اوري افنيري 

كينبوع يزيد تدفقا / أوري أفنيري


لم أهتم ببول ريان، الشخص الذي على وشك أن يُعيّن كمرشح الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة لمنصب نائب الرئيس، حتى سطع نجم آين راند وارتفع شأنها.

كانت آين راند، هكذا قال، أحد مصادر الإلهام لفلسفتنا المميزة. ولأن الحديث يجري عن ريان وكأنه ليس سياسيا عاديا، كالمرشح الرئيسي ميط روماني، بل كمفكر سياسي واقتصادي متعمق، فإن هذا الإلهام يسترعي الانتباه.

كمعظم الناس في البلاد، صادفت اسم آين راند للمرة الأولى حين تم نشر كتابها "الينبوع"، قبل أربع سنوات من قيام الدولة (ظهرت الترجمة العبرية في وقت لاحق). وسرعان ما تحول إلى كتاب يتصدر المبيعات. كان الفيلم الذي يرتكز على الكتاب، مع غاري كوبر الذي لعب الدور الرئيسي، أكثر شعبية من الكتاب.

هذه قصة مهندس معماري يدعى هاوارد روارك المتمسك بمبادئه بتشدّد، يرفض المساومة على عمله ومبادئه ويسخر من ذوق الجمهور. حين يقوم المتعهدون، الذين يبنون مساكن معاصرة وفقا لمخططاته، بتغيير التفاصيل، فإنه يفجر المبنى. حين تتم محاكمته، فإنه يدافع عما فعله بخطاب حماسي بحق الفردانية.

(أقول بصراحة: لقد حلمت عدة مرات بأن أفعل الأمر ذاته لبعض المباني في تل أبيب، وبشكل خاص الفنادق التي تم بناؤها على شاطئ البحر).

لقد بدأت أقرأ أيضا الكتاب الثاني الذي تصدر المبيعات لآين راند، "تمرد العمالقة"، الذي فصّلت فيه فلسفتها في أكثر من ألف صفحة. يجب أن أعترف، بخزي، أنني لم أنهه. لقد جعلني أصاب بالملل.

في أحد الأيام عام 1974 اتصل بي صديقي دان بن أموتس هاتفيا وطلب مني أن ألتقي على الفور بنابغة شاب قد اكتشفه، شخص يدعى دكتور موشيه كروي.

لقد أحضر كروي إلى بيته، وقد أثار اهتمامي كثيرا. لقد كان شابا يبلغ من العمر 24 عاما، ذو ثقافة مدهشة، ومنذ ذلك الحين عمل محاضرا في جامعة تل أبيب. كان يركب نظارات سميكة وكان لديه رأي فلسفي مبلور.

وقد اتضح أنه يؤمن بعمق بآراء آين راند، التي سمتها "الموضوعية". لقد أقرّت أن من أسمى واجبات الإنسان هو أن يكون أنانيا. إن أي التزام اجتماعي هو خطيئة بحق الطبيعة. إن الشخص الذي يخدم مصلحته الشخصية فقط، والذي ينقي نفسه من أي وصمة حب للآخرين، قادر على تحقيق ذاته. يمكن للمجتمع أن يتطور حين يكون مؤلفا من مثل هؤلاء الأشخاص فقط، حيث يخدم كل منهم نفسه فقط.

قد يغري مثل هذا الرأي أشخاصا معيّنين. إنه يزودهم بتبرير فلسفي للتصرف الأناني، من خلال التجاهل التام للآخرين.

كروي، وبن آموتس بطبيعة الحال، كانوا أتباعا متشددين لهذا المعتقد الجديد. (مفهوم أن هذا التعريف يناقض نفسه، لأن آين راند كانت غير متدينة على الإطلاق واستنكرت كافة الديانات، ومن ضمنها دين والديها اليهودي). حين كنت اكتشف دان في عمل قد يتم تفسيره كخدمة للآخرين، كان يفعل كل ما في وسعه ليشرح لي أنه سيستفيد منه على المدى البعيد.

كان كروي، على ما يبدو، شخصا مضطربا جدا من الناحية العقلية. لقد انتحر في سن 41. ربما كانت آين راند هي سبب اضطرابه العقلي، وربما كان قد انجذب إلى مذهبها لأنه كان مضطربا عقليا منذ البداية.

