|
||
إذن فنحن سنتحمل نتنياهو طوال فترة حياته (على الأقل). وقد حان الوقت لمواجهة هذا الاحتمال. نتنياهو ليس الزعيم الأسوأ. لا أحد هو الأسوأ على الإطلاق. لكل زعيم سيّء هناك بديل أكثر سوءًا. (باستثناء أدولف هتلر، بطبيعة الحال). إذا كان الأمر كذلك، فلننظر بداية إلى إيجابيات حكم نتنياهو. هناك القليل منها (حقّا!). الجانب الإيجابي الأول: نتنياهو ليس مجنونا. هناك في العالم بعض الزعماء المجانين. ولدينا نحن أيضًا بعض المجانين في الحكومة وخارجها. ولكن نتنياهو ليس واحدا منهم. الجانب الإيجابي الثاني: لا يُعتبر غير مسؤول. ففي حرب غزة الأخيرة طلب العديد من السياسيين والديماغوغيين الآخرين القيام بأفعال غير مسؤولة، كاحتلال القطاع من جديد. ولكنه رفض ذلك وعمل وفق نصيحة قادة الجيش. (عندنا، حتّى الآن، يرتدع الجيش عن المغامرات التي لا أمل فيها. فقادة الجيش هم، بشكل عام، مسؤولون أكثر من كونهم سياسيين). ويمكن التساؤل، بطبيعة الحال، كيف دخلوا أساسا إلى هذه الورطة. وينطبق المثل القديم على نتنياهو: الشخص الذكي يعرف كيف ينقذ نفسه من الفخ الذي لم يكن الشخص الحكيم ليدخل إليه أبدا. الجانب الإيجابي الثالث: نتنياهو خطيب جيّد. نعم، هذا ليس إيجابيا تماما. كان ديفيد بن غوريون خطيبا سيّئا، وكان ليفي أشكول خطيبا أكثر سوءًا. وكان كلاهما خطيبان عبقريان مقارنة بجولدا مائير، والتي وصل قاموس مفرداتها اللغوية بالعبرية والإنجليزية بصعوبة إلى المائة، بلكنة سيّئة. ولكن كان ذلك كافيا لتقنع أي جمهور. فنتنياهو خطيب ممتاز. إنه يتحدث العبرية بشكل جيّد، لديه صوت جهير، وحركة يديه مناسبة. في أحيان كثيرة ينشأ الانطباع بأنّه يتدرّب على خطاباته أمام المرآة. ولكنه يقنع فقط من أراد مسبقا الاقتناع. في نظر المستمعين الفطنين، فالعرض كله سلس ومصقول أكثر من اللازم. كشعره - أملس، مثالي، وأزرق أكثر من اللازم. (مؤخرًا اكتُشف أن مصفف الشعر الخاص به، الذي يتلقّى راتبه من الدولة، يكسب أكثر من أعضاء الحكومة. في رأيي، يستحقّ ذلك). عندما يتحدث نتنياهو إلى العالم كممثل دولة إسرائيل، فعرضه جيّد. ليس برّاقا، ولا مقنعًا جدّا، ولكن بالتأكيد ليس مخجلا. يؤمن الكثير من الناس، في إسرائيل وخارجها، أن نتنياهو متهكّم تماما، شخص يفتقد إلى المبادئ الحقيقية، وهدفه الوحيد هو البقاء في الحكم. لا أعتقد أن هذا صحيح. لو كان حقّا متهكّما عديم المبادئ، لكان أقلّ خطورة. ولكنه ليس كذلك. لقد نشأ نتنياهو في ظلّ والده، بنتسيون، طاغية أسري ساخط، كان مقتنعا أنّه لم يحظَ بالاحترام المناسب له من قبل زملائه الأكاديميين ومن قبل مؤسساتهم. وكل ذلك بسبب آرائه السياسية. ولذلك فقد هاجر مؤقتا إلى الولايات المتحدة، وهناك نشأ بنيامين كشاب أمريكي بكل معنى الكلمة. كان والده يمينيّا متطرّفا. وكان زئيف جابوتنسكي اللامع، زعيم اليمين المتطرّف، معتدلا جدّا في نظره. وقد تخصّص بنتسيون