اوري افنيري 

التمييز العنصري بالتفصيل / أوري أفنيري


هل إسرائيل دولة تمييز عنصري؟ يُطرح هذا السؤال من حين إلى آخر.
يًستخدم مصطلح تمييز عنصري غالبًا، من أجل الدعاية فقط. وهو يستخدم على غرار مصطلح الفاشية والعنصرية، لتوجيه الإهانات للمعارضين.

ولكن ثمة تعريف دقيق لمصطلح التمييز العنصري، وهو ينطبق على أنظمة معينة. وعندما نصف نظامًا ما بهذه الصفة، يمكن أن يكون هذا الوصف صحيحًا أو غير صحيح جزئيًا أو غير صحيح تمامًا. وينطبق هذا أيضًا على الاستنتاجات الناشئة عن هذا التعريف. وقبل عدة أيام، أتيحت لي الفرصة لتبادل وجهات النظر حول هذا الموضوع مع مختص في هذا الشأن، كان يعيش في جنوبي أفريقيا في فترة الفصل العنصري، وتعلمت منه كثيرًا. هل إسرائيل هي دولة فصل عنصري؟ يجب علينا، في البداية، أن نحدد عن أي دولة إسرائيل نتحدث، إسرائيل السيادية ضمن حدود الخط الأخضر، أو نظام الاحتلال الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة، أو كليهما معا؟ سنعود إلى ذلك لاحقًا. الاختلاف بين الحالتين هو أمر واضح. بداية، كان النظام في جنوب أفريقيا، مثل النظام النازي في ألمانيا، قائمًا على نظرية العنصر السيد والأهم. وهذا كان اعتقاده الرسمي السائد. الأيديولوجية الصهيونية في إسرائيل ليست عنصرية، بهذا المعنى، وإنما دمج بين القومية والدينية، على الرغم من أن معظم مؤسسي الصهيونية كانوا ملحدين. رفض مؤسسو الصهيونية جملة وتفصيلا اتهامهم بالعنصرية. ومعادو السامية هم العنصريون. الصهيونيون هم ليبراليون، اشتراكيون، متقدمون. (وعلى حد علمي، لم يكن سوى زعيم صهيوني واحد من المؤيدين لنظرية العنصر الأهم والسيد، وهو ارتور روبين، وهو صهيوني ألماني وكان الأب المؤسس للاستيطان الصهيوني في بداية القرن الماضي. بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضًا اختلاف كبير في الأرقام، ففي جنوب أفريقيا كانت هناك أغلبية سوداء، أما أصحاب البشرة البيضاء فكانوا لا يتجاوزون خُمس السكان. كذلك في إسرائيل السيادية، فقد شكّلت نسبة الأقلية العربية حوالي 20% من السكان. لكن في البلاد بشكل عام، من البحر المتوسط وحتى نهر الأردن، هناك مساواة بين عدد اليهود والعرب تقريبًا. ويبدو أن العرب يشكّلون حاليًا أغلبية ضئيلة (من الصعب الوصول إلى أرقام دقيقة). ستزداد الأكثرية العربية ببطء وانتظام. كما أن الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا كانت متعلقة بشكل مطلق بعمل السود. صحيح أنه في بداية الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة تنازلت إسرائيل عن المبدأ الذي يقدس "العمل العبري" وغمرت أعداد كبيرة من العمال الفلسطينيين إسرائيل. ولكن، مع بداية الانتفاضة الأولى تم القضاء على هذه الظاهرة سريعًا. وتم استقدام عمال أجانب من الخارج: من أوروبا الشرقية ومن الصين من أجل العمل في مجال البناء، ومن تايلند للعمل في الزراعة ومن الفلبين للعمل في الرعاية والتمريض وغيرها. وفي الفترة الراهنة، يحارب الجيش الإسرائيلي ظاهرة الماكثين غير القانونيين من سكان المناطق الفلسطينية الذين يحاولون التسلل إلى إسرائيل من أجل العثور على عمل. وهذا يعتبر فرقًا أساسيًا بين الحالتين، وهو اختلاف مهم فيما يتعلق بالحلول السياسية الممكنة والمقترحة. وللأسف، يتم تشغيل عدد كبير من العمال الفلسطينيين في الضفة الغربية في عمليات بناء المستوطنات، التي طالبنا أنا وأصدقائي بمقاطعة منتجاتها. فالأزمة الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الفلسطينيون تدفعهم إلى القبول بهذا الوضع المخجل.

