اوري افنيري 

جد الفروق / أوري أفنيري


سألوا رجلا عن أبنائه. "لدي ثلاثة"، قال، "ولكن واحد منهم أحمق لا منافس له".

أي واحد منهم؟ سألوه.

"اختاروا بأنفسكم!" أجاب.

سنذهب بعد 51 يوما لانتخاب الكنيست والحكومة القادمة.

تتنافس أحزاب كبيرة على هذا التاج: كديما، الليكود والعمل.

والبقية، أنظر النكتة.

هل ثمة خيار حقيقي؟ أعني، هل يوجد فرق حقيقي بين الأحزاب الثلاثة.

كما هي الحال في لعبة "جد الفروق"، فإن هذه الفوارق ضئيلة جدا إلى درجة أنه يتطلب عين ثاقبة لاكتشافها.

توجد، بطبيعة الحال، فوارق سياسية بين الأحزاب الثلاثة. ولكن أوجه التشابه بين الأحزاب الثلاثة، وبين الزعماء الثلاثة، أكبر بكثير من أوجه الاختلاف بينها.

يقول بنيامين نتنياهو أنه لا مكان للسلام مع الفلسطينيين الآن، ويجب الانتظار حتى تتهيأ الظروف. ليس لدينا، بطبيعة الحال، بل لدى الفلسطينيين. ومن سيقرر متى تكون الظروف مواتية لدى الفلسطينيين؟ هذا صحيح، بنيامين نتنياهو ذاته. هو أو ورثته أو ورثة ورثته.

تقول تسيبي ليفنيه للوهلة الأولى، عكس ذلك – يجب التحدث مع الفلسطينيين. حول ماذا؟ ليس حول القدس، لا سمح الله. ولا حول اللاجئين. ولكن حول ماذا؟ عن حالة الطقس؟ يتبين من ذلك أن خطة تسيبي هي مواصلة التحدث والتحدث والتحدث، وعدم التوصل إلى اتفاقية أي كانت تكون قابلة للتنفيذ .

لم يتراجع إيهود براك عن تصريحه المأسوي منذ ثماني سنوات، لدى عودته من المؤتمر الفاشل (وهو المذنب في ذلك) في كامب- ديفيد: "ليس لدينا شريك للسلام."

لا يقف أمام الجمهور أي واحد من بين الثلاثة، ويقول بكلمات بسيطة: أنا مصرّ على صنع السلام مع الفلسطينيين خلال العام 2009. يرتكز هذا السلام على إقامة دولة فلسطينية ضمن الخط الأخضر، مع تغييرات طفيفة متفق عليها بنسبة 1:1، من خلال تحويل القدس لتكون عاصمة الدولتين وحل لائق لقضية اللاجئين، بشكل يمكّن دولة إسرائيل من التعايش معه.

لا يطرح أي من بين الثلاثة برنامجا للسلام. أحاديث تافهة فقط. إسفينات فقط.

من المزعوم أن يأتي نتنياهو بالبديل: تحسين ظروف الفلسطينيين المعيشية. ظروف معيشية تحت الاحتلال؟ في حين هناك 600 حاجز في الضفة الغربية تمنع التنقل الحر؟ في حين تجر وراءها كل عملية مقاومة عنيفة عقابا جماعي للسكان؟ في حين تخرج فرق الموت، في الليالي، لتصفية "المطلوبين"؟ يمكن للأحمق فقط أن يستثمر المال في مثل هذه الأرض.

يجمع الثلاثة على فكرة وجوب القضاء على حماس. لا يصرّح أي منهم بتصريح علني عن الحاجة إلى إعادة احتلال غزة – الأمر غير الشائع بين أوساط الجمهور والقياديين في الجيش الإسرائيلي. ولكن الثلاثة يؤيدون الحصار المطبق على غزة، إيمانا منهم بأن السكان الذين يفتقرون إلى لقمة العيش والمستشفيات التي يتم شلها بسبب نقصان الأدوية والوقود، سيتمردون ضد حكم حماس. ما يحدث في هذه الأثناء هو العكس. شارك، في الأسبوع الماضي/ نحو ربع مليون من سكان غزة – نحو نصف سكان القطاع البالغين ! - في احتشاد جماهيري بمناسبة الذكرى السنوية لحماس.

