اوري افنيري 

"كم هي أفضل خيماتك..." / أوري أفنيري


أولا، تحذير.

تتم إقامة مجموعات الخيام في جميع أنحاء البلاد. الحركة الاجتماعية آخذة في التسارع. من المحتمل أن تشكل في نقطة معينة في المستقبل خطرا على الحكومة اليمينية.

وقد ينشأ إغراء – إغراء ربما لا يمكن الصمود أمامه- "تسخين الحدود". شن حرب صغيرة وجميلة. تجنيد الجيل الشاب، هم ذاتهم الذين يسكنون الآن في الخيام، ودعوتهم لحماية الوطن.

ليس هنالك ما هو أسهل من ذلك. استفزاز صغير، صف من الجنود يقطع الحدود من أجل "منع إطلاق صاروخ"، تبادل نار، مجموعة من الصواريخ - وها هي الحرب. نهاية الاحتجاج.

سيطالب الفلسطينيون في أيلول، بعد بضعة أسابيع من الآن فقط، الجمعية العمومية في الأمم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطين. يردد سياسيونا وجنرالاتنا في جوقة واحدة أن ذلك سيؤدي إلى أزمة – يمكن للفلسطينيين في الأراضي المحتلة أن يثوروا، ستحدث مظاهرات عنيفة، سيضطر الجيش إلى إطلاق النار – وها هي الحرب. نهاية الاحتجاج.

قبل ثلاثة أسابيع أجرت معي صحافية هولندية مقابلة. سألتني في النهاية: "إنك تصف حالة مروَعة. يسيطر اليمين المتطرف على الكنيست ويسن قوانين مقيتة مناهضة للديموقراطية. الجمهور غير مبالٍ. ما من معارضة تستحق الذكر. ومع كل ذلك، أنت توحي بالتفاؤل. كيف ذلك؟"

أجبت أني أؤمن بالشعب الإسرائيلي. نحن شعب عاقل. في وقت ما، في مكان ما، ستنشأ حركة جديدة وتغير الوضع. يمكن أن يحدث ذلك بعد أسبوع، بعد شهر، بعد سنة. لكن ذلك آت لا محالة.

بعد مرور بضع ساعات فقط، في اليوم ذاته، قالت لنفسها امرأة شابة باسم دفني ليف، التي تعتمر قبعة رجالية: "كفى!"

لقد أجبرت على ترك شقتها لأنها لم تتمكن من دفع أجر الشقة. لقد أقامت خيمة في شدروت روتشلد في تل أبيب. انتشرت الرسالة على الفيسبوك، وخلال ساعة أنشأت عشرات الخيام الأخرى. خلال أسبوع، كان هناك أكثر من 400 خيمة بصفين طويلين لمسافة كيلومتر.

أقيمت خيم مشابهة في القدس، حيفا، ومجموعة من المدن الأصغر. لقد سار يوم السبت عشرات الآلاف في مسيرة في تل أبيب وفي أماكن أخرى. وصل عددهم يوم السبت الأخير إلى أكثر من 150 ألفا.

لقد تحول ذلك الآن إلى مركز الحياة في الدولة. لمخيم روتشلد حياته الخاصة - خليط من ميدان التحرير و-"وودستوك"، وكذلك شيئا ما من زاوية هايد بارك. المزاج يكاد يصل إلى السماء، يأتي الكثير من الناس للزيارة ويخرجون مفعمين بالحماسة والأمل. يشعر الجميع أن شيئا تاريخيا يحدث.

عندما رأيت الخيام، تذكرت كلام بلعام، الذي أرسله ملك مؤاب ليشتم بني إسرائيل فخرج مهنئا (سفر العدد 24):" ما أحسن خيامك يا يعقوب، مساكنك يا إسرائيل!"

كانت البداية في بلدة صغيرة في تونس، حين أوقفت شرطية بائعًا متجولا من دون ترخيص. في خضم الجدال، صفعته المرأة على خده، وهذه إهانة شديدة لرجل تونسي. لقد أضرم النار في نفسه. أما البقية فهي من التاريخ: انقلاب في تونس، استبدال الحكم في مصر، ثورات في جميع أنحاء العالم العربي.

نظرت الحكومة الإسرائيلية إلى ما حدث بقلق – لكن لم يخطر ببالها أن ذلك سينقل العدوى إلى إسرائيل ذاتها أيضا. كان من الصعب التوقع أن يقوم الشعب الإسرائيلي اليهودي، الذي يتعامل بسخرية مع كل ما هو عربي، بتقليد المصريين.

لكن ذلك ما حدث تماما. بدأ الناس في الشارع يتحدثون بإعجاب شديد عن "الربيع العربي". لقد أثبت أن شعبًا حازمًا وموحدًا يمكنه أيضا مواجهة حكام مخيفين أكثر بكثير من بنيامين نتنياهو الضعيف.

قالت بعض أكثر اللافتات شعبية في روتشلد: "روتشلد هو ركن من ميدان تحرير" و "التحرير - ليس في القاهرة فقط!" وأخرى: "مبارك – أسد – نتنياهو".

كان الشعار الرئيسي في ميدان التحرير: "الشعب يريد إسقاط الحكم". كان الشعار الرئيسي في المخيم تقليدا واعيًا: "الشعب يريد عدالة اجتماعية".

من هم هؤلاء الناس؟ ماذا يريدون؟

بدأ ذلك بالمطالبة بـ"سكن سهل المنال". لكن سرعان ما وصل الاحتجاج إلى مواضيع أخرى: أسعار الأغذية والوقود المرتفعة، الدخل المنخفض، الرواتب المنخفضة لدرجة السخرية للمعلمين والأطباء، تراجع أجهزة التعليم والصحة. هنالك شعور أن 18 مليونيرًا يسيطرون على كل شيء، بما في ذلك على السياسيين. (بعض السياسيين الذين تجرأوا على الظهور في المخيم تم طردهم من هناك بخجل). كان باستطاعة المحتجين اقتباس مقولة أمريكية: "ليس هذه ديموقراطية حين يجتمع ذئبان وخروف ويصوتون بأغلبية الأصوات على قائمة الوجبة القادمة". لقد شعروا بأنهم الخروف.

تحكي مجموعة من الرموز في المخيم القصة بأكملها. من بين أمور أخرى: نريد دولة رفاه! نناضل من أجل البيت! العدل وليس الصَّدقة! إذا كانت الحكومة ضد الشعب، فالشعب ضد الحكومة! بيبي، هنا ليس الكونغرس الأمريكي، لن تشترينا بكلمات فارغة! إذا لم تتجندوا لحربنا، فلن نتجند نحن أيضا لحروباتكم! البلاد الموعودة! أعيدوا لنا الدولة! ثلاث شريكات يتقاضين ثلاثة رواتب لا يستطعن تمويل شقة مؤلفة من ثلاث غرف! الرّد على الخصخصة، ث و ر ة! كنا عبيدا لفرعون في مصر، وعبيد نحن لبيبي في إسرائيل! ليست لدي بلاد أخرى! عد إلى بيتك يا بيبي (الوقود على حسابنا!) يجب إسقاط الرأسمالية الخنزيرية! هو ها، من الآتي – دولة الرفاه الاجتماعي! كونوا عمليّين، أطلبوا ما هو غير ممكن!

ماذا ينقص مجموعة الشعارات هذه؟ بالطبع: الاحتلال، المستوطنات، النفقات الهائلة على الجيش.

ذلك مقصود تماما. الأمر محسوم بالنسبة للمنظمين، الشباب والشابات - وبالأساس الشابات - أن لا يلصقوا عليهم يافطة "يساريين". إنهم على علم أنه لو طرحوا قضية الاحتلال، فسيمنح ذلك نتنياهو سلاحا، سيفرق سكان الخيام ويطوي صفحة الاحتجاج.

نحن، في معسكر السلام، نعرف ذلك جيدا. نحن نقوم بتفعيل ضبط نفس كبير جدا لكي لا يستطيع نتنياهو إلصاق يافطة على الاحتجاج ووصفه بمكيدة لإسقاط الحكومة اليمينية.

كما ذكرت في المقال الذي نشر في "هآرتس": لا حاجة لدفع المتظاهرين. في الوقت المناسب، سيتوصلوا بأنفسهم إلى استنتاج بأن المال المطلوب للإصلاح الحقيقي يمكن أن يأتي فقط من وقف الاستيطان وتقليص ميزانية مئات المليارات للأجهزة الأمنية. (نشرنا إعلانا كبيرا مفاده: "الأمر بسيط للغاية - مال للمستوطنات أو مال للسكن، الصحة والتعليم").

قال فولتير أن "فن الحكومة هو أخذ الكثير من المال من قطاع معين من أجل إعطائه لقطاع آخر". تأخذ حكومتنا المال من المواطنين النزهاء وتعطيه للمستوطنين.

