|
||
ولكن يمكن أن يحدث العكس أيضا. لقد وعد أمناؤه هذا الأسبوع بالوصول إلى السلطة في الانتخابات القادمة. قد يكتشف أن ليبرمان هو بمثابة "بلوف إسرائيلي" (وهذا مصطلح يحب هو استخدامه)، ومن خلف الواجهة التي تدب الرعب في القلوب يختبئ محتال اعتيادي. صحيح أن ليبرمان قد يختفي، غير أن ليبرمان آخر سيحتل مكانه، وسيكون أسوأ بكثير. على أية حال، من الأفضل أن نواجه الظاهرة التي يمثلها بشكل علني. من يؤمن أن أقوال ليبرمان تحمل طابعا فاشيا، عليه أن يسأل نفسه: هل من الممكن أن يقوم في إسرائيل نظام فاشي؟ إن القلب يميل إلى الرد بـ "لا" قاطعة. إسرائيل؟ دولة اليهود؟ بعد الكارثة التي أوقعتها علينا الفاشية النازية؟ هل يمكن أصلا التفكير بأن الإسرائيليين سيشبهون النازيين؟ حين أطلق البروفيسور يشعياهو ليبوفيتش، قبل جيل كامل، المصطلح "يودو-نازيون"، قامت الأرض وقعدت. حتى أن كثيرين من أتباعه اعتقدوا أن البروفيسور قد بالغ في هذه المرة. ولكن الأقوال المأثورة التي يتفوه بها ليبرمان تبرر ما قاله البروفيسور. هناك من يقلل من أهمية الإنجاز الذي حققه ليبرمان في الانتخابات الأخيرة. فبعد كل شيء، "يسرائيل بيتينو" ليست الكتلة الأولى التي تأتي من العدم وتحرز إنجازا مثيرا للإعجاب يبلغ 15 عضوا. لقد توصل إلى نفس العدد، في الماضي، حزب "داش" ليغئال يدين و"شينوي" ليوسف لبيد - كتلتان قد اختفتا كما جاءتا، من دون أن تبقيا خلفهما أي آثار. ولكن ناخبي ليبرمان لا يشبهون ناخبي يدين ولبيد، الذين كانوا مواطنون عاديون غضبوا من ظاهرة معينة في الدولة. جزء من ناخبي ليبرمان هم قادمون جدد من الاتحاد السوفييتي سابقا، الذين يرون في "إيفيت" الخاص بهم، القادم من مولدوفا السوفييتية سابقا، ممثل للقطاع الذي يخصهم. صحيح أن كثيرين منهم قد أحضروا معهم من وطنهم السابق آراء يمينية، غير ديموقراطية وحتى عنصرية، إلا أنهم لا يشكلون هم بذاتهم خطرا على الديموقراطية الإسرائيلية. إن إضافة القوة التي حوّلت "يسرائيل بيتينو" إلى القوة الثالثة من ناحية حجمها في الكنيست الجديدة قد أتت إليها من نوع آخر من الناخبين: الشباب ممن ولدوا في البلاد، ومن بينهم ممن قاتلوا في حرب غزة. لقد انتخبوه بسبب اعتقادهم بأنه سيطرد المواطنين العرب من الدولة، والفلسطينيين من البلاد كلها. إن هؤلاء ليسوا هامشيين متطرفين أو مجحف بحقهم، بل هم شباب عاديون، تلاميذ المدارس الثانوية ووحدات الاحتياط، الذين يرقصون في النوادي الليلية وينوون إقامة عائلات. إذا كان هؤلاء قادرون على التصويت لصالح إنسان ذي برنامج حزبي عنصري معلن عنه، وتفوح منه رائحة فاشية حادة، فمن الأجدى لنا أن نفحص هذه الظاهرة. قبل حوالي 50 سنة، ألفت كتابا باسم "الصليب المعقوف"، ووصفت فيه ارتقاء النازية الحكم في ألمانيا. استعنت بذاكرتي من سنوات طفولتي. كنت ولدا عمره 9 سنوات في ألمانيا حين ارتقى النازيون السلطة. رأيت الديمقراطية الألمانية وهي تصارع الموت والخطوات الأولى لحكم جديد، قبل أن قرر والديّ الحكيمان الانصراف والقدوم إلى البلاد. لقد ألفت الكتاب عشية محاكمة أدولف آيخمان، حين أدركت أن الجيل الناشئ في البلاد يعرف كثيرا عن الكارثة، ولكنه لا يعرف شيئا عن مقترفيها. لقد أشغلني بالأساس السؤال: كيف نجح حزب همجي كهذا في ارتقاء السلطة بطريقة ديموقراطية في إحدى الدول الأكثر تحضرا في العالم؟ لقد توجت الفصل الأخير من الكتاب بالكلمات: "يمكن لهذا أن يحدث هنا". تأتي هذه الكلمات لتذكر بكتاب الأديب الأمريكي سينكلير لويس، واسمه "لا يمكن لهذا أن يحدث هنا" على الرغم أنه وصف فيه كيف تصل حركة نازية إلى السلطة في الولايات المتحدة. ادعيت في الكتاب أن النازية لم تكن مرضا ألمانيا بالذات فقط، وأنه بظروف معينة يمكن لكل دولة في العالم أن تتلقى عدواها – ومن ضمنها دولتنا أيضا. لمنع هذا الخطر يجب فهم الظروف التي تؤدي إلى تطور المرض. أرد على الادعاء بأنني "وسواسي" بهذا الشأن، وأنني أرى براعم الخطر النازي في كل زاوية، بما يلي: هذا غير صحيح. طيلة سنوات امتنعت عن تناول هذا الموضوع. ولكن صحيح أن هناك في رأسي ضوء أحمر صغير، يضيء في اللحظة التي أشعر فيها بالخطر. هذا الضوء يومض الآن. ما الذي أدى في الماضي إلى انطلاق المرض الفاشي؟ لماذا انطلق في تلك اللحظة المعينة وليس في أخرى؟ لماذا في ألمانيا وليس في دولة أخرى، كانت تعاني من مشاكل مشابهة؟ الإجابة هي أن الفاشية هي ظاهرة خاصة، ولا يوجد شبيه لها. إنها ليست "يمينا متطرفا"، تشدد في وجهة النظر اليمينية "الوطنية" أو "المحافظة". الفاشية هي النقيض التام للمحافظة، حتى عندما تستخدم غطاء محافظا مموها. إنها ظاهرة ثورية. هي ليست أيضا تطرف في العنصرية العادية، "الطبيعية"، القائمة لدى كل الشعوب. الفاشية هي ظاهرة مميزة، ولها أمارات مميزة: النظر إلى الشعب السامي، إنكار بشرية الشعوب الأخرى والأقليات الوطنية، طقوس العبادة للزعيم، طقوس القوة، احتقار الديموقراطية، تجاهل حقوق الإنسان، تمجيد الحرب، احتقار الأخلاقيات المتعارف عليها. إن دمج كل هذه الخصائص معا هو الذي ينتج الظاهرة، التي لا يوجد لها تعريف علمي. كيف يحدث ذلك؟ لقد تمت كتابة مئات الكتب عن هذا الأمر، وطرحت فيها عشرات النظريات، ولكن أي منها ليست كافية. ها أنا أطرح هنا، بكل تواضع، نظرية خاصة بي، من دون أن أدعي أنها سارية المفعول أكثر من غيرها. حسب مفهومي، الثورة الفاشية تقوم حين تلتقي شخصية مميز جدا بوضع وطني مميز جدا. لقد كتبت عن شخصية أدولف هتلر كتب لا تعد ولا تحصى. لا توجد مرحلة في حياة هذا الرجل لم يتم اختبارها بالميكروسكوب، لا يوجد عمل قام به لم يتم فحصه بأدق تفاصيله. لا توجد أسرار بالنسبة لهتلر، ولكن هتلر بقي بمثابة سر دفين. إحدى ميزاته البارزة كانت اللا سامية المرضية الخاصة به، التي فاقت أي منطق. لقد تشبث بها حتى اللحظة الأخيرة من حياته، حين أملى وصيته قبل انتحاره. في اللحظات الحاسمة من حربه، حين استغاث جنوده في الجبهة لإرسال التعزيزات والإمدادات، تم تحويل القطارات باهظة الثمن لنقل اليهود إلى معسكرات الموت. حين عانى الفرماخت من الشح في كل شيء، أخذ اليهود من عملهم في المصانع الحيوية وتم إرسالهم إلى الموت. تم طرح شروحات كثير لهذه اللا سامية المرضية، وقد تم دحض جميعها. هل أراد هتلر أن ينتقم من اليهود بسبب اليهودي الذي اشتبه به بأنه كان جده الحقيقي؟ هل كره الطبيب اليهودي الذي عالج والدته المحبوبة قبل موتها؟ هل كان هذا بمثابة عقاب لمدير مدرسة الفنون اليهودي، الذي رفض الاعتراف بمهاراته؟ هل كره اليهود الذين صادفهم حين كان "مشردا" في فيينا؟ لقد تم دحض هذا كله. بقي لغز. هو الأمر ذاته بالنسبة لمزايا ووجهات نظر شخصية أخرى. من أين له القوة المغناطيسية التي أسرت قلوب الجماهير؟ ما الذي كان فيه ليسبب لأشخاص كثيرين، من كل طبقات المجتمع، أن يتعاطفوا معه؟ مم نبع حبه للقوة، الذي لم يعرف له حدودا – بكل ما في الكلمة من معنى؟ نحن لا نعلم. لا يوجد تفسير حقيقي وكامل. ما نعلمه فقط هو أنه بين ملايين الألمان والنمساويين الذين ولدوا في تلك الفترة، وبين عشرات الآلاف الذين ترعرعوا بظروف مشابهة كان هناك (على حد علمنا) هتلر واحد فقط، رجل فريد من نوعه، رجل لمرة واحدة. إذا استعرنا مصطلحا من عالم الأحياء، فهو قد كان "طفرة" لمرة واحدة. ولكن هتلر الذي جاء لمرة واحدة، لم يكن ليتحول إلى شخصية تاريخية، لو لم يلتق بألمانيا في وضع خاص، ولمرة واحدة. لقد كتبت عن ألمانيا في فترة نهاية الجمهورية أيضا كتب كثيرة جدا. ما الذي أدى بها إلى تبني النازية؟ أسباب تاريخية، مصدرها في الكارثة البشعة التي حدثت في حرب الثلاثين عاما وربما قبل ذلك؟ الإحساس بالإهانة بعد الهزيمة في الحرب العالمية الأولى؟ الغضب على المنتصرين الذين أهانوا ألمانيا شر إهانة وفرضوا عليها دفع تعويضات باهظة؟ التضخم المالي الهائل لعام 1923، وهي سنة ولادتي، الذي شطب كل التوفيرات لطبقات كاملة؟ الأزمة الاقتصادية المرعبة في عام 1929، التي دفعت بملايين الألمانيين الجيدين والنشطين إلى الشارع؟ لهذا السؤال أيضا لا توجد إجابة وافية. فقد تمت إهانة شعوب أخرى أيضا. شعوب أخرى خسرت في الحرب هي أيضا. لقد ألحقت الأزمة العالمية الضرر بعشرات الدول. تم إقالة الملايين من عملهم في الولايات المتحدة وفي بريطانيا أيضا. لماذا لم يصل الفاشيون إلى السلطة في هذه الدول أيضا (فيما عدا إيطاليا، بطبيعة الحال)؟ حسب رأيي، فإن الشرارة الفتاكة تشتعل في اللحظة المصيرية، حين يلتقي الشعب الجاهز للفاشية بالشخص ذي ميزة الزعيم الفاشي. ماذا كان سيحدث في ألمانيا لو قتل هتلر في حاث طرق في خريف عام 1932؟ من الممكن أنه كان سيصل إلى السلطة زعيم نازي آخر بدلا منه - ولكن الكارثة لم تكن لتحدث، وربما لم تكن لتنشب الحرب العالمية الثانية أيضا. بدائله الممكنين – غرغور شطراسر، الذي كان رقم 2، أو هرمان غرينغ، الطيار الحربي المدمن على المورفين – صحيح أنهم كانوا نازيين، ولكن أي منهم لم يكن هتلر الثاني. لقد كانت تنقصهم مزاياه الشيطانية. وما الذي كان سيحدث في ألمانيا لولا وصولها إلى هاوية اليأس؟ كان يمكن للدول الغربية أن تلاحظ الخطر مسبقا وأن تساعد على إعادة تأهيل الاقتصاد الألماني وتقليص البطالة. كان بإمكانهم إلغاء اتفاقية فرساي المهينة التي تم فرضها على ألمانيا في نهاية الحرب العالمية الأولى، وأن يعيدو لها ثقتها بنفسها. كانت ألمانيا ستنتعش. كانت الجمهورية ستقوى، وكان المفكرون الذين كانت ألمانيا مليئة بهم، سيعيدون لأنفسهم الزعامة الأخلاقية. ما الذي كان سيحدث في حينه؟ كان أدولف هتلر، الذي سماه رئيس الدولة المحبوب باستهزاء "الجندي البوهيمي الأول"، سيعود ليكون ديماغوغا على الهامش. كان القرن العشرين سيبدو مختلفا. 