|
||
إنه يذكّر بالمرحوم لوبا إيليآف، الذي كانت لديه قائمة مثيرة للإعجاب من الإنجازات في بناء البلاد. متسناع في يروحام، كما إليآف في لخيش. شخص ذو قيم. كذلك بوجي هرتسوغ هو شخص ودود، من نسل عائلة يهودية نبيلة، بالمفهوم الجيد للكلمة. شخص تشهد أفعاله على قيمه - حتى وإن كان لديه ميل في أن يهرع، بعد القيام بالعمل، ويروي للجماعة (الأمريكيين). عمير بيرتس هو شخص مثير للاهتمام، ذو خلفية مثيرة للإعجاب. صحيح أنه ارتكب خطأ حياته عندما طلب لنفسه وزارة الأمن وسقط في شرك أمور ليست له، ولكن من الأخطاء نتعلم. شيلي يحيموفيتس هي امرأة حازمة، نسوية متشددة، والضائقات الاجتماعية للمضطهدين والمجحف بحقوقهم تقض مضجعها. يخيّل إليها أنه يمكن إنشاء حزب يكرس نفسه بالكامل لتلك الضائقات، وأن تتجاهل مؤقتا السلام وبقية الإزعاجات التي لا تحظى بشعبية. هذا خطأ - من يتهرب من القضية الفلسطينية، ستركض القضية الفلسطينية وراءه وتشوّش أفكاره. سوف تتعلم. جميع أولائك هم مرشحون لزعامة حزب العمل. يمكن لكل واحد منهم، ربما، وقف أفول هذا الحزب، وربما حتى الحفاظ على القوة التي حظي بها في الانتخابات الأخيرة، وربما حتى إضافة مقعدين أو ثلاثة. ماذا إذن؟ المسألة هي أن هذا الأمر لن يغيّر شيئا تقريبا؟. ستبقى السلطة في الدولة تحت سيطرة اليمين. العلاقة النسبية بين المعسكرين - اليمين واليسار - لن تتغيّر. من علّق الآمال على صعود حزب كاديما قد تبيّن له أنه ليس حزبا يساريا، وكذلك ليس حزب مركز إلا إذا كان المركز في مكان ما في أقصى اليمين. كاديما هو ليكود ب، تقوده امرأة ترعرعت في بيت الليكود وتنقصها، على ما يبدو، الحواس السياسية. يوجد في هذا الحزب العديد من البرلمانيين عديمي القيمة، بعض الأعضاء العنصريين الذين مكانهم بين الليكود وليبرمان وبعض اللاجئين من حزب العمل، الذين لا مكان لهم في أي مكان. يمكن لحزب العمل إعادة بناء نفسه. هنالك أحزاب شبيهة بطائر الرمال ويمكنها أن تعود من الصحراء. لكن حزب العمل هو طائر عجوز منتوف الريش. في معظم حياته الطويلة كان حزبا حاكما، ولم يبرأ أبدا من هذا المرض. إنه يتصرف وهو في المعارضة أيضا وكأنه حزب حاكم، وكمن سُرقت منه السلطة. ليست لديه القوة للتجديد، للتمرد، للانقضاض. لقد كان ولا يزال منظمة مهنية من السياسيين المهنيين، وحزب كهذا لا يمكنه أن يُحدث الثورات. حتى تحت قيادة واحد من هؤلاء الأعضاء أو واحدة من أولئك العضوات، لن يتم سد الفجوة المفغورة في النظام السياسي الإسرائيلي. إنه لن يتشكل ميدان التحرير الإسرائيلي. لن يُحدث الثورة التي من دونها ستواصل دولة إسرائيل تقدمها بخطوات سريعة نحو الهاوية. لم تلتق في ميدان التحرير مخلّفات الأحزاب القديمة. من المؤكد أنهم كانوا هناك - أعضاء حزب الوفد، آخر الناصريين، شيوعيون وأخوان مسلمون. لكن لم تخرج المبادرة منهم، فليسوا هم مَن وفّر الحماس، ليسوا هم من أضرم المشعلة، التي تنير سماء العالم العربي بأسره. ولدت في الميدان قوى جديدة تماما، شيء من عدم. ما من اسم لها حتى الآن، عدا عن تاريخ الحدث المؤسس - 25 كانون الثاني. لكن كل شخص يعرف من أين أتوا وما هو شكلهم. من دون خيار آخر، يطلقون عليهم اسم "الجيل الشاب". هذه مجموعة من الآمال والطموحات، التي تمسّ جميع مجالات الحياة. إنه القرار بإنشاء "مصر أخرى"، تختلف كليا عن تلك التي كانت بالأمس. من الواضح أنه لا يوجد أي وجه شبه تقريبا بين مصر وإسرائيل. يمكننا استخدام الثورة المصرية، على الأكثر، كاستعارة، كرمز. لكن المبدأ هو ذاته: التطلع إلى "إسرائيل أخرى"، إلى الجمهورية الإسرائيلية الثانية. إن إنشاء حركة سياسية جديدة هي عملية خلق. ليس هنالك كتاب طهي يعلم كيفية عمل ذلك، بصيغة "خذوا شرقيين اثنين، روسيًا، نصف