|
||
"هل يمكن أن يسير شخصان مع بعضهما البعض من دون أن يتفقا من قبل؟" سأل النبي عاموس. وبالفعل، يبدو أن الأمر صحيح. تم إثبات ذلك مرة أخرى هذا الأسبوع. بحث بنيامين نتنياهو، في بداية الأسبوع، جاهدًا عن مخرج من الأزمة الداخلية. تسارعت حركة الاحتجاج الاجتماعي وزاد الخطر على الحكومة. لا يزال النضال في أوجه، إلا أن الاحتجاج قد أحرز إنجازا هائلا. اجتاز الحديث الشعبي تحوّلا دراماتيكيًا وتغيّر بشكل غير ملحوظ. دفعت الأفكار الاجتماعية بالحديث الذابل حول "الأمن" جانبا. برامج الأحاديث على التلفزيون، التي كانت مليئة فيما مضى بالجنرالات الذين أكل عليهم الدهر وشرب، أصبحت مليئة الآن بالعاملين الاجتماعيين وبروفيسورات الاقتصاد. كانت إحدى النتائج أن النساء برزن الآن أكثر بكثير. وعندها حدث ما حدث. أرسلت مجموعة إسلامية متطرفة صغيرة في قطاع غزة خلية إلى صحراء سيناء، ومن هناك اجتازت الحدود الإسرائيلية غير المحمية. نجحت مجموعة من "المخرّبين" في قتل ثمانية إسرائيليين، من الجنود والمواطنين، قبل قتل بعضهم على جانبي الحدود. يبدو أن الهدف كان أسر جندي إسرائيلي آخر، للوصول أخيرا إلى تبادل للأسرى وفق شروطهم. بلمحة بصر، اختفى بروفيسورات الاقتصاد عن شاشات التلفزيون، محل مكانهم "السابقون" – الجنرالات سابقًا، رجال الشاباك سابقًا، الشرطيون سابقا، جميعهم من الذكور بطبيعة الحال، يليهم المراسلون العسكريون وماسحو الجوخ والسياسيون من اليمين المتطرف. عاد نتنياهو إلى أسلوبه المعتاد متنفسا الصعداء. ها هو يقف، محاطا بالجنرالات، رجل والرجال قليل، المحارب الحازم، حامي إسرائيل. كانت هذه بالنسبة لنتنياهو وحكومته بمثابة هدية من السماء، جرعة حظ مستحيلة. يمكن مقارنة ذلك بما حدث عام 1982، إذ قرر أرئيل شارون، وزير الدفاع في حينه، مهاجمة الفلسطينيين والسوريين في لبنان. لقد استقل الطائرة إلى واشنطن للحصول على الموافقة الأمريكية المطلوبة لهذه العملية. قال له وزير الخارجية الكسندر هيغ أن الولايات المتحدة ليست قادرة على منح موافقتها - إلا إذا سبق الحرب "استفزاز بارز". بعد مرور بضعة أيام نفذت الجماعة الفلسطينية الأكثر تطرفا، تلك التابعة لأبي نضال، العدو اللدود لياسر عرفات، اعتداءً على حياة السفير الإسرائيلي في لندن، الذي تحوَل إلى معاق طيلة حياته. كان ذلك بالفعل "استفزازًا بارزًا". انطلقت حرب لبنان الأولى. كذلك حادثة هذا الأسبوع كانت تلبية لصلاة. يبدو أن الله عز وجل يحب نتنياهو والأجهزة الأمنية. لم تمحُ الحادثة حركة الاحتجاج عن الشاشة فحسب، بل وضعت حدا لأي احتمال حقيقي لسحب ملياردات من ميزانية الأمن الضخمة، من أجل تقوية الخدمات الاجتماعية. فهذه المشادّة تثبت أن الأمر معكوس، فنحن بحاجة إلى سياج كهربائي منيع على امتداد 200 كيلومترًا على الحدود مع مصر. ملياردات أكثر، وليس أقل، للأمن! قبل حدوث هذه الأعجوبة، بدا أنه من غير الممكن وقف حركة الاحتجاج. كان كل ما فعله نتنياهو أقل مما يجب، متأخرًا وخطأ تماما. في الأيام الأولى تعامل نتنياهو مع القضية كلها وكأنها لعبة أطفال، لا تستحق أن يوليها كبار المسؤولين اهتمامهم. عندما تبيَن له أن الحركة جدية، أطلق عدة اقتراحات مبهمة لخفض سعر السكن - لكن في الوقت ذاته تقدم الاحتجاج إلى أكثر بكثير من مجرد المطالبة "بسكن يمكن تحصيله". لقد كان الشعار "الشعب يريد عدالة اجتماعية". بعد المظاهرة الحاشدة التي شارك فيها نحو 250000 شخص في تل أبيب، وقف قادة الاحتجاج (الذين يسمون أنفسهم "الروّاد") أمام معضلة: كيف نواصل؟ لو أقاموا مظاهرة كبرى إضافية في تل أبيب لكان من المحتمل أن يقل عدد المشاركين. كان الحل عبقريًا: ليست مظاهرة كبرى في تل أبيب بل مظاهرات أصغر في مختلف أنحاء البلاد. لقد ضحد ذلك الادعاء أن المحتجين هم "شماليون" مدللون من تل أبيب، "يدخنون النرجيلة ويلتهمون السوشي"، كما قال أحد الوزراء. لقد جلب ذلك أيضا الاحتجاج إلى جماهير الشعب الشرقي المجحف بحقه في المناطق النائية، من العفولة شمالا حتى بئر السبع جنوبا، من ناخبي الليكود التقليديين. حقا إنه احتفال من التعاضد والأخوة. إذن، ما الذي سيفعله سياسي اعتيادي في هذه الحال؟ حسنُ، إنه يقيم لجنة بطبيعة الحال. إذن فقد وقع اختيار نتنياهو على بروفيسور محترم، ذي سمعة حسنة، وطلب منه أن يقيم لجنة لتقدم الاقتراحات، بمساعدة تسعة وزراء (وليس أقل من ذلك!) لسلسلة من الحلول. قال له نتنياهو أنه حتى قام بتغيير وجهات نظره تماما. (لقد غير ذات مرة واحدة من وجهات نظره، عندما أعلن أنه يدعم الآن "حل الدولتين". لكن بعد هذا الانقلاب النفسي الكبير، لا شيء – لا شيء أبدًا! - إنه لم يتغيّر في الواقع). لقد تمازح الشباب في الخيام بأن "بيبي" لا يمكنه تغيير وجهات نظره، لأنه ليس لديه وجهات نظر. لكن هذا خطأ: لديه وجهة نظر متشددة على الصعيد السياسي وعلى الصعيد الاجتماعي أيضا. أما بالنسبة للصعيد الأول، فهو رجل أرض إسرائيل الكبرى، وعلى الصعيد الثاني فهو نصير الدين الاقتصادي الذي وضعه ريغان وتاتشر. رد قادة الاحتجاج الشباب على تعيين لجنة نتنياهو بخطوة مفاجئة: لقد أقاموا مجلسًا استشاريًا خاصًا بهم، يتألف من 60 خبيرًا، بروفيسورًا، مشاهير من الجامعات ومن بينهم بروفيسورة عربية وحاخام معتدل. وقد عيَنوا من كان نائب مدير بنك إسرائيل ليترأسهم. لقد أوضحت اللجنة الحكومية أنها لن تعالج مشاكل الطبقة الوسطى، وستركز على مشاكل الطبقات الضعيفة فقط. أضاف نتنياهو أنه لن يقبل توصياتها (المحتملة) تلقائيًا، بل سيختبرها في ضوء الإمكانيات المتوفرة اقتصاديًا. بكلمات أخرى، إنه لا يؤمن بأن اللجنة التي عيَنها تدرك الواقع الاقتصادي. إذن فما الذي تدركه؟ في هذه النقطة علّق نتنياهو وشركاؤه آمالهم على تاريخين: أيلول وتشرين الثاني. يبدأ في تشرين الثاني، عادةً، فصل الشتاء. لقد أملوا في مكتب نتنياهو أنه عند هطول الأمطار المحلية سيركض أولاد تل أبيب المدللون لإيجاد مأوى عند والديهم. نهاية الاحتجاج. حسنُ، أنا أذكر بعض الأسابيع الكئيبة في شتاء عام 1948، التي نمت فيها داخل خيام أسوأ، في بحر من الوحل والماء. لا أعتقد أن بعض المطر سيقنع ساكني الخيام بالتنازل، حتى لو أرسل شركاء نتنياهو المتدينون إلى السماء أقوى صلوات المطر حماسة. لكن قبل ذلك، في شهر أيلول، بعد بضعة أسابيع فقط، ينبغي للفلسطينيين أن يخلقوا أزمة. لقد قدموا هذا الأسبوع إلى الجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة طلبا بالاعتراف بدولة فلسطين في إطار حدود 1967. ومن المرجّح أن يوافق المجلس على هذا الطلب. لقد أكد لنا أفيغدور ليبرمان، بحماسة شديدة، أن الفلسطينيين يخططون لـ"حمام دماء" في تلك الفرصة. سيضطر الشباب إلى الانتقال من خيام روتشلد إلى خيام الجيش في الضفة الغربية. يا له من حلم جميل (بالنسبة لليبرمانيين)، لكن حتى الآن لم تكن لدى الفلسطينيين أي رغبة في الانتقال إلى العنف. لقد تغير هذا كله هذا الأسبوع. أصبح يمكن لنتنياهو وشركاه، من الآن فصاعدا، توجيه الأحداث كما يحلو لهم. لقد "قضوا" على زعماء المجموعة التي نفذت العملية، "لجنة المعارضة الشعبية". لقد حدث ذلك حين كان تبادل إطلاق النار على الحدود لا يزال في أوجه. تم تحذير الجيش مسبقا وقد كان على أهبة الاستعداد. تم وصف حقيقة أن المهاجمين نجحوا على الرغم من ذلك باجتياز الحدود وإطلاق النار على المركبات، أنها إهمال عسكري. ماذا بعد؟ تقوم "اللجان الشعبية" بالمقابل بإطلاق الصواريخ كردة فعل. بإمكان نتنياهو - لو أراد ذلك– أن يقتل المزيد من القادة الفلسطينيين، من المواطنين و"المخربين". يمكن أن يؤدي ذلك بسهولة إلى دائرة مغلقة من عمليات الرد والمضادة للرد، حتى الوصول إلى حرب بصيغة "الرصاص المصبوب". اقترح أكثر من جنرال سابق غير ذكي احتلال قطاع غزة بأكمله. (كان ذلك عوزي ديان، شخص حوَل إخفاقاته إلى درجات سلّم وتسلقها حتى وصل إلى إحدى أدسم الوظائف في إسرائيل). بكلمات أخرى، يضع نتنياهو الآن يده على صنبور العنف. يمكنه رفع أو خفض النار كما يحلو له. إن رغبته في وضع حد للاحتجاج الاجتماعي يمكنها بالتأكيد أن تؤثر على اعتباراته. يعود بنا ذلك إلى السؤال الكبير حول حركة الاحتجاج: هل يمكن أصلا إحراز تغيير حقيقي من الحكومة – خلافا لإحراز بعض التنازلات البائسة – من دون إنشاء قوة سياسية؟ هل يمكن لحركة كهذه أن تنجح عندما تكون هنالك حكومة قادرة على خلق – أو تقوية – "أزمة أمنية" في أي وقت؟ والسؤال التوأم: هل يمكن التحدث عن العدالة الاجتماعية من دون التحدث عن السلام؟ لقد تجولت قبل بضعة أيام في مخيم في شدروت روتشلد، حيث طلب مني مشغلو محطة راديو محلية إجراء مقابلة معهم والتحدث إلى ساكني الخيام. قلت: "أنتم لا تريدون التحدث عن السلام لأنكم لا تريدون أن يلصقوا بكم يافطة "يساريين". أنا أحترم ذلك. لكن فلتعلموأ: العدالة الاجتماعية والسلام هما وجهان لنفس العملة. لا يمكن التفريق بينهما. وليس فقط لأنهما يرتكزان على الأسس التقليدية ذاتها، بل لأنهما على المستوى الفعلي يرتبطان ببعضهما البعض". عندما قلت ذلك، لم يخطر على بالي أنه سيتم إثبات ذلك بعد مرور يومين. إن لدى شيلي يحيموفيتس الكثير لتفعله قبل أن تتمكن من إنشاء خيمة في الجّادّة. التغيير الحقيقي معناه استبدال الحكومة بجهاز سياسي جديد يختلف جدًا. يتم التحدث هنا وهناك في الخيام عن حزب جديد. ولكن الانتخابات ستجرى بعد عامين، ولا يبدو في هذا الحين وجود أي انشقاق حقيقي في الائتلاف اليميني المسيَطر. هل ستتمكن حركة الاحتجاج من المحافظة على تسارعها طيلة عامين كاملين؟ لقد حدث ذلك في الماضي أن انهارت حكومة تحت ضغط احتجاج كبير. استقالت غولدا مئير العنيدة أمام المظاهرات، التي أدانتها بالإهمال الذي سبق حرب يوم الغفران. في سنوات الـ 90 تفككت ائتلافات نتنياهو وإيهود باراك أيضا حين مل الشعب منها. هل يمكن أن يحدث هذا الآن؟ على ضوء الحادثة العسكرية هذا الأسبوع، لا يبدو الأمر كذلك. ولكن كانت قد حدثت أمور أكثر غرابة بين السماء والأرض، خاصة في إسرائيل، بلاد اللا إمكانيات غير المحدودة. |