|
||
بالنسبة لكونها دولة "ديمقراطية"، ربما كان ذلك صحيحا، بشكل أو بآخر، في فترة ما بعد إقامة الدولة وحتى حرب 1967. حينها احتلّت إسرائيل لسوء حظّها الضفة الغربية، قطاع غزة، القدس الشرقية وهضبة الجولان. وبطبيعة الحال شبه جزيرة سيناء، التي أعيدت في وقت لاحق إلى مصر. (قلتُ "بشكل أو بآخر"، لأنّه لا يوجد في العالم دولة ديمقراطية بشكل تامّ). منذ حرب 1967، كانت إسرائيل كائنا مختلطا: نصف ديمقراطية، ونصف ديكتاتورية. كثمرة الطماطم التي نصفها طازج ونصفها فاسد. ربما من المفضل التذكير بأنّ الأراضي المحتلة مؤلفة من أربعة أنواع مختلفة تماما. أ. القدس الشرقية، التي ضُمّت إلى إسرائيل عام 1967 والتي تعتبرها اليوم إسرائيل جزءا من عاصمتها. لم يطلب مواطنوها العرب الجنسيّة الإسرائيلية ولم يحصلوا عليها. إنهم مواطنون من دون مواطَنة أيّا كانت. ب. هضبة الجولان، وكانت في الماضي جزءًا من سوريا، والتي ضُمّت إلى إسرائيل - وهو ضمّ لم يتم الاعتراف به من قبل أية دولة أخرى. سكانها العرب-الدروز القلائل، الذين تبقّوا في هذه الأرض، هم مواطنون إسرائيليون رغما عنهم. ج. قطاع غزة، المنقطعة تماما عن العالم من قبل إسرائيل ومصر، اللتين تعملان جنبًا إلى جنب. يُغلق سلاح البحرية القطاع تماما من البحر. ويحصل السكان على الحدّ الأدنى المطلوب لمعيشتهم عن طريق إسرائيل. أخرج أريئيل شارون من القطاع المستوطنات الإسرائيلية القليلة. لأن إسرائيل لا ترغب بهذه الأرض. وذلك لأنه يسكن فيها عرب أكثر من اللازم. د. الضفة الغربية، التي تدعوها الحكومة الإسرائيلية والكثير من الإسرائيليين أيضًا باسمها التوراتي: يهودا والسامرة. حتى زعماء المعارضة بدأوا بتسميتها بهذا الاسم الضمومي [عن العبرية "سيبوحيستي"، من كلمة "الضمّ"، أي من يدعم ضمّ أراضي الضفّة إلى السيادة الإسرائيلية]. يعيش هناك قسم كبير من الشعب الفلسطيني - نحو 3.5 مليون إنسان. إنها ساحة المعركة الأساسية. منذ اليوم الأول من الاحتلال، طمح أعضاء اليمين بضمّ الضفة الغربية إلى إسرائيل. وتحت راية "أرض إسرائيل الكبرى" شنّوا معركة لضمّ هذه الأرض كلّها إلى إسرائيل، ولطرد السكان العرب وإقامة أكبر قدر ممكن من المستوطنات اليهودية. لم يُخفِ أعضاء اليمين المتطرّفون أبدا طموحهم بتطهير البلاد كلّها من غير اليهود وإقامة الدولة اليهودية الكبرى من البحر إلى النهر أخيرا. من الصعب تحقيق هذا الهدف. ولكن في حرب عام 1948 احتلّت إسرائيل مساحة أكبر بكثير ممّا خُصّص لها في خطّة التقسيم التابعة للأمم المتحدة. هرب نحو نصف السكان العرب أو طُردوا. قَبِل العالم بشكل أو بآخر هذا الأمر الواقع، لأنّه تحقّق في حرب شنّها الجانب العربي، وكذلك لأنّ ذلك حدث بعد ثلاث سنوات فقط من الهولوكوست. في حرب عام 1967 كان الوضع مختلفًا تماما. كانت أسباب الحرب الجديدة مثارًا للجدل. في أرجاء العالم، كانت تجري "الحرب الباردة" بين