اوري افنيري 

الله ييأس أيضًا / أوري أفنيري


بعد إقامة الدولة تجلّى الله لدافيد بن غوريون وقال له: "فعلتَ حسنًا مع شعبي. عبّر عن أمنيتك وسألبيها لك".

"أريد أن تكون إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية، وتتضمن كل أرض إسرائيل"، أجاب بن غوريون.

"إنه طلب كبير جدا حتى بالنسبة لي"! صاحَ الله، "ولكن أمامك خيارين من بين الخيارات الثلاثة. يمكنك أن تختار بين إسرائيل يهودية وديمقراطية، ولكن فقط في جزء من أرض إسرائيل. أو أن تختار دولة ديموقراطية في كافة البلاد، شريطة ألا تكون يهودية. أو أن تختار إسرائيل يهودية في كافة البلاد، شريطة ألا تكون ديمقراطية".

منذ ذلك الحين لم يغيّر سبحانه وتعالى رأيه.

في الوقت الذي أكتب فيه هذه الكلمات ينشغل نتنياهو تماما في تشريع قانون جديد، يمثّل خطوة استثنائية في سجّلات دولة إسرائيل. ينظر الجمهور الإسرائيلي إلى ما يحدث نظرة تسلية، كما لو أنه يحدث في هونولولو.

من المفترض أن يسمح القانون الجديد لـ 90 عضو كنيست بطرد أحد المنتَخَبين الآخرين من الكنيست، أو جميعهم. إن أسباب هذا القرار غامضة جدّا: على سبيل المثال، دعم "الإرهابيين" قولا وفعلا، نفي الطابع اليهودي للدولة، وأسباب أخرى مختلفة وغريبة.

من الذي يقرّر؟ الغالبية، بطبيعة الحال.

لقد كان أعضاء الكنيست العرب الثلاثة الذين زاروا أهالي "المخرّبين" في القدس الشرقية الدافع الفوري لتشريع هذا القانون. ادعوا عذرا جيّدا: ترتيب إعادة جثث الأبناء، الذين أطلقت النار عليهم في مكان تنفيذ العملية. ولكن من الواضح أن زيارتهم تهدف للتعبير عن تعازيهم.

يمكن، بطبيعة الحال، الادعاء أنّ الأم الثكلى هي أم ثكلى بكل معنى الكلمة، من دون علاقة بظروف وفاة ابنها. التعبير عن التعازي هو عمل إنساني مرغوب. ولكن هذا النهج هو بالتأكيد إنساني أكثر من اللازم في نظر أعضاء الليكود.

في تلك الأيام الجيّدة، عندما كنّا نحن "الإرهابيون" وكان البريطانيون هم المحتلّون، كنت بالتأكيد سأعرب عن تعازيّ للجيران الذين قُتل ابنهم في عملية إرهابية. لا أعتقد أنّ الإنجليز كانوا سيرسلونني بسبب ذلك إلى إفريقيا.

بموجب القانون، يتمتع أعضاء الكنيست بحصانة في كل ما يتعلق بالأفعال التي يرتكبونها أثناء تأدية واجبهم. ربّما تكون زيارة عضو كنيست إلى ناخبيه في مثل هذه الظروف عملا يتطلب حصانة. ولذلك هناك حاجة إلى قانون جديد.

أي قانون!

"تخيلوا لو حدث أمر شبيه في البرلمان البريطاني أو في الكونغرس الأمريكي"! فكان سيصيح بنيامين نتنياهو متأثرا، "عضو البرلمان أو عضو الكونغرس الداعم للإرهاب"!

"تخيلوا لو حدث أمر مماثل في البرلمان البريطاني أو في الكونغرس الأمريكي"! كنت سأقول، ثمة حاجة إلى "قانون يسمح لثلاثة أرباع أعضاء البرلمان أو الكونغرس بطرد الآخرين"!

لقد تعلّم نتنياهو في الولايات المتحدة. وبالطبع تعلم فيها أنّ الديمقراطية تعني حكم الأكثرية فقط. حتى أدولف هتلر تمتّع، بالطبع، بتأييد الأكثرية. إن معنى الديمقراطية هو تأمين حقوق الأقليات أيضا، بما في ذلك حقّ حرية التعبير.

إنّ حقّ حرية التعبير لا يعني حقّ التعبير عن الآراء الشعبية. لا يحتاج الرأي الشعبي إلى حماية. تتحدث حرية التعبير عن حقّ التعبير عن رأي الأقلية، حتى لو كان شائنًا في نظر الأكثرية.

