|
||
أجاب بن غوريون: "يا رب العالمين، إني أطلب أن يكون كل شخص في إسرائيل ذكيا، مستقيما وعضوا في حزب عمال أرض إسرائيل (مباي)". "هذا يفوق إمكانيات الله"، قال الله، "ولكني سأحقق لكل إسرائيلي أمنيتين من بين أمنياتك الثلاث". منذ ذلك الحين، إذا كان الشخص ذكيا وعضوا في حزب مباي، فهو ليس مستقيما. إذا كان مستقيما وعضوا في حزب مباي، فهو ليس ذكيا. وإذا كان شخصا ذكيا ومستقيما فهو ليس عضوا في مباي. هذه النكتة كانت شائعة في الخمسينيات. بعد عام 1967 تم استبدالها بصيغة أقل تسلية. طلب العديد من الإسرائيليين من الله عز وجل أن تكون دولتهم يهودية وديموقراطية، وتمتد على البلاد كلها، من البحر إلى النهر. هذا كثير جدا حتى بالنسبة لله. لذلك قرر أنه على كل إسرائيلي أن يختار أمرين من بين الثلاثة: دولة يهودية وديموقراطية ولكن في جزء من الأرض فقط، دولة تمتد على الأرض كلها وتكون يهودية ولا تكون ديموقراطية، أو دولة تمتد على الأرض كلها وتكون ديموقراطية ولا تكون يهودية. أما أنا فكنت لأضيف لذلك إمكانية رابعة: دولة يهودية وديموقراطية في كل البلاد، ولكن بعد طرد جميع العرب (5.5 مليون اليوم والعدد آخذ بالازدياد بسرعة). هذا هو الخيار الذي يقف أمامنا اليوم، كما وقف أمامنا في عام 1967. مع مرور الوقت أصبح أكثر وضوحا فقط. في المستقبل القريب، الإمكانية الرابعة ليست قائمة. الظروف التي أتاحت في عام 1948 طرد أكثر من نصف الشعب الفلسطيني من الأراضي التي تحولت إلى دولة إسرائيل، كانت فريدة من نوعها ومن غير المعقول أن تعود في العقود الآتية، لذلك يجب علينا التعامل مع الواقع الديموغرافي كما هو. إنه أمر محتم بالنسبة للحكومة الحالية أن تمنع أي سلام يجبرها على التنازل عن الأراضي المحتلة (22% من الأرض قبل عام 1948). لا يوجد أي شخص في هذا العالم قادر على إجبار الحكومة أن تغيّر موقفها. ماذا تبقى؟ دولة يهودية غير ديموقراطية أو دولة ديموقراطية غير يهودية على الأرض كلها. وفقا لكيفية إدارة الأمور الآن، فالخيار الأول سوف يتحقق، أو لتوخي الدقة، سوف يحقق ذاته. كي يحدث ذلك، ليست هناك حاجة إلى أي قرار، لأن ذلك قائم في الواقع أصلا. نوع من أمر افتراضي. إذا أردنا استخدام الشعار المألوف، فهذه دولة أبارتهايد: دولة فيها جميع أجهزة السلطة موجودة بين أيدي إسرائيليين-يهود (نحو 6.5 مليون)، ولـ 1.5 مليون مواطن عربي ثمة حقوق محدودة. بالمقابل، لا يتمتع أربعة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية، القدس الشرقية وقطاع غزة بأية حقوق – لا حقوق قومية، لا إنسانية ولا مدنية. من شأن وضع الاحتلال "المؤقت" الحالي أن يستمر من دون تقييد بالوقت، وبذلك فهو مثالي لهذا الهدف. ولكن، حتى إذا قررت حكومة إسرائيلية مستقبلية، تكون حتى أكثر عنصرية، ضم هذه الأراضي المحتلة بشكل رسمي، لن يغيّر هذا من الوضع من الناحية العملية. من وجهة العديد من الإسرائيليين، يمكن لهذا الوضع أن يستمر إلى الأبد. الشعار الرسمي هو "ليس هناك شريك للسلام". ولكن هل يمكن لذلك أن يستمر حقا؟ الجمهور الفلسطيني في مختلف أنحاء البلاد آخذ بالازدياد باستمرار وبسرعة. سيشكل في المستقبل القريب الأغلبية في البلاد. يؤمن المثاليون الذين ينادون بـ "حل الدولة-الواحدة" بأن دولة الأبارتهايد سوف تضطر، بالتدريج، إلى التحوّل إلى "دولة جميع مواطنيها". إذا كان ذلك سيحدث حقا، بعد عشرات من السنين الإضافية من القمع الوحشي، الحرب الأهلية، الفظاعة وضربات أخرى، سوف تتحول البلاد إلى دولة فلسطينية، مع أقلية يهودية، مثل البيض في جنوب أفريقيا الآن. سوف يشكل ذلك نقيضًا للمشروع الصهيوني، الذي كان هدفه الأساسي خلق مكان واحد في العالم يشكل فيه اليهود أغلبية. من المتوقع أن يهاجر معظم اليهود إلى مكان آخر. إذا استمرت الدولة في هذا الاتجاه، ستكون النتيجة المحتمة هي الانتحار القومي. إذا أراد شخص أن يقتل نفسه – وهذا من حقه – توجد أمامه مجموعة من الوسائل: تسميم نفسه، شنق نفسه، إطلاق النار على نفسه، القفز عن السطح وأمور أخرى. كذلك لدولة مثل إسرائيل ثمة عدد من الخيارات. فيما عدا القنبلة الموقوتة الخارجية ("حل الدولة-الواحدة") توجد لدينا أيضا قنبلة موقوتة داخلية، ربما أكثر خطرا. كما هي الحال في الخيار الأول، كذلك هذا الخيار هو في طريقه إلى التحقق. ولكن في حين أن الخيار الأول متعلق، جزئيًا على الأقل، بجهات أجنبية، فإن الإمكانية الثانية هي كلها من إنتاج ذاتي. مع قيام الدولة، كان الحاريديون أقلية صغيرة. بما أن بن غوريون كان بحاجة إليهم في ائتلافه، فقد منحهم حقوقًا خاصة، بدت له في حينها صغيرة ورخيصة. لقد حظي الحاريديون بجهاز تربوي خاص بهم، على تمويل من الدولة، وتم إعفاؤهم من الخدمة العسكرية. اليوم، بعد مرور 60 عاما، كبرت هذه الحقوق إلى حدود هائلة. لتعبئة صفوف الشعب اليهودي بعد الكارثة ولتقوية الدولة، شجعت الحكومة التكاثر الطبيعي المكثف بواسطة مخصصات سخية للأولاد. ولأنه يوجد في العائلات المتدينة من جميع الأنواع أولاد أكثر بكثير من سائر العائلات (فيما عدا العرب المسلمون) فقد أخذت حصتهم بالازدياد بين أوساط الجمهور. يوجد في العائلة الحاريدية بشكل عام ما بين 8-10 أولاد. جميعهم يتعلمون في مدارس دينية، يركزون فيها على دراسة الكتب الدينية ولا يكتسبون أي من القدرات المطلوبة للعمل في المجتمع المعاصر، وهي قدرات لا يحتاجها الحاريديون أصلا. يمكنهم مواصلة حياتهم كلها في دراسة التوراة وحفظ النصوص الميتة عن ظهر قلب، وذلك لأنهم لا يعملون ولأن أغلبيتهم المطلقة لا تخدم في الجيش. في بداية أيام الدولة كانت هذه ظواهر هامشية، ولكنها اليوم تؤدي إلى وضع طوارئ قومي. بما أنه لم يحصل يوما أي حزب على أغلبية في الكنيست، فقد استندت جميع الائتلافات تقريبا على الأحزاب الدينية. اضطرّت جميع أحزاب السلطة تقريبا إلى رشوة الشركاء المتدينين بزيادة المخصصات للأولاد. نشأ وضع خيالي شجّعت فيه الدولة ازدياد الفئة السكانية التي لا تخدم في الجيش ولا تقدم شيئا للإنتاج القومي. ثمة تأثير وخيم لغياب الحاريديين عن القوى العاملة على الاقتصاد، كما تشير المؤسسات المالية العالمية. غيابهم عن الجيش – كغياب العرب، لأسباب أخرى – يشكل وضعا لن يخدم فيه في المستقبل غير البعيد نصف السكان تقريبا. هذا يجبر