وفي إسرائيل نفسها، يشتكي المواطنون العرب من تمييز منتهج، يحدد ويقيّد تشغيل العرب في إسرائيل في المصانع اليهودية والوزارات الحكومية. وتعدُ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وبشكل دائم ومؤكد على أنها ستعمل من أجل إصلاح وتحسين هذا الوضع. ولكن بشكل عام، يتشابه وضع الأقلية العربية في إسرائيل مع وضع الأقليات القومية الأخرى في غالبية الدول الأوروبية في أنحاء العالم. فالعرب في إسرائيل يتمتعون بمساواة أمام القانون، يشاركون في الانتخابات، لديهم من يمثلهم من أحزاب خاصة بهم، لكنهم يعانون من الناحية الفعلية من تمييز في مجالات مختلفة. ولكن لا يمكن أن نسمي ذلك بـ "تمييز عنصري".

لكن الوضع في المناطق المحتلة يشبه إلى حد كبير "الفصل العنصري". اعتقدت دائمًا أن أحد الاختلافات الرئيسية بين إسرائيل وجنوب أفريقيا يتعلق بمصادرة الأراضي الفلسطينية في المناطق المحتلة لصالح المستوطنات اليهودية. وهذا أيضًا ينطبق على الأراضي الخاصة وأيضًا على "أراضي الدولة". وفي الفترة العثمانية كانت تسجل الأراضي الاحتياطية في القرى والمدن باسم السلطان. وعندما سيطر البريطانيون على البلاد قاموا بتحويل تلك الأراضي إلى ملكية حكومية وهذا الوضع استمر أيضًا في فترة الحكم الأردني. وعندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية، سيطرت قوات الاحتلال على تلك الأراضي وقامت بالبناء عليها. وبهذا الشكل تم وضع اليد على الأراضي التي كان يمكن أن تُستخدم في استيعاب النمو الطبيعي لعدد السكان في القرى والمدن الفلسطينية. وبعد حرب الاستقلال في العام 1948 تمت مصادرة مساحات واسعة من الأراضي العربية في إسرائيل من خلال قوانين تم سنها لهذا الهدف تحديدًا. حيث تمت مصادرة "الأراضي الحكومية"، والأراضي "المهجورة" التي تعود ملكيتها إلى اللاجئين بالإضافة إلى أراضي "الحاضرين الغائبين" ـ ومن خلال هذا المصطلح السخيف، نجحت إسرائيل في الاستيلاء على أراضي السكان العرب الذين لم يغادروا أرض إسرائيل، ولكنهم كانوا يتواجدون في قرى أخرى عندما قام الجيش الإسرائيلي باحتلال قراهم. جميع هذه الأراضي تم استخدامها في عملية توطين القادمين الجدد الذين تدفقوا إلى البلاد. واعتقدت دائما أنه في هذا الصدد، تعتبر الحكومة الإسرائيلية أسوأ بكثير من العنصرية التي كانت موجودة في جنوب أفريقيا. لكن يبدو أنني كنت مخطئا، فقد أخبرني صديقي أن حكومة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا قامت باتباع نفس الأسلوب، وقامت بطرد أصحاب البشرة السوداء من مساحات واسعة من الأراضي وقامت بالمقابل بتسليمها لأصحاب البشرة البيضاء. وكنت أظن دائما أن أصحاب البشرة البيضاء في جنوب أفريقيا، كانوا موحّدين في صراعهم ضد أصحاب البشرة السوداء. لكن تبين أن الانقسام والاختلاف كان موجودا لدى الطرفين. في "المعسكر الأبيض" كان هناك الأفارقة المنحدرين من المستوطنين الهولنديين الذي جاءوا إلى جنوب أفريقيا قبل مئات السنين، والذين يتحدثون لغة شبيهة باللغة الهولندية تسمى بـ "الأفريقانية". بالمقابل كان هناك البريطانيون، الذين يتحدثون اللغة الإنجليزية، وكان عددهم مشابه لتعداد الهولنديين، ولم تكن هناك ألفة ومحبة بين الطرفين داخل هذا "المعسكر الأبيض"، وكان البريطانيون يصفون الهولنديين بالمتخلفين، بالمقابل أطلق الهولنديون وصف "مخنث" على البريطانيين. كان يُلقب حزب الفصل العنصري في جنوب أفريقيا باسم "الحزب القومي" لأنه اعتبر نفسه أمة وُلدت في تلك البلاد، في الوقت الذي بقي فيه البريطانيون في جنوب أفريقيا مرتبطين بموطنهم الأصلي. ولم يكن الوضع في "المعسكر الأسمر" أفضل من الوضع في "المعسكر الأبيض"، فالانقسام كان موجودًا أيضًا في أوساط أصحاب البشرة السمراء، وهذا الانقسام كان واسعًا وكبيرًا، فهناك العديد من القوميات والقبائل الذين لا يحبون بعضهم البعض. وكان من الصعب أن يتم توحيد هؤلاء مع بعضهم البعض من أجل مواجهة أصحاب البشرة البيضاء. الوضع في الضفة الغربية يشبه إلى حد كبير الوضع الذي كان قائمًا في نظام الفصل العنصري. منذ اتفاق أوسلو، أصبحت الضفة الغربية مقسمة إلى 3 مناطق: أ، ب، ج. والنشاطات الإسرائيلية تختلف من منطقة إلى أخرى على أساس هذا التقسيم. تم اتباع سياسة "البانتوستان" في جنوب أفريقيا وهي سياسة تقوم على إقامة محميات بشرية تحكمها أنظمة مختلفة. كان بعض تلك المحميات شبه مستقل والبعض الآخر كان يتمتع بحكم ذاتي، لكن جميع تلك المناطق، كانت عبارة عن "جيوب" محاطة بمناطق يسيطر عليها أصحاب البشرة البيضاء.

