اوري افنيري 

دوق نابلس / أوري أفينري


لقد ظهر اسم منيب المصري مؤخرا كمرشح لمنصب رئيس الحكومة في حكومة الوحدة الفلسطينية. بما أنه ليس عضوا في فتح أو حماس، فهو مقبول على كليهما.

ينكر المصري نفسه وجود أي طموح لديه لهذا المنصب. إنه يقول أنه مسن أكثر مما يجب (77 سنة)، ويستحسن أن يستلم جيل فلسطيني أكثر شبابا زمام الأمور.

وهو يقول أيضا أنه راض تماما عن وضعه الحالي.

يمكننا أن نصدّقه.

تقع مدينة نابلس على غور بين جبلين مرتفعين، جبل عيبال وجبل جريزيم. إن جبل غريزيم هو الأشهر بين الاثنين، لأنه مقدس بالنسبة للسامريين، الذين يؤمنون أن الله أمر بني إسرائيل ببناء الهيكل هناك. القدس في نظرهم هي مجرد مُنتحلة.

جبل غريزيم الذي يبلغ ارتفاعه 882 مترا فوق سطح البحر، يصل إلى ارتفاع 450 مترا فوق مركز نابلس. إنه مذكور في التوراة كثيرا. هناك أطلق يوتام، بن غدعون القاضي، المثل الشهير، الذي شبّه فيه السياسيين بالعليق، نبات غير مفيد ليس له ثمار أو رائحة، ولا يمنح الظل، الذي وافق على أن يصبح ملكا على الأشجار التي رفضت، الواحدة تلو الأخرى، أن تأخذ هذه المهمة على عاتقها. قد يوافق منيب المصري على مغزى هذا المثل، الذي يبدو ملائما جدا لبلدان كثيرة حتى في أيامنا هذه.

حين نتجوّل في الشارع الرئيسي في نابلس ونرفع نظرنا إلى السماء، نرى على قمة الجبل، بعيدًا في الأعالي، بناية فخمة ذات قبة. ذلك هو بيت المصري.

ربما الكلمة "بيته" ليست ملائمة على الإطلاق. إنه في الواقع البيت الشخصي الأكثر إثارة للإعجاب في أرض إسرائيل وفي فلسطين، وهنالك من يقولون - في المنطقة بأكملها من المغرب إلى حدود الهند.

إن قصر المصري هو نسخة دقيقة من "فيلا كابرا"، المعروفة أيضا باسم "روتوندا"، وهي تحفة معمارية تقع على بعد 60 كم من فينيسيا. من يقف أمام واجهة المبنى لا يصدق ما تراه عيناه. وعلى أي حال، من الصعب أن نعرف أين تقع الواجهة، لأنه توجد للبناية أربع واجهات متماثلات تماما، ذات أعمدة وأدراج متماثلة. تؤدي كل منها إلى ردهة مركزية مستديرة، تخرج منها جميع الغرف. يقف في مركزها تمثال يوناني قديم لهرقل. على ارتفاع أربعة طوابق، تتوج القبة هذا الفراغ.

أرضية الرخام، وسائر مواد البناء، قد تم استيرادها من الخارج. ضحك خبير إيطالي قائلا إن القصر الفلسطيني يبدو وكأنه الأصل، في حين يبدو القصر الإيطالي كنسخة جيدة.

لنكتفي بذلك. ولكن هذا ليس كل شيء.

جميع غرف القصر ممتلئة تماما بكنوز فنية، قام المصري بجمعها طيلة أربعين عاما. إنها كافية لتملأ متحفًا. لوحات من عصر النهضة وحتى الفن الحديث، مداخن من فرساي، طاولات ومقاعد كلاسيكية من إسبانيا، بٍُسط حائط ضخمة من بلجيكا، ثريات من إيطاليا، وأكثر من ذلك بكثير.

يكفينا، ولكن هذا ليس كل شيء.

عندما بدأت عملية الحفر لأساسات المبنى، ظهرت ثلاثة قطع صغيرة من جرار قديمة. تم وقف العمل والمباشرة بحفر أثري. كانت النتائج مذهلة: تم الكشف عن دير بيزنطي كامل من القرن الرابع الميلادي. إنه موجود هناك الآن – جميع الغرف، الكنيسة، أرضية الفسيفساء واسطبلات الخيول. تتواجد من حولها الأعمدة المتينة، التي تحمل القصر بأكمله. مبنى فوق مبنى آخر.