إنّه يشمل بالتأكيد حقّ الأقلية في التعبير عن رأيها بشكل غير عنيف. وهنا تكمن المشكلة.

من الواضح للجميع أنّ حقّ طرد 30 عضو كنيست يشكّل تهديدا على أعضاء الكنيست العرب. تشمل القائمة "العربية" في الكنيست الحالي 13 عضوا، وكما يبدو فستزداد هذه النسبة في المعارك الانتخابية القادمة.

(هذا أمر معقّد بعض الشيء. تتضمن القائمة "العربية" يهوديا واحدا، وهو تحديدا يحظى بشعبية، بينما تشتمل القوائم "اليهودية" على عدد من العرب الذين يغلقون أفواههم عندما يناقش الكنيست قضايا جادّة).

إنّه ليس قانونا ضدّ دعاة الإرهاب، بل هو قانون ضدّ الأقلية العربية. سيكون الكنيست يهوديّا بأكمله.

وعودة إلى الصفقة التي عقدها الله مع بن غوريون: ستكون هذه دولة يهودية في كل البلاد، شريطة ألا تكون ديمقراطية.

شكّل اليهود أقليات منذ النفي البابلي قبل 2500 عام. كان كافة اليهود أقليّات على مدى ألفي عام.

كان بالإمكان الاعتقاد أنّه يكفي 80 جيلا من أجل التعلّم كيف يجب أن تتصرف الدولة تجاه الأقليات. في الواقع، يمكن الاعتقاد أنّ جميع دول العالم سترسل وفودا إلى إسرائيل لتتعلّم هنا كيف يجب أن تتصرّف الدولة العادلة تجاه الأقليات. هكذا اعتقد مؤسس الصهيونية، بنيامين زئيف هرتسل، الذي وُصفت في كتابه المستقبلي "آلتنويلاند" (الأرض القديمة الجديدة) العلاقات بين الدولة ومواطنيها العرب كأنشودة رعوية.

ولكن لمزيد الأسف، لم يحدث ذلك. مرت أيام جذبت فيها الدولة الشابة والحيوية التقدّميّين من جميع أنحاء العالم، والذين جاؤوا للعيش في الكيبوتسات والقرى التعاونية. (والآن اتضح أنّ برني ساندرز، وهو مرشّح ديمقراطي رائد للرئاسة الأمريكية، قد عاش يوما ما كمتطوّع في كيبوتس). حتى قبل تشريع هذا القانون المقترح، فإنّ إسرائيل الآن هي إحدى الدول الأقل ديمقراطية في العالم الغربي، الذي ترغب إسرائيل جدّا في الانتماء إليه.

يعيش في الضفة الغربية نحو 2.5 مليون مواطن، وهم يفتقدون إلى الحقوق الإنسانية والحقوق الوطنية على حد سواء. في هذا الأسبوع فقط وصفت عميرة هاس، الصحفية الشجاعة التي تذكر ما يحدث في الأراضي المحتلة، والتي تتحدث عن أسرة برجوازية هادئة في الضفة الغربية، وصل عدد من الجنود إلى منزلها وأمروها بإخلاء صالة المنزل، لتتحوّل إلى ثكنة. رغم أنّ الجنود قد أحضروا معهم مراحيض كيميائية، ولكنهم كانوا يتبوّلون من الشرفة.

على مدى فترة طويلة كنّا نظنّ أنّ إسرائيل يمكنها أن تبقى "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" في الوقت الذي لا تزال تسيطر فيه على أراض محتلّة واسعة. فقد سيطر البريطانيون على مئات الملايين من البشر في الوقت الذي مثّلت فيه بريطانيا نفسها رمزًا ونموذجًا للديمقراطية. بالتأكيد، ولكن كان الإنجليزي يحتاج إلى عدة أسابيع من أجل الإبحار من إنجلترا إلى الهند، وفي هذا الوقت تمكّن من تغيير طبيعته كما هو مطلوب. بينما يتطلّب الأمر خمس دقائق فقط للانتقال من إسرائيل إلى الضفة الغربية.

يشكّل المواطنون العرب نحو 20% من السكان في إسرائيل. هذا ما تبقّى من الغالبية العربية الكبرى التي كانت هنا قبل قيام الدولة، والتي هربت في معظمها أو هُجّرت.

بقيت هذه النسبة كما هي منذ قيام الدولة وحتى اليوم - وهي فترة ازداد فيها عدد سكان البلاد بعشرة أضعاف وأكثر!