البقية كلها على الخدمة لمدة ثلاث سنوات كاملة، والاستمرار في خدمة الاحتياط لسنوات عديدة. كما سينشأ قريبا وضع يكون فيه نصف الطلاب اليهود في الصف الأول من المتديّنين، الذين سيعيشون حياة من دون عمل، من دون دفع الضرائب ومن دون خدمة في الجيش. سوف يتم تقديم الحساب للعدد الآخذ بالتقلص من غير الحاريديين. منذ وقت ليس ببعيد، بعد أن نشأ توتر بين الحاريديين وغير الحاريديين في بيت-شيمش، طلب العلمانيون تقسيم المدينة إلى اثنتين، واحدة للحاريديين وأخرى للعلمانيين. رفض وزير الداخلية الاقتراح رفضا باتا. لقد فسر السبب بصراحة: بما أن الحاريديين لا يعملون ولا يستطيعون دفع ضرائب البلدية، فلا يمكنهم إقامة مدينة خاصة بهم. إنهم يحتاجون إلى العلمانيين. هذا صحيح بطبيعة الحال بالنسبة للدولة كلها. يمكن أن نحسب بشكل رياضي متى سوف تنهار البنية كلها. تتنبأ المؤسسات الاقتصادية العالمية والخبراء الإسرائيليون بكارثة. ولكن الجهاز السياسي في الدولة لا يسمح بأي تغيير. تماسك الأحزاب الدينية قوي جدًا. هذه هي الطريق الثانية للانتحار القومي. الطريق الثالثة أقل دراماتيكية. تتحول إسرائيل بالتدريج إلى دولة لن يرغب أشخاص عاديون بالعيش فيها. لقد ادعى المؤرخ البريطاني المرحوم ستيفن رانسيمن في عمله الأدبي الكبير حول الصليبيين أن دولة الصليبيين لم تنهار بسبب هزائمها العسكرية، بل لأن العديد من سكانها قاموا وعادوا ببساطة إلى أوروبا. على الرغم من أنه كان من بينهم أشخاص من "أبناء البلاد" أبناء الجيل الرابع، والثامن أيضا، فقد فقدت دولة الصليبيين بنظرهم قوة الجاذبية التي كانت تميزها. لقد دفعتهم الحرب الأبدية وفقدان القيم إلى الخارج. لقد انهارت الدولة حين زاد عدد المغادرين على عدد الوافدين. لقد شعر الصليبيون بأنهم ينتمون إلى المسيحية العالمية - أكثر من انتمائهم لمملكة القدس. يؤمن العديد من الإسرائيليين اليوم بأنهم يهود بالأساس ينتمون إلى الشعب المتشتت في العالم – وفي المقام الثاني هم إسرائيليون، ينتمون إلى البلاد. هذا يمهد الطريق إلى الهجرة. إن دولة من دون ديموقراطية، من دون مساواة، تحكم على نفسها بحرب أبدية، يحكمها متطرفون متدينون، والفرق فيها بين الفقراء وحفنة مالكي الأموال آخذ بالازدياد، لا تستقطب الشباب الموهوبين، الذين يمكنهم إيجاد حياة أفضل في مكان آخر بسهولة، من دون أن يفقدوا هويتهم اليهودية. هذا أيضا نوع من الانتحار القومي. إني بطبيعتي لا أتنبأ بالأمور السوداء. بل على العكس. يمكننا التغلب على هذه المخاطر بسهولة. ولكن قبل ذلك علينا أن نعترف بها وأن نرى إلى أين ستؤدي. إني أومن أن الشعب في إسرائيل – الأمة الإسرائيلية – يملك الإرادة على البقاء. ولكن بهدف البقاء يجب علينا أن نستفيق من الغيبوبة ونغير اتجاهنا، أن نتوجه إلى سلام يقوم على حل الدولتين، وأن نفرق بين الدولة والدين وأن نسعى إلى العدل الاجتماعي. باختصار: إقامة دولة عصرية، ليبرالية، علمانية، تحقق نظاما من السلام والمساواة. الانتحار في الدين اليهودي هو خطيئة. سيكون ذلك هزليًا إذا قال المؤرخون في المستقبل أن "الدولة اليهودية" قد انتحرت. |