القوّتين العظميين. لم تحظّ احتلالات إسرائيل بالاعتراف، ولا حتى من الجانب الأمريكي، الدولة الصديقة الأكبر لإسرائيل. رغم كل الحروب التي اندلعت منذ ذلك الحين ورغم انتهاء الحرب الباردة في العالم، لم يتغيّر هذا الوضع حتى اليوم. لا تزال إسرائيل تُسمي نفسها "يهودية وديمقراطية". ولكن هناك تعادل بين سكان "إسرائيل الكبرى" اليوم، فنصفهم من اليهود والنصف الآخر من العرب، والجانب العربي آخذ بالازدياد. لا تزال إسرائيل نفسها ديموقراطية، بشكل أو بآخر، ولكن في الأراضي المحتلة تسيطر ديكتاتورية تدعى "الحكومة العسكرية". يحاول مئات الآلاف من المستوطنين مستخدمين جميع الوسائل لطرد العرب إلى الخارج. جميع الوسائل مشروعة في نظرهم، بما في ذلك الأكاذيب، الاحتيال والإرهاب (الذي يُسمّى "الانتقام"). في إسرائيل الحكم هو في يد اليمين المتطرف، والذي يشتمل على هوامش فاشية. زعماء الوسط واليسار عاجزون. النضال الحقيقي الوحيد متروك الآن بين اليمين المتطرف واليمين الأكثر تطرّفا. في هذا الأسبوع اندلع شجار غاضب بين بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع، بوغي يعلون، كلاهما من الليكود، وبين وزير التربية نفتالي بينيت، زعيم حزب "البيت اليهودي". لا يخفي بينيت، وهو يميني ذو طموحات كبيرة، رغبته بالحلول مكان نتنياهو وتولّي منصب رئيس الحكومة في أسرع وقت ممكن. كانت لغة كلا الطرفين تعتبر مبالغًا بها حتى لو استُخدمت للجدل بين الائتلاف والمعارضة. عندما تستخدم لغة قاسية كهذه في شجار داخل الحكومة نفسها، فهذا غير مألوف أبدا، حتى في إسرائيل. بالمقارنة مع هذا الأسلوب، فإنّ أسلوب زعيم المعارضة، يتسحاق هرتسوغ، يشكل قمّة الأدب. قال بينيت إنّ آراء نتنياهو ويعلون قديمة وعفا عليها الزمن، ويعاني كلاهما من الشلل العقلي. وفقا لكلامه، فإنّ نتنياهو ويعلون يُدَهْوِران مكانة إسرائيل في العالم، وهي مكانة حرجة على أية حال. اتّهم يعلون، وهو عضو في كيبوتس ورئيس الأركان سابقا، بينيت بالسرقة. ومثل نتنياهو، فقد ادّعى بأنّه عندما تُطرح في المجلس الوزاري الإسرائيلي المُصغّر فكرة جديدة وجيّدة، يركض بينيت خارجًا ويصرّح بالفكرة وكأنها فكرته. يدعو يعلون بينيت بـ "الطفولي" و "عديم المسؤولية". من هو المحقّ في هذه الهجمات المتبادلة؟ في رأيي، كلا الطرفين. ويقف بينهما (أو يتوسطهما) رئيس الأركان الحالي، غادي أيزنكوت، ابن لمهاجرين من المغرب. بشكل غريب، فإنّ رؤساء الجيش في إسرائيل معتدلون في العادة أكثر من بقية السياسيين. اقترح أيزنكوت باسم الجيش تحسين الظروف المعيشية للسكان العرب في الأراضي المحتلة. ومن بين أمور أخرى، فقد اقترح تمكين سكان غزة من بناء ميناء والتواصل المباشر مع العالم. إنها فكرة رائعة. حدث كل ذلك في مؤتمر برعاية "معهد أبحاث الأمن القومي"، الذي ألقى فيه الجميع خطاباتهم. وشارك زعماء المعارضة أيضًا. تحدث يتسحاق هرتسوغ من حزب