معجزة؟ تقريبا. لقد ساعدت الهجرة اليهودية، بدءًا من البلدان الإسلامية، مرورا بالاتحاد السوفياتي، وصولا إلى إثيوبيا على إحداث توازن في الزيادة السكانية العربية الكبيرة. لا يزال العرب يشكّلون 20%، كما توقّع الله.

كان الجيل الأول من "عرب إسرائيل" - كما يسمّيهم اليهود، بما لا يرضيهم إطلاقا - مستسلما وخاضعًا. لقد كانوا لا يزالون يعيشون الكارثة التي حلّت بهم في حرب 1948. من أجل الحفاظ على الأمن فُرض عليهم "حكم عسكري" قيّد حركتهم. لم يكن بإمكان العربي السفر من قريته إلى القرية المجاورة، ولم يستطع شراء تراكتور أو إرسال ابنه للالتحاق بالدراسة - من دون أن يحصل على موافقة الحاكم العسكري. تم إلغاء هذا الحكم بعد مرور 17 عامًا فقط.

يمكن التساؤل لماذا مُنح العرب حقّ التصويت منذ البداية. حسنًا، لأنّ العرب كانوا خاضعين، اعتقد بن غوريون - وهو رجلّ حزبيّ حتى النخاع - وأنه يمكنهم أن يلعبوا دورا مفيدا في تعزيز حكم حزب مباي. وهذا ما حدث في الواقع.

ولكن الآن هناك جيل ثالث من المواطنين العرب. هناك بروفيسورات، رؤساء أقسام في المستشفيات، رجال أعمال، وحتى ضباط في الشرطة. وكذلك قوميون فلسطينيون، إسلاميون، شيوعيون، لديهم مشاعر، متطلبات، بل حتى أنهم يجرأون على المطالبة بمساواة كاملة في الحقوق.

في الوضع العادي أيضا، من شأن هذا أن يثير مشكلة كبيرة. ولكن الوضع ليس عاديّا. تشكل الأقلية القومية في إسرائيل جزءا من الشعب الفلسطيني، الذي ترغب الحكومة الحالية في إسرائيل في سلب جميع أراضيه.

هناك في ذهني سيناريو لفيلم. وأنا مستعد لتقديمه لأي شخص يرغب في ذلك.

شقيقان يهوديّان، وهما أبراهام ودافيد، يهربان من ألمانيا النازية. يهاجر دافيد إلى الولايات المتحدة، وأما أبراهام فيهاجر إلى أرض إسرائيل.

ينضمّ دافيد، بطبيعة الحال، إلى حركة مارتن لوثر كينغ، فيصبح ناشطا بارزا من أجل حقوق المواطن، ويناضل الآن من أجل حقوق الأقليات. وهو أيضًا عضو في حركة الـ BDS، التي تدعو إلى مقاطعة إسرائيل.

أبراهام، الذي سمّى نفسه رامي، هو عقيد في الجيش الإسرائيلي، قومي متحمّس، يصوّت لليكود دائما، ومعجب بنتنياهو. بالمصادفة تماما (فهذا سيناريو) كان في شبابه عضو في الكيبوتس، في الكيبوتس ذاته الذي أقام فيه برني ساندرز كمتطوّع من خارج البلاد.

أحد الإخوة، رامي، مسؤول عن جزء من الضفة الغربية، وهو مسؤول عن أوامر بحسبها يتم إلقاء الفلسطينيين من منازلهم لأسباب أمنية.

الأخ الثاني، دافيد، يترأس وفدا نيابة عن الرابطة الأمريكية لحقوق الإنسان والذي يزور البلاد من أجل التحقيق في ما يحدث في الضفة الغربية. وقد فُرضت على رامي مسؤولية منع ذلك. وهكذا يستمر السيناريو قدُما.

والآن نعود إلى الله. فنراه يهزّ رأسه للأسف. هؤلاء البشر، يسأل نفسه، ألن يتعلّموا أبدًا؟

لم تستخلص أية دولة العبرة من وراء طرد أقليّاتها. فقد طردت ألمانيا النازية علماءها اليهود. فهاجر بعضهم إلى الولايات المتحدة وأنشؤوا فيها القنبلة الذرية لصالح الدولة. قبل فترة طويلة من ذلك طرد الملوك الكاثوليكيون في فرنسا الهوغونوتيين (البروتستانت)، الذين هاجروا إلى بروسيا واستقرّوا في مدينة عسكرية صغيرة، برلين. لقد حوّلوها إلى مركز عالمي للصناعة والثقافة. وهناك الكثير من النماذج.

إذا لم نتعلم أثناء ألفي عام شيئا، فمتى سيحدث ذلك؟