اوري افنيري 

لا ترسل عدوّ السلام! / أوري أفنيري


دونالد ترامب بصق في وجهي.

ليس في وجهي فحسب، وإنما في وجه نصف الإسرائيليين على الأقل.

يبدو ذلك مثل طرفة سيئة. ولكن هذا هو الواقع. نشأت هنا سابقة لم يُعرف مثلها في تاريخ الدبلوماسية.

أولا، كيف أصبح إرسال سفير إلى البلاد تربطه علاقة جيدة بها إجراء سليما. لا يُرسل مهاجر كوبي يكره كاسترو ليتولى منصب سفير الولايات المتحدة في هافانا. ولا يُرسل صيني من تيوان ليشغل منصب سفير الولايات المتحدة في بكين.

صحيح، ليست هذه هي المرة الأولى التي يُرسل فيها يهودي ليتولى منصب سفير الولايات المتحدة في إسرائيل. كان اثنين أو ثلاثة مثله في السابق، قادرين أيضًا أن يتولوا منصب سفراء إسرائيل في الولايات المتحدة. ولكنهم كانوا ذوي آراء أقل تطرّفا من آراء هذا السفير.

مهمة السفير، من بين أمور أخرى، هي أن يكون ممثلا عن بلاده في البلاد التي يخدم فيها. إحدى مهامه هي توفير معلومات حقيقية ومعتمدة لوزارة خارجية بلاده، يمكن بناء السياسات بموجبها. السفير المثالي هو السفير البارد، الذي يفتقد إلى مشاعر قوية وواضحة تجاه البلاد التي يخدم فيها، بحيث تكون مشاعره معتدلة، ليست إيجابية ولا سلبية.

وصف مثل هذا الدبلوماسي هو العكس تماما من ذلك السفير المحدّد.

لو أرسِل دافيد فريدمان ليعمل سفيرا إسرائيليا في الولايات المتحدة، كان ذلك أكثر منطقية بكثير. لسوء الحظ، فإنّ هذه الوظيفة يشغلها يهودي أمريكي آخر فعليا. تقول الشائعة إنّ هذا الرجل قد عينه بنيامين نتنياهو وفقا لطلب شيلدون أديلسون، إمبراطور القمار اليهودي الداعم لليمين المتطرف، في أمريكا وفي إسرائيل أيضا.

ولكن أديلسون أيضًا يبدو يساريّا مقارنة بدافيد فريدمان.

الاسم فريدمان بحد ذاته طرفة. ففي الألمانية، تعني "فريدمان" رجل سلام. ولكن دافيد هذا هو العكس تماما من رجل السلام. بالمناسبة، أيضًا دافيد (داود) في الكتاب المقدّس كان رجل حرب، إلى درجة أنّ الله قد سلب منه حقّ بناء الهيكل الأول، ونقل هذا الحقّ لابنه، سليمان.

حسنًا، من هو رجل السلام هذا؟ منذ أن تم الإبلاغ عن تعيين فريدمان المرتقب أُغرِق الإنترنت باقتباسات من كلامه. جميعها صادمة، كل واحدة أكثر من سابقتها.

يبرز شيء واحد حتى في القراءة الأولى: عندما يقول السفير المستقبلي للولايات المتحدة في إسرائيل "نحن"، فهو يقصد "نحن الإسرائيليون"، "نحن الإسرائيليون الحقيقيّون"، "نحن الوطنيّون الإسرائيليون". عندما يقول "بلادنا" فهو لا يعني الولايات المتحدة، وإنما إسرائيل الكبرى، من البحر حتى نهر الأردن (على الأقل).

فريدمان غير متماهي مع كل الإسرائيليين. يبدو أنّه يعتقد بأنّ معظم الإسرائيليين عميان، أغبياء، انهزاميين، أو - أكثر سوءًا - خونة. ينشئ ذلك رقما قياسيا عالميا: يتضح أنّ معظم الإسرائيليين هم خونة.

إذا مع من يتماهى فريدمان؟ توضح عيّنة تمثيلية من تصريحاته ذلك تماما: إنه ينسب نفسه إلى 5% من الإسرائيليين - المستوطنين واليمين المتطرّف.

وهذه إحدى أفكاره:

