اوري افنيري 

الإخوة المسلمون لدينا


يعرف الجميع لماذا نحن عالقون في هذه البلاد.

حين أمر الله موسى بإقناع فرعون أن يدع شعبه يخرج من مصر، أجاب موسى بأنه غير قادر على القيام بهذه المهمة لأنه "متلعثم وثقيل اللسان". لقد نسي أن يقول له أنه ثقيل السمع أيضا. لذلك، حين أمره الله أن يقود شعبه إلى كندا، أخذ الشعب إلى أرض كنعان. لقد هدر السنوات الأربعين التي تم تخصيصها له، ذهابًا وإيابًا في صحراء سيناء، وقد كانت كافية بالضبط للوصول إلى فانكوفر.

لهذا السبب نحن موجودون في أرض كنعان، محاطون بالمسلمين.

لقد حذرنا، أصدقائي وأنا، لعشرات السنين، أننا إذا لم نتعجّل في صنع السلام، سيتغيّر جوهر النزاع. كتبت عشرات المرات أنه إذا تحوّل نزاعنا من نضال قومي إلى نضال ديني، سيتغيّر كل شيء إلى الأسوأ.

بدأ النزاع الصهيوني-العربي كصدام بين حركتين قوميتين كبيرتين نشأتا في نفس الفترة تقريبا، حين غمرت موجة القومية العصرية أرجاء أوروبا.

كان جميع آباء الصهيونية تقريبا من الملحدين. لقد جاءهم وحيهم من الحركات القومية الأوروبية التي كانت جميعها علمانية. لقد استخدموا، استخدامًا ساخرًا بما فيه الكفاية، الرموز الدينية كوسيلة لتجنيد الحشود اليهودية من جهة، وكوسيلة دعاية ضد غير اليهود من الجهة الأخرى.

لقد كانت كذلك المقاومة العربية للاستيطان الصهيوني علمانية وقومية عند تأسيسها. لقد كانت جزءا من الموجة القومية المزدهرة في العالم العربي. صحيح، كان قائد المقاومة الفلسطينية، الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس ولكنه كان قائدا قوميا وقائدا دينيا في الوقت ذاته. لقد استخدم العناصر الدينية لتعزيز العناصر القومية.

من المقبول الاعتقاد بأن القادة القوميين يكونون عقلانيين. إنهم يصنعون الحرب ويصنعون السلام. حين يناسبهم ذلك، فهم يتنازلون. يتحدث الواحد مع الآخر.

تختلف النزاعات الدينية من حيث جوهرها. حين يتم إدخال الله في الأمر، يصبح كل شيء أكثر تطرفا. قد يكون الله رحيما محبا، ولكن أتباعه بعيدون عن ذلك كل البعد. لا يمكن لله والتنازل أن يتماشيا معا. وخاصة في أرض كنعان.

لقد بدأت "ديننة" النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني لدى الطرفين.

كتبت المؤرخة كيرين أرمسترونغ، وكانت راهبة سابقا، قبل سنوات، كتابا رائعا بعنوان "المعركة في سبيل الله"، حول التعصب الديني أيا كان. لقد أشارت إلى حقيقة مفاجئة: الحركات المتعصّبة المسيحية، اليهودية والإسلامية تشبه بعضها البعض إلى حد كبير.

حين قامت ببحث هذه الحركات في الولايات المتحدة، إسرائيل، مصر وإيران، اكتشفت أن جميعها ولدت في نفس الوقت ومرت بنفس المراحل. بما أنه لا توجد أوجه شبه كبيرة بين الدول الأربع، ولا بين الأديان الثلاثة، فإن هذه الحقيقة بحاجة إلى التفكير بها.

الاستنتاج الذي لا بد منه هو أنه ثمة شيء في "روح الوقت" في أيامنا هذه، يشجع أفكارًا كهذه، شيء غير مرسّخ في الأيام السابقة التي يشتاق إليها، للوهلة الأولى، المتعصبون دينيا، بل هو مرتبط بالحاضر بالذات.

بدأ ذلك في إسرائيل غداة حرب الأيام الستة، حين نفخ الحاخام العسكري الرئيسي، شلومو غورن، في البوق، إلى جانب حائط المبكى "المحرر". لقد أسماه يشعياهو ليفوفيتش "المهرج حامل البوق"، ولكن غورن أثار صدًى كبيرا في أرجاء البلاد.