وُلدت آين راند عام 1905 باسم إليسا زينوفيافنيه روزنباوم في سنت-بتربورغ، التي تحوّلت إلى بتروغراد، والتي تحوّلت إلى نينغراد. حين كانت في سن 12 سنة بدأ الانقلاب البلشفيكي في هذه المدينة. صادر الحكم الجديد صيدلية والديها، وهربت العائلة البرجوازية إلى شبه جزيرة كريم، التي كانت في حينها بين أيدي الروس البيض، أعداء الشيوعيين. عادت العائلة بعد ذلك إلى مدينة مسقط رأسها. تم قبول إليسا في الجامعة هناك وقد درست الفلسفة، حتى أنها نشرت كتابا باللغة الروسية. نجحت عام 1926 في الهرب إلى الولايات المتحدة. اضطرت إلى ترك أهلها خلفها.

تبنت لنفسها اسم آين (نفس قافية "عين" بالعبرية، ووفق إحدى الروايات فهذا هو أيضا مصدر هذا الاسم الغريب. حسب رواية أخرى، هذا اسم كاتب فنلندي كانت معجبة به). اسم العائلة الجديد، "راند"، مشتق من الاسم اليهودي الألماني روزنباوم.

يشرح هذا التاريخ التمهيدي، على ما يبدو، كرهها المتحمس للشيوعية ولأي شكل من الاشتراكية، كذلك الديموقراطية الاجتماعية. لقد كرهت أيضا أي شكل من أشكال الدين والرسمية. من وجهة نظرها فإن الدولة هي عدوة الفرد الحر. لقد أدى بها ذلك، بطبيعة الحال، إلى احتضان الرأسمالية الأكثر تطرفا، تلك التي أسماها شمعون بيرس "الرأس مالية الخنزيرية"، ورفض أي شكل من أشكال دولة الرفاه وشبكة الأمن الاجتماعي.

كان كل ذلك منسوجا بشكل جيد في فلسفتها، التي قبلها مؤمنون كثيرون في أرجاء العالم. لقد أطلقت على نفسها ذات مرة "المفكر الأكثر إبداعا الذي يعيش اليوم في العالم". ادعت في مرة أخرى أنه كان هناك ثلاثة مفكرين كبار فقط في تاريخ الفلسفة قاطبة، وتبدأ أسماؤهم كلها بالحرف أ: أرسطو، أكوينس وآين راند. (توماس أكوينس، مفكر من القرن الثالث عشر، أثّر كثيرا على الكنيسة الكاثوليكية).

يبدو أن آين راند كانت عنصرية أيضا. قالت في حرب تشرين أن هذا "نضال أشخاص حضاريين ضد همجيين"، وقارنتنا بالبيض الذين حاربوا الهنود.

ليس الأمر غريبا أنها قد تحوّلت اليوم إلى شخصية مثالية بنظر حركة "حفل الشاي"، التي يسيطر على الحزب الجمهوري. ولا عجب في أن يعتمد عليها بول راين كمصدر إلهامه الأكثر أهمية. ماتت آين راند عام 1982 عن عمر يناهز 77 عاما.

ثمة شيء في مذهب هذه الروسية البيضاء اليهودية، التي تدعو إلى حب الذات المفرط، الذي يرتبط بالخرافة الأمريكية البدائية – الشخص الفرد الذي يعتمد على نفسه، حامل المسدسات في الغرب المتوحش، الشخص الذي يشك بكل حكومة، ذاك الذي تمرد على استبداد الملك جورج الثالث. ولكننا لا نعيش في القرن الثامن عشر!

لم أتعلم الفلسفة يوما، على الرغم من أنني قرأت خلال مسيرتي عشرات من الكتب حول هذا الموضوع. ولكن نظرية آين راند بدت لي دائما كـ... نعم، كملائمة لأبناء الثامنة عشرة.

لدي صورة في عقلي. روى الكاتب بينحاس ساديه رحمه الله أنه كان قد تسلق في صغره سلما في مكتبة الكيبوتس الذي يسكن فيه وحمل كتاب لنيتشيه. لقد بقي عالقًا هناك، في رأس السلم، لبضع ساعات، لأنه لم يكن قادرا على التوقف عن القراءة. أعتقد أن الكتاب كان "هكذا قال زرتوسطرا"، كتاب خطر حين يقع بين أيدي أشخاص صغار جدا. تأثرت آين راند به أيضا في شبابها.