  • يجب سلب المواطَنة من السكان العرب في إسرائيل، أي من 21% من السكان. وهذا مثل سلب المواطَنة الأمريكية من كل الأمريكيين السود.
  • لا يوجد "حلّ الدولتين". مجرّد ذكر هذه الفكرة هو أشبه بالخيانة. (لأنّ أعدائي اتّهموني بأنّني اخترعتُ هذا الحلّ عام 1949، فهذه بصقة أخرى في وجهي).
  • يجب على الرئيس القادم ترامب أن ينحّي كل موظّفي وزارة الخارجية الأمريكية المؤيّدين لحلّ الدولتين.
  • يُحظر إخلاء ولا حتى مستوطن واحد من "منزله"، حتى عندما يكون "المنزل" مبنيا على أرض مزارع عربي.
  • في إسرائيل الكبرى، من البحر إلى النهر، يشكّل اليهود غالبية بنسبة 65%. هذا كذب صارخ: في هذه الأرض، التي تشمل قطاع غزة، يشكّل العرب الغالبية الآن فعليّا.
  • الفلسطينيون فاسدون.
  • الرئيس أوباما "معاد للسامية"
  • يجب على بشار الأسد وبنيامين نتنياهو أن يتصادقا. ينتمي الرئيس فلاديمير بوتين أيضًا إلى هذه المجموعة من الرؤساء.
  • نحن بحاجة إلى حرب عالمية ضدّ معاداة السامية الإسلامية.
  • اليهود الأمريكيون المؤيّدون لمعسكر السلام الإسرائيلي أسوأ من الكابو. الكابو (هو اختصار المصطلح الألماني "كامب- بوليتسيي"، أي شرطة المعسكر، وهو اسم أُطلِق على اليهود الذين ساعدوا النازيين في معسكرات الإبادة). يلائم هذا الوصف بشكل خاصّ المنظمة الأمريكية-اليهودية "جي-ستريت"، وهو معسكر سلام معتدل. ويلائمني أنا أيضًا، بطبيعة الحال.

إذا شعرتم بالحاجة إلى الضحك بصوت عالٍ لدى قراءة أحد هذه التعريفات، فلا تضحكوا. لأن هذا ليس مضحكا.

دافيد فريدمان شخص جادّ. إنّه محامٍ شهير خبير بمجال الإفلاس، ولكنه لم يُرسَل إلى البلاد من أجل معالجة إفلاس نظام نتنياهو. بل العكس، فقد أُرسِل للمساعدة على إقامة حكومة يمثّل فيها نتنياهو اليسار المتطرّف. وهذه ليست مبالغة.

منذ عام 1967 يصلّي اليسار الإسرائيلي لتدخّل الولايات المتحدة، كي تساعد على إنقاذ إسرائيل من نفسها. فاستُقبِل كل رئيس جديد بأمل كبير، أمل أن يجبر الحكومة الإسرائيلية على إعادة الأراضي الفلسطينية المحتلّة ويصنع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وبين إسرائيل والعالم العربي كله.

كان أوباما الرئيس الأخير الذي بُنيت الآمال عند انتخابه. إنّه ذكي، وسيم، خطيب مثير، وشخص ذو نوايا طيّبة. ولكن إذا أردنا مناقشة النتائج، فلم يعمل شيئا من أجلنا. ولكن كنّا سنتمنّى الآن أن يحظى بفترة ولاية ثالثة.

كنت دائما متشكّكا بخصوص هذا النهج. لماذا يخاطر رئيس أمريكي بمكانته من أجل إنقاذ إسرائيل من نفسها، إذا كان الإسرائيليون أنفسهم كسلاء أو جبناء للعمل على إنقاذ أنفسهم؟

(ذكرت فعلا مؤخرًا بأنّني اتّهَمتُ في إحدى المرات، في مؤتمر دولي، السياسي الإسبانيّ والعالمي ميغيل موراتينوس لأنه لم يعمل على هذا الموضوع. وقد قال غاضبا إنّه ليس من واجبه أن ينقذنا، وإنّ علينا أن ننقذ أنفسنا. لم أستطع أن أغضب منه).

تخلّيت منذ زمن عن أي أمل بأن تساعدنا أية حكومة أمريكية في صناعة التاريخ، في صنع سلام مع الشعب الفلسطيني وإعادة الأراضي المحتلة بسلام. علينا أن نصنع ذلك وحدنا، بأنفسنا.

ليس هناك حلّ آخر. ما يُسمى "حل الدولة الواحدة" ليس سوى وصفة لحرب أهلية لأجيال طويلة.

كل من لم تضعف عيناه بعد بسبب القومية المتطرّفة و/أو التعصّب المسيحاني عليه أن يرى ذلك. إنه حل بسيط جدا.

أغرق احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967 إسرائيل بثمالة وأصبح يعيق المنطق لدينا اليوم أيضًا. شجّعت الولايات المتحدة إسرائيل على الاستمرار في هذا الطريق، وكانت لها أسبابها الخاصة.

من المفروغ منه بالنسبة للرئيس القادم ترامب أن يجعلنا نسير في الطريق التي نهايتها الدمار.

قبل نحو ألفي عام تغطرس بار كوخبا، بعد سلسلة من الانتصارات الأولية. فتوجه إلى الله قائلا إنّه ليس بحاجة إلى مساعدته، ولكنه طلب ألا يساعد الله أعداءه على الأقل. يبدو أن الله لم يستجب له، وتم سحق ثورة بار كوخبا من قبل الرومان. لم يتعافَ السكان اليهود في البلاد من تلك الضربة حتى ولادة الصهيونية.

كنت أريد أن أقول لدونالد ترامب: "إذا كنت لا تريد مساعدتنا في تحقيق السلام، فعلى الأقل لا ترسل لنا فريدمان عدوّ السلام!".