لقد كانت الصهيونية الدينية قبل حرب حزيران ربيبة الحركة الصهيونية. لقد كان الدين، من وجهة العديدين منا، خرافة مقبولة، أثارت الشفقة واستغلها السياسيون لتحقيق أهدافهم.

بدا نجاح الجيش الإسرائيلي الكبير في تلك الحرب كأعجوبة من السماء، واستيقظ الشباب الديني. كان الشعور وكأن النبوءة في سفر المزامير تتحقق: "أصبح الحجر الذي رفضه البناؤون حجر الزاوية". انطلقت كافة الطاقات إلى الخارج، التي كانت قد تكدّست في القطاع الديني، والتي تمت تنشئتها طيلة عشرات السنوات في مدارس منفردة.

كانت النتيجة هي الحركة الاستيطانية. لقد سارعوا للسيطرة على قمة كل تلة في الأراضي المحتلة. صحيح، لقد بنى العديد من المستوطنين فيلات أحلامهم على أرض عربية مسلوبة للتوصّل إلى "جودة حياة" قصوى. ولكن في قلب المشروع الاستيطاني، يقف متعصبون دينيون متطرفون، مستعدون للعيش بظروف حياة قاسية وخطرة لأن تلك هي وصية الله.

إن الهدف من وجود المستوطنين هو طرد العرب من البلاد وتحويل أرض إسرائيل كلها إلى دولة يهودية. يرسل المستوطنون في هذه الأثناء كتائب الهجوم الخاصة بهم لتنفيذ المجازر ضد "الجيران" وحرق مساجدهم.

لهؤلاء المتعصبين دينيا تأثير هائل على الحكومة. قصة غفعات هاؤولبانا هي مجرد نموذج. لقد وعد نتانياهو بأن يبني في الضفة الغربية 850 منزلا جديدا (!) مقابل خمسة (!) يتم تدميرها أو لا يتم تدميرها. يحدث ذلك كل الوقت.

ولكي لا نقع في الخطأ: بعد تطهير البلاد من غير اليهود، ستكون الخطوة التالية هي تحويل إسرائيل إلى دولة الشريعة اليهودية، وذلك من خلال إلغاء كافة القوانين التي تم سنها سنًا ديمقراطيًا والتي لا تناسب، حسب رأيهم، وصايا الله وحاخاميه.

إذا حوّلنا مصطلح "الشريعة اليهودية" إلى "الشريعة الإسلامية" فسنصل إلى حلم المسلمين المتعصبين دينيا. على فكرة، ثمة شبه مدهش بين الشريعتين. يتم تطبيق الشريعتين في كافة مجالات الحياة، الشخصية والعامة.

منذ بداية الربيع العربي، طوّرت الديمقراطية العربية الجديدة التعصّب الإسلامي. في الواقع، بدأ ذلك في وقت سابق، حين فازت حركة حماس، الابنة الفلسطينية للإخوان المسلمين، في الانتخابات الديمقراطية في فلسطين، انتخابات تم إجراؤها تحت مراقبة دولية مشددة. تم القضاء على الحكومة الفلسطينية التي قامت كنتيجة لذلك من قبل حكومة إسرائيل والحكومات التابعة لها في الولايات المتحدة وأوروبا.

يشكّل النجاح الذي أحرزه (على ما يبدو) الإخوان المسلمون في الانتخابات الرئاسية في مصر معلمًا من معالم الطريق. بعد النجاح المشابه في تونس والأحداث في ليبيا، اليمن وسوريا، من الواضح أن المواطنين العرب، في كل مكان، يميلون إلى الإخوان المسلمين وإلى الأحزاب المشابهة.

منظمة الإخوان المسلمين في مصر، التي تم تأسيسها عام 1928، هي حزب قديم يحظى باحترام كبير بسبب تمسكه بهدفه حيال الملاحقات المتكررة، التعذيبات، الاعتقالات الضخمة وحالات الإعدام. لم يتم وصم قادتها بالفساد الذي يسود مصر، وهم يحظون بالإعجاب بفضل مشاريعهم الاجتماعية.

لا يزال الغرب عالقًا في شرك مصطلحات العصور الوسطى حول الإسلام الغول. يثير اسم "الإخوان المسلمون" الرعب. يتم التعامل معهم على أنهم طائفة قاتلة وسرية، هدفها تدمير إسرائيل والقضاء على الغرب. من المفهوم ضمنا أنه لم يبذل أي شخص جهدا في تعلّم تاريخ المنظمة في مصر وفي سائر الدول العربية.