يستنكر نيتشيه "مذهب الشفقة اليهودية"، الذي أصاب شعوب أوروبا بالعدوة وألحق الضرر "بالوحشة الشقراء" التي كان معجب بها. لقد ادعى أن مذهب الرحمة اليهودية، الذي انتقل إلى أوروبا بواسطة المسيحية، هو خطيئة، لأنه يدعم الضعيف ويمس بالقوي، الذي من المفترض أن يتحوّل إلى "إنسان سامٍ". وأي شاب لا يرى نفسه وكأنه الإنسان السامي التالي؟

حين حاول دان بن أموتس إقناعي بـ "الأنانية المنطقية" لآين راند، أجبته بادعاء بسيط: حين أُصبت في حرب 1948 واستلقيت على أرض المعركة، مكشوفا تماما أمام نيران العدو، أتى أربعة جنود من صفي وأنقذوا حياتي، مخاطرين بحياتهم. من ناحية حب الذات كان ذلك بالتأكيد عملا غبيا جدا. فقد خاطروا بأغلى ما لديهم – حياتهم – لإنقاذ شخص آخر. وفق مذهب راند، هذا عمل لا يُغتفر. لم يكن بإمكانهم أن يربحوا من ذلك. لقد كانوا قادرين فقط على خسارة كل شيء.

رأيت خلال حياتي أعمالا محبة للغير بكمية لا تعد ولا تحصى، الكبيرة منها والصغيرة. ما هو الحب الحقيقي؟ إذا لم يكن شكلا نقيا من محبة الغير؟

كل شخص يحب نفسه، بالتأكيد، إلى حد معيّن. ولكن كل شخص يحب غيره أيضا إلى حد معيّن. بنو البشر هم حيوانات اجتماعية، الغريزة الاجتماعية مغروسة بعمق في طبيعتهم. من دونها كان سيتفكك المجتمع البشري.

لقد تم اصطيادي أنا أيضا خلال شبابي في شبكة نيتشيه. ولكن "مذهب الرحمة اليهودية" قد انتصر. لذلك فإنني، كمعظم الإسرائيليين، غير قادر على فهم المفاهيم الاجتماعية الأمريكية، كما يتم طرحها مجددا في الحملة الانتخابية الحالية.

من جهتنا، من البديهي أن واجب الدولة هو مساعدة المرضى، المسنين، المعاقين، والذين يتم الإجحاف بهم. نحن نقول: "بنو إسرائيل كفلاء أحدهم تجاه الآخر". قبل وقت طويل من قيام دولة إسرائيل، كان لدينا جهاز قوي من التأمين الصحي وخدمات الرفاه. التأمين الاجتماعي، الذي تم العمل به في ألمانيا من قبل السياسي اليميني أوطو فون-بسمارك في زمن نيتشيه، مفهوم ضمنا حسب رأيه.

بنيامين نتنياهو هو جمهوري من طراز الولايات المتحدة، داعم قوي لميط روماني. لقد ألحق ضررًا هائلا بالشبكة الاجتماعية في إسرائيل، كوزير للمالية وكرئيس للحكومة أيضا. ولكنه هو أيضا لن يجرؤ على تقديم نفسه كتلميذ آين راند. على الرغم من ذلك، يوجد لديه أمر واحد مشترك مع بول راين: كلاهما مدفوعان من قبل شلدون إدلسون.

لا يمكنني التفكير بشخص يناسب رؤيا آين راند أكثر من هذا المليلاردير، ملك الكازينوهات. من المؤكد أنها كانت معجبة به. إنه الأناني الكامل. لقد تحوّل إلى غني فاحش عن طريق استغلال إدمان أشخاص ضعيفي الشخصية على المقامرة. ثمة شكوك بالنسبة لعمله التجاري. ولكن حتى هنا ثمة شك ما: هل يبذر إدلسون مئات الملايين على أشخاص كروماني، راين ونتنياهو بهدف تطوير أعماله فقط؟ أو أنه هو أيضا يملك قدر من محبة الغير، طموح لتحقيق رؤياه القومية الاجتماعية، مهما كانت مشبوهة؟

كانت آين راند ملحدة تامة ورفضت بشدة كل ما هو ليس عقلاني بحت. حركة حفل الشاي هي بالمقابل، دينية جدا (بغض النظر عن أي دين). لذلك اضطر راين الآن إلى التحفظ من المرأة التي أعطته الإلهام – إضافة إلى أنها كانت محاربة قاسية من أجل حق الإجهاض.

في الحقيقة، لا أومن لا بقدرة بول راين الذهنية، ولا باستقامته. يبدو لي أنه مزيّف بعض الشيء. لست متأكدا أيضا من أن آين راند كانت ستستلطفه. من جهة أخرى، لو كان يلعب دوره غاري كوبر، ربما كان سيبدو أكثر إقناعا.