نتنياهو في تاريخ محاكم التفتيش الإسبانيّة وكتب عن ذلك دراسة ذات أهمية كبيرة. في رأيه، لم يقدّره زملاؤه كما يجب. فجعل ذلك حياته مريرة. وقد أعجب بنيامين بوالده واعتقد أنّه عبقري، ولكن الوالد كان تحديدا يقدّر ابنه البكر، يوني، الذي قُتل في عملية إنتيبي. أشار الوالد إلى مواهب ابنه "بيبي" بازدراء ما. قال يوما ما إنّ بنيامين يمكنه أن يصبح وزيرا ناجحا للخارجية، ولكن لا يمكنه أبدا أن يصبح رئيسا للحكومة. وفي إسرائيل اعتيد على التقليل من شأن وزارة الخارجية. ويطمح الرجل الحقيقي إلى أن يصبح وزيرا للدفاع. كل ذلك غرس في رأس بنيامين الطموح الشديد في إقناع والده الراحل أنّه قادر على أن يكون رئيس حكومة ممتاز. وقد شكّل ذلك أيضًا الأساس الفكري لجميع أفكاره وأفعاله: الاعتقاد الذي لا يقبل التقويض أنّ على اليهود أن يحكموا كلّ "أرض إسرائيل الكاملة" - من البحر إلى نهر الأردن، على الأقل. كل كلمة تكلمها نتنياهو في أي وقت مضى وتُعارض هذا الاعتقاد الأساسي فهي كذب صارخ. ولكن، كما كان بإمكان جوزيف ترومبيلدور أن يقول: "من الجيّد أن نكذب لصالح بلادنا". ضمن هذه القيود، فإنّ نتنياهو متهكّم غير صغير. لقد تمسّك بالحكم، وليست لديه أية نيّة للتخلي عنه في يوم من الأيام. وهو حقّا سياسي مثالي. لا توجد أية إشارة إلى كونه يحترم أحدا من الوزراء الذين عيّنهم. يبدو أنّه يتسلّى بتعيين كل وزير ووزيرة لمنصب لا يلائمهم تماما. فالنموذج المثالي جدّا هو وزيرة الثقافة، ميري ريغيف، سياسية مبتذلة، بدائية، تفتقر إلى أية ثقافة. ولكن جميع زملائها في الحكومة أيضًا ليسوا ملائمين لمناصبهم أكثر منها. لا أحد من جميع هؤلاء يمكنه تشكيل خطر على منصب نتنياهو بأي شكلٍ من الأشكال. بالمقارنة معهم، فهو حقّا بارز وذو مكانة جليلة. في سائر الأحزاب، سواء في الائتلاف أو المعارضة، فالوضع ليس أفضل. القليل من زعمائهما بدوا واعدين، على الأقل في استطلاعات الرأي العام، ولكنّ الوهج لم يدم طويلا. موشيه كحلون رجل لطيف، ولكنه ليس ذا مكانة جليلة. وكذلك يائير لبيد، الذي يعتقد اعتقادا تماما أنّ القدر قد أعدّه لقيادة شعب إسرائيل. ومشكلته هي أنّ هناك القليل فقط من يعتقدون مثله. والأسوأ من ذلك، أنّ في حزب العمل أيضا (الآن "المعسكر الصهيوني") ليست هناك أية شخصية قادرة حتى على الاقتراب من مكانة نتنياهو القيادية. وزعيم الحزب، يتسحاق هرتسوغ، هو خيبة أمل مريرة. ويهرب جميع زعماء الأحزاب تقريبا من المشكلة الوطنية الوجودية كما يفرّ المرء من النار: الاحتلال. إنهم يتجنّبون تماما تقريبا أن يتفوّهوا بكلمة مؤلفة من أربعة أحرف: سلام. يلائمهم أكثر الحديث عن "تسوية سياسية"، "اتفاق نهائي" وما شابه. وكما يليق بنجل مؤرّخ، فالسياسة التي ترشد نتنياهو في عمله في الحكم تعود إلى روما القديمة: DIVIDE ET IMPERA - سياسة "فرّقْ تسُدْ". إنّه فنّان في إنشاء الكراهية: اليهود ضدّ العرب، الشرقيون ضدّ الأشكناز، المتديّنون ضدّ العلمانيين. هو نفسه كافر تماما، ولكن المتديّنين هم حلفاؤه الأكثر ولاءً. فالكراهية هي صديقة الخوف. وقد اعتقد اليهود دائما وأبدا أنّ كل العالم يتآمر لتدميرهم ("في كل جيل وجيل يظهرون علينا لتدميرنا / والرب تبارك اسمه ينقذنا من أيديهم"، كما جاء في ليلة الفصح. وهذا ينطبق على الفترة الحالية أكثر من أيّ وقت مضى. الإيرانيون يتآمرون للقضاء علينا، والعرب يريدون إلقاءنا في البحر، واليساريون أكثر سوءا، فهم خونة. بيبي، هو وليس أحدا آخر، مَن سينقذنا من أيديهم. يمكن لله أن يساعد قليلا. ولكن الخطر الحقيقي المتعلق بحكم نتنياهو هو الغياب التام للإجابة على مشكلة المشاكل في إسرائيل، الخطر الوجودي الحقيقي: الحرب التي عمرها 130 عاما بيننا وبين الشعب الفلسطيني، وضدّ كل العالم العربي، وربما أيضا ضدّ كل العالم الإسلامي. بسبب تراث والده، لا يستطيع نتنياهو مجرّد التفكير بالتخلي عن ملمتر واحد من أرض الوطن. كالعديد من الإسرائيليين، لا يؤمن نتنياهو بالله، ولكنه يؤمن أنّ الله وعدنا بهذه البلاد. (في الحقيقة كان الله أكثر سخاءً، ووعدنا بكل البلاد الواقعة بين النيل والفرات). طالما أننا لسنا قادرين على طرد الفلسطينيين تماما، يمكن إعطاؤهم بعض الجيوب كما في بانتوستان، لمَ لا. ولكن ليس أكثر من ذلك. وهذا يمنع، بطبيعة الحال، كل جهد لتحقيق السلام. ستكون النتيجة دولة أبارتهايد، أو دولة ثنائية القومية تندلع فيها حرب أهلية مستمرة. ويعلم نتنياهو ذلك جيّدا. وليست لديه أوهام. ولذلك فقد عبّر عن الإجابة المنطقية: سنعيش إلى الأبد بالسيف. تُعبّر إجابته عن لغة عبرية جيّدة، ولكنها سياسة سيّئة. وفقا لهذه القاعدة، فمن المؤكد أن إسرائيل ستنزلق نحو منحدر زلق استعدادا لكارثة مستقبلية. كلّما طال حكم نتنياهو، ازداد الخطر. بالمجمل، نتنياهو هو شخص يفتقد إلى الثروة الفكرية، ومناور سياسي ولكن دون التوصل إلى حلول حقيقية، شخص ذو رؤية مثيرة للإعجاب. في الوقت الراهن تتجلّى عظمته في قدرته الرائعة على اختراع القضايا التي تشتّت الانتباه عن المشكلة المصيرية. منذ نحو شهرين انشغلت إسرائيل بـ "مخطط الغاز" - السؤال هو كيف ستُقسّم الأرباح من حقل الغاز الطبيعي الذي اكتُشف مقابل شواطئ إسرائيل. يؤيّد نتنياهو بكل قوته "المخطط" الذي ينقل الأرباح إلى جيوب أباطرة معدودين، والمرتبطين بطريقة ما بشيلدون أديلسون، المتبرّع المعروف (وهناك من يقول: مالكه) لنتنياهو. في الوقت الراهن يمكن لنتنياهو وزوجته، الملكة "سارة ليه"، أن ينظرا حولهما بسرور. ليس هناك من يشكّل خطرا على حكمهما لوقت غير محدود (تعريف "فترة الولاية" لم يعد ملائما). إنهما يفكّران ببناء قصر ملكي (عذرا، لرئاسة الحكومة) بدلا من المنزل القديم في وسط القدس. دون أن يكون أي شيء حولهما سوى صحراء سياسية. كنت سأصلي لله كي ينقذنا. ولكني مع شديد الأسف، لا أؤمن به. |