|
||
"ربما من الأفضل أن نعثر في هذه المرة على خطيب أسود؟" سأل أحدهم. "هذه فكرة جيدة"، قال الرئيس. "من مثلا؟" قال السائل بصوت متردد أنه قد التقى في شيكاغو رجلا شابا يحمل اسما غريبا. إنه أسود وهو خطيب ممتاز. "دعونا نجربه؟" لا أدري فيما إذا دار مثل هذا النقاش. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فإن صاحب هذا الاقتراح قد صنع تاريخا. "أعطوني مارشالات محظوظين!" قال نابليون. هناك أشخاص محظوظون، لأنهم يعرفون كيف يلتقطون الحظ بكلتا يديهم وينطلقون به إلى الأمام. هذه مسألة موهبة. براك أوباما هو رجل كهذا. كان خطابه في ذلك المؤتمر، قبل أربع سنوات، بمثابة ضجّة. لقد ألهب حزبه المتعثر وأمريكا كلها. لقد جاء ببشارة تبعث النشوة في القلوب، بشارة أمل، وبالأساس بشارة توحيد القلوب. كانت فكرته الأساسية: تعالوا نعيد توحيد أمريكا! يبدوا أنه بين مئات البشارات الممكنة، كانت هذه هي البشارة الوحيدة التي لامست نفوس الأمة الأمريكية الممزقة. لقد نشأ تلامس بين الخطيب وجمهوره – ذلك التلامس الغامض الذي يصبو إليه كل خطيب، والمميزون فقط ، يمكنهم التوصل إليه. إنهم يتصلون بذلك الشيء الغامض الذي سمّاه الفيلسوف الألماني ZEITGEIST – روح العصر. لقد شعر أوباما أنه يلامس قلب الأمة. ومنذ تلك اللحظة، لم يتزحزح عن هذه البشارة. لقد تشبث بها طيلة المعركة الانتخابية الطويلة. لقد أحرزت له النصر. لم يكن هذا الأمر سهلا. كمن جرّب إدارة عدة حملات انتخابية، حتى وإن كانت صغيرة، أنا أعلم إلى أي مدى يكون من الصعب تحديد الرسالة الرئيسية - وكم هو صعب الإصرار عليها. خلال المعركة الانتخابية هناك آلاف الإغراءات للانحراف عن الرسالة الرئيسية بهدف الرد على ما يحدث، استغلال الفرص البديلة، الرد على هجوم الخصم. من الصعب ضبط النفس. من الصعب الإصرار. كثيرون كالوا المديح، هذا الأسبوع، لإدارة الحملة الانتخابية لأوباما. أنا لست متأكدا من أن جميعهم يدركون إلى أي مدى هم على حق. لقد ظل رابط الجأش حتى عندما كان على وشك الغضب، الرد بحدة على الإساءات والإهانات، الرد بحرب ضروس. إنه لم يفعل ذلك. لقد بقي صلبا كالصوان حتى النهاية. وأما جون ماكين، فلم يتقيد بخطه – خط بطل الحرب، رجل دمث، رمز الاستقامة. لقد تدهور في أكثر من مرة إلى قاع عدم الاستقامة. لقد أصعد على المسرح المسيئة العنفوانية، سارا فيلين. حتى في اللحظة الأخيرة، سمح بأن يُنشر في فلوريدا إعلان ادعى بأن أوباما هو حليف فيدل كاسترو وسيحول الولايات المتحدة إلى كوبا ثانية. حتى وإن كان الأمر لهذا السبب، فكان من الحق أن يفشل، وقد فشل. أوباما لم يلاحق الحظ. الحظ هو الذي لاحقه. ظهور فيلين، وهي عمل غبي غير اعتيادي من قبل خصمه، منحه أصوات النساء. الانهيار الاقتصادي، في خضم المعركة الانتخابية، ضمن له النصر. كانت الأمة الأمريكية، بكل مركباتها، عطشى ومستعدة لرسالة تغيير، رسالة تسامي. لقد خرجت الجماهير، في كافة بقاع الكرة الأرضية، في مئات الأماكن، فرحة في الشوارع وعبرت عن فرحها لانتخاب أوباما. في تلك اللحظات