يكفينا؟ ليس بعد.

القصر محاط بمزرعة ضخمة، دفيئات، كروم زيتون، بركة، وكل ما يخطر بالبال.

يكفينا؟

التقيت بالمصري، رجل طويل وشامخ، قبل عشرين عاما، في إحدى زياراتي لياسر عرفات في تونس. كان المصري ينتمي إلى مجموعة الزعيم الصغيرة، وقد عاد معه إلى البلاد بعد أوسلو.

قبل ذلك شغل منصب وزير في الحكومة الأردنية، وتمت إدانته بالمساعدة على هرب عرفات وبقية زعماء فتح من الأردن في "أيلول الأسود" عام 1970.

إلى جانب الإبداعات الفنية، فإن جدران القصر مغطاة بمئات الصور للمصري بصحبة كبار الشخصيات في العالم، الذين يبرز من بينهم ياسر عرفات. كذلك صور الزوجة الأمريكية لصاحب البيت، أولاده وبناته تزين الجدران هي أيضا.

منذ لقائنا بالصدفة في تونس وأنا أتابع تصريحاته العلنية القليلة. كل كلمة قالها حول النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني كان يمكن أن تخرج من فمي، والعكس صحيح. إن وجهات نظرنا بالنسبة لحل النزاع متقاربة.

يجدر الذكر أنه بقي رجل سلام حتى بعد المأساة التي حلت بعائلته: في الذكرى الأخيرة للنكبة، قبل بضعة أشهر، أصيب حفيده. كان يدرس في جامعة بيروت وقد نزل مع أصدقائه إلى الجدار للاحتجاج على الكارثة التاريخية. رصاصة إسرائيلية – حسب ادعائه رصاصة "دومدوم" ممنوعة – كسرت عموده الفقري وكذلك ألحقت الأذى بالكبد والكلى. يتلقى الشاب الآن العلاج في الولايات المتحدة.

منذ انتهاء المصري من بناء القصر وهو يركز على إدارة أعماله الخيرية، وبالأساس تطوير جامعات نابلس، القدس الشرقية وبيروت، وكذلك على أعماله التجارية حول العالم. ولكنه ظلّ إنسانًا سياسيًا جدا.

لقد أطلق على القصر إسم "بيت فلسطين"، وهو يقول إن أحد أهدافه الأساسية كانت إنقاذ هذه المنطقة من أجل الشعب الفلسطيني. لقد منع بناء القصر على قمة الجبل إنشاء مستوطنة هناك. نابلس محاطة بسلسلة من المستوطنات – تتبع بعض منها للمعسكر الفاشي الجديد. يعيش في إحداها الحاخام الذي برر قتل الأطفال غير اليهود في ظروف معينة. من هذه المستوطنات يخرج أيضا مثيرو الشغب اليهود الذين يرتكبون المجازر ويحرقون المساجد في المنطقة. فعلا، فيلا في الأدغال.

تنتمي عائلة المصري إلى الطبقة الراقية في البلاد. غير أن اسمها لم يأت من مصر، بل من الحجاز، في السعودية اليوم. لقد أقامت العائلة طيلة مئات السنين في الخليل وبعد ذلك في القدس، لكن منذ مائتي عام وهي تنتمي إلى نابلس. (الاسم نابلس هو النص العربي للاسم نيوبوليس، الذي أطلق على المدينة عندما تم بناؤها على يد القيصر فسبيانوس قبل 1940 عاما، بعد أن دمر المدينة اليهودية المجاورة، شخيم).

لو كانت هذه إنجلترا، لكان منيب المصري لوردًا، وربما كان دوق نابلس.

كان تواصلي الأول مع العائلة بعد حرب حزيران مباشرة. في تلك الفترة، كان هنالك قلة يؤمنون بأن إسرائيل ستتمكن من السيطرة على أراض تم احتلالها في ذلك الوقت. كان التوجه العام هو إعادة الضفة الغربية للملك حسين. حاولت كعضو كنيست إقناع الحكومة بتمكين الفلسطينيين من إقامة دولة خاصة بهم عوضا عن ذلك.