لم يهب أي من الثلاثة ليقول: أنا أنوي التحدث مع حماس بهدف صمها إلى السلام.

كذلك لم يهب أي من الثلاثة ليقول: أنا أنوي صنع السلام مع سوريا خلال العام 2009. الشروط معروفة، أنا أقبل بها، أنا على استعداد للتوقيع.

قد يفكر الثلاثة بذلك في قرارة أنفسهم. ولكن كل منهم يقول لنفسه/ها: ماذا، هل أنا مجنون/ة؟ أن نتصدى لمستوطني الجولان وأصحابهم في إسرائيل؟ من لا يجرؤ على تفكيك نقطة استيطانية بائسة في الضفة الغربية، خوفا من الاصطدام بالمستوطنين المتعصبين هناك، فهو غير مستعد للمخاطرة بذلك في الجولان.

على الرغم من ذلك، فإن لدى الثلاثة ملاذ واحد: القنبلة الإيرانية. ماذا كنا سنفعل من دونها. "الخطر الرئيسي على وجود الدولة هي القنبلة الإيرانية!" هذا ما يصرح به براك. وتصرح ليفنيه. ويصرح به نتنياهو. يا لها من جوقة جيدة.

طيلة تاريخ الحركة الصهيونية، منذ مؤتمر بازل وحتى يومنا هذا، بحثوا عن طرق للتهرب من "القضية الفلسطينية". ولماذا إلى هذا الحد؟ لأنه في حال اعترفت الحركة بوجود الشعب الفلسطيني، لكان عليها إيجاد حل للوضع الفعلي وللمشكلة الأخلاقية. لهذا توجد مئات الحجج، كل في حينها، لتجاهل المشكلة.

وها هي القنبلة الإيرانية تلعب هذا الدور الآن. ها هو الخطر الفوري. خطر يهدد الكيان. دعك من القضية الفلسطينية. إنها ليست أمرا ملحًا. يمكن تأجيلها لسنوات عديدة (أو لأجيال). القنبلة الإيرانية هي التي تستوجب إلى معالجة فورية. بعد أن نحل هذه المشكلة (ليس من الواضح كيف)، سنتفرغ لمعالجة الإزعاج الفلسطيني.

يصرح المنطق، بطبيعة الحال، بالعكس: في حال وقعنا على معاهدة سلام مع الشعب الفلسطيني بأسره، ووضعنا حدا للاحتلال، ستسحب السجادة الإيرانية من تحت أقدام احمدي النجاد وأمثاله. حين يعترف الفلسطينيون بإسرائيل ويتصالحون معها، ستفقد حملة الهلال ضد إسرائيل انطلاقتها.

حسنا، ما من فارق بين الثلاثة حول أمور الحرب والسلم، ولكن ما هو الوضع بالنسبة لمجالات الحياة الأخرى؟

لقد تصدرت الأزمة المالية كل العناوين. جميع المرشحين يتطرقون إليها. يحتاج إيجاد الفارق بين تصريحاتهم إلى عدسة مكبرة.

كان من الممكن الافتراض أن نتنياهو سيختلف عن الآخرين. فهو كان كاهن الخصخصة الكبير. خصخصة كل شيء – ابتداء من الأسلاك الكهربائية وانتهاء بأربطة الأحذية. لقد انهار هذا التوجه في الولايات المتحدة، وهو ينهار في إسرائيل أيضا. هل هذا الأمر يضايق نتنياهو؟ هل هذا الأمر يؤدي به إلى التواضع؟ لا أبدا. إنه يطالب الآن، من دون أن يرف له جفن، تدخلا مكثفا من قبل الدولة. مثله مثل تسيبي. مثله مثل براك.

الدين والدولة؟ لا يطالب أي من الثلاثة تفريق هذين الأمرين بعضهم البعض. لا أحد يعد بزواج مدني. لا احد يعد بأن يدفع الإكراه الديني إلى الخلف، أن يجند تجنيد قوى طلاب المدارس الدينية، أن يلزم الجهاز التربوي الديني بتعليم المهن الأساسية. لا سمح الله، لا سمح الله. جميعهم سيحتاجون في الغد إلى "شاس" و/ أو إلى "يهدوت هتوراة".

المواطنون العرب؟ جميعهم يتودد إليهم بحماس. بالمقابل، لا أحد يعدهم بأي وعد حقيقي. مساواة حقيقية؟ بالكلمات فقط. الاستقلالية الثقافية؟ بالطبع لا. تنفيذ توصيات لجنة أور؟ دعك من ذلك!