متدين، اخلطوهم جيدا..." لا تسير الأمور على هذا المنوال. كذلك بصيغة "خذوا بقايا العمل، أضيفوا نزرًا يسيرا من ميرتس، اخلطوهم مع نصف كأس من كاديما..." هذا لن ينفع. إن حركة جديدة من النوع المطلوب يجب أن تنشأ من لا شيء، من منطلق رؤيا مجموعة زعماء شبان يتحلّون بأيديولوجية جديدة، تلائم مستقبل إسرائيل. مجموعة تفكر بطريقة جديدة، وترى الأمور بمنظار جديد، تتحدث لغة جديدة. يحدث هذا مرة في الجيل، إذا حدث أصلا. عندما يحدث ذلك، إنه يبدو عن بُعد. في هذه اللحظة هنالك نصف دزينة من المجموعات في إسرائيل، تخطط لهذه الثورة. ربما تنجح إحداها. ويمكن أن لا تنجح، وأن تشتعل الشرارة في المستقبل فقط. كما قال الحاخام اليهودي الشاب من الناصرة: "تعرفونهم من ثمارهم!" ها لكم بعض الأمور التي تبدو لي ضرورية جدا، لتُحدث مثل هذه المبادرة أعجوبة: يجب أن تشمل الأيديولوجية الجديدة جميع مجالات الكينونة الشعبية. إن الرفاه من غير سلام هو هراء، السلام من دون تغيير القيم الداخلية لن ينجح، يجب أن تنطبق المُثل الخالدة كالحرية، العدل، المساواة والديمقراطية على الجميع، في كافة المجالات. تقول الحكمة الـ "براغماتية" عكس ذلك. لا قدّر الله أن نخلط بين الأمور. إذا تحدثت عن السلام، يهرب مؤيدو الرفاه. إذا طالبت بمساواة الأقليات، يهرب أبناء الأغلبية. هذا صحيح بالنسبة لمن يفكر بالانتخابات القادمة. هذا غير صحيح بالنسبة لمن يفكر في الأجيال القادمة. من ينطلق طامحا إلى جمع أغلبية المقاعد في الانتخابات القادمة، لن يصنع التاريخ. إن العدائين للمسافات القصيرة لن يُحدثوا التغيير الكبير. إنه يتطلب عدائي ماراثون. (مناحم بيغن، جدير بالذكر، خسر في تسع معارك انتخابية، إلى أن أحدث الانقلاب الكبير. ماذا أحدث ييغآل يدين وتومي لبيد؟) إن حركة تنشأ من لا شيء، حركة تتحمل واجب المستقبل، لا يمكنها أن تتحدث بلغة الأمس. يجب أن تُحضر لغة جديدة - مصطلحات جديدة، رموزًا جديدة. لا تولد مثل هذه اللغة في مكتب للدعاية. من يستنسخ لغة سابقيه، يتحتم عليه متابعة طريقهم. يجب أن تكون اللغة الجديدة لغة يمكنها الوصول إلى عقول - وبالأساس إلى قلوب - جميع قطاعات الشعب. لن يأتي حزب شكنازين جديد آخر بأي بركة. يجب أن تصل الحركة الجديدة إلى أعماق نفوس اليهود والعرب، الشرقيين و"الروس"، العلمانيين والمتدينين (أو على الأقل إلى قسم منهم)، القُدامى والقادمين الجدد، الأغنياء والفقراء. من يتنازل مسبقا عن أحد هذه القطاعات الجماهيرية، يحكم على نفسه بالفشل. ثمة أشخاص أذكياء كثيرون، من أصحاب الخبرة السياسية، سيبتسمون هنا بشيء من الرحمة. أحلام لن تتحقق. أحلام يقظة. لن يحدث ذلك. لا يوجد أشخاص كهؤلاء، لا توجد رؤيا كهذه، ليست هنالك نار متأججة في العظام. على الأغلب هنالك أشخاص جيدون، وضعوا أعينهم على المقعد في الكنيست القادمة. ربما هم صادقون. لكن الأشخاص نفسهم يمكن أن يبتسموا كذلك لو قال لهم أحد ما، قبل خمس سنوات، أن الشعب الأمريكي سينتخب بانتخابات ديمقراطية رئيسا أسود. كان يبدو ذلك سخافة مطلقة. رئيس أسود؟ ناخبون بيض؟ في أمريكا؟ والأشخاص ذاتهم يمكن لهم أن ينفجروا ضاحكين لو قال لهم أحد، قبل عام، أن مليونا من المصريين سيتجمعون في الميدان الرئيسي في القاهرة وسيغيّرون شكل بلادهم تماما. ماذا؟ مصر؟ هذا الشعب الكسول والصبور؟ دولة لم تكن فيها طوال القرون الستة من تاريخها المكتوب حتى نصف دزينة من الثورات؟ أمر سخيف! وبالفعل، هنالك مفاجئات في التاريخ. في بعض الأحيان، عندما يبلغ السيل الزبى، يمكن للشعوب أن تفاجئ أنفسها. يمكن لذلك أن يحدث لدينا. لن يفاجىء ذلك من يؤمن بهذا الجمهور. صحيح أن ميدان رابين ليس هو ميدان التحرير. لكن كذلك ميدان التحرير لم يكن ميدان التحرير. |