|
||
هناك من يقول إنّ الطريق الأفضل الآن هي حكومة وحدة وطنية. يبدو ذلك جيدا. الوحدة تبدو جيّدة دائما. يمكن إيجاد أسباب جيّدة من أجل هذه الفكرة. اتحاد الحزبين الأكبر سينتهي بـ 54 مقعدا. ائتلاف كهذا يحتاج فقد إلى حزب واحد من أجل تشكيل الغالبية. من أجل إنشاء وضع كهذا فهناك مرشّحون غالبًا، وعلى رأسهم المقاعد العشرة التابعة لكحلون. ليست هناك للواقفين جانبا أمام هذا الحلّ دعاوى جيّدة. ذلك أنّ هذا هو "أهون الشرّيْن". البديل الوحيد هو حكومة لليمين المتطرّف والحاريديين. ليس فقط أنّ حكومة كهذه ستُوقف التقدّم نحو السلام، وإنما أيضًا ستوسّع المستوطنات، وستسنّ قوانين معادية للديمقراطية وتوسّع الإكراه الديني. هذا ادعاء جيّد. ولكن يجب رفض هذا الخيار جملةً وتفصيلًا. إن حكومة الوحدة سيكون مُسَيْطرًا عليها من قبل اليمين. في أفضل الأحوال ستكون حكومة مصابة بالشلل التام. إنها ليست قادرة ولن تكون راغبة في أن تخطو ولو الخطوة الأصغر باتجاه تسوية الصراع التاريخي، إنهاء الاحتلال والاعتراف بفلسطين. في حكومة وحدة كانت ستتمدّد المستوطنات بوتيرة إجرامية. كانت فرص السلام ستبتعد أكثر. في حكومة وحدة كان المعسكر الصهيوني سيضطرّ إلى تبرير هذه السياسة القاتلة. حكومة كهذه كانت ستُسقط السلاح من يدي الرئيس باراك أوباما ومن أيدي القوى التقدّمية في العالم اليهودي. كانت ستُشكّل ورقة توت ضخمة على نظام شرّير. حكومة وحدة كانت أيضًا ستترك إسرائيل دون معارضة حقيقية. لو قامت حكومة وحدة وتفكّكت بعد زمن، فإنّ حزب العمل سيكون متّسخًا جدّا إلى درجة أنّه لن يكون قادرا على تشكيل بديل موثوق. إنّ النجاح في بداية الطريق والذي قام به يتسحاق هرتسوغ، الذي أيقظ الحزب المسنّ من الغيبوبة، لن يكون قادرا على العودة بقوة مرة أخرى. كان حزب العمل سيؤول إلى حالة غيبوبة مستمرّة. لحسن حظ حزب العمل، فإنّ هذا الخيار قد سقط من جدول الأعمال بعد ساعات قليلة من الانتخابات. فقد قضى عليه بنيامين نتنياهو بضربة واحدة. بالمناسبة، لو قامت حكومة وحدة لكانت لها آثار جانبية مسلّية. كان رئيس القائمة (العربية) المشتركة، أيمن عودة، سيصبح رسميّا زعيم المعارضة. وفقا للقانون، يعطى هذا اللقب تلقائيّا لرئيس حزب المعارضة الأكبر. وهو يمنح صاحبه الكثير من صلاحيات الوزير. رئيس الحكومة ملزم على الالتقاء به بشكل دائم ومشاركته بأسرار الحكم. لن يحدث ذلك. وسيحمل يتسحاق هرتسوغ لقب زعيم المعارضة. ولكن هكذا أيضًا ستتغيّر أوضاع المواطنين العرب بشكل كبير. هنالك دعابة ما في ذلك. أفيغدور ليبرمان، الذي يكره العرب بشكل مرضي تقريبًا، جعل الكنيست يرفع نسبة الحسم إلى 3.25%. كان الهدف هو طرد الأحزاب العربية الثلاثة الصغيرة من الكنيست (ومن ضمنها الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة الشيوعية، التي يوجد فيها عدد من الأعضاء اليهود). ردّت القوائم العربية بتأسيس قائمة عربية مشتركة، مع التغلّب على الفوارق بينها والكراهية المتبادلة. ليبرمان نفسه وجد صعوبة في التغلّب على نسبة الحسم التي أنشأها بنفسه. وبقي حزب إيلي يشاي، الذي تضمّن طلاب مئير كهانا الفاشيّ، بفضل الله، خارج الكنيست! نأمل ألا تنهار القائمة العربية المشتركة. يمثّل أيمن عودة جيلا جديدا من المواطنين العرب، مستعدّا وناضجا أكثر للاندماج في المجتمع الإسرائيلي. يبدو أنّه في المرة القادمة سيُكسر أخيرا ذلك المحظور غير المقبول، وسيكون المواطنون العرب جزءًا حقيقيّا من الحياة السياسية في البلاد. (في هذه المرة ما زال المعسكر الصهيوني لم يجرؤ على التفكير بشمل العرب في ائتلاف يساري، حتى لو كانت هناك إمكانية لتشكيل حكومة يسارية). لا أحبّ أن أقول "قلت لكم". الشخص الذي يقول ذلك لن يحوز على تأييد أكبر. هذه المرة لن أستطيع الامتناع عن ذلك، لأنّه هناك في ذلك عبرة للمستقبل. في بداية المعركة الانتخابية كتبت مقالين في "هآرتس"، اقترحت فيهما الحفاظ على الزخم الأولي الذي نشأ على يدي هرتسوغ وليفني، وتشكيل قائمة أوسع، تشمل المعسكر الصهيوني، ميرتس، "هناك مستقبل" بقيادة لبيد، وربما أيضًا "كلّنا" بقيادة موشيه كحلون. الاستجابة؟ صفر. لم يستجب أيّ من تلك الأحزاب. إنّ قائمة موحّدة كانت ستُنشئ زخمًا وستجذب الناخبين الذين لم يكونوا ليصوّتوا لأيّة قائمة من أولئك، وربّما لا يصوّتون إطلاقا. كان باستطاعتها مع القائمة العربية المشتركة أن تنشئ كتلة مانعة لم تكن لتسمح بفوز الليكود. أضفتُ بأنّه فيما لو لم يتمّ قبول الاقتراح، فإنّ جميع الأطراف المعنيّة قد تندم على ذلك. أعتذر جدّا أنّني صدقت. في الصباح بعد الانتخابات استقالت رئيسة ميرتس، زهافا جلئون. كانت تلك خطوة محترمة. تغلّب حزب ميرتس بصعوبة على نسبة الحسم وتقلّص إلى خمسة مقاعد، رغم أنّ الكثير من الناخبين (وأنا من بينهم) سارعوا لمساعدته في اللحظة الأخيرة. يعاني الحزب من قائمة طويلة من الزعماء الفاقدين للكاريزما. ولكن مشكلته أعمق من ذلك. إنّها مشكلة وجودية. منذ يومه الأول، كان حزب ميرتس حزبًا أشكنازيّا نخبويّا. إنّه يقول الأمور الصحيحة. ولكنه يثير معارضة في أوساط جموع الجماهير الشرقية، وهو مكروه من قبل الحاريديين، ومرفوض من قبل المهاجرين من الاتحاد السوفياتي. إنّه يعيش في جزيرة معزولة، وأحيانا يؤخذ الانطباع أنّ أعضاءه راضون تماما عن العيش فيما بينهم، بعيدا عن الغوغاء. زهافا جلئون هي امرأة شعبية، صادقة ولديها نوايا كبيرة. استقالتها (عندما كان يبدو أنّ ميرتس انخفض لأربعة مقاعد) تزيد من احترامها. ولكن الحزب أصبح - كيف أقول ذلك - هزيلا، ومملّا. لم يأت شيء جديد منه منذ زمن طويل. رسالته صحيحة، ولكنه غير جذّاب. يحتاج ميرتس إلى قائد/ة؛ إلى شخصية صاحبة إلهام وتثير الحماسة. ولكن قبل كلّ شيء يحتاج إلى نهج جديد، نهج يمكّنه من الخروج من المحارة للتوجّه إلى الناخبين الذين يبتعدون عنه الآن. إنه بحاجة للعمل بجدّ من أجل التوجه للشرقيين، للروس، للعرب وحتى للمتديّنين المعتدلين. ولكن ليس من العدل إطلاقا أن نطلب ذلك من حزب ميرتس وحده. ينطبق ذلك على كلّ المعسكر الاجتماعي والليبرالي، كلّ معسكر السلام والعدالة الاجتماعية. أظهرت الانتخابات أنّ التوقّعات القاتمة بشأن التحوّل النهائي لليمين، التحوّل الذي لا يمكن تغييره، لم تكن صحيحة. إنّ الخطّ الفاصل يمرّ في الوسط، ويمكن تغييره. إنّ الصورة العامّة لم تتغيّر. صعد اليمين (الليكود، ليبرمان، بينيت) بالمجموع بمقعد واحد: من 43 إلى 44. وخسر الوسط - اليسار (المعسكر الصهيوني، ميرتس، لبيد) ثمانية مقاعد، من 48 حتى 40، ولكنّ معظمها ذهب لكحلون الذي وصل من صفر إلى 10. انخفض الحاريديين (يهدوت هتوراه وشاس) من 17 إلى 13. وصعد العرب من 11 إلى 13. هذا كلّ شيء. إنّ الانطباع المضلّل عن تحوّل ضخم تشكّل في أعقاب الاستطلاعات التي شوّشت الدماغ. ولكن من أجل إحداث الثورة التي طال انتظارها، يجب أن يكون هناك استعداد للبدء في الواقع من البداية. إنّ النظام الحالي لليسار الإسرائيلي غير قادر على الانتصار. هذه هي الحقيقة البسيطة. والنتيجة الأكثر بروزا في الانتخابات هي أنّ التصويت عكس تماما الواقع الديمغرافي، العرقي والاجتماعي. فاز الليكود بأغلبية ساحقة في أوساط الجمهور الشرقي، الذي يشمل الشرائح الاجتماعية - الاقتصادية المتدنّية. وحافظ على نصيبه في الجمهور الشكنازي. فاز المعسكر الصهيوني وميرتس بأغلبية ساحقة في أوساط الجمهور الشكنازي والمؤسّس؛ هناك وليس في أي مكان آخر. إنّ علاقة مؤيدي الليكود مع حزبهم تشبه علاقة مشجّعي كرة القدم مع فريقهم. حيث تأخذ طابعًا عاطفيّا قويّا. كنت مقتنعا دائما بأنّ كل الدعاية الانتخابية، وكل الصخب الإعلامي لمهرجان الانتخابات، يؤثر قليلا فقط، إنْ كان يؤثّر أصلا. الذي يقرّر هو الواقع الديمغرافي. يجب على اليسار أن يعيد اختراع نفسه وفقًا لهذا الواقع. وإلا فلن يكون له مستقبل. إذا كان باستطاعة أحد الأحزاب القيام بذلك، فهذا يكفي. إنْ لم يكن كذلك، فيجب أن تقوم قوة سياسية جديدة. الآن. إنّ المنظّمات غير الحزبية، والتي تنعم بها إسرائيل بوفرة، غير قادرة على القيام بهذا الدور. إنّها قادرة على العمل لتحسين الأوضاع، وتقوم بذلك فعلا. يكافح النشطاء والناشطات من أجل حقوق الإنسان، يسلّطون الضوء على المظالم، ويشرحون طرق التصحيح. ولكنّ هذه المنظّمات غير قادرة على القيام بالعمل الرئيسي: تغيير السياسات. ولذلك هناك حاجة لحزب سياسي، حزب قادر على الفوز في الانتخابات وتشكيل حكومة. هذه هي الحاجة الأهم. خلاف ذلك، فإنّ البلاد تتّجه نحو كارثة. أولا وقبل كلّ شيء، علينا أن نحلّل إخفاقاتنا بوضوح وأن نعترف بها علنًا. لقد فشل اليسار في امتلاك قلوب جموع الجمهور الشرقي، بما في ذلك أبناء الجيل الثاني والثالث. ليس هذا قدرًا من السماء. يجب الاعتراف بالحقيقة، تحليلها وبحث طرق التغلّب عليها. إنّه أمر صعب جدّا، ولكنّه ممكن. نفس الشيء، بل وأكثر، ينطبق على المهاجرين من الاتحاد السوفياتي سابقًا. اليسار بالنسبة لهم غريب تمامًا. لا يوجد سبب لذلك في واقع أيامنا. يمكن إقناع أبناء الجيل الثاني والثالث، ويجب القيام بذلك. وإلى جانب ذلك يجب أن نكسر، مرة واحدة وللأبد، المحظور الذي يمنع اليسار اليهودي من التواصل مع القوى السياسية في الوسط العربي. إنّه واقع من الإخصاء الذاتي (من كلا الطرفين)، وهو يؤدي إلى عجز اليسار. ولا يوجد سبب أيضًا في التصدّع التام بين اليسار العلماني والجمهور المتديّن المعتدل. إنّ النهج المعادي للدين والاستفزازي لبعض أوساط الوسط - اليسار، كنموذج لبيد، هو نهج غبيّ. إذن فما الذي يجب فعله؟ قبل كلّ شيء، يجب أن تقوم قيادة جديدة. إنّ العمل الجدير بالثناء، والذي قامت به زهافا جلئون (في اليوم التالي للانتخابات) يجب أن يكون نموذجا لها وللآخرين. هناك حاجة إلى قيادة جديدة، لا تكون نسخة عن القيادة السابقة. الخطر الأكبر هو أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه بعد الصدمة الأولى، وكأنّ شيئًا لم يكن. ينبغي القيام بجهد حاسم لتحديد مواقع الاحتكاك بين اليسار والقطاعات المستبعدة. ينبغي أن تقوم مجموعات تركيز من أجل الوصول إلى الجذور - في الوعي أو في اللاوعي، العملية أو العاطفية - لهذا الاغتراب القاتل. ينبغي ترك التعالي. لا يوجد قطاع واحد يملك البلاد. لكل فرد الحقّ في أن يُسمع وأن يعبّر عن طموحاته ومشاعره العميقة. إنّ الأقصاء، غير الواعي للغالبية، يجب أن يُبدّل بالتضمين. بحسب رأيي، فإنّ اليسار مخطئ جدّا عندما يحاول إخفاء أو طمس عقيدته. على العكس. إنّ حقيقة أن عبارات "السلام" و"فلسطين" لم تُذكر إطلاقا في المعركة الانتخابية لم تستعد اليسار. عندما نريد إقناع الناس، فإنّ الاستقامة هي الحاجة الأولى. باختصار، إذا أراد اليسار الفوز في المرة القادمة - وقد تأتي بشكل أسرع كثير ممّا يُتصوّر - فعليه أن يبدأ بتغيير نفسه والتغلّب على الأسباب التي أدّت إلى فشله. يمكن القيام بذلك. الآن هو الوقت المناسب للبدء. |