|
||
لأقوم بذلك، تنازلت عن الشرف الكبير في أن أتحدث في الكنيست لديكم، كما فعلوا أسلافي من قبلي. كجميع البرلمانات في العالم تتألف الكنيست من سياسيين. لكن في هذه المرة أريد التحدث إليكم من دون وسطاء. أنا قادم إليكم كصديق مخلص. الصديق الوفي يجب أن يقول لكم الحقيقة كما يراها. الصديق الوفي لا يتملق في وجوهكم. إنه لا يشوه الواقع لتشعروا بالارتياح. أنا على علم بأن السياسيين الأجانب يزورون بلادكم ويشعرون بالحاجة ليقولوا لكم أنكم رائعون، أن زعماءكم ممتازون، وأن إنجازاتكم رائعة. لا أعتقد أن صديقًا وفيًا يجب أن يتصرف على هذا النحو. عندما تكون ثملا، لا يقوم صديق وفي بحثك على القيادة. يطلب منك الصديق الوفي مفاتيح السيارة. عندما تكون ثملا، الصديق الوفي لا يشجعك على القيادة بشكل غير مسؤول. يطلب منك الصديق الوفي أن تهدأ، أن تفكر، أن تفكر في خطاك القادمة. إن هذا هو هدفي اليوم. يمكنني أن أقول لكم بصراحة أنني كنت دائمًا معجبًا بدولة إسرائيل، التي ولدت قبل 13 عاما من ولادتي فقط. لقد صنعتم من العدم دولة تعج بالحياة. بعد سنين قليلة من الكارثة الفظيعة، إحدى أكبر الجرائم في تاريخ البشرية، قام هذا الشعب القديم من الرماد وأسس نفسه كأمة من بين الأمم. لقد أنشأتم ديموقراطية مزدهرة. إنجازاتكم في العلم، الزراعة، التكنولوجيا المتطورة، الفن وفي مجالات أخرى أثارت حسد الكثيرين. قوتكم العسكرية معروفة لدى الجميع. لا يمكن لأحد أن ينكر التشابه العميق بين ماضييّ شعبينا. من مجموعة صغيرة من الطلائعيين، الذين هربوا من الملاحقات الدينية، تطورنا إلى شعوب عظيمة القوة. لقد تغلبنا على عوائق ضخمة. بنينا حضارات جديدة. لقد بنيتم، مثلنا، "مدينة لامعة على الجبل"، كما يقولون لدينا. لقد نال كلانا الحرية والاستقلال خلال حرب ضروس، هددت حقيقة وجودنا. لقد أجبر كلانا منذ ذلك الحين على القتال في حروب أخرى كثيرة. يمكن لكلينا النظر إلى الخلف على ماضينا بافتخار ورضا. لكن كلينا يعلم أن تاريخنا تتخلله أيضا جوانب مظلمة. لقد تصرفنا بوحشية تجاه الشعوب التي عاشت في بلادنا من قبلنا. لدينا الكثير لنعتذر من أجله. لا يجب أن نتجاهل الشر، في الوقت الذي نتمتع فيه بالخير. في الوقت الذي تقف فيه إسرائيل أمام أعداء، مثلنا جميعًا، يمكنها أن تتوقع مستقبلا زاهرًا. غير أن غيوما داكنة تهدد هذه التوقعات. يؤسفني القول إن أحد هذه الغيوم هي ثمرة أعمالكم أنتم. عن هذه الأمور أريد التحدث إليكم. لقد تابعت في السنوات الأربع الأخيرة بقلق كبير الأحداث في بلادكم. وبالفعل، أنا أخشى كثيرا من مستقبلكم. ما من شعب، كبير كان أم صغير، يمكنه أن يزدهر على مر الزمان من دون السلام. الحرب هي لعنة البشرية. إنها تبيد أرواحنا، تقضي على مواردنا، تنشر الموت والدمار. في أيامنا هذه، في الوقت الذي أصبحت فيه وسائل القتال فتاكة أكثر فأكثر، تهدد الحرب كياننا. ومع ذلك، يبدو أن لديكم خوف غريب من السلام. يتم التشهير بنشطاء السلام كخونة وأعداء. كذلك أنا تم وصفي كـ "معادٍ لليهود"، بسبب الجهود التي بذلتها، في بداية فترة خدمتي الأولى، في إحلال السلام بينكم وبين جيرانكم. لقد قيل لي إنه في المعركة الانتخابية التي جرت لديكم مؤخرا، جميع الأحزاب خشيت أن تذكر الكلمة "سلام". يصعب علي تصديق ذلك. فأنتم بحاجة إلى السلام، ربما أكثر من أي شعب آخر! لقد قيل لي أيضا إن معظم الإسرائيليين يتمنون السلام، لكنهم يؤمنون أن "السلام غير ممكن". ولكن لا يوجد وضع كهذا. ليس السلام "غير ممكن" أبدا، ما دام الناس يسعون إليه من كل قلوبهم! التاريخ مليء بالأعداء اللدودين الذين صنعوا السلام بينهم بعد مئات السنين من العداوة. أنظروا إلى السلام الذي أحرزته بلادي مع الشعب الألماني واليابان بعد الحرب الضروس التي سادت بيننا. أنظروا إلى السلام بين فرنسا وألمانيا، الذي نشأ بعد أجيال كثيرة من الحرب. في نهاية الأمر، إسرائيل ذاتها تعيش الآن بسلام مع ألمانيا، بعد وقت قصير جدا من الكارثة. صحيح أن النزاع بينكم وبين الشعب الفلسطيني فريد من نوعه. وأنه معقد أكثر من معظم النزاعات في العالم. لكنني أقول لكم: السلام بينكم ليس مطلوبا فحسب، بل هو ممكن أيضا! يبدأ السلام في اللحظة التي ترى فيها أن عدوك هو إنسان مثلك، عندما تنظر إليه بمنظار المساواة. ينبغي أن يكون ذلك سهلا على اليهود. ألم تقل التوراة، وهي الأساس الأخلاقي لشعبينا، أن كل شخص خُلق على صورة الله ومثاله؟ ألم يقل لكم المعلم الروحي الكبير لديكم، الشيخ هيلل، أن خلاصة الأخلاق هي أن لا تفعل لنظيرك ما هو مكروه لديك؟ لقد قيل لي إنه في الآونة الأخيرة أخذت تزداد لديكم موجة العنصرية، لدرجة أنه كانت لديكم حتى أحكام إعدام، أن الشباب والشابات في بلادكم يعلنون بفخر أنهم عنصريون. يصعب علي أن أصدق ذلك. اليهود؟ عنصريون؟ بعد مئات السنين التي كنتم فيها ضحية العنصرية؟ بالكاد 70 عاما بعد الكارثة؟ أنا إنسان ذو جلد غامق. لحسن الحظ، لم يشعر أجدادي بالشر، الحقائق. ليس مثل ملايين الإفريقيين الآخرين، لم يتم خطف عائلة والدي من قرية مسقط رأسها في غينيا. لكن رعب العبودية مخروط على لوح قلبي. إني لا أزال أرى في مخيّلتي المناظر المرعبة لعمليات "اللينش". إني أذكر أيضا مسيرات الحرية، التي فيها مثل أشخاص سود حازمون ببطولة أمام الرعاع العنصري، مع البنادق والكلاب. لن ننسى أبدا الأشخاص البيض الذين انضموا إلى تلك المسيرات. الكثير منهم كانوا يهودًا. لا يمكنني أن أفهم: كيف يمكن ليهودي في إسرائيل أن يكون عنصريا، وأن يتفاخر بذلك أيضا؟ ماذا تتعلمون في مدارسكم؟ لم آت إليكم لكي أفرض عليكم برنامج سلام. لا ينبغي أن يكون السلام مفروضا. يجب أن ينبع من قلبكم، وبموافقة من عقلكم. لكني أردت أن أشاطركم بعض الأمور التي تبدو لي مفروغ منها. يجب أن يكون السلام مبنيا على ما يسمى "حل الدولتين". دولتين للشعبين، الإسرائيلي والفلسطيني. هذا ليس أفضل الحلول فحسب. إنه الحل الوحيد. كل من يلوح بـ"حلول" أخرى فهو يعيش في عالم الخيال. ببساطة، ليست هنالك حلول أخرى. يجب أن تُقام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. لم يكتف آباؤكم وأمهاتكم بأقل من دولة لهم، وكذلك الفلسطينيون لن يكتفوا بأقل من ذلك. الحرية والاستقلال هما حقوق أساسية لكل شخص على وجه الأرض. ينبغي أن تكونوا أول من يفهم ذلك. يجب أن تضم دولة فلسطين جميع الأراضي الفلسطينية التي احتُلت عام 1967. يجب أن يوافق كلا الطرفان على تبادل الأراضي، ويجب أن يكون هذا التبادل متساويًا. القدس، المدينة القديمة الرائعة هذه التي نلتقي فيها نحن الآن، المدينة التي تملأني بالانفعال، يجب أن تُقسّم بين الشعبين. يجب أن تتحول الأقسام العربية إلى عاصمة فلسطين، الأقسام اليهودية يجب أن تكون عاصمة إسرائيل، وأن تنال في النهاية اعتراف الشعوب. العالم، وخاصة الولايات المتحدة، يجب أن يضمن أمن إسرائيل، وكذلك أمن فلسطين. من الواضح لديّ أن ملايين اللاجئين الفلسطينيين لا يمكنهم العودة إلى إسرائيل. لا يمكن إصلاح الظلم القديم بخلق ظلم جديد للسكان الحاليين. لكن يجب أن نبذل جهدّا دوليًا كبيرًا لكي ندفع للاجئين تعويضات سخيّة. وأن نتيح لعدد رمزي من اللاجئين أن يمارسوا "حق العودة" الخاص بهم. شروط السلام هذه مطروحة على الطاولة منذ وقت طويل. لقد آن الأوان – حقا، لقد آن منذ زمن – لتحويلها إلى اتفاقية سلام أبدية. يجب إشراك الدول العربية الأخرى بهذه الجهود، فخطة السلام الخاصة بالدول العربية مطروحة على الطاولة هي أيضا منذ سنوات. حكومتي ستؤدي واجبها بتوقيع التزام بضمان أمن إسرائيل وفلسطين على حد سواء. كلمة عن المستوطنات. لقد عرّفت الولايات المتحدة المستوطنات دائما على أنها تمس بالقانون الدولي. ذلك صحيح الآن كما كان دائمًا. يجب إعادة الإسرائيليين الذين سيبقون في الأراضي الفلسطينية بعد عملية تبادل الأراضي المتفق عليها إلى إسرائيل. بأكبر قدر من الحساسية. بأكبر قدر من اللياقة. مع دفع تعويضات سخية قدر الإمكان. لكنهم لا يستطيعون البقاء هناك دون موافقة حكومة فلسطين. الكثير منهم استوطنوا في الأراضي المحتلة فقط لكي يحولوا السلام إلى أمر غير ممكن. لا يجب تركهم يحققون هدفهم. أنا أقف هنا الآن، في وقت قريب جدا من أداء وزرائكم الجدد للقسم، وقبل أن تبدأ حكومتكم الجديدة بمزاولة أعمالها كما يجب، لأنني أشعر بإلحاح كبير. الوقت يمر، المستوطنات تتسع، احتمالات السلام تتقلص. لذلك يجب علينا العمل الآن، فورًا. إن استمررتم في الخط الحالي ستجلبون على أنفسكم كارثة لا بد منها. أنتم تشكلون الآن أقلية في المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الأردن، والنسبة ستتغير ليس لصالحكم. بعد قليل سيكون أمامكم الخيار بين تحويل إسرائيل الجميلة إلى دولة تمييز عنصري قذرة، وبين دولة تحكمها أغلبية عربية. على أية حال، ستكون هذه هي نهاية الحلم الصهيوني. لا تقولوا لي – لا تقولوا لأنفسكم – أنكم لا تستطيعون فعل شيء. أنتم أبناء المستقبل. المستقبل هو حياتكم. يجب عليكم أن تؤمنوا لأنفسكم حياة بسلام. نعم، أنتم قادرون!!! |