20 مليون ضحية الحرب وست ملايين ضحية الكارثة كانوا سيعيشون حياتهم، من دون أن يعرفوا ماذا كان سيحدث. ولكن هتلر لم يمت في سن مبكرة ولم ينج الشعب الألماني من مصيره. في اللحظة الحاسمة التقى أحدهما بالآخر، وعندها انطلقت الشرارة التي أشعلت الفتيل الذي أدى إلى القنبلة التاريخية. اللقاء المصيري من هذا النوع لا يميز الفاشية فقط، بطبيعة الحال. هذا يحدث في التاريخ لأشخاص من نوع آخر وبأوضاع من نوع آخر. على سبيل المثال ونستون تشرتشل. تنتصب تماثيله في أماكن كثيرة في بريطانيا، وهو يعتبر أحد أبرز البريطانيين على امتداد الأجيال. ولكن حتى سنوات الـ 30 المتأخرة، كان تشرتشل يعتبر سياسيا فاشلا. قلائل كانوا يقدرونه، وقلائل جدا من أحبوه. كثيرون من زملائه كانوا يمقتونه مقتا شديدا. كان يعتبر متكبرا، مرائيا، ديماغوغا، شخصا غير مستقر وثمل. ولكن في لحظة الخطر الأعلى على الوجود وجدت فيه بريطانيا الزعيم الذي كان يتحدث باسمها ويأخذ مصيرها على عاتقه. وعندها، بدا وكأن تشرتشل كان يقصد طيلة 65 سنوات حياته، حتى تلك اللحظة، وكأن بريطانيا قد انتظرت في هذه اللحظة هذا الرجل بالذات. هل كان التاريخ ليتطور بشكل آخر لو مات تشرتشل من تسمم الكبد قبل عام من ذلك، وبقي ونويل تشمبرلين في السلطة؟ نحن نعلم اليوم أن تشمبرلن وزملاءه، ومن بينهم وزير الخارجية كبير التأثير، اللورد هلبكس، قد فكروا بجدية بقبول اقتراح السلام الذي عرضه هتلر، والذي اقترح تقسيم العالم بين ألمانيا وبريطانيا. أو لنين. لو لم يخصص له قائد الأركان الألماني مقطورة قطار ليصل من زوريخ إلى السويد، ومن هناك إلى سانت بتربورغ – هل كانت ستنشب الثورة البلشفيكية، التي غيرت وجه القرن العشرين؟ صحيح، أن تروتسكي كان في المدينة قبله، وكذلك ستالين. ولكن أي منهما لم يكن لنين، ومن دون لنين لم يكن ليحدث هذا. وبالتأكيد ليس بالشكل الذي حدث فيه. ربما يمكننا أن نضيف إلى هذه القائمة براك أوباما أيضا. رجل مميز جدا، مميز من ناحية أصله وطبيعته، كان له لقاء مصيري مع الأمة الأمريكية في لحظة هامة من مصيرها، بينما هي تعاني من أزمتين - اقتصادية وسياسية - تلقيان بظلالهما على العالم بأسره. ولنعد إلينا. هل تقترب دولة إسرائيل من أزمة وجودية – روحانية، سياسية، اقتصادية – تحولها إلى أمة يتهددها الخطر؟ هل ليبرمان، أو من يمكن أن يحل محله، سيظهر على أنه يلاحق الشياطين كهتلر، أو على الأقل كموسوليني؟ يبدو أن لوضعنا الوطني عدة أمارات خطرة. لقد فقدنا كل مقياس أخلاقي في الحرب الأخيرة. كراهية الأقلية العربية في الدولة آخذة بالتزايد، وكذلك الكراهية للشعب الفلسطيني الذي ندوسه بأرجلنا. بدأ ينتشر التأييد الأعمى للقوة في الكثير من القطاعات. يعاني النظام الديموقراطي من تدهور مستمر. يمكن للوضع الاقتصادي أن يتحول إلى كارثة، تؤدي بالجماهير إلى الاشتياق إلى "رجل قوي". فإن الإيمان بأننا "شعب الله المختار"، نحن لاغير، متجذر فينا منذ زمن. هذا ليس من شأنه أن يؤدي إلى كارثة بالضرورة. بالتأكيد لا. التاريخ مليء بأمثلة عن أمم تعاني من ضائقة، كانت قد انتعشت وعادت إلى مسارها الطبيعي. مقابل هتلر الحقيقي، الذي وصل إلى المجد، كان يعيش على ما يبدو مئات الهتلرات، ليسوا أقل جنونا وليسوا أقل قدرات، ممن أنهوا حياتهم كموظفين في بنك أو ككتاب محبطين، لأنهم لم يلتقوا بالفرصة التاريخية. لدي إيمان قوي بقوة المجتمع الإسرائيلي والديموقراطية الإسرائيلية. أنا أومن أن فيهما قوى كامنة، ستكون تحت تصرفهما في الاختبار التاريخي. لا شيء "يجب" أن يحدث بالضرورة. ولكن كل شيء "يمكن" أن يحدث. والضوء الأحمر الصغير يومض. |