اوري افنيري 

عيون تواقة / أوري أفنيري


في الفترة الأخيرة تابع العالم كله عن كثب التطورات بينما كانت تمر الأيام، الساعات، والدقائق.

وشاهد المحكوم ليه بالإعدام، محمد أبو علي من قلقيلية، الذي انتظر عقوبة إعدامه.

أدين أبو علي بتهمة تنفيذ عملية إرهابية. لقد اشترى سكينا وقتل أربعة أفراد عائلة من مستوطنة مجاورة. ونفذ جريمته وحده أثناء نوبة غضب، بعد أن تم إطلاق النار على ابن عمه الحبيب، أحمد، وقتله أفراد حرس الحدود خلال مظاهرة.

يحظر القانون الإسرائيلي تنفيذ عقوبة الإعدام. لقد تم إلغاؤها في السنوات الأولى من قيام الدولة، عندما كان إعدام مقاتلي الحركات السرية ("الإرهابيين" وفقا للبريطانيين) لا يزال جديدا.

كان قرار الإلغاء ذلك حدثا احتفاليا، وأثار الفرحة. بعد التصويت سادت فرحة في الكنيست كلها - رغم أنّه لا يجوز فيه التعبير عن المشاعر مثل التصفيق.

وفي ذلك اليوم كنت فخورا بدولتي، التي ضحيت كثيرا من أجلها.

قبل ذلك اليوم أُعدِم مواطنان في الدولة.

كان أحدهما مهندسا مقدسيا اسمه مئير توبيانسكي، أطلقت النار عليه في الأيام الأولى من قيام الدولة تماما. كان متهما بنقل معلومات سرية للبريطانيين، وهم نقلوها بدورهم للعرب. أعلن ثلاثة ضباط أنهم بمثابة محكمة عسكرية وحكموا عليه بالإعدام. ولكن اتضح لاحقا أن المتهم كان بريئا.

فُرِض حكم الإعدام الثاني على أدولف آيخمان، النازي النمساوي المسؤول عن طرد اليهود من هنغاريا إلى معسكرات الموت. لم يكن ضابطا كبيرا جدا وفق الهرمية النازية، بل كان مقدّما ("أوفر- شتورمبان - فيرر") في الإس إس. فقط، ولكنه كان الضابط النازي الوحيد الذي كان بعض الممثلين اليهود على علاقة به، وبدا لهم كوحش.

عندما اختُطِف آيخمان في الأرجنتين ونُقِل إلى إسرائيل، لم تكن تلك الأيام الأكثر إثارة للإعجاب ولا الأكثر ذكاء. عندما حُكِم عليه بالإعدام، كتبت مقالا تساءلت فيه، هل كان يجب إعدامه حقا. قلت في قرارة نفسي: "لا أجرؤ على الإجابة". قُتِل آيخمان شنقا.

اعتراف شخصي: لست قادرا على قتل صرصار، ولا ذبابة. وهذا ليس قرارا واعيا، بل قرارا شعوريا تقريبا.

لم أكن أتصرف هكذا دائما. عندما كنت في سن الخامسة عشرة، انضممت إلى منظمة "إرهابية"، التنظيم العسكري الوطني. في الفترة ذاتها وضع الإيتسيل قنابل في الأسواق العربية وقتل النساء والأطفال، انتقاما على أفعال العرب الشبيهة.

كنت صغيرا جدا للمشاركة في عمليات كهذه، ولكن أصدقائي وأنا نشرنا في ميادين المدن ملصقات أعلنت عن هذه الأعمال بفخر. وهكذا كنت مشاركا إلى حد معيّن في هذا التنظيم، حتى انسحبت منه بسبب معارضتي المتزايدة لـ "الإرهاب".

ولكن طرأ التغيير الحقيقي لدي لاحقا، عندما أصبت في حرب عام 1948. وكنت على مدى بضعة أيام مستلقيا في سرير في المستشفى فاقدا القدرة على الأكل، الشرب، والنوم. ولكني كنت قادرا على التأمل فقط. عندها شعرت أنني غير قادر على إلحاق الضرر بالأحياء.

لهذا أعارض بشكل حازم عقوبة الإعدام. رحبت جدا بقرار الكنيست بإلغائها.

ولكن قبل عدة أيام تذكر أحدهم أنّ عقوبة الإعدام لم تُلغَ بشكل تام. هناك بند في القانون العسكري يسمح بتنفيذها. والآن باتت تُسمع مناشدة كبيرة لتنفيذها.

حدث ذلك عندما قتل فلسطيني ثلاثة أفراد من أسرة تسكن في مستوطنة. أصيب منفّذ العملية ولكنه لم يُقتل في المكان، كما يحدث دائما تقريبا.

ناشدت زمرة من اليمين في الحكومة بتنفيذ عقوبة الإعدام. انضم بنيامين نتنياهو أيضا لهذه المناشدات، ودعم هذه المطالب معظم أصدقائه في الحكومة أيضا.

من السهل أن نفهم موقف نتنياهو. فهو لا يعرف المبادئ والقيم. دعم دائما غالبية أعضاء معسكره اليميني. هذا إضافة إلى أنه متورط الآن في فضيحة رشوة ضخمة، تتعلق بغواصات من الصناعة الألمانية، وإلى أن أصبح مصيره السياسي معرضا للخطر. فلا وقت لديه للاهتمام بالأمور الثانوية.

