|
||
والآن سرق لنا أحدهم ما هو أغلى من الماسة واليقطين. لقد سرق لنا حربًا، بل اثنتَين. فكيف لا نغضب؟ كان يتوجب أن تجري الحرب المسروقة رقم 1 في سوريا. كان على الولايات المتحدة أن تهاجم نظام بشار الأسد. عملية قصيرة، نظيفة، وموضعية. حين تردد الكونغرس الأمريكي، تم تحرير كلاب جهنم من عقالها. أرسلت إيباك كلابها النيابيين إلى الكابيتول لتمزيق أي سناتور أو عضو في مجلس النواب معترض إربًا إربًا. تم التسريب لنا بأنّ بنيامين نتنياهو أطلقهم وفقًا لطلب واضح من باراك أوباما. ولكن المناورة كلها كانت ملتوية منذ البداية. صرّح الأمريكيون أن لا نية لهم في إسقاط نظام الأسد، لا سمح الله. على العكس، لقد أرادوا أن يبقى نظام الأسد قائمًا. لم تكن تلك مجرد حادثة تفضيل الشيطان الذي تعرفه على ذلك الذي تجهله، كان من الواضح أن الشيطان الثاني كان أسوأ من الأول. حين كتبت أنّ ثمة مصلحة مشتركة بين الولايات المتحدة، روسيا، إيران وإسرائيل في وجود نظام الأسد، تعجب الكثيرون. ولكن ذلك كان منطقًا بسيطًا. لم يرغب أي من هؤلاء الشركاء الغريبين في وضع مجموعة من الإسلاميين العنيفين في السلطة في سوريا. هؤلاء، على ما يبدو، هم البديل الحقيقي الوحيد للأسد، وقوتهم تزداد يومًا بعد يوم، ما دامت الحرب الأهلية مستمّرة. إذا كان الأمر كذلك، أتهاجم بالذات الشخص الذي تريده أن يكون في السلطة؟ ليس ذلك منطقيًّا حقًا. لذلك، فلا حرب. غضب العديد من الإسرائيليين أكثر بعد من الحرب الجيدة التي سُرقت منهم في سوريا. كان الأمريكيون حائرين، ولكن الإسرائيليين كانوا منفصمي الشخصية تمامًا. الأسد عربي. عربي سيء. بل أسوأ من ذلك، إنه صديق الذئب الكبير، إيران. إنه يوفر الممر الذي يمر فيه السلاح الإيراني إلى حزب الله في لبنان. إنه الحلقة المركزية في محور الشر. كل شيء صحيح، ولكن عائلة الأسد - الأب، الابن وروحهما غير المