|
||
إنها وظيفة غاية في الأهمية، بحيث لا يتجرأ أي وزير على المعارضة في جلسة الحكومة على نصيحة رئيس الشاباك. كان هنالك مرشحا طبيعيا، يعرف فقط بالاسم المستعار "ي". لكن في اللحظة الأخيرة تم تجنيد لوبي المستوطنين ضده. اتضح أن "ي" كان رئيس "اللواء اليهودي" وكان قد زجّ ببعض الإرهابيين اليهود إلى السجن. لذلك تم شطب ترشيحه وانتخب مكانه يورام كوهن، محبوب المستوطنين الذي يعتمر الكيبا. قبل ذلك، كان مجلس الأمن القومي بحاجة إلى رئيس جديد هو أيضا. بضغط من المستوطنين تم انتخاب الجنرال يعكوف عميدرور، وهو من كان أكثر الضباط معتمري الكيبا أقدمية في الجيش الإسرائيلي، رجل آراؤه يمينية متطرفة معلنة. إن نائب قائد الأركان هو ضابط يعتمر الكيبا، وهو أيضا محبب على قلوب المستوطنين، وهو من كان في الماضي قائد لواء المركز، الذي يشمل الضفة الغربية. كنت قد كتبت منذ فترة وجيزة أن المشكلة ليست ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، بل ضم إسرائيل إلى مستوطني الضفة الغربية. وقد ابتسم بعض القراء. لقد اعتقدوا أنها كانت نكتة. لكنها ليست كذلك. حان الوقت لاختبار هذه العملية بجدية. هل أخذت إسرائيل تتحوّل إلى ضحية لسيطرة المستوطنين العدائية؟ علينا أولا فحص المصطلح "مستوطنون". من الناحية الرسمية، لا يطرح هذا السؤال نفسه. المستوطنون هم إسرائيليون يسكنون عبر الخط الأخضر. يتم تضخيم أو تقليص الأرقام وفق أغراض الدعاية. لكن الفرضية هي أنه يوجد 300 ألف مستوطن في الضفة الغربية، إضافة إلى 200 ألف في القدس الشرقية. ليس من المعتاد في إسرائيل دعوة المقدسيين "مستوطنين"، وكأنهم ينتمون إلى نوع مختلف. من الواضح أنهم مستوطنون بكل ما في هذه الكلمة من معنى. لكن عندما نتحدث عن "المستوطنين" في السياق السياسي، فإننا نقصد جمهورًا أكبر بكثير. هذا صحيح، ليس كل المستوطنين "مستوطنين". الكثير من الناس في الضفة الغربية ذهبوا إلى هناك دون أي دافع فكري، ببساطة لأنهم استطاعوا هناك إقامة فيلا أحلامهم مجانا تقريبا، وكذلك مع منظر رسومي من مآذن المساجد. هؤلاء هم الذين قصدهم رئيس مجلس "ييشاع"، داني دايان، عندما قال للدبلوماسي الأمريكي - وفق المستندات السرية التي سربت آنذاك - أنه يمكن بسهولة إقناعهم بالعودة إلى إسرائيل، إذا كان الثمن ملائما. غير أن لجميع هؤلاء ثمة مصلحة ببقاء الوضع الحالي، ولذلك فهم يدعمون "المستوطنين" الحقيقيين في النزاع السياسي. كما يقال، من "ليس هناك" يأتي "إلى هناك". لكن معسكر الـ "مستوطنين" هو أكبر بكثير. كل المعسكر الديني-الوطني يدعم المستوطنين دعما تاما، في أيديولوجيتهم وأهدافهم. هذه ليست أعجوبة - فإن مشروع الاستيطان برمته هو نتاج هذا المعسكر. هذا يحتاج إلى شرح. كان "المتديّنون-الوطنيون"، في البداية، شظية صغيرة من اليهودية المتدينة. رأى المعسكر المتدين الكبير في الصهيونية انحرافا وخطيئة لا تغتفر. لأن الله تعالى طرد شعب إسرائيل من أرضه بسبب خطاياه، وفقط هو، بواسطة مسيحه المنتظر، يحق له إرجاعهم. وضع الصهاينة أنفسهم مكان الله، ولذلك فهم يمنعون قدوم المسيح المنتظر. من وجهة نظر الحاريديين، تعتبر فكرة "الأمة" اليهودية العلمانية فُحشا. غير أن بعض اليهود المتديّنين كانوا قد انضموا على الرغم من ذلك إلى الحركة الصهيونية منذ نشأتها. لقد بقوا في إطار صرعة دعائية. سخر الصهاينة من كل أمر كان يذكرهم "بالمنفى" - كلمة بذيئة لاذعة في أفواه الصهاينة. الأولاد الذين تثقفوا (مثلي) في المدارس الصهيونية في أرض إسرائيل قبل الكارثة تعلموا كيف ينظروا بشفقة إلى الأشخاص الذين "لا يزالون" متدينين. لقد حدد ذلك أيضا موقفنا تجاه الصهاينة المتدينين. تم تنفيذ العمل الحقيقي لبناء "الدولة العبرية" (لم يتحدث شخص آنذاك عن "دولة يهودية") من قبل اشتراكيين علمانيين. شكلت الكيبوتسات والموشافيم، إضافة إلى حركات الشبيبة "الطلائعية"، أساس المشروع بأكمله. كان أعضاؤهم اشتراكيين بروح تولستوي، وكان قسم منهم ماركسيين. كان المتديّنون القلائل مهمشين. في تلك الفترة، في فترة الثلاثينات والأربعينات، كان قلة من الشباب يعتمرون الكيبا فقط بشكل علني. لا أذكر ولو عضوا واحدا في الإتسل - المنظمة التي انضممت إليها في حينه - كان يعتمر الكيبا، رغم أنه كان فيها الكثير من الأعضاء المتديّنين. لقد فضلوا ارتداء قبعة أو قلنسوة، كانت أقل بروزًا. لعب الحزب الديني-الوطني (الذي دعي في حينها "همزراحي") دورًا ثانويًا في السياسة الصهيونية. كان في نظر الوطنيين معتدلا جدا. في صراع الجبابرة بين دافيد بن غوريون "العنيف" وموشيه شاريت "المتزن"، خلال الخمسينات، كانوا يدعمون بشكل دائم تقريبا شاريت وقد أثاروا جنون بن غوريون. لكن لم ينتبه أحد لما يحدث تحت سطح الأرض - في حركة الشباب الدينية الوطنية بني عكيبا وحلقاتها الدينية. هناك، خارج مجال رؤية الجمهور العريض، تم طهي كوكتيل خطير من الصهيونية الوطنية المتطرفة ودين قبلي يدعو إلى المسيح المنتظر. تحول الانتصار المذهل الذي حققه الجيش الإسرائيلي في حرب الأيام الستة، بعد ثلاثة أسابيع من الخوف الوجودي، إلى نقطة تحول في حياة الحركة. ها قد تحققت جميع أحلامها - أعجوبة إلهية، احتلال نواة أرض إسرائيل التوراتية ("الضفة الغربية")، "جبل الهيكل في يدينا"، كما أعلن موطا غور وأنفاسه محبوسة. وكأن أحدًا ما قام بنزع سدادة، انطلقت حركة الشباب الدينية-الوطنية من القنينة وتحوّلت إلى قوة وطنية. لقد أنشأت "غوش إيمونيم"، محرك مشروع الاستيطان الديناميكي في "المناطق المحررة". يجب فهم ذلك جيدا: من ناحية المعسكر الديني-الوطني، كانت حرب حزيران أيضا لحظة تحريره في داخل المخيم الصهيوني. وفق التنبؤ في سفر المزامير (118، 22): "الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ"، قفزت حركة الشباب الدينية-الوطنية وكيبوتساتها، التي حظت إلى ذلك الحين بمعاملة مزدرية، إلى مركز الحلبة. في حين كانت حركة الكيبوتسات الاشتراكية القديمة على فراش الموت بسبب قلة الأكسجين الفكري وأصبح أعضاؤها أثرياء من بيع الأراضي الزراعية لأصحاب