إذا تجاهلنا للحظة معارضتي لعقوبة الإعدام، فإن التحليل العقلاني يُظهر بأنّ استخدامها خطأ ضخم.

يثير إعدام إنسان يعتقد أبناء شعبه أنه وطنيا غضبا وانتقاما. عند إعدام كل شخص يسعى عشرة آخرون إلى الأخذ بثأره.

أنا أتحدث بناء على خبرتي. كما ذكرت سابقا، انضممت إلى الإيتسيل عندما أصبحت في سن الخامسة عشرة عاما تقريبا. قبل ذلك بأيام قليلة أعدم البريطانيون شابا يهوديا، شلومو بن يوسف، بعد أن أطلق النار تجاه حافلة عربية مليئة بالناس والأطفال، ولكنه لم يصب أحدا. إنه كان اليهودي الأول الذي تم إعدامه في أيام الانتداب البريطانيّ.

بعد ذلك بسنوات، عندما بدأت أعارض "الإرهابيين"، غضبت في كل مرة شنق فيها البريطانيون "إرهابيا" يهوديا آخر. (أنا فخور بحقيقة أنني اخترعت التعريف العلمي الوحيد لمصطلح "إرهابي": "المقاتل من أجل الحرية هو مننا. والإرهابي هو عدونا").

ادعاء آخر ضدّ عقوبة الإعدام هو ذلك الذي وصفته في بداية هذا المقال: التأثير الدراماتيكي الكامن في هذه العقوبة.

منذ اللحظة التي يصدر فيها الحكم، يتابع العالم كله - وبطبيعة الحال البلاد كلها أيضًا - الحدث. بدءا من تل أبيب إلى تمبكتو، من باريس إلى بريتوريا، سيهتم ملايين البشر، رغم أنهم لا يهتمون بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ستؤثر عقوبة الموت بحق المحكوم عليهم في ذاكرتهم.

ستغرق السفارات الإسرائيلية برسائل الأشخاص الطيبين. وستتدخل منظمات حقوق الإنسان في جميع البلدان في القضية. في الكثير من المدن ستُجرى مظاهرات، وسيزداد حجمها أسبوعيا.

سيتصدر احتلال الأراضي الفلسطينية، الذي كان حتى وقت قليل هامشيا في وسائل الإعلام، مركز الاهتمام العالمي. سيرسل المحررون مراسليهم، وسيملأون الصفحات. سيتوجه بعض رؤساء الدول إلى رئيس الدولة ويطلبون العفو.

كلما اقترب موعد الإعدام، ستزداد الضغوط. ستشهد جامعات وكنائس العالم دعوات لمقاطعة إسرائيل. سيرسل الدبلوماسيون الإسرائيليون نداءات إنذار لوزارة الخارجية في القدس. وستعزز هذه السفارات وسائل الدفاع.

وستعقد الحكومة الإسرائيلية اجتماعا طارئا. وسيوصي بعض الوزراء بتخفيف العقوبة. بالمقابل، سيدعي آخرون أنّ ذلك سيظهر ضعفا وسيشجّع الإرهاب. وسيتجاهل نتنياهو، كعادته، كل الأمور.

كيف ستُنفذ عقوبة الإعدام؟ شنقا؟ قطع الرأس؟ وكيف سيُقطع الرأس- باليد أم بالمقصلة؟ إطلاق النار؟ استخدام السم؟ التيار الكهربائي؟

ومن سينفّذها؟ مأجور؟ متطوّع؟ فرقة إطلاق نار؟

أعلم أن هذه الحجة قد تؤدي إلى استنتاج بأنّه يجب قتل منفّذي العمليات في موقع الحادثة.

هذه هي، في الواقع، النقطة الأخرى في الجدالات التي تمزّق إسرائيل الآن. أطلق إليئور أزريا، جندي ومضمد قتالي، النار من مسافة قريبة على رأس منفّذ عملية عربي كان مستلقيا على الأرض وهو مضرّج بالدماء. فحكمت المحكمة العسكرية عليه بالسجن لعام ونصف، وأكدت قرارها حتى بعد الاستئناف، يأتي هذا القرار رغم أن الكثيرين يعتقدون أنّه يجب إطلاق سراح أزريا. ويطالب آخرون، ومن بينهم نتنياهو، تخفيف العقوبة.

يتمتع أزريا وأفراد أسرته بشكل واضح باهتمام الداعمين. إنهم يعتقدون أن أزريا ارتكب عملا صحيحا، وفقا لأمر غير مكتوب يقول إنّ "الإرهابي لا يجب أن يبقى حيّا بعد العملية".

صرح ذلك ذات يوم إسحاق شمير، رئيس الحكومة حينذاك (الذي كان رجل العمليات في الليحي وأحد الإرهابيين الأكثر نجاحا في القرن العشرين).

على أية حال، تعد عقوبة الإعدام وسيلة همجية وغبية. لقد ألغتها كل الدول المتحضّرة، فيما عدا ولايات معينة في الولايات المتحدة (من الصعب أن نسميها متحضّرة).

عندما أفكر في هذا الموضوع، أتذكر دائما أخبار ممزقة للقلب لأوسكار وايلد، في قصيدته "قصة سجن رادينغ". كان أوسكار وايلد مسجونا فيه، وكتب على مرأى سجين محكوم عليه بالإعدام:

"لم أرَ أبدا إنسانا / ينظر بعين حزينة إلى هذه الدرجة / في القطعة الصغيرة الزرقاء / التي يسميها السجناء السماء...".