اوري افنيري 

مقولة نابليون / أوري أفنيري


إن نابليون هو من قال أنه يفضل محاربة التحالف عوضا عن المحاربة في صفوف التحالف.

التحالف معناه المصائب. لإدارة حملة عسكرية ناجحة، هنالك حاجة إلى قيادة موحّدة وهدف واضح ومتفق عليه. يندر وجود هذين الأمرين في التحالف.

يتكون التحالف من عدة دول، لكل واحدة منها مصالح وطنية وضغوط سياسية داخلية مختلفة. هنالك حاجة إلى الوقت لبلورة اتفاق على كل شيء، وسيعرف العدو العنيد كيف يستغل هذا الوقت لصالحه.

يبرز كل ذلك جليًا في حرب التحالف ضد معمر القذافي.

لا يمكن التخلص من هذا المستبد المجنون إلا بالاستعانة بقوة عسكرية فظة. لقد أمسى ذلك واضحا.

كما تقول النكتة العبرية، ربما كان القذافي مهلوسا، لكنه ليس مجنونا. إنه يلاحظ التشققات في جدار التحالف، وهو على قدر كافٍ من المكر لاستغلالها. امتنع الروس عن التصويت في مجلس الأمن - كان ذلك في الواقع تصويتا لصالح القرار - لكن منذ ذلك الحين وهم يحتجون على أي تحرك. يستنكر الكثير من اليساريين من أصحاب النوايا الحسنة والخبرة في أنحاء العالم أي شيء تفعله الولايات المتحدة و/أو حلف الناتو.

هنالك من يحتج على "التدخل في ليبيا" لأنه ليست هناك عملية مشابهة في البحرين أو اليمن. تلك بالفعل حالة من التمييز السافر. لكن ذلك أشبه بمطالبة مجرم بعدم معاقبته لكون السفاحين الآخرين أحرارا طليقين. ناقص وناقص يعطينا زائد، لكن لا تعيد حالتا قتل المغدور إلى الحياة.

يدعي آخرون أن بعضا من الحلفاء ليسوا أفضل من القذافي هم أنفسهم. إذن فلماذا يستهدفونه هو بالذات؟ إذن، القذافي هو من تحدى العالم وهو من يقف الآن في وجه النهضة العربية. عندما يحين الوقت، يجب أيضا الاهتمام بالآخرين لكن لا يمكن استخدام ذلك كحجة من أجل عدم حل الأزمة الحالية. لا يمكننا انتظار عالم أمثل - إذ يمكن أن يستغرق قدومه وقتا طويلا. يجب علينا، في هذه الأثناء، فعل كل ما بوسعنا في عالم غير مثالي.

تكبر مصائب التحالف في كل يوم يمضي والقذافي وبلطجيته لا يزالون في مواقعهم. الدافع الذي تم الاتفاق عليه - "الحفاظ على حياة المواطنين في ليبيا" - آخذ في التلاشي. كان ذلك منذ البداية كذبة مهذبة. الهدف الحقيقي هو - ولا يمكن على الإطلاق أن يكون غير ذلك - تنحية الطاغية السفاح، الذي يشكّل مجرد وجوده في السلطة تهديدا مهلكا لشعبه. غير أن هذا لم يُقال بوضوح باللهجة الائتلافية.

من الواضح الآن أن "الثوار" لا يمتلكون قوة عسكرية حقيقية. إنهم ليسوا حركة سياسية موحّدة، وليست لديهم قيادة سياسية - ولا أي جار عسكري - موحّد. لن يحتلوا طرابلس الغرب بأنفسهم، على ما يبدو، حتى لو تم تزويدهم بوفرة من الأسلحة.

ليست تلك حالة قوة مقاتلة غير منتظمة تحوّل نفسها بالتدريج إلى جيش منتظم - كما فعلنا نحن في حرب عام 1948.

قد يكون هنالك نوع من الإيجابية في حقيقة أن الثوار ليست لديهم قوة عسكرية تستحق التقدير. يبرهن ذلك أنه لا توجد خلفهم حركة مستترة تحيك المؤامرات، تنتظر سقوط القذافي لاستبداله بنظام قامع آخر. تلك بالفعل حركة ديمقراطية نبتت من الأسفل.

لكن ذلك يسبب صداعا للتحالف. ماذا بعد ذلك؟ هل يجب السماح للقذافي بالبقاء كحيوان جريح في وكره، لكي يهجم على الثوار عندما يضعف الضغط عليه؟ هل يجب إرسال قوات التحالف ليدخلوا وينهوا المهمة بأنفسهم؟ أم مواصلة الكلام من دون فعل أي شيء؟

إن أحد الاقتراحات المداهنة - إن لم يكن المتهكم فعلا - هو "التفاوض" معه. التفاوض مع دكتاتور غير منطقي؟ حول ماذا؟ حول تأجيل ارتكاب مجزرة ضد الثوار لستة أشهر؟ حول إقامة دولة تكون نصف ديمقراطية، نصف دكتاتورية؟

من الواضح أنه يجب أن تكون هناك مفاوضات - لكن من دون القذافي وما بعد القذافي. أقاليم البلاد المختلفة، "القبائل" المختلفة، القوى السياسية المختلفة التي من المتوقع لها أن تنشأ - جميعهم يجب أن يتفاوضوا فيما بينهم حول مستقبل الدولة، برعاية هيئة الأمم إذا كان الأمر ممكنا. لكن مع القذافي؟

يقول أحد الادعاءات أنه يجب ترك الأمر للعرب بأنفسهم. فبعد كل شيء، الجامعة العربية هي التي دعت إلى إقامة "منطقة من دون طيران".

للأسف الشديد، هذه نكتة محزنة.

الجامعة العربية (عمليا: "جامعة الدول العربية") تجسد كافة سيئات التحالف، وحسنات قليلة فقط. لقد تم إنشاؤها بمساعدة البريطانيين في نهاية الحرب العالمية الثانية وهي ليست سوى اتحاد هش- هش جدا - من دول لها مصالح مختلفة ومتناقضة تماما.

من جهة معينة، إنها تعكس صورة العالم العربي على حقيقته- أو كما كان حتى البارحة. إنه عالم يعمل فيه توجهان متناقضان (وربما ثلاثة).

على مستوى معين، يعمل الحنين الدائم لدى الجماهير العربية إلى الوحدة العربية. إنه إحساس صادق وعميق، يتغذى من ذكريات من التاريخ العربي العريق. التعبير المعاصر الأكثر وضوحا له هو التضامن مع مصير الشعب الفلسطيني. القادة العرب الذين خانوا واجب الكرامة هذا يدفعون الآن الثمن.

تعمل على المستوى الثاني الحسابات التهكمية للدول الأعضاء. منذ اللحظة الأولى لقيامها، عكست الجامعة تعقيد مصالح الأنظمة العربية التي تنافس بعضها بعضا وتحارب بعضها بعضا. تتنافس القاهرة بشكل دائم مع بغداد على تاج القيادة العربية، وتنافس الشام القديمة الاثنتين. يكره الهاشميون السعوديين الذين طردوهم من مكة. إذا أضفنا إلى ذلك التوترات الأيديولوجية، الاجتماعية والدينية، ستكتمل الصورة.

انتهت الحملة الكبرى الأولى للجامعة - التدخل العسكري في الحرب الإسرائيلية-الفلسطينية عام 1948 - بالهزيمة، وبالأساس لأن الجيشين الأردني والمصري قد حاولا أن يتقدم أحدهما على الآخر بدلا من التركيز على قتالنا. هكذا نجونا. منذ ذلك الحين، يحاول كل نظام من بين الأنظمة العربية استغلال "القضية الفلسطينية" لمصالحه الذاتية، بحيث يشكّل الشعب الفلسطيني كرة في هذه اللعبة الساخرة.

لا تقود الجامعة النهضة العربية الحالية وإنما العكس، فهذه النهضة توجّه بطبيعة الحال ضد كل ما تمثله الجامعة. في البحرين يدعم السعوديون القوى ذاتها التي يحاربها الثوار في طرابلس الغرب. من الأفضل بالفعل تجاهل الجامعة العربية كأحد العوامل في الأزمة الليبية.

هنالك صعيد ثالث من العلاقات العربية الداخلية - الصعيد الديني. للإسلام سيطرة قوية على الجماهير العربية في كل مكان، ولكن، مثل أي دين واسع، لديه أوجه كثيرة. أنه مختلف من وجهة نظر الوهابيين في الرياض، الطالبان في قندهار، أتباع القاعدة في اليمن، حزب الله في لبنان، موالي العائلة المالكة في المغرب والفلاح البسيط في سهل النيل. غير أن هنالك شعور ضبابي من المشاركة.

لذلك، يتبع كل عربي مسلم لثلاث هويات تتداخل الواحدة منها بالأخرى، بحيث أن الحدود بينها ضبابية - الـ "وطن"، الذي هو الوطن المحلي، مثل فلسطين أو مصر، الـ "قوم" الذي هو هوية جميع العرب و "الأمة"، التي هي المجتمع الدولي للمؤمنين بالإسلام. لست متأكدا من أن هنالك مثقفان في العالم يتفقان على هذه التعريفات.

إذن هنا نحن موجودون الآن، أبناء 2011، بعد أن سرنا وراء ميول قلوبنا وشرعنا بتدخل عسكري ضد الكارثة التي على وشك الحدوث في ليبيا.

كان ذلك هو الأمر الصحيح، الأمر المنطقي الذي يجب فعله.

مع كل الاحترام - وبالفعل - لمن انتقدوا موقفي، إلا أنني على قناعة تامة بأن هذا الموقف كان موقفا إنسانيا.

يقولون لدينا: من يبدأ بتنفيذ وصية، يقولون له أكملها. يجب إقصاء القذافي. يجب منح الشعب الليبي احتمالا عادلا لتقرير مصيره بنفسه، وكذلك الأمر بالنسبة للشعب السوري، اليمني، البحريني وجميع الشعوب الأخرى.

لا أعرف إلى أين سيؤدي هذا الأمر بتلك الشعوب، كل منها في بلاده ووطنه. يمكنني فقط أن أتمنى لهم كل الخير - وأن آمل.

وأن آمل أيضا في هذه المرة أن لا تتحقق مقولة نابليون.