الأموال، امتلأ المعسكر الديني-الوطني بالنشاط الأيديولوجي، المليء بالتأجج الروحاني والوطني، وأخذ يدعو لإيمان يهودي وثني للأماكن المقدسة، الأحجار المقدسة والقبور المقدسة، مع الإيمان أن البلاد كلها تابعة لليهود ويجب طرد "الغرباء" منها (الفلسطينيين الذين يعيشون هنا ما لا يقل عن 1300، وربما 5000 سنة). ولد غالبية الإسرائيليين المتواجدين اليوم بعد عام 1967 أو قدموا إلى البلاد منذ ذلك الوقت. إنهم لا يعرفون أي واقع إسرائيلي عدا دولة الاحتلال. تبدوا لهم تعاليم المستوطنين كحقيقة مفروغ منها. تبيّن استطلاعات الرأي العام ازدياد عدد الشباب الذين لا يعتبرون مصطلحات كالديمقراطية وحقوق الإنسان سوى فكاهة فارغة من أي مضمون. من وجهة نظرهم، معنى الدولة اليهودية، أنها دولة تخص اليهود واليهود فقط، ليس لأي شخص آخر ما يفعله هنا. أحدث هذا المناخ نظاما سياسيا تحكم فيه مجموعة من الأحزاب اليمينية، ابتداء من عنصريي أفيغدور ليبرمان وانتهاء بالفاشيين المعلنين، أتباع مئير كهانا. تخضع جميعها بشكل تام للمستوطنين. إذا كان صحيحا أن الكونغرس الأمريكي يسيطر عليه اللوبي الإسرائيلي، فهذا اللوبي تسيطر عليه حكومة إسرائيل، التي يسيطر عليها المستوطنون. (يذكرني هذا بنكتة الطاغية الذي قال: يخاف العالم من بلادنا، البلاد تخاف مني، أخاف أنا من زوجتي، وزوجتي تخاف من الفأر. إذن من يحكم العالم؟) في هذا الوضع بإمكان المستوطنين فعل ما يحلو لهم: إقامة مستوطنات جديدة وتوسيع المستوطنات الحالية، تجاهل المحكمة العليا، إعطاء أوامر للكنيست والحكومة، محاربة "الجيران"، قتل الأولاد العرب الذين يقومون بإلقاء الحجارة، اقتلاع كروم الزيتون، حرق المساجد. تزيد قوتهم بشكل متواصل. السيطرة على بلاد حضارية من قبل أشخاص أكثر حضارة وأكثر تشددًا ليست ظاهرة شاذة على الإطلاق. كتب المؤرخ أرنولد طوينبي قائمة طويلة لحالات من هذا النوع. تمت السيطرة على ألمانيا لفترة طويلة من قبل "الريف الشرقي"، الذي تحوّل مع مرور الوقت إلى النمسا. في فترة لاحقة سقطت أرض النواة الألمانية، ذات الحضارة المتطورة، في يد البروسيين، الذين كانوا أكثر رجعية وصلابة، والتي لم تكن بلادهم الأصلية على الإطلاق جزءا من ألمانيا. تم إنشاء الإمبراطورية الروسية من قبل موسكو، التي كانت مدينة بدائية مهمّشة. يبدو أن تلك هي القاعدة: عندما يتم إشباع السكان في بلاد متطورة بالثقافة والثراء، يسيطر عليها عرق أقل دلالا وأكثر بدائية، من الأرياف. سيطر الرومان على اليونان القديمة، سيطر البربريون على روما. يمكن لهذا أن يحدث لدينا. لكن هذا ليس أمرًا منزلا من السماء. لا تزال هناك الكثير من القوة في الديمقراطية العلمانية لدينا. ما زال من الممكن إخلاء المستوطنات. (سأحاول في أحد مقالاتي المقبلة أن أبيّن كيف يمكن صنع ذلك). ما زال من الممكن دحر اليمين المتدين. ما زال من الممكن وضع حد للاحتلال، الذي هو بعينه أساس كل خطيئة. ولكن علينا من أجل ذلك الاعتراف بالخطر - أن نفعل شيئا ما في هذا الموضوع. |