اوري افنيري 

الطريق إلى طرابلس الغرب / أوري أفنيري


على الرغم من أن التوراة تأمرنا بأن "لا تفرح بسقوط عدوك" (سفر الأمثال 24)، لم أستطع أن أتمالك نفسي. لقد فرحت.

كان معمر القذافي عدو كل إنسان نزيه في العالم. كان أحد أسوأ الطغاة في الفترة الأخيرة.

اختبأت هذه الحقيقة خلف قناع مهرج. لقد قدّم نفسه كفيلسوف ("الكتاب الأخضر")، كسياسي ذي رؤيا (يجب أن يقيم الإسرائيليون والفلسطينيون معًا دولة إسراطين). حتى كمراهق (زي مضحك، قبعات في معظم الأحيان وبقية الأقنعة). ولكنه كان بالأساس دكتاتورًا عديم الرحمة، محاطًا بزمرة من أبناء العائلة والأقرباء الفاسدين، الذين بذروا ثروة ليبيا الطائلة.

كان ذلك واضحًا لكل من أراد أن يرى. لسوء الحظ، كان هنالك أناس غير قليلين ممن فضلوا إغماض أعينهم.

عندما عبّرت عن دعمي للتدخل الدولي، توقعت هجمات من قبل ذوي النوايا الحسنة. لم يخب أملي.

كيف استطعت؟ كيف كان بإمكاني دعم الاستعماريين الأمريكيين والناتو البغيض؟ ألا أفهم أن كل شيء يتمحور حول النفط؟

لم أتفاجأ. لقد اجتزت ذلك في مرة سابقة. عندما قصف حلف الناتو الصرب ليضع حدا لجرائم سلوفودان ميلوشيفيتش في كوسوفو، أدار لي بعض أصدقائي السياسيين في البلاد وخارجها ظهورهم.

ألم أفهم أن كل ذلك ما هو سوى مؤامرة استعمارية؟ أن الأمريكيين الأوغاد يريدون تمزيق يوغوسلافيا (أو صربيا) إلى إرب إرب؟ أن الناتو هي منظمة شريرة؟ أنه ربما توجد لدى ميلوشيفيتش بعض العيوب، لكنه يمثّل في نهاية الأمر البشرية المتقدمة؟

لقد قيل ذلك عندما كانت المجازر في البوسنا ظاهرة للعيان، وعندما اكتشف أن ميلوشيفيتش ما هو إلا وحش ملطخ بالدماء. ليس غريبا أن أريئيل شارون كان قد أعجب به.

إذن كيف استطاع يساريون شرفاء، من أصحاب النوايا الحسنة والماضي الإنساني الذي لا تشوبه شائبة، احتضان شخص كهذا؟ إن تفسيري الوحيد هو أن الكراهية تجاه الولايات المتحدة والناتو كانت قوية إلى حد كبير، ملتهبة إلى حد كبير، حتى أن كل من هوجم من قبلهم يجب أن يكون إنسانًا لا تشوبه شائبة، وجميع الاتهامات ضده ما هي إلا أكاذيب.

ها هو الأمر ذاته يحدث الآن مرة أخرى. لقد سقط عليّ وابل من الرسائل من أشخاص شرفاء كانوا قد كالوا المديح للقذافي على كافة أفعاله الحسنة. لقد كان بالإمكان أخذ انطباع وكأنه نلسون مانديلا الثاني، إن لم نقل المهاتما غاندي الثاني.

عندما قاتل الثوار داخل طرابلس، في طريقهم إلى المنشأة الضخمة التي كان يقطن الطاغية فيها، قام زعيم فنزويلا الاشتراكي هوغو تشافيز بتمجيده على أنه رجل مستقيم، حيث تجرأ على التصدي للمعتدين الأمريكيين.

إذن، أنا آسف. لدي اعتراض غير إرادي على الطغاة الملطخين بالدماء، على القتل بالجملة، على القادة الذين يشنون حربا ضد شعوبهم. ولا يمكنني أن أتغيّر في هذه السن المتقدمة من حياتي.

أنا على استعداد لتأييد الشيطان، لو دعت الحاجة إلى ذلك، من أجل وضع حد لمثل هذه الفظائع. لن أبحث حتى عن دوافعه. يمكن أن يكون رأي الإنسان ما يكون حول الولايات المتحدة و/أو الناتو، لكنهم لو خلصونا من أشخاص مثل ميلوشيفيتش والقذافي، فليباركهما الله.

ماذا كان حجم الدور الذي لعبه الناتو في هزم الطاغية الليبي؟

من شبه المؤكد أنه لم يكن الثوار ليصلوا إلى طرابلس، وبالتأكيد ليس بهذه السرعة، لو لم يتلقوا دعمًا جويًا متواصلا من قبل الناتو. ليبيا هي صحراء واحدة كبيرة. حدث الهجوم كله على طريق طويل واحد. لولا الدعم الجوي لعانى الثوار من خسائر فادحة. كل من عاصر فترة الحرب العالمية الثانية وتابع، حينذاك، معارك رومل ومونتغومري يعلم ذلك. يمكن الافتراض أن الثوار قد تلقوا سلاحًا واستشارة أيضًا.

غير أني أعارض بشدة الادعاء السيادي أن ذلك كان انتصارًا للناتو. ذلك هو التوجه الاستعماري القديم بزي جديد. بالطبع، لم يتمكن هؤلاء العرب البدائيون من عمل أي شيء لو لم يهرع الرجل الأبيض لمساعدتهم.

لكن ليست الطائرات والسلاح هي التي تحسم الحرب، بل البشر. "الأحذية على الأرض"، كما يقول الأمريكيون. أحدث الثوار الليبيون، رغم اختلال تنظيمهم وسلاحهم القليل، انتصارًا عظيمًا. لم يكن ليحدث ذلك لولا الحماسة الثورية، الشجاعة والتصميم. إنه انتصار ليبي، وليس بريطانيًا أو فرنسيًا.

ساعدت وسائل الإعلام الدولية في تمويه ذلك. لم أر حتى تقريرا قتاليًا صادقًا واحدًا (وأنا أعلم كيف يبدو التقرير القتالي). لا يستحق الصحافيون المجد. لقد تميَزوا بالخوف المفرط وظلوا على بعد آمن من الجبهة، حتى في أيام المعركة النهائية على طرابلس الغرب. لقد بدوا مضحكين حين ظهروا على شاشة التلفزيون وهم يعتمرون الخوذات الضخمة، في الوقت الذي كان فيه المقاتلون من حولهم مكشوفو الرأس.

لذلك، فما ظهر على الشاشة كان جمهورًا مبتهجًا بالانتصار فقط، الذي وكأنما سقط من السماء. لكن الانتصار تم تحقيقه بواسطة البشر. نعم نعم، بشر عرب.

لقد عكّر ذلك مزاج "المراسلين العسكريين" و"خبراء شؤون العرب" لدينا. إنهم معتادون على التهكم على "العرب" أو كرههم. لذلك فقد نسبوا الانتصار للأوروبيين. حسب وصفهم، فإن الشعب الليبي قد لعب دورًا ثانويًا، إن كان له دور أصلا.

إنهم يثرثرون الآن دون توقف عن "القبائل"، التي بسببها لا يوجد احتمال لنشوء ديموقراطية في ليبيا. إذ أن ليبيا ليست دولة حقيقية. فقبل قدوم المحتلين الإيطاليين، لم تكن الدولة الليبية موجودة أبدا. وأما بالنسبة للشعب الليبي، فلا يوجد شيء كهذا. (هل تذكرون كيف قال الفرنسيون الأمر ذاته عن الجزائر؟ وما قاله زعماؤنا عن فلسطين؟).

إذن، باعتبار أن الشعب الليبي ليس موجودًا، فقد قاتل بشكل جيد جدًا. وبالنسبة إلى "القبائل" – لماذا هي موجودة في أفريقيا وآسيا فقط، وهي غير موجودة في أوروبا على الإطلاق؟ لماذا لا يتحدثون عن قبيلة ويلزية أو باسكية؟

(عندما زرت الأردن عام 1984، قبل وقت طويل من معاهدة السلام، استضافني موظف رفيع المستوى، مثقف جدًا. بعد محادثة مثيرة على وجبة العشاء، فاجأني عندما ذكر أنه ينتمي إلى قبيلة معيَنة. في اليوم التالي عندما امتطيت الحصان في طريقي إلى البتراء، سألني الراكب إلى جانبي بصوت خافت: "هل تنتمي إلى قبيلة؟" استغرقني وقت حتى فهمت أنه يسأل إذا كنتُ يهوديًا، وأن يهود أمريكا يستخدمون هذا المصطلح حين يتحدثون عن أنفسهم).

كانت "قبائل" ليبيا تسمى في أوروبا "مجموعات إثنية"، وأما لدينا فقد سميت "طوائف". للمصطلح "قبيلة" نغمة إقطاعية. يجدر بنا أن نتخلص منه.

كل من يستنكر تدخل الناتو يجب أن يجيب عن سؤال بسيط: من كان بمقدوره تنفيذ العمل عوضًا منه؟

لا تستطيع البشرية في القرن الواحد والعشرين تحمل عمليات إبادة الشعوب والقتل الجماعي. لا يمكنها الوقوف مكتوفة الأيدي حين ينفذ طاغية المجازر ضد شعبه. إن أساس "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة" قد أكل عليه الزمان وشرب. نحن، اليهود، قمنا بإدانة جميع الشعوب لوقوفها مكتوفة الأيدي عندما قامت الحكومة الألمانية القانونية بقتل ملايين اليهود، ومن بينهم مواطنو ألمانيا. هل نسينا؟

لقد قلت سابقا أني أؤيد نظام حكم عالمي ناجع، وأنا على يقين أنه سيتم إنشاؤه قبل نهاية القرن الواحد والعشرين. ينبغي أن يضم حكومة عالمية يتم انتخابها بشكل ديموقراطي، وتكون لديها قوة عسكرية خاصة بها. سيتوجب عليها التدخل عند الحاجة، عندما يقرر البرلمان العالمي ذلك.

لكي يحدث ذلك، يجب تغيير ماهية الأمم المتحدة تمامًا. يجب أن يتم إلغاء حق الفيتو التابع للدول العظمى. لا يمكن التحمل أن تستطيع الولايات المتحدة فرض الفيتو على قبول فلسطين كعضوة في الأمم المتحدة، أو أن تتمكن روسيا أو الصين من منع التدخل الدولي في سوريا.

هذا صحيح، من المنطقي منح دول عظمى كالولايات المتحدة والصين تأثيرًا أكبر من، لنقل، لوكسمبيرغ وجزر فيجي. لكن يجب تمكين أكثرية مكوّنة من ثلثي الجمعية العامة أن تتغلب على معارضة واشنطن، موسكو وبكين.

كل ذلك يتبع إلى المستقبل، وهنالك من يقولون إنه حلم من أحلام اليقظة. في هذه الأثناء، نحن نعيش في عالم غير مثالي أبدًا، ونحن مجبرون على استخدام الوسائل المتوفرة لدينا. الناتو هو إحدى هذه الوسائل. وكذلك الأمر بالنسبة للاتحاد الأوروبي، رغم أنه في هذه الحالة تم كبحه من قبل ألمانيا الغارقة في الأحاسيس بالذنب الخاصة بها. إذا أرادت روسيا أو الصين المشاركة، فلتتفضلا.

هذه ليست مشكلة بعيدة. انتهى القذافي، غير أن الأسد موجود. إنه يذبح شعبه دون رحمة في هذه الساعة أيضًا، والعالم العاجز يختلس النظر.

هل يتطوع أحد للتدخل؟