، للتاريخ وللخلفية الثقافية الخاصة بنا، فإنّنا نحن الإسرائيليّون نعيش في واقع مختلف. الكثير من المواطنين ليسوا يهودًا، ورموز الدولة تعكس هذه الحقيقة. بصراحة، لا أعتقد أنّه علم جيّد. ينبغي أن تُرى الأعلام من مسافة بعيدة. في الأصل صُمّمت الأعلام لترمز إلى مكان الملك في ساحة المعركة، بحيث يعرف كلّ جنديّ أين هو قائده الأعلى. ولذلك ينبغي للعلم أن يبرز. ألوان علمنا - الأزرق والأبيض - جمالية، ولكنّها ليست بارزة. إنّها لا تُرى على خلفية السماء الزرقاء والغيوم البيضاء. لو لوّحنا بستّة أعلام زرقاء-بيضاء وعلم واحد أحمر، فستنجذب العين من ذات نفسها للعلم الأحمر. ومع ذلك، فإنّ الحجة الرئيسية ضدّ العلم ليست جمالية، بل سياسية. قبل وقت طويل من مطالبة بنيامين نتنياهو الفلسطينيين بأن يعترفوا بإسرائيل كـ "وطن قومي للشعب اليهودي"، كان علمنا يرمز إلى هذه المطالبة. إنّه ليس مجرّد علم لدولة عادية. إنّه يجسّد الادّعاء بأنّ الدولة تمثّل جميع اليهود حول العالم. هل تم سؤال اليهود إنْ كانوا يريدون أن يكونوا ممثّلين من قبل دولة إسرائيل؟ من الغريب أن سؤالا كهذا لم يُطرح أبدًا. لا من قبل الفلسطينيين، ولا الأمريكيين بل ولا من قبل الإسرائيليين أنفسهم. قبل أن تطلب حكومتنا من القيادة الفلسطينية في رام الله الاعتراف بإسرائيل كـ "وطن قومي للشعب اليهودي"، ألم يسأل يهود لوس أنجلوس، موسكو وجوهانسبرغ نفس السؤال؟ دون استفتاء لليهود في الشتات، وردّ إيجابي من الأغلبية العظمى، فلا أساس للمطالبة الإسرائيلية. إنّه شكل من أشكال الإمبريالية الإسرائيلية، محاولة لفرض السيادة بالقوة على شعب "محتلّ". قبل أن يتم إجراء استفتاء كهذا، يجب إعطاء إجابة على عدّة أسئلة: من هو اليهودي؟ ابن أو ابنة أم يهودية؟ ماذا عن أبناء الأب اليهودي؟ ماذا عن المتهوِّدين؟ هل هذا متعلق بمن أجرى لهم عملية التهويد؟ أغلبية أرثوذكسية فقط؟ ماذا عن الذين اعتنقوا اليهودية عن طريق حاخامات إصلاحيين أم محافظين؟ وماذا عن الملحدين؟ هل يعتبرون يهودًا ممثّلين من قبل إسرائيل؟ حول جميع هذه الأسئلة لا يوجد اتفاق بين الإسرائيليين أنفسهم. إذًا، ما مغزى هذه المطالبة، سوى أن تكون حيلة تهدف إلى تقويض مساعي المفاوضات من أجل السلام؟ أثير سؤال الاستفتاء هذا الأسبوع أيضًا في سياق آخر. استيقظ وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان من جديد. رغم أنّ كلّ وزارته أعلنت إضرابها. المكتب المركزي في القدس والسفارات في جميع أنحاء العالم مغلقة ومؤمّنة. ولكنّ ليبرمان لا يستريح. أعلن هذا الأسبوع بأنّه أوعز إلى المستشار القضائي لمكتبه بتقديم رأي قانوني بشأن خطّة تبادل الأراضي. ووفقًا للخطّة، فإنّ مساحة كبيرة من سيادة إسرائيل، مأهولة بالسكان العرب، سيتم نقلها إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية، مع سكانها، وذلك مقابل أراض فلسطينية مأهولة من قبل المستوطِنين. يهدف التبادل الواضح إلى تقليل عدد المواطنين العرب، كي تحوي الدولة اليهودية كمّا أكبر من اليهود وتصبح أكثر يهودية. ظاهريًا، يبدو ذلك عرضًا منصفًا. في المقام الأول، لأنّه يأتي من ليبرمان حيث يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. لأنّه رجل اليمين المتطرّف، فهو أمر تجدر الإشارة إليه. جميع رجال اليمين في إسرائيل مضطرّون للتعامل مع هذه المعضلة: ما هو الأهمّ؛ الجغرافيا أم الديموغرافيا؟ يهودية البلاد الكاملة، التي هي وعد لنا شخصيّا من الله، أم يهودية سكان الدولة اليهودية؟ أكثرية اليمين يفضّل البلاد على الشعب. إنّهم يريدون الحفاظ على البلاد "من البحر إلى النهر"، حتى لو كان الفلسطينيون الأغلبية فيها. بنظرهم، يبدو الاحتلال الأبدي حلّ جيّد. أيضًا دولة الأبارتهايد (الفصل العنصري) مقبولة. قسم آخر من اليمين يعتقد أنّ الأهم هو الحفاظ على دولة يكون عدد من هم ليسوا يهودًا فيها قليلا، وبالتالي ضمان الحفاظ على يهودية الدولة إلى الأبد. تهدف خطّة ليبرمان لتحقيق ذلك. ولذلك فإنّ ليبرمان مستعد لتغيير جغرافية إسرائيل وتضييق "الخصر الضيّق" لإسرائيل بشكل أكبر. يبلغ عرض البلاد اليوم بين نتانيا وطولكرم نحو 14 كيلومترًا. ليبرمان على استعداد أن تكون أكثر ضيقًا. بالنظر إلى أنّ دعاة الضمّ يحضرون دعوى "الخصر الضيّق" ("حدود أوشفيتس"، من قبل أبا إيبان) كدعوى من أجل ضمّ الأراضي، تعتبر هذه نقطة مثيرة للاهتمام. تعامل المستشار القضائي مع مهمّته بجدّية كبيرة وكتب تقريرًا طويلا ومعلّلا بشكل جيّد. كرّس بشكل أساسيّ اهتمامًا للسؤال إنْ كان هذا الحلّ متوافقًا مع القانون الدولي. كانت إجابته غير المفاجئة إيجابية. لن يتم نقل أيّ سكّان. سيحافظ الفلسطينيون الذين يعيشون في تلك الأراضي على مواطنتهم الإسرائيلية، إن رغبوا بذلك، وسيحتفظون أيضًا بحقوقهم في التأمين الوطني. إنّهم ببساطة لن يعودوا مواطنين في دولة إسرائيل وسيصبحون مواطنين في دولة فلسطين. حلّ عادل، بل وسخيّ. بصرف النظر عن نقطة صغيرة واحدة: لن يتم استفتاء السكّان العرب. بعد فحص شامل للسوابق استنتج المستشار القضائي أن القانون الدولي لا يتطلّب استفتاءً. يعارض ليبرمان بشدّة مثل هذا الاستفتاء. لماذا؟ لأنّ الأشخاص المعنيّين بالأمر قد أوضحوا تمامًا بأنّهم يعارضون هذا النقل. هذه مجاملة كبيرة لإسرائيل. على الرغم من كلّ التمييز، الشكاوى المبرّرة، يفضّل المواطنون العرب في إسرائيل البقاء كجزء من دولة إسرائيل بدلا من أن يكونوا جزءًا من الدولة الفلسطينية المرتقب قيامها. من المعلوم أنّهم مواطنين من الدرجة الثانية. تذكر الأخبار ذلك بشكل يوميّ تقريبًا. يبدو أنّ السكّان العرب أقلّ تجذّرًا بعمق في الواقع الإسرائيلي، الاقتصادي والسياسي على حدّ سواء. الوجه الثاني للعملة هو أن الدولة تنتج ربحًا كبيرًا من هذه الفئة السكّانية. يعمل العرب في الاقتصاد الإسرائيلي ويقومون بتنميته. إنّهم يمثّلون سوقًا مهمّا للإنتاج الإسرائيلي. يدفعون الضرائب. الادّعاء بأنّهم لا يدفعون الضرائب بشكل صحيح هو أسطورة، لا يمكن العيش في إسرائيل دون دفع الضرائب، المباشرة وغير المباشرة (باستثناء كبار رجال الأعمال). هناك ضريبة القيمة المضافة على جميع المنتَجات في المتجر . من جميع المرتّبات (باستثناء الأدنى منها) يتم خصم ضريبة الدخل. تعلّمت العديد من البلدان في التاريخ من التجربة بأنّ طرد السكان يكون في الغالب كارثة على اقتصاد البلاد التي طردتهم. حين طردت فرنسا الهوغونوتيين البروتستانت، فقدت ثروتها، بينما تعزّزت وقويتْ بروسيا التي استوعبتهم. هذا صحيح أيضًا بالنسبة لإسبانيا والبرتغال، حين طردتا اليهود والمسلمين. تراجع البلدان، بينما ازدهرت الدولة العثمانية التي استوعبتهم بأذرع مفتوحة. السكّان العرب في إسرائيل هم مورد مهمّ للدولة. بدلا من التخلّص منهم، نحن بحاجة إلى عمل كلّ شيء كي يشعروا بأنّهم في المنزل. ومن المتوقّع أن يُسهم العلم الجديد إسهامًا كبيرًا في دفع عجلة هذا الهدف. |