|
||
شعوريًّا، أعارض هذا الاحتمال. ولكنني ملزم لنفسي، ولقرّائي كذلك، بفحص هذا الخيار دون عواطف. صحيح أن المنطق المركّب نادر في السياسة، ولكن علينا محاولة استخدامه على أية حال. هل خيار "حكومة وحدة وطنية" جيّد أم سيّء لإسرائيل؟ فلننظر أولا إلى الأرقام. تستلزم إقامة الحكومة 61 مقعدًا على أقلّ تقدير. هناك لدى الليكود وحزب العمل ("المعسكر الصهيوني") معًا 54 مقعدًا. يمكننا الافتراض أن بنيامين نتنياهو يريد مؤكّدًا تقريبًا أن يضمّ للحزمة الحزبين الحاريديين، اللذين حصلا معًا على 13 مقعدًا. للتلخيص: 67، يكفي لحكومة مستقرّة. يبدو أن نتنياهو عازم أيضًا على ضمّ حزب موشيه كحلون الجديد (10)، كمقاول فرعي للشؤون الاجتماعية والاقتصادية. ومعا: غالبية مثيرة للإعجاب من 77 مقعدًا. ماذا سيتبقّى في الخارج؟ قبل كل شيء، "القائمة المشتركة" (العربية)، مع 13 مقعدًا. سيفوز زعيمها الجديد، أيمن عودة، بشكل تلقائي بلقب "زعيم المعارضة". وهذا تجديد؛ حيث إنّه لم يحمل أي عربي في الماضي هذا اللقب الفاخر، مع كافّة الامتيازات المرافقة له. وستبقى ميرتس أيضًا (5) في الخارج، ويمكنها أن تُسمِع صوتًا يساريّا صغيرًا. ستبقى في الخارج أيضًا الأحزاب اليمينية المتطرّفة، حزب نفتالي بينيت (8) وحزب أفيغدور ليبرمان، الأصغر حجما (6). وسيكون في مكان ما هناك أيضًا بطل الانتخابات السابقة، يائير لبيد، الذي انخفض إلى 11 مقعدا. كان يبدو أنّ الخيار الأكثر احتمالا سيكون ائتلافا يمينيّا - متطرّفا، مؤلّفا من الليكود، الحزبين الحاريديّين، حزبَيْ اليمين المتطرّف وكحلون: معًا 67 مقعدًا. (يرفض الحاريديون الجلوس في حكومة واحدة مع لبيد). وهكذا، فهذان هما الخياران: حكومة يمين متطرّف أو حكومة وحدة. لماذا يبدو أنّ نتنياهو قد اختار الخيار الثاني؟ قبل كلّ شيء، فهو ناقم على كلا شريكيه من اليمين: بينيت وليبرمان. ولكن لست بحاجة إلى أن تحبّ شخصا ما من أجل أن تدخله إلى حكومتك. هناك سبب أكثر أهمية بكثير وهو عزلة إسرائيل المتزايدة في العالم. نتنياهو منشغل الآن في الحرب الوحشية ضدّ الرئيس أوباما. إنّه يعارض بكل قوّته الصفقة النووية مع إيران. يشارك في هذه الصفقة أيضًا الاتحاد الأوروبي، ألمانيا، فرنسا، روسيا والصين. نتنياهو ضدّ العالم كلّه. ليست هناك لدى نتنياهو أوهام. هناك مئات الطرق التي يستطيع من خلالها أوباما والاتحاد الأوروبي معاقبته. تعتمد إسرائيل كلّيًّا تقريبًا على الولايات المتحدة في كلّ ما يتعلّق بالتزوّد بالأسلحة المهمّة. وهي بحاجة أيضًا إلى حقّ النقض (الفيتو) الأمريكي في الأمم المتحدة. أيضًا فالمنحة السنوية الأمريكية لطيفة جدّا. يعتمد الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير على السوق الأوروبية. في هذه الحالة، يمكن أن يكون وجود يتسحاق هرتسوغ في الحكومة مفيدا جدّا. يمكنه بمنصب وزير الخارجية أن يكون ورقة التوت الحاسمة: فهو نجل رئيس الدولة، حفيد حاخام رئيسي في إيرلندا، رجل ذو أخلاق ممتازة، مظهر أوروبي واضح ويتحدّث الإنجليزية بطلاقة. يمكنه تهدئة مخاوف وزراء الخارجية في العالم، أن يخفّف من حدّة الحوافّ الحادّة لدى نتنياهو وأن يتجنّب الأزمات الدبلوماسية. يمكن لحزب العمل في الحكومة أيضًا أن يعرقل فيضان اقتراحات القوانين المعادية للديمقراطية والتي تراكمت في الكنيست السابقة. يمكنه أن يمنع الهجوم المخطّط له على المحكمة العليا، القلعة الأخيرة ضدّ البرابرة. لا تخفي مجموعة همجية من الليكود نواياها في إخصاء المحكمة العليا وتشريع القوانين التي تحبّها. يمكن لحزب العمل أيضًا أن يخفّف من السياسات الاقتصادية لدى الليكود، "الرأسمالية