تجددت العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم، التي قطعته يد جورج بوش الخشنة. لم يجر مثل هذا الاحتفال في تل أبيب. لقد ساد ضيق الصدر في إسرائيل كلها. إسرائيل الرسمية تتخوف من الرجل الجديد. لو كانت تُجرى احتفالات في الميدان، لكنت سآتي إلى هناك. ولكن لم أكن لأعبر عن فرح غير متحفظ ، لأنني كنت سأتذكر ذلك المكان قبل تسع سنوات. في حينه تم انتخاب باراكنا، إيهود. لقد تنفست البلاد الصعداء، كما تنفست أمريكا الصعداء هذا الأسبوع. يبدو هذا اليوم أشبه بيوم تحرير. بدت فترة تولي بنيامين نتنياهو أشبه بالكارثة، فترة فساد، تنافر وفشل. كان براك يبدو وكأنه المخلص. مائة ألف رجل تدفقوا إلى ميدان رابين، حتى وإن لم يدعُهُم أحد، رقصوا، غنّوا، فرحوا، واستمعوا إلى أقوال باراك المخلص. والبقية معروفة. خلال بضعة أشهر، جعل باراك الجمهور يملّه، فشل في كل المجالات ووأد كل ما بناه إسحق رابين. لقد أدار الجمهور ظهره له ومنح أريئيل شارون نصرا ساحقا. كل هذه الحكاية استمرت أقل من سنتين. آمل من كل قلبي ألا يحدث أمر مشابه لبراك الأمريكي. ولكن كثيرين منا سيتذكرون هذه القضية. اليوم، بعد بضع ساعات، ستتدفق جماهير غفيرة إلى الميدان - الميدان ذاته - للمشاركة في الذكرى السنوية لإسحق رابين، رئيس الحكومة الذي اغتيل هنا، والذي سمي الميدان باسمه. الخطيب الرئيسي – نعم، نعم – هو إيهود باراك. بعد ثلاثة أشهر ستجرى الانتخابات العامة في إسرائيل. لن يكون لنا فيها براك أوباما خاص بنا. أوباما هو سياسي فذ. وفق تعريفي، السياسي الفذ هو شخص يبدو كالسياسي. مثل إيف لينكولن، مثل مهاتما غاندي، مثل فرنكلين دلانو روزفلت، مثل دافيد بن غوريون. لقد كانوا ممثلين كبار في التمثيلية السياسية، سياسيون بكل جوارحهم. ولكنهم لم يبدوا كذلك. أعتقد أن أوباما أيضا سيكون كهذا. أما في إسرائيل، فإن الشخص الذي يأمل بالفوز في الانتخابات، بنيامين نتنياهو، فهو العكس تماما. كل حركة من حركاته، كل تقطيب حاجب لديه، كل تفوّه من تفوهاته يبدو كسياسة. لقد مني بفشل ذريع في فترة توليه السابقة. إذا فاز، فلن يتغير شيء إلى الأفضل. إيهود باراك هو أيضا نظرية مضادة لبراك الأمريكي. مثله مثل نتنياهو وتسيبي ليفنيه، ينتمي إلى النخبة الشكنازية "البيضاء". ليست له أية علاقة حسية أو أخرى بالأقليات. إنه رجل عسكري. لقد استغل، على سبيل المثال، ليل انتخاب أوباما ليخرق اتفاقية التهدئة وينفذ عمليات عسكرية استفزازية في قطاع غزة، آملا أن يكون العالم مشغولا بالانقلاب الأمريكي. بقيت تسيبي لفنيه وحدها. هل التصق بها بعض غبار أوباما؟ من الصعب أن نقول ذلك. إنها ليست خطيبة فذة. إنها لا تخطب أبدا (والكثيرون يرون في ذلك أفضلية كبيرة). ولكنها تعد "بسياسة جديدة". لم تلتصق بها فضائح الفساد، كما حدث لرئيس الحكومة الحالي ولكلا خصميها. لا تتوجها هالة عسكرية. إن توليها لمنصب وزيرة الخارجية منحها سمعة كدبلوماسية. الأمر الوحيد الذي يكاد كل الإسرائيليين يلتفون حوله هو الرغبة في إنشاء علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة. الجميع يدركون أن السياسة الإسرائيلية الحالية ممكنة فقط حين يتوفر دعم غير متحفظ من قبل الولايات المتحدة. من بين المرشحين الثلاثة، تسيبي ليفنيه هي الوحيدة التي تبدو الأكثر ملاءمة للعمل مع الرئيس الجديد. انتخاب أوباما من شأنه أن يمنحها ريح خلفية، إذا عرفت كيف تستفيد من ذلك. السؤال هو: ما هي السياسة التي سينتهجها أوباما تجاه إسرائيل؟ القدس متخوّفة، ولكن الناطقين باسمها يعزّون أنفسهم – والجمهور – بأن هذا الشيطان ليس سيئا إلى هذا الحد. على الرغم من أن الكونغرس الجديد يختلف عن سابقه من ناحية موازين القوى، ولكن الخوف من اللوبي الإسرائيلي سيسيطر عليه. لقد قل تأثير الصهاينة الإنجيليين كثيرا، ولكن اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للنشاطات السياسية حية ترزق – وقد بقيت ركلاتها مؤلمة كما كانت عليه. وليكن وزيرا الخارجية والأمن لدى أوباما من يكونون، ولكن التوجه المباشر إلى البيت الأبيض سيكون محظورا أمام رئيس حكومة إسرائيل. الحارس الجديد، الذي يحمل اسما إسرائيليا رنانا رام عيمانوئيل، هو نجل عضو من أعضاء الإتسل. لقد ترعرع في بيت يهودي، يتحدث العبرية وقد تجند لمساعدة الجيش الإسرائيلي في حرب الخليج. لا أعرف آراءه بالنسبة للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، ولكنه من المؤكد أنها لن تسد الطريق أمام رئيس حكومة إسرائيلي إلى الرئيس الأمريكي. إذا طرأ تغيير، فسيكون على ما يبدو، تغييرا بطيئا وتدريجيا. ولكنه يمكن أن يكون هاما أيضا. ليس هناك أي احتمال بأن يتغير أي شيء في النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، من دون ضغط أمريكي على حكومة إسرائيل. هذا كان صحيحا في عشرات السنين الأخيرة، وهو صحيح الآن أيضا. كل رؤساء الولايات المتحدة، ابتداء من دويت أيزنهاور، تخوفوا من القيام بذلك. من حاول منهم، مثل الرئيس ريتشارد نكسون في بداية طريقه، سرعان ما ارتدع. الاستثنائي الوحيد كان جيمس بيكر، وزير خارجية بوش الأب، وضغطه (بواسطة الجيب) لم يصمد لوقت طويل. الضغط الأمريكي الناجع لا يجب أن يكون عنيفا بالضرورة. يجب أن يكون رقيقا، ولكنه مُصر ومتواصل. يبدو أن هذا يلائم شخصية أوباما. إذا قررت الإدارة الأمريكية الجديدة إعادة اختبار المصلحة الوطنية الأمريكية في الشرق الأوسط ، وإذا توصلت إلى الاستنتاج الذي لا بد منه بأن السلام هو عنصر حيوي في السياسة الأمريكية ما بعد بوش، عندها يتوجب على الرئيس الجديد أن يُعلم رئيس/ة الحكومة الجديد/ة بذلك وأن يطلب منه/منها بشكل جميل وقاطع تجميد كل المستوطنات والشروع بمفاوضات جديدة - وفي هذه المرة لن يكون من المجدي ربح الوقت، بل للتوصل إلى اتفاقيات نهائية خلال العام 2009. إسرائيليون كثيرون سيشكرونه على ذلك. قد يشكره (أو تشكره) رئيس/ة حكومتنا القادم/ة على ذلك في قرارة نفسه (أو في قرارة نفسها). هل الرئيس الأمريكي الجديد سيتجرأ على فعل ذلك؟ هل براك أوباما قادر على ذلك؟ لدي إجابة واحدة على هذا السؤال: !Yes, you can |