لهذا الغرض قمت بجولة بين الزعماء الفلسطينيين المحليين، ومعظمهم من أسياد العائلات الكبيرة. كان أحدهم حكمت المصري، عم منيب. طرحت على جميعهم سرا السؤال ذاته: إذا كان الاختيار بيدك، هل تفضل العودة إلى الأردن أم إقامة دولة فلسطينية؟ كانت الإجابة بالإجماع: بالطبع، فلسطين.

صرحت بهذه الحقيقة في الكنيست في جدال مع موشيه دايان، وزير الدفاع وحاكم الأراضي المحتلة، الذي رفض الأمر بغضب. في النقاش التالي، وفي هذه المرة مع رئيس الحكومة ليفي إشكول، قلت أن دايان كذب عمدًا. دافع إشكول بحزم عن وزير دفاعه، لكن – بموجب طبيعته – أرسل إلي بمستشاره لشؤون الأراضي المحتلة، موشيه ساسون، ليستوضح ما الذي أدعم به ادعائي. كتب ساسون تقريرًا عن مقابلته معي، وقد جاء فيه: "لا فرق بين المعلومات التي بحوزة عضو الكنيست أفنيري ومعلوماتي. غير أنه يوافقني الرأي أنه يمكن وجود دولة فلسطينية من دون عاصمة في القدس الشرقية، وبما أن الحكومة الإسرائيلية قد قررت ضم القدس الشرقية إلى دولة إسرائيل، فإن اقتراح عضو الكنيست أفنيري ليس عمليا".

عندما رويت ذلك الأسبوع الماضي على منيب المصري، هز رأسه بحزن.

كيف يمكن ذلك، سألني لاحقا، أن الإسرائيليين لا يعرفون شيئا عن الفلسطينيين، في حين يعرف الفلسطينيون كثيرا جدا عن الإسرائيليين؟

لا يمكن إنكار الحقيقة. لا يتعلم الطلاب الإسرائيليون أي شيء عن الشعب الذي يندمج مصيرنا إلى هذا الحد بمصيره. لا شيء عن الإسلام، لا شيء عن القرآن، لا شيء عن التاريخ العربي العريق.

قبل سنوات طويلة، أثناء جدال في الكنيست حول جهاز التربية والتعليم، اقترحت أن يتعلم كل تلميذ في إسرائيل ليس فقط تاريخ شعبه - اليهودي أو العربي - وإنما أيضا تاريخ البلاد منذ العصور القديمة حتى يومنا هذا، أن يتعلم عن الكنعانيين، بني إسرائيل، السامريين، اليهود، الإغريق، الرومان، البيزنطيين، العرب، الصليبيين، المماليك، الأتراك، البريطانيين، الفلسطينيين، الإسرائيليين. بهذه الطريقة سيفهموا ما الذي يوحدنا. لقد أضحك ذلك وزير التربية والتعليم آنذاك، زلمان أران، ومنذ ذلك الوقت أصبح يطلق عليّ لقب "المملوك".

اليوم، عندما يتجند شاب إسرائيلي في الجيش، فكل ما يعرفه هو أن الإسلام هو دين بربري ومعادٍ سامي، وأن العرب يريدون قتله دون أي سبب.

ربما هذا الأمر هو أمر طبيعي. يهتم الشعب المقموع بالشعب القامع أكثر مما يهتم الشعب القامع بالشعب المقموع (بما يتعدى مجال المخابرات). زيادة على ذلك، فإن كل مستعمر يتعامل مع من تم احتلال أرضه كعرق متخلّف، لتبرير الاحتلال في نظر العالم وفي نظره نفسه.

يولد كل نزاع عدم ثقة، آراء مسبقة، آراء مقولبة، كراهية، شيطنة. عندما يستمر النزاع لأجيال، فإن هذه الأسس تتراكم وتزيد قوتها. لصنع السلام يجب التغلب عليها. لذلك فإن أشخاصا مثل منيب المصري مهمون وضروريون إلى حد كبير. ليت كل إسرائيلي كان يستطيع مقابلة أشخاص مثله.

أتمنى أيضا أن يتولى منيب المصري منصب رئاسة حكومة الوحدة الفلسطينية. ستزيد المصالحة بين الفصائل الفلسطينية من احتمال التسوية بين الشعبين.