كان الوضع في جنوب أفريقيا في بعض الأمور أفضل بكثير من الوضع في الضفة الغربية. وحسب قانون جنوب أفريقيا، فإن أصحاب البشرة السمراء هم أشخاص منفصلون ولكن متساوون في الحقوق. كان القانون العام يطبق على الجميع. لكن الوضع في المناطق المحتلة في إسرائيل مختلف، فالسكان في الضفة الغربية يخضعون للقانون العسكري التعسفي، في الوقت الذي يتمتع فيه جيرانهم في المستوطنات بالقانون المدني الإسرائيلي.

السؤال المثير للجدل والذي يطرح نفسه هنا، هو إلى أي درجة ساهمت المقاطعة الدولية في انهيار نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا؟

عندما طرحت هذا السؤال على رئيس الأساقفة ديزموند توتو، من زعماء التمرد في جنوب أفريقيا، أجاب بأن التأثير كان بشكل أساسي تأثير أخلاقي. وأن المقاطعة ساهمت بشكل أساسي في رفع معنويات أصحاب البشرة السمراء. ولم يختلف موقف ورأي صديقي الجديد عن رأي وموقف توتو، لكن بالنسبة للمجتمع الأبيض في جنوب أفريقيا، فقد ساهمت المقاطعة في تقويض معنويات أبناء هذا المجتمع.

وبأي درجة يمكن أن نقول أن المقاطعة ساهمت في انتصار أصحاب البشرة السمراء؟ حسب تقديرات صديقي، فإن النسبة تصل إلى حوالي 30%.

ولم يكن للمقاطعة تأثير اقتصادي حقيقي. وكان التأثير النفسي أهم بكثير. اعتبر أبناء المعسكر الأبيض أنفسهم رواد العالم الغربي في مواجهة الشيوعية. لكن عدم مساندة الغرب لهم وعدم تقدير ما يقومون به أوقعهم في دهشة كبيرة. وبالطبع كانوا سيوافقون بشكل كامل على الأقوال التي جاءت في كتاب بنيامين زئيف هرتسل في كتابه "دولة اليهود"، عندما أشار إلى أن دولة اليهود المستقبلية ستكون الرائدة في أوروبا والجدار الأول في مواجهة الهمجية الآسيوية (أي العرب).

