اوري افنيري 

العدوّ المخيف الجديد / أوري أفنيري


بنيامين نتنياهو يُكسّر رأسه. كل سيرته المهنية مبنية على دب الرعب في الشعب. لأنّ اليهود يعيشون في خوف منذ آلاف السنين، فمن السهل إثارة خوفهم. إنّهم مدمنون على ذلك حقّا.

أسّس نتنياهو سيرته المهنية في السنوات الماضية على الخوف من القنبلة النووية الإيرانية. يعلم الجميع أنّ الإيرانيين مجانين. في اللحظة التي سينجحون فيها بتصنيع القنبلة، سيلقونها على إسرائيل، حتى لو كانوا متأكّدين أنّ الضربة الإسرائيلية المرتدّة ستدمّر إيران، ذات الحضارة التي يصل عمرها لآلاف السنين.

ولكن نتنياهو يدرك أنّ التهديد الإيراني يفقد قدرته على الإخافة. الولايات المتحدة، كما يبدو، على وشك أن تتوصّل إلى اتفاق مع إيران، يمنعها من تصنيع القنبلة. حتى شيلدون الكبير لم يستطع منع الاتفاق.

نظر نتنياهو حوله، واكتشف الأحرف الثلاثة BDS. تلك هي الأحرف الأولى (بالإنجليزية) لـ "المقاطعة، سحب الاستثمارات والعقوبات"، منظومة احتجاج عالمية ضدّ الاحتلال والقمع الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني.

من الواضح تماما أنّه تهديد أكثر خطورة بكثير من القنبلة الإيرانية. هولوكوست آخر حقّا. تقف إسرائيل الصغيرة والشجاعة أمام العالم المعادي للسامية كلّه.

نعم، حتى الآن أدّت المقاطعة إلى أضرار صغيرة جدّا لإسرائيل. حركة الـ BDS هي بادرة وتعبير عن الرأي، أكثر من كونها عاملا قادرا على التسبّب بخسائر اقتصادية حقيقية. ولكن من يعُدّ. الأساس هو أنّ حشد المعادين للسامية يعصف بنا. يُخيفنا.

من ينقذنا؟ بيبي الكبير، بطبيعة الحال.

كشف: بادرتُ أنا وأصدقائي إلى المقاطعة الأولى، والتي كانت موجّهة ضدّ منتجات المستوطنات.

في حركتنا "كتلة السلام"، ناقشنا وسائل إيقاف المستوطنات. أدركنا أنّ كل مستوطنة هي لغم في الطريق إلى السلام. في الواقع، كان ذلك هو الدافع الأساسي لإقامة المستوطنات: منع حلّ الدولتين - الحلّ العملي الوحيد.

تجوّل محقّقونا في المستوطنات وأعدّوا قائمة للمصانع التي تعمل هناك. تم إغراء الكثير منهم من قبل الحكومة من خلال فوائد سخية. نشرنا القائمة وطلبنا من المواطنين تجنّب شراء هذه المنتجات.

المقاطعة هي أداة ديمقراطية للتعبير عن الاحتجاج. وهي مشروعة تماما. وغير عنيفة. يستطيع كل شخص تنفيذها شخصيًّا، دون الانضمام إلى حركة أو عرض موقفه علنا.

كان هدفنا الأساسي جعل الشعب يفرّق بين إسرائيل السيادية وبين المستوطنات في الأراضي المحتلة.

في آذار 1997 أقمنا مؤتمرا صحفيا من أجل الإعلان عن الحملة. كان ذلك حدثًا فريدًا من نوعه. أقمتُ في حياتي الكثير من المؤتمرات الصحفية. القليل منها كان مكتظّا بالصحفيين - على سبيل المثال، المؤتمر الصحفي الذي أقمته بعد لقائي الأول مع ياسر عرفات في بيروت المحاصرة. حظيت مؤتمرات أخرى بمشاركة القليل من الصحفيين فقط. ولكن هذا المؤتمر الصحفي كان فريدا: لم يأتِ إليه ولا حتى صحفي إسرائيلي واحد.

ومع ذلك، انتشرت الفكرة. لا أعلم كم هم آلاف الإسرائيليين الذين يقاطعون في هذه اللحظة منتجات المستوطنات.

أزعجنا موقف الاتحاد الأوروبي، الذي أدان المستوطنات بشكل حاسم، ولكن في الواقع موّلها، عندما منحها نفس المزايا التي يمنحها للمنتجات الإسرائيلية. سافرنا أنا وأصدقائي إلى بروكسل للاحتجاج، ولكن أوضح لنا المسؤولون بلطف أنّ ألمانيا ودولا أخرى تمنع أية خطوة عملية لفرض المقاطعة.

مع مرور الوقت تحرّكت الأمور هناك أيضًا، وإنْ كان ببطء جنونيّ. يطلب الاتحاد الأوروبي الآن الإشارة بوضوح إلى المنتجات التي مصدرها من المستوطنات.

هناك لدى حملة BDS جدول أعمال مختلف تماما. إنها تريد مقاطعة إسرائيل كلها.

اعتقدتُ دائما أنّ هذا خطأ استراتيجي خطير. مقاطعة كهذه تدفع مواطني إسرائيلي إلى أذرع المستوطِنين، بدلا من عزل المستوطِنين والفصل بينهم وبين الشعب الإسرائيلي العام. ستُثير مقاطعة كهذه الخوف في قلوب اليهود. مقابل الخطر المشترك، سيتوحّد الشعب الإسرائيلي.