الحقيقة هي أن صورتهم بعيدة عن الحقيقة كبعد الشرق عن الغرب.

لطالما كان الإخوان المسلمون حزبا معتدلا، على الرغم من أنه كان في الحزب جناح أكثر تطرفا. لقد حاولوا، قدر الإمكان، التأقلم مع الحكام المصريين – عبد الناصر، السادات ومبارك – على الرغم من أن الثلاثة، أحدهم تلو الآخر، حاولوا القضاء عليهم.

منظمة الإخوان المسلمين بالأساس هي حزب مصري وعربي، حزب يرتبط ارتباطا وطيدا بالتاريخ المصري. على الرغم من أنهم كانوا سينكرون ذلك بالتأكيد، إلا أنني أومن، استنادًا إلى تاريخهم، بأنهم عرب ومصريون أكثر من كونهم متعصّبون دينيا. لم يكونوا متطرّفين ذات يومٍ.

شهد الإخوان المسلمون، خلال 84 سنة من وجودهم، نجاحات وإخفاقات عديدة. ولكنهم امتازوا معظم الوقت، أكثر من أي شيء آخر، بالبرغماتية، إلى جانب الوفاء لقواعد الدين. تشير هذه البرغماتية كذلك إلى تصرفهم في السنة والنصف الأخيرة. لقد جعلت العديد من المنتخبين، على ما يبدو، غير المتدينين بشكل خاص، يفضّلون مرشح الحركة على المرشح العلماني، المرتبط بالحكم السابق، الفاسد والقامع.

يحدد ذلك أيضا تعامل الإخوان المسلمين مع إسرائيل. نعم، فلسطين موجودة طوال الوقت في وعيّهم، ولكن هذا صحيح أيضا بالنسبة لبقية الأحزاب في مصر. ضميرهم مضطرب من الشعور بأن أنور السادات قد خان الفلسطينيين في كامب ديفيد. بل وأسوأ من ذلك، أن اليهودي المحتال، مناحم بيغين، قد ضحك على السادات وأغراه للتوقيع على مستند لم يأت فيه ما ظن السادات أنه قد جاء فيه. ليسوا الإخوان المسلمون هم من جعل المصريين – أولئك المصريين الذين استقبلونا بانفعال فياض، نحن الإسرائيليون الذين كنا أول من وصل إلى مصر – ينقلبون منذ ذلك الحين ضد إسرائيل.

خلال المعارك الانتخابية الساخنة الأربع، التي أجريت في السنة الأخيرة في مصر، لم يطالب الإخوان المسلمون بإلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل. لقد ظلت نظرتهم برغماتية كما كانت دائما.

يختار جيراننا، الواحد تلو الآخر، بعملية بطيئة ولكن مؤكدة، الأحزاب الإسلامية.

هذه ليست نهاية العالم. ولكن يجب أن يقنعنا هذا الوضع للمرة الأولى بأن نحاول فهم الإسلام والمسلمين.

طيلة مئات السنوات كانت ثمة علاقة قريبة وإثراء متبادل بين الإسلام واليهودية. كان حكماؤنا في إسبانيا الإسلامية، الرمبام الكبير والعديد من اليهود المهمين الآخرين، قريبين من الحضارة الإسلامية، وكتبوا العديد من أعمالهم باللغة العربية. لا شيء في الديانتين يمنع التعاون بينهما. (على عكس المسيحية، التي لم تحتمل اليهود يوما).

إذا أردنا أن تواصل إسرائيل وجودها وازدهارها في منطقة ستحكمها عما قريب أحزاب إسلامية، يتم انتخابها بانتخابات ديموقراطية، يجدر بنا قبولهم الآن كإخوة. يجب أن نهنئهم على انتصاراتهم. علينا أن نعمل على إحراز السلام والتسوية مع الأطراف الإسلامية المنتخبة في مصر وفي الأماكن الأخرى، ومن بينها فلسطين. من المفهوم ضمنًا أنه يجب علينا رفض الإغراء بالضغط على الولايات المتحدة لدعم ديكتاتورية عسكرية أخرى في مصر، سوريا، وسائر الدول.

يجب أن نختار المستقبل، لا الماضي.

إلا إذا كنا نفضل حزم أمتعتنا، والانتقال في نهاية الأمر إلى كندا.