الخنزيرية" التي تجعل الفقراء أكثر فقرًا، وفاحشي الثراء أكثر فُحشا في الثراء. سيكون السكن بأسعار معقولة مجدّدا، ومن المفترض أن يتوقّف تراجع النظام الصحّي والتعليمي. يتوق بعض رؤساء حزب العمل جدّا لاحتمال أن يكونوا وزراء مجدّدا. أحدهم، إيتان كابل، هو شريك مقرّب من هرتسوغ، نشر فعلا بيانا يقدّم تأييدا جارفا لسياسة نتنياهو المعتوهة بخصوص النووي الإيراني. أثار البيان تعجّب من هم على دراية. لم يقدّم حزب العمل بعد أيّ نقد حول موقف نتنياهو في الشأن الإيراني. وإذا تمّ التصريح في أي وقت مضى بالنقد - بنصف لسان أو ربع لسان - فقد كان يتطرّق لهجمات نتنياهو على أوباما فقط. من جهة أخرى، ما هو السيّء جدّا في حكومة وحدة وطنية؟ حسنًا، قبل كلّ شيء، فهي ستترك الدولة دون معارضة حقيقية. من أجل أن تعمل كما يجب تحتاج الديموقراطية إلى معارضة تُطوّر سياسة بديلة وتوفّرُ بديلا في الانتخابات القادمة. إذا كانت جميع الأحزاب الكبرى شريكة في الحكومة، فأي قوى أخرى وأفكار أخرى يمكنها أن توفر للمواطنين إمكانية الاختيار؟ يمكن لأي ساخر أن يقول هنا إنّ حزب العمل لم يكن معارضة حقيقية على أيّة حال. فقد دعم في العام الماضي حرب غزة الوحشية والتي لا لزوم لها. وقد ماطلت شريكته، تسيبي ليفني، في المفاوضات مع الفلسطينيين مزيدا ومزيدا دون الاقتراب ولو بسنتيمتر واحد تجاه السلام. وكانت معارضة حزب العمل للسياسة الاقتصادية اليمينية ضعيفة جدّا. والحقيقة هي أنّ حزب العمل ليس مبنيّا ليقوم بدور المعارضة. لقد كان في السلطة على مدى 44 عامًا متتالية، منذ العام 1933 حتى 1977، قبل قيام الدولة وبعدها. طبيعته السلطوية كامنة في أعماق نفسه. حتى تحت حكم الليكود لم يكن حزب العمل معارضة حاسمة أبدا. السبب الرئيسي ضدّ الانضمام للحكومة، بالنسبة لأعضاء اليسار، هو تماما نفس السبب الذي يحتاجهم نتنياهو لأجله: أن يستخدمهم كورقة توت. إنّ وجود حزب العمل في الحكومة سيخفّف الانتقادات الدولية حول سياسة نتنياهو. هناك يساريّون يدعون يائسين لضغوط خارجية على الحكومة، مثل مقاطعة شاملة لإسرائيل أو التصويت لصالح الفلسطينيين في الأمم المتحدة. ولكن حتى تتحقّق هذه الضغوط يجب أن تقوم في القدس حكومة يمينية متطرّفة. يستطيع نتنياهو تحت مظلّة "الوحدة الوطنية" أن يوسّع المستوطنات، أن يقوّض السلطة الفلسطينية، أن يجري مفاوضات لا نهاية لها ولا تؤدي إلى أيّ مكان، بل وأن يبادر من حين لآخر إلى حرب صغيرة. بعد أربع سنوات كتلك، سيتوقّف حزب العمل عن أن يكون عاملا مهمّا في الساحة السياسية. ربّما يكون ذلك جيدا. إذا تمّت إزالة هذا الجسم المتدهور من الطريق، سيستطيع جيل جديد من النشطاء السياسيين أن يقيم أخيرا حزب معارضة حقيقي. ولكن من الممكن ألا يتمّ اتخاذ القرار أبدا في القدس أو قيساريا، وإنّما في لاس فيغاس البعيدة. أخشى أنّ نتنياهو يتلقّى أوامر العمل من السيّد شيلدون أديلسون. أديلسون هو مالك نتنياهو، كما أنّه مالك الكازينو في ماكاو والحزب الجمهوري. وهو يريد أن يتم بعد عامين اختيار رئيس جمهوري تابع له، بحيث ينضمّ البيت الأبيض إلى حقيبته الاستثمارية. ولأجل ذلك فهو يرغب بتوسيع الهوّة بين الرئيس أوباما والحكومة الإسرائيلية. قد يتسبّب ذلك في انتقال يهود الولايات المتحدة بشكل جماعي إلى المعسكر الجمهوري. إذا كان هذا الشكّ صحيحًا، فلن يُدخل نتنياهو حزب العمل إلى الحكومة، وإنّما سيستخدمه ويلعب به كحيلة من أجل تخفيض أسعار اليمين المتطرّف. يهوديّان يبحران في سفينة. يوقظ أحدهما الآخر في منتصف الليل بهلع: "قم سريعًا! السفينة تغرق!" يتثاءب اليهودي الآخر فقط. "ماذا يهمّك؟ هل هذه سفينتك؟" |