لا يستطيع نتنياهو أن يأمل هدية أفضل من هذه. والآن هو يركب على موجة من ردود الفعل اليهودية. كل يوم هناك عناوين عن نجاحات جديدة لحركة الاحتجاج، وكل خبر كهذا هو هدية لنتنياهو.

كل خبر كهذا هو أيضًا هدية لخصمه: عمر البرغوثي، المنظّم الفلسطيني لحملة BDS.

هناك في البلاد مخزون كبير من البرغوثيين. إنها عائلة كبيرة تعيش وتبرز في سلسلة من القرى من الشمال حتى القدس.

أشهرهم هو مروان البرغوثي، الذي حُكم عليه في إسرائيل بعدة أحكام من السجن مدى الحياة لكونه قائد لحركة الشبيبة في حركة فتح. لم تتم إدانته بتنفيذ أعمال إرهابية، وإنما كمن يتحمّل المسؤولية كقائد. عرفته عندما نظّم كلانا بالتعاون عدّة مظاهرات ضدّ الاحتلال.

عندما تم إحضار مروان إلى المحكمة، أقمنا احتجاجا في مبنى المحكمة. فقد أحد أصدقائي اظفر إصبع قدمه في معركة شديدة مع حراس المحكمة. ما زال مروان مسجونا، ويرى الكثيرون فيه الوريث المستقبلي لأبي مازن.

برغوثي آخر هو مصطفى، الزعيم المحبوب من الحزب اليساري، الذي تنافس على منصب السلطة الفلسطينية. التقينا عدة مرات في مواجهات مع الجنود في مظاهرات ضدّ الجدار.

عُمر البرغوثي، قائد حركة BDS، هو طالب للدكتوراة في جامعة تل أبيب. إنه يطالب بالعودة الحرّة لجميع اللاجئين، المساواة التامّة للمواطنين العرب في إسرائيل وبطبيعة الحال إنهاء الاحتلال.

BDS ليست حركة منظّمة جيّدا. إنها أقرب إلى علامة تجارية. تقوم مجموعات من الطلاب الجامعيين، الفنانين وآخرين وتتجمّع في جميع أنحاء العالم بشكل عفوي من أجل مساعدة الفلسطينيين في نضالهم. وأحيانا، ينضمّ أيضًا معادون حقيقيون للسامية. ولكن بالنسبة لنتنياهو، الجميع، الجميع معادون للسامية.

كما خشينا من البداية، فإنّ المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل - بخلاف مقاطعة المستوطنات - وحّدت الشعب اليهودي مع المستوطِنين، بقيادة نتنياهو.

الوطن في خطر. يتطلب الوقت الراهن الوحدة الوطنية. سارع "زعيم المعارضة"، يتسحاق هرتسوغ، إلى معانقة نتنياهو، وهذا ما فعله زعماء الأحزاب الأخرى.

قرّرت المحكمة العليا الخائفة، التي ليست سوى ظلّا لنفسها، أنّ الإعلان عن مقاطعة إسرائيل هو جريمة - بما في ذلك الإعلان عن مقاطعة المستوطنات.

يوميًّا، تظهر في العناوين أخبار عن المقاطعة تقريبًا. انضم المدير العامّ لـ "أورانج"، الشركة الفرنسيّة العملاقة، إلى المقاطعة، ولكنه استسلم سريعًا وجاء إلى إسرائيل للاعتذار. تقوم في الولايات المتحدة وأوروبا مجموعات من الطلاب والمنظمات المهنية وتتبنى المقاطعة. يُطالب الاتحاد الأوروبي بحزم الآن بالإشارة إلى منتجات المستوطنات بعلامة محدّدة.

نتنياهو سعيد. إنّه يدعو يهود العالم إلى الانضمام للنضال ضدّ معاداة السامية الدنيئة الجديدة. عقد مالك نتنياهو، الملياردير شيلدون أديلسون، مجلس حرب من أثرياء اليهود في لاس فيغاس. وانضم إليه منافسه، الملياردير حاييم سابان، المؤيّد لحزب العمل. حتى المزوّرون الذين اخترعوا يومها "بروتوكولات حكماء صهيون" لم يصدّقوا.

من أجل إعادة بعض الفكاهة إلى الصورة: يتنافس الآن صاحب كازينو آخر على العناوين. رغم أنّ الكازينو الخاص به أصغر بكثير من مملكة القمار المملوكة لشيلدون أديلسون.

إنه عضو الكنيست أورن حزان، الرقم 30 في قائمة الليكود، وآخر من دخل الكنيست في القائمة. زعم تقرير كاشف في القناة الثانية أنّ حزان كان يملك كازينو في بلغاريا، قدّم المومسات لزبائنه، وتعاطى المخدّرات الثقيلة. ولأنّه قد اختير لمنصب نائب رئيس الكنيست، تم تعليق منصبه من قبل الرئيس، يولي إيدلشتاين.

وهكذا سيطر مالكا بيوت الكازينو، الكبير والصغير، على الأخبار. وماذا يحدث في البلاد التي يُحظر فيها القمار، ويتم اعتقال روّاد الكازينوهات السرّية بوتيرة عالية.

حسنا، الحياة في عالمنا هي لعبة روليت. وفي إسرائيل أكثر من ذلك.