هكذا يمكننا أن نواصل قراءة القائمة. موضوع تلو الآخر.

هل حقا لا يوجد فارق أي كان بين الثلاثة؟ هل التصويت لصالح أحد هذه الأحزاب مثله مثل التصويت لصالح الحزبين الآخرين؟

أنا لا أقول ذلك.

هنالك فارق ضئيل - ولكننا حين نتحدث عن أمور مصيرية، يمكن أن يكون الفارق الضئيل ذو أهمية أيضا.

نتنياهو، على سبيل المثال، يأتي بزمرة يمينية جدا. إن فيها عناصر فاشية يجدر بنا ألا نتجاهلها. هناك خطر في أن يؤلف حكومة تشمل الأحزاب "اليمينية – المتطرفة" (بما معناه: الفاشية) إضافة إلى "شاس" اليمينية - الحاريدية. سوف يعني فوزه للعالم بأسره بأن إسرائيل قد اختارت المنحدر إلى الهاوية. قد يطرح أيضا الإمكانية– كابوس السياسة الإسرائيلية – التصادم مع الولايات المتحدة التي يتزعمها باراك أوباما.

حزب العمل المهزوم والمغلوب على أمره (وبحق) يشمل عنصرا اجتماعيا-ديموقراطيا، ضعيفا ولكنه ليس معدوم الأهمية، الأمر الذي يميزه عن منافسيه نحو الأفضل.

كديما، هو مخلوق غريب وعجيب من اليمين اليساري واليسار اليميني، على الرغم من ذلك فإنه أفضل من الليكود، الذي انسحبوا منه، في حينه، معظم مرشحي كديما الحاليين. صحيح أن نتنياهو قد نما هو وليفنيه على الشجرة ذاتها، ولكن على أغصان مختلفة. قد تفاجئ تسيبي بما هو أفضل. إذا فاجأ نتنياهو، فهذه ستكون أعجوبة.

توجد إلى جانب الأحزاب الثلاثة "الكبيرة" بالطبع، العديد من الأحزاب الهادفة، كل منها يحتل حيّزا خاصا به، وهي تتوجه إلى جماهير محددة، ورسائلها، على الأقل، واضحة وصريحة: الأحزاب العربية، ميرتس، يهدوت هتوراه، شاس، حزب ليبرمان، البيت اليهودي. من المؤكد أن أحزابا أخرى ستنضم إلى هذه الأحزاب خلال المعركة الانتخابية. كل حزب هو حكاية بحد ذاته. ولكن أي منها لن يؤلف الحكومة المقبلة.

تدور الحكاية الحقيقية بين الأحزاب الثلاثة، وهي حكاية كئيبة جدا.

الاختيار بينهم هو الاختيار بين السيئ، الأسوأ، والأسوأ بكثير. بين آلام البطن، آلام الأسنان وآلام الظهر.

لن يتمخض عن هذه الانتخابات أي شيء جيد. السؤال الذي بقي فقط هو إلى أي مدى ستكون النتائج سيئة.

الخلاصة: يُمنع أن يحدث مثل هذا الأمر مرة أخرى!

من شبه المؤكد أن الكنيست الجديدة لن تدوم أكثر من سنة – سنتين. وعندها سيتم إجراء انتخابات قد تكون مصيرية.

في الحادي عشر من شهر شباط 2009، بعد يوم واحد من الانتخابات، يجب على الداعين إلى التغيير بدء التفكير من جديد. من يتوق إلى إسرائيل الديموقراطية، العلمانية، المتطورة، صانعة السلام الخارجي ومحققة العدل الاجتماعي الداخلي، يجب أن يقرر أخذ زمام الأمور بين يديه.

عليهم الشروع بجهد فكري وتنظيمي متجدد لتحقيق الأمور المهمة بالنسبة لهم. وعدم الاكتفاء بالتصويت لصالح "الأقل سوءا"، بل خلق أفضل ما يكون، وبلورة حلول لم يتم تجربتها بطرق لم يتم تجربتها، مع جماهير لا يتم إشراكها اليوم أبدا. إحلال أعجوبة أوباما في إسرائيل.

ويجب أن يكون هناك ابن رابع