العمل، يائير لبيد من "هناك مستقبل" وآخرون في المؤتمر، ولكن خطاباتهم كانت مملّة جدّا، ونُشرت في وسائل الإعلام للإنصاف فقط. أعاد زعماء المعارضة تدوير أفكار من هنا وهناك وصرّحوا بأنّ هذه "خطّتي". وفي حال ذكروا السلام أساسا، فهو رؤيا بعيدة جدّا في نظرهم. حلم جميل، ولكن ليس شيئا مما يحتاج السياسيّون الجادّون الاهتمام به. ما تبقى هو المعركة الغاضبة بين اليمين المتطرف واليمين الأكثر تطرّفا. يضع بينيت، وهو صاحب مشاريع تكنولوجيا فائقة سابقا، قلنسوة على رأسه الأصلع. (للحقيقة، أتساءل دائما ما الذي يثبتها على رأسه). بينيت عازم على رأيه بأنّه لصالح الدولة عليه أن يحلّ مكان نتنياهو في أسرع وقت ممكن. هناك اتهام خطير وفق أقوال بينيت: القيادة السياسية عديمة الكفاءة لأنها تتخلّى عن جنودنا الأبطال وقادتهم - وهو اتهام مأخوذ مباشرة من صفحات كتاب أدولف هتلر "كفاحي"، الذي سيصدر بالعبرية. الوريث الممكن الوحيد لنتنياهو في الليكود هو يعلون، وهو شخص عديم الكاريزما وعديم الكفاءة السياسية. ولكن احتمال أن يفوز بينيت وحزبه على الليكود في الانتخابات ضئيل جدّا. هنا يمكن للقلنسوة أن تساعد: هناك حاجة إلى التدخل الإلهي سبحانه وتعالى. وبخصوص التدخّل من الأعلى: في الأسبوع الأخير حدثت معجزة حقّا. اتّهمت وزيرة الخارجية السويدية، مارغو والستروم، أنّ هناك في إسرائيل قوانين مختلفة لليهود والعرب. فردّ نتنياهو بشدّة. في اليوم التالي - ويا للمفاجأة! - امتلأت وسائل الإعلام السويدية علنًا بفضيحة فساد لوزيرة الخارجية. وذلك عندما اتّضح أنّها لم تدفع مقابل ملائم مقابل الشقّة الحكومية التي تقيم فيها. كل ذلك كان بإمكانه أن يكون مسلّيا، لولا أنّه تعلّق بمستقبل إسرائيل. أصبح "السلام" كلمة فظة. لا تظهر نهاية الاحتلال للعيان. "القائمة (العربية) المشتركة" ليست مضمونه في الصورة إطلاقا. وحال ميرتس ليس مختلفًا كثيرا. في أوساط اليسار، اليأس هو كلمة مرادفة للكسل. ثمّة جدل ضعيف حول ادعاء أنّ "العالم الخارجي فقط يمكنه أن ينقذ إسرائيل من نفسها". هذا ما يدّعيه الآن ألون ليئل، الذي كان دبلوماسيا محترما ومديرا لوزارة الخارجية. لا أعتقد أنّ هذا صحيح. إنّ فكرة أنّ اليهود بحاجة إلى السعي للأمميين من أجل إنقاذ اليهود لا تبدو أنها ستجذب الجمهور العريض. بينيت محقّ في نقطة واحدة: لا يشكل الجمود، النفسي والعملي على حدّ سواء، حلّا. يجب أن تتحرّك الأمور. آمُل من كلّ قلبي أن تنشأ في أوساط الجيل الشاب قوى جديدة وتطرح أفكارا جديدة تطرد عن المسرح نتنياهو، بينيت وجميع الباقين. وبخصوص ديمقراطيّتنا المجيدة: اتضح أنّ هناك هيئة تحصل على تمويل حكومي، قد شغّلت محقّقا خاصّا، مهمّته هي التنقيب في صناديق القمامة التابعة لنشطاء السلام ونشطاء حقوق الإنسان، من أجل الحصول على معلومات عن هذه المنظمات والشخصيات. أنا، لحسن الحظ، أقوم بسحق كلّ قطعة من الورق. |