وليس من قبيل الصدفة أن ينهار النظام العنصري في جنوب أفريقيا بعد عدة سنوات فقط من انهيار الاتحاد السوفياتي. فقدت الولايات المتحدة الاهتمام، فهل يمكن أن يحدث ذلك أيضًا بالنسبة لنا في العلاقة مع الولايات المتحدة؟

(بالمناسبة، الشباب أصحاب البشرة السمراء الذين ارسلوا من قبل الكونجرس الأفريقي لاستكمال تعليمهم في الاتحاد السوفيتي تفاجئوا من شدة العنصرية التي شاهدوها هنا، حتى أن بعضهم وصف هذه العنصرية بأنها أكثر بشاعة من العنصرية الموجودة في جنوب أفريقيا).

وكان المجال الرياضي هو المجال الأكثر تأثيرا في المقاطعة العالمية ضد النظام العنصري في جنوب أفريقيا. ولم يعد فريق "الكريكيت"، وهي اللعبة الوطنية في جنوب أفريقيا، قادرا على المشاركة في المباريات والمنافسات العالمية، وتضرر المجتمع الأبيض في جنوب أفريقيا بصورة كبيرة، مما ساهم في تزعزع ثقته بنفسه. فرضت العزلة الدولية على النظام العنصري في جنوب أفريقيا التفكير في سياسة الفصل التي يتبعها. وازداد الصراع النفسي والداخلي في أوساط المجتمع الأبيض والذي انعكس بوضوح على نتائج الانتخابات التي جاءت بعد التوصل إلى الاتفاق، حيث صوت عدد كبير من المجتمع الأبيض ومن بينهم الأفارقة الهولنديين لصالح إنهاء الفصل العنصري.

والسؤال، هل سيكون هناك تأثير مشابه في حال تم اتباع سياسة مقاطعة دولية ضد إسرائيل؟ أشك في ذلك. فاليهود معتادون على العزلة، ويشعرون بأن العالم كله يقف ضدهم، وأن هذا هو الوضع الطبيعي، وأحيانا أشعر بأن اليهود يفضلون ويرتاحون لهذا الوضع وهذا الشعور.

هناك فرق كبير بين الحالتين، وهو أن جميع السكان في جنوب أفريقيا ـ سواء من أصحاب البشرة السمراء، أو البيضاء ومن أصحاب الأصول الهندية، جميعهم كانوا يرغبون في دولة واحدة تجمعهم. ولم يكن أحد يتحدث عن التقسيم والانفصال. (دافيد بن غوريون كان يتحدث بحماس كبير عن حل التقسيم الذي تم اتباعه في البلاد. وهو اقتراح على المجتمع الأبيض في جنوب أفريقيا يوصي أن ينفصلوا ويقيموا دولة خاصة بهم، على شاكلة إسرائيل. لكن أحدا لم يكن يرغب في هذا الخيار. وفي الجزائر أيضا، اقترح بن غوريون على المستوطنين الفرنسيين أن يقيموا لهم دولة على جزء من الأراضي الجزائرية.

لكن في حالتنا، معظم الإسرائيليين وغالبية الفلسطينيين يرغبون في العيش في دولتين منفصلتين وليس في دولة واحدة. وفكرة وجود دولة واحدة يعيش فيها الإسرائيليون اليهود الذي يتحدثون العبرية إلى جانب الفلسطينيين الذين يتحدثون اللغة العربية، وجميعهم يخدمون في جيش واحد ويدفعون نفس الضرائب، تعتبر فكرة غير مقبولة على الأغلبية في الجانبين.

نظام الفصل العنصري، هُزم من جانب أبناء المجتمع الأسمر أنفسهم، ولا يمكن لأي غطرسة استعمارية تختبئ حول شعارات ليبرالية أن تخفي هذه الحقيقة.

كما أن الإضرابات الواسعة للعمال أصحاب البشرة السمراء، والذي اعتمد الاقتصاد الجنوب أفريقي عليها، جعلت استمرارية وبقاء المجتمع الأبيض أمرا مستحيلا. كما أن الاحتجاجات الجماهيرية الواسعة لأصحاب البشرة السمراء، والذين أظهروا شجاعة ملفتة، أدت في نهاية المطاف إلى أن أصحاب البشرة السمراء قاموا بتحرير أنفسهم. وهناك أيضا فرق آخر، وهو أنه في جنوب أفريقيا كان هناك نلسون منديلا و فريدريك دي ـ كلارك.