اوري افنيري 

الحيوان الضاحك / أوري أفينري


لو تصرفت حسب ما يمليه علي قلبي، لكنت سأدعو الحكومة إلى إرسال الجيش الإسرائيلي إلى داخل سوريا، ليطرد عصابة الأسد من دمشق، يسلم الأرض إلى جيش سوريا الحرة أو إلى الأمم المتحدة ويعود أدراجه.

هذا ليس صعبا جدا. دمشق بعيدة عشرات الكيلومترات فقط عن موقع الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان.

الجيش السوري منشغل في محاربة أبناء شعبه. إذا استدار لمحاربتنا، سيدخل المتمردون إلى دمشق وسينفذون المهمة بأنفسهم.

بشكل أو بآخر، سيختفي الوحش.

هذا رائع، أليس كذلك؟

نعم، هذا رائع. ولكن للأسف الشديد، هذه فكرة مهلوسة.

أولا، لأن الشعب السوري، بمن فيهم المتمردون، يكرهنا حتى أكثر من كرههم لبشّار.

إذا غزى الإسرائيليون الأراضي السورية، فسيتوقف السوريون عن التمرد وسيتوحدون ملتفين حول جيشهم.

من وجهة نظر العالم العربي بأسره، إسرائيل هي ابنة الشيطان. ستضطر بلاد عربية مثل السعودية، التي تدعم جيش سوريا الحرة، أيضا إلى إعادة التفكير بالأمر. مهما كان الدعم الإسرائيلي لأي حركة عربية متقدما ووطنيا، فإنه بمثابة قبلة الموت.

لذلك، فحتى تقديم الدعم الشفوي سيكون فتاكا. ثمة أشخاص طيبون كانوا سيرغبون بأن تدعو حكومتنا الرئيس براك أوباما و/أو الأمم المتحدة إلى التدخل في سوريا. هذه ليست فكرة جيدة. كان هذا الأمر سيساعد بشار في إثبات أن المتمردين هم وكلاء صهيونيون يخدمون الولايات المتحدة.

فماذا يمكننا إذا أن نفعل لنساعد الشعب المجاور الذي يعاني؟

لا شيء. لا شيء أبدا.

لا تدخل عسكري. لا جهد دبلوماسي. ولا حتى إيماءة تضامن.

عوضا عن ذلك، أنا أقترح أن نفكر في الأسباب التي أدت إلى وجودنا في هذا الوضع.

كانت هناك أوقات لم يحب فيها الناس في العالم العربي إسرائيل، ولكنهم كانوا يصدّقون، على الرغم من ذلك، كل ما كانت تقوله إسرائيل. حتى إعلانات الجيش الإسرائيلي، مهما كانت مكروهة، كانت ستثير الثقة. لقد ولّت هذه الأيام منذ زمن بعيد.

لو أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيدخل إلى سوريا لمساعدة شعبها في التخلص من الدكتاتور، وبعد ذلك فورا سينسحب من هناك، كان من شأن هذا أن يدعو إلى الضحك. إسرائيل؟ انسحاب؟ لقد دخلت إسرائيل إلى لبنان عام 1982 "لتحرير مساحة تبلغ 40 كيلومترا من الحدود من بين أيدي المخربين الفلسطينيين"، وخرجت بعد 18 سنة، وكان هذا أيضا بعد أن خسرت في حرب عصابات صعبة. احتلّت إسرائيل هضبة الجولان السورية عام 1967، وهي لا تحلم بالانسحاب منها ذات مرة.

لو فعلت إسرائيل شيئا بشأن الوضع في سوريا، أي شيء بغض النظر عمّا يكون، كان العالم بأسره سيتساءل: ماذا يدبّر هؤلاء الإسرائيليون الآن؟

من وجهة نظر العالم، فإنه من المضحك التفكير بأن دولة لديها وزير خارجية كأفيغدور ليبرمان، وزير أمن كإهود براك، ناهيك عن رئيس حكومة كبنيامين نتنياهو، ستفعل شيئا إيجابيا، من دون نوايا خبيثة.

إذن دعونا ننسى الفكرة.

ولكن كيف يمكنني أن أجلس مكتوف اليدين في الوقت الذي تحدث فيه أمور كهذه على مسافة تبعد عن بيتي نحو 300 كيلومتر؟ أقل من المسافة بين تل أبيب وإيلات.

هذا السؤال ليس موجها لشخص في إسرائيل. إنه سؤال موجه لكل شخص على وجه الكرة الأرضية.

سواء كان إسرائيليًا أو نرويجيًا، برازيليًا أو باكستانيًا، جميعنا، نحن مواطنو العالم، نجلس أمام شاشة التلفزيون، ننظر بخوف إلى الصور الواردة من حمص، ونسأل أنفسنا بيأس: ألا حول لنا ولا قوة؟ ألا حول ولا قوة للعالم بأسره؟

لقد اتهمنا العالم قبل 70 سنة بأنه لم يحرك ساكنا حين تم قتل ملايين اليهود، الغجريين وآخرين، على يد الآينزتس غروفن وحجرات الغاز النازية. ولكن هذه كانت حقا حربا رهيبة، حين وقفت الجيوش الغربية والاتحاد السوفييتي أمام آية الحرب الألمانية العظيمة، التي كان يترأسها أحد أكبر الدكتاتورات في العالم.

يقف العالم اليوم أمام دكتاتور صغير في بلاد صغيرة، يفتك بشعبه، وها هو العالم لا حول ولا قوة له من جديد؟

هذا يتعدى السورية بكثير.

إن عدم وجود الحيلة لدى المجتمع الدولي، الذي يُدعى أيضا بـ "عائلة الشعوب"، أمام وضع من هذا النوع يكاد يصل إلى السماء.

الحقيقة البسيطة هي أن الحلبة السياسية الدولية، في مستهل الألفية الثالثة وفي عصر العولمة الاقتصادية والإعلام الدولي الفوري، متخلفة بمئات السنين.

بعد الحرب العالمية الأولى الفظيعة، تم تأسيس "عصبة الأمم". ولكن غطرسة المنتصرين وانتقامهم تجاه المهزومين جعلتهم يقيمون بُنية غير سليمة، وقد انهارت في أول اختبار جدي لها.

بعد الحرب العالمية الثانية، والتي كانت أكثر فظاعة، كان المنتصرون أكثر واقعية. ولكن البُنية التي أقاموها، "منظمة الأمم المتحدة"، غير سليمة هي أيضا، من نواح أخرى. تُسلط الأزمة السورية ضوءا ساطعا على هذه العيوب.

العيب الأكبر هو حق الفيتو. إنه يحكم على المنظمة بالعجز التام تقريبا.

لا فائدة من اتهام روسيا والصين بإدارة سياسة تهكمية. إنها لا تختلف عن الدول العظمى الأخرى. استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو مرات أكثر بكثير، للتغطية على إسرائيل بالأساس. تخدم روسيا والصين أيضا مصالحهما قصيرة الأمد، كما تفهمها هي، وتبًا للضحايا.

إنه أمر قبيح، مقرف، ولكنه مقبول. التاريخ مليء بالأمثلة. يكفي ذكر اتفاقية ميونخ، واتفاقية هتلر-ستالين.

ولكن هل خدم حق الفيتو الروسي مصلحة روسية حقيقية ضد قرار لا أنياب كان قد اتخذه مجلس الأمن؟ أنا أعتقد أن بيع موسكو السلاح لدمشق هو أمر ثانوي. كذلك الأمر بالنسبة لقاعدة السلاح البحري الروسي في طرطوس. أنا أتصور أن رد فعل مشروط يحدث هنا: إذا كانت الولايات المتحدة تدعم شيئا، فلا بد أن يكون سيئا. ففي نهاية الأمر، كان إيفان باتروفيتش بابلوب روسيًا.

يبدو إن الخوف الروسي والصيني من سابقة أخرى من التدخل العالمي بالأمور الداخلية، مثل مجزرة، دكتاتورية وميني- كارثة أكثر أهمية.

ولكن لا يمكن أن تكون المرابطة خلف جدار من التهكمية جيدا للروس على المدى البعيد. إن مقولة توماس جفرسون بأنه يجب على كل شعب التعامل "باحترام مقبول مع الرأي البشري" هي مقولة عصرية أكثر من السؤال الذي طرحه ستالين: "ما هو عدد كتائب بابا روما؟"

بالمناسبة، من المستحسن لنا أيضا أن نقوم بحفظ قاعدة جفرسون عن ظهر قلب.

يعلّمنا بشّار الأسد أنه ثمة حاجة إلى إنعاش عام لمعاهدة هيئة الأمم المتحدة. يجب أن يبدأ ذلك بحق الفيتو.

إن توزيعة القوى في مجلس الأمن قديمة إلى حد التفاهة. لماذا الصين وليس الهند؟ لماذا فرنسا وليس ألمانيا؟

ولكن هذا أمر ثانوي. الأمر المهم هو أنه من غير الممكن تحمل وضع تستطيع فيه دولة واحدة، وحتى اثنتين، إحباط رغبة البشرية. أصبحت الأمم المتحدة التافهة الآن بمثابة "فيتوستان".

إذا لم يكن من الممكن القضاء على حق الفيتو تماما، كما يجب، فيجب إيجاد طريقة تقيّده تقييدا معقولا. مثلا، إدخال بند إلى المعاهدة يقرّ بأن قرار الجمعية العامة بأغلبية 75% أو قرار مجلس الأمن الذي تم اتخاذه بالإجماع من قبل جميع أعضائها غير الدائمين، يتغلب على حق الفيتو.

في مثل هذه الحال، يجب أن يكون للسكرتير العام للأمم المتحدة - سكرتير من نوع جديد - تفويضا بأمر جيوش الدول الأعضاء بوضع حد للجرائم ضد البشرية في كل مكان، حيث لا تكون ثمة حاجة إلى تدخل منظمات مثل حلف شمال الأطلسي.

ليست هناك حاجة إلى قوات كثيرة لبسط النظام في سوريا. تكفي قوات مصرية وتركية، بمشاركة جيش سوريا الحرة.

حين توفي الابن البكر لحافظ الأسد في حادث، انتقلت التركة إلى ابنه بشار.

لقد تم استقبال طبيب العيون صاحب المظهر الساذج بتنفس الصعداء. إنه يبدو كمن سيُدخل روحا جديدة إلى سوريا أخيرا، روحا عصرية وربما حتى ديموقراطية. إنه يثبت الآن أنه ثمة وحش يختبئ في كل إنسان.

"الأسد" هو اسم ملك الغاب. ولكن بشار ليس أسدا، وهو على الأغلب ضبع، حيوان من فصيلة المفترسات وهو يُدعى بلغة الإيديش "الحيوان الضاحك". إنه يضحك ويذبح.

يجب التخلص منه.