من هم هؤلاء المتظاهرون المتحمّسون، الذين نبتوا كأنما من لا شيء؟

إنه الجيل الشاب من الطبقة الوسطى، شباب يعملون، يتقاضون أجورًا متوسطة، ولا يستطيعون "إكمال الشهر". أمهات لسن قادرات على الخروج للعمل لأنه لا يوجد من يعتني بالأطفال. طلاب غير قادرين على استئجار غرفة في مساكن الطلبة أو استئجار غرفة في المدينة. وبالأساس: الأزواج الشابة الذين يرغبون بالزواج ولا يمكنهم أن يسمحوا لأنفسهم بشراء شقة، حتى بمساعدة الأهل. (رأيت ملصقا على إحدى الخيام: "حتى هذه الخيمة على حساب الأهل").

يحدث كل هذا في وقت يزدهر فيه الاقتصاد وتشكل البطالة 5% فقط.

عندما تتم ممارسة الضغط عليهم، يقول معظم المتظاهرين أنهم "اجتماعيون-ديموقراطيون". إنهم بعكس ثورة "حفلة الشاي" تماما، التي يقوم بها جندي في الولايات المتحدة: إنهم يريدون دولة رفاه، يتهمون الخصخصة في مصائبهم، إنهم يريدون أن تتدخل الحكومة وتتصرف. سواء اعترفوا بذلك أو لم يعترفوا، فإن شكاويهم تعكس قاموس اليسار الكلاسيكي، منذ ابتكار هذا المصطلح في زمن الثورة الفرنسية (لأن داعمي هذه الحركة جلسوا على يسار رئيس الجمعية الوطنية). ذلك هو اليسار الحقيقي (رغم أنه حتى الآن تم تعريف "يسار" و "يمين" في إسرائيل فقط بموجب التعامل مع الاحتلال وأرض إسرائيل الكُبرى).

إلى أين سيوصَل كل ذلك من هنا؟

لا يمكن أن نعرف. سُئل القائد الصيني تشو أن-لي قبل بضعة عقود ماذا كانت نتائج الثورة الفرنسية، فأجاب: "لا يزال الوقت مبكرا لمعرفة ذلك". نحن نشهد هنا حدثا لا يزال في أوجه، وربما في بدايته.

لقد سبب حتى الآن تغييرا كبيرا. مرت أسابيع منذ توقف الناس ووسائل الإعلام عن التحدث عن الحدود، القنبلة الإيرانية والوضع الأمني. يجري الحديث الآن كله تقريبا عن الوضع الاجتماعي، الحد الأدنى للأجور، عدم عدالة الضرائب المباشرة، الأزمة في فرع البناء.

وسط الضغط، كتبت القيادة غير المعرفة الخاصة بالاحتجاج قائمة من المطالب الفعلية. فيما بينها: بناء إسكان للتأجير من قبل الحكومة، رفع الضرائب المفروضة على الأغنياء والشركات، تعليم مجاني من جيل ثلاثة أشهر، دفع علاوات فعلية للأطباء، رجال الشرطة ورجال الإطفاء، صفوف مدرسية تضم 21 طالبًا فقط، كسر احتكارات أصحاب الملايين، وغيرها.

إذن إلى أين نتقدم من هنا؟ هنالك عدة إمكانيات، منها الحسنة ومنها السيئة.

يمكن لنتنياهو أن يحاول كسر الاحتجاج بواسطة التنازلات رخيصة الثمن – بضعة مليارات هنا، بضعة مليارات هناك. إذن سيقف المتظاهرون أمام نفس الخيار الذي وقف أمامه الفتى الهندي في الفيلم الشهير، الذي أراد أن يصبح مليونيرا. أخذ المال والخروج من اللعبة، أو المجازفة بكل شيء والإجابة على سؤال إضافي.

أو: يمكن أن تستمر الحركة، تتسارع وتحرز تغييرًا حقيقيا، كتحويل العبء الضريبي من الضرائب غير المباشرة إلى الضرائب المباشرة.

يمكن لبعض المتفائلين (من أمثالي) أن يحلموا حتى بظهور حزب سياسي جديد، يملأ الفجوة الكبيرة التي نشأت على الجانب اليساري من الخارطة.

بما أنني افتتحت بتحذير، فسوف أنهي بتحذير أيضا: لقد حرّكت هذه الحركة آمالا كبيرة. إذا فشلت، فإنها ستخلف ورائها جوا من الإحباط واليأس - حالة نفسية من شأنها دفع الكثيرين إلى البحث لأنفسهم عن حياة أفضل خارج البلاد.