اوري افنيري 

انتفاضة ثالثة؟ / أوري أفنيري


هل هذه هي الانتفاضة الثالثة؟ تم طرح هذا السؤال في البلاد هذا الأسبوع من قبل رجال أمن كثيرين، وليس من قبلهم فقط، بل كذلك نظراؤهم الفلسطينيون كانوا مرتبكين بنفس القدر تقريبا.

قام شبان فلسطينيون، في مختلف أنحاء الضفة الغربية، بإلقاء الحجارة على الجنود. شارك السجناء الـ 3500 الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية بإضراب عن الطعام لمدة ثلاثة أيام.

كان السبب الفوري هو وفاة شاب فلسطيني أثناء التحقيق معه من قبل الشاباك. لم تكشف عملية التشريح بعد الوفاة سبب موته. لم يكن ذلك نوبة قلبية، كما ادعى الشاباك في البداية (بشكل أوتوماتيكي)، وخدّامه الذين يُدعون "مراسلين عسكريين". إذا كان الأمر كذلك، فهل مات من التعذيب، كما يعتقد جميع الفلسطينيين؟

يوجد في السجون الإسرائيلية أربعة أسرى فلسطينيين يجرون منذ 160 يوما وأكثر إضرابًا عن الطعام (بمساعدة التسريبات الوريدية). هذا الوضع يؤدي إلى فوران وإلى انفعال كبير لدى الفلسطينيين، لأن في كل عائلة فلسطينية تقريبا يوجد - أو كان هناك في الماضي - قريب واحد على الأقل في السجن.

إذن، هل هذه انتفاضة؟

ينبع عدم يقين رجال الأمن من الحقيقة أن الانتفاضتين السابقتين انطلقتا بشكل غير متوقع تمامًا. لقد فاجئتا الزعامة الإسرائيلية والزعامة الفلسطينية على حد سواء.

كانت المفاجئة الإسرائيلية - كيف لي أن أقول ذلك - مفاجئة؟ الضفة الغربية وقطاع غزة كانتا - وما زالتا - مليئتين بعيون الشاباك. عشرات سنوات الاحتلال أتاحت للأجهزة الأمنية تجنيد آلاف كهؤلاء بواسطة الرشوة أو الابتزاز. إذن كيف لم يعرفوا؟

الزعامة الفلسطينية، التي كان مقرها آنذاك في تونس - تفاجأت هي أيضا. أدرك ياسر عرفات بعد عدة أيام فقط ما حدث. وقد مجّد آنذاك "أولاد الحجارة".

كان السبب في ذلك هو أن الانتفاضتين كانتا عفويتين تماما. لم يخطط لهما أحد. لذلك لم يكن بإمكان العيون أن تحذر مشغّليها.

عود الكبريت الذي أشعل الانتفاضة الأولى لبس صورة حادث طرق عفوي. دهس سائق إسرائيلي بجانب غزة عددًا من العمال الفلسطينيين وأرداهم قتلى في شهر كانون الأول 1987. هذا أدى إلى اشتعال غضب الجماهير. هكذا ولدت سلسلة من الأحداث التي حظيت بالتسمية "الانتفاضة". نشبت الانتفاضة الثانية كنتيجة لاستفزاز إسرائيلي، بعد فشل مؤتمر كامب ديفيد في العام 2000.

كان الجيش الإسرائيلي غير مستعد أبدا للانتفاضة الأولى. عاد وزير الأمن إسحق رابين الذي كان يمكث خارج البلاد، بعد عدة أيام فقط وقال يجب "كسر عظامهم"! بعض القادة العسكريين فهموا هذه المقولة بصيغتها الحرفية وأمروا جنودهم أن يكسروا الأذرع والأرجل بواسطة مقابض البنادق.

على الرغم من أن الانتفاضة الثانية كانت غير متوقعة، إلا أن الجيش الإسرائيلي كان مستعدًا لأي سيناريو. لقد تم تدريب الجنود مسبقًا. لم يتم كسر العظام في هذه المرة. لقد انتهج الجيش الإسرائيلي طريقة جيدة: قامت قنّاصة بمرافقة القادة. حين كانت تقترب مظاهرة غير عنيفة، كان الضابط يوجه عناية القناص إلى الشخص الذي يبدو الزعيم ("ذلك الذي يلبس القميص الأحمر") وكان القناص يرديه قتيلا. لم يمر وقت طويل حتى تحوّلت الانتفاضة غير العنيفة إلى انتفاضة عنيفة جدا.

ليست لديّ أي فكرة حول ما يخططه الجيش استعدادًا للانتفاضة الثالثة. ولكن يمكن القول بثقة أنه حتى إذا بدأت هذه الانتفاضة كاحتجاج جماهيري غير عنيف، فهي لن تبقى كهذه أكثر من أيام.

قبل أسبوعين، بثت القناة 10 فيلمًا وثائقيًا حول تعامل أريئيل شارون مع الانتفاضة الثانية.

لقد بدأت حين سمح رئيس الحكومة إيهود باراك لشارون، الذي كان في حينه رئيس المعارضة، إجراء زيارة في الحرم القدسي الشريف، بمرافقة مئات من رجال الشرطة. ولأن شارون كان ملحدًا يلتهم الصدف والخنزير، لم تكن للزيارة أية ذريعة دينية. كان هذا محض استفزاز.

حين اقترب شارون من المواقع الإسلامية المقدسة، وتم استقباله بوابل من الحجارة. قام رجال الشرطة بقتل ملقي الحجارة، لتخرج الانتفاضة الثانية إلى طريقها.

لم تكن لعرفات الذي كان يمكث في تونس البعيدة أي يد في ذلك. ولكن بعد أن بدأت الانتفاضة، قام باحتضانها. أخذت خلايا فتح المحلية زمام المبادرة.

بعد بضعة أسابيع وصل شارون إلى الحكم. لقد فعل كل ما كان يمكنه أن يفعله لتحريك النار. وقد شهد أقرب مساعديه في الفيلم أنه فعل ذلك عن سابق قصد.

كان هدف شارون هو إحداث انتفاضة شاملة، لتوفر له حجة شرعية لإعادة احتلال الضفة الغربية، التي تم نقل أجزاء منها في إطار اتفاقية أوسلو إلى السلطة الفلسطينية. العديد من الأحداث والعمليات الانتحارية وفرت لشارون الشرعية الوطنية والدولية لحملة "الجدار الواقي". اجتاحت قوى الجيش الإسرائيلي كل مدينة من مدن الضفة الغربية وزرعت فيه القتل والدمار. وقد تم بالأساس تدمير مكاتب السلطة الفلسطينية بشكل منهجي، ومن بينها وزارتي الرفاه والتربية والتعليم. بقي عرفات نفسه في المقاطعة مطوّقا ومعزولا. من الناحية العملية تم احتجازه كسجين طيلة سنوات، حتى قُتل.

اعترف المساعدون في الفيلم بشكل علني أن شارون لم يحلم بمبادرة سياسية لإنهاء الانتفاضة - كان هدفه الوحيد هو قمع المقاومة الفلسطينية بقوة خشنة. قُتل في هذه الانتفاضة 4944 فلسطينيًا، مقابل 1011 إسرائيليًا. (في الانتفاضة السابقة "لقوا حتفهم" 1593 فلسطينيًا و 84 إسرائيليًا).

لقد انطفأت نار الانتفاضة الثانية بالتدريج، واستخلص الجمهور الإسرائيلي من ذلك أن الأساليب القاسية التي انتهجها شارون قد حققت نجاحًا هائلا.

هل ستنشب انتفاضة ثالثة؟ إذا حدث ذلك، فمتى سيحدث؟ هل بدأت بالفعل؟ إذا لم تبدأ، هل كانت الأحداث الأخيرة بمثابة بروفا أخيرة؟

لا أحد يعلم، وأقل من يعلمون هم رجال الأجهزة الأمنية. لا توجد معلومات موثوق بها من قبل المخابرات. في هذه المرة أيضا، كل ما يحدث هو عفوي.

ثمة أمر واحد مؤكد: أبو مازن يخاف منها كثيرا. حين انطلقت المظاهرات قبل أسبوعين، انتظر بضعة أيام وعندها فقط، حين كان متأكدًا من أن هذه ليست انتفاضة عامة، أرسل قوات الأمن الخاصة به، والتي تم تدريبها على يد الأمريكيين، للتدخل ووضع حد للشغب.

إضافة إلى ذلك، استنكر المشاغبات علنيًا وادعى أن بنيامين نتنياهو هو السبب فيها عن سابق قصد.

يكمن هذا الشك، من بين أمور أخرى، في الحقيقة أنه في يوم الجمعة، الذي نشبت فيه المشاغبات، منعت شرطة إسرائيل الشباب المسلمين من الوصول إلى الحرم القدسي الشريف، كما تفعل دائما حين يكون هناك شك بحدوث أحداث استثنائية.

طرحت السؤال على مجموعة من الأصدقاء: لنفترض للحظة أن أبا مازن على حق، فماذا يمكن أن تكون نوايا نتنياهو؟

رد أحدهم قائلا: نتنياهو يخاف من أن يطالب الرئيس أوباما، الذي سيزور البلاد لتوّه، بتجديد "العملية السلمية". هكذا يستطيع نتنياهو أن يجيب أن الأمر غير ممكن في كنف الانتفاضة الجديدة.

واقترح آخر: سيقول نتنياهو للرئيس الأمريكي أن أبا مازن قد فقد السيطرة على الميدان، ولذلك لا جدوى من إدارة محادثات معه.

أما الثالث فقد قدم شرحًا آخر: سيقول نتنياهو للجمهور الإسرائيلي أن هناك حالة طوارئ ولذلك يجب تأليف حكومة وحدة وطنية فورًا. كل الأحزاب الصهيونية ملزمة بالانضمام إلى الحكومة.

وما إلى ذلك.

على أية حال، السؤال المقرر هو هل ستنشب انتفاضة عفوية؟

في الحقيقة، ليست لدي أية فكرة. أشك في أن هناك شخص لديه فكرة.

بانعدام وجود أي مبادرة سلام حقيقية وصادقة، يمكن الافتراض أن انتفاضة جديدة سوف تنشب في المستقبل المنظور. كم من الوقت يمكن للاحتلال العنيف أن يستمر من دون مقاومة؟

من جهة أخرى، لا يبدو أن الجمهور الفلسطيني مستعد من الناحية النفسية للنضال. هناك طبقة برجوازية جديدة في الأراضي الفلسطينية، ويمكن لهذه الطبقة أن تخسر كثيرا. لقد نجح رئيس الحكومة، سلام فياض، برعاية الولايات المتحدة في إعادة إحياء الاقتصاد، وهناك فلسطينيون كثيرون قد انتعشوا.

إن جولة جديدة من العنف لا تستقطب هذه الطبقة، ولا الفقراء أيضا الذين يُشغلهم نضالهم للبقاء. بهدف جعل الناس ينتفضون، هناك حاجة إلى حدث استفزازي متطرّف. يمكن لهذا أن يحدث غدًا صباحًا، أو بعد عدة أسابيع أو أشهر أو ألا يحدث أبدًا.

يتهم أبو مازن حماس بأنها هي السبب في الفوران في الضفة الغربية، بينما تشدد حماس ذاتها على الحفاظ على وقف إطلاق النار في قطاع غزة. من الناحية الفعلية، نظاما الحكم معنيان بالحفاظ على الهدوء، كل في المنطقة التي يسيطر عليها، وكل منهما يتهم الآخر بالتعاون.

(قبل قرن ونصف القرن استنكر كارل ماركس جهود خصمه، فرديناند لسل، الذي أقام اتحادات عمالية. ادعى ماركس أنه إذا كان للعمال ما سيخسرونه، فهم لن يُحدثوا الانقلاب. وتُعزى للنين المقولة التالية: "كلما كان الأمر أسواء، كلما كان ذلك أفضل").

كلما أكثروا من التحدث عن الانتفاضة الثالثة، كلما زادت الاحتمالات بأن تنشب بالفعل. وكما اعتاد الألمان على القول: "الثورات التي يتم الإعلان عنها مسبقًا، لا تحدث".

لا تبدو الآن في الأفق أية نهاية للاحتلال، لذلك لا شك في أن الانتفاضة الثالثة سوف تتنشب في يوم من الأيام. إنها ستنشب بشكل مفاجئ تماما، على حين غرّة، حين لا يتحدث أي شخص عنها، وحين يكون الناس، من كلا الطرفين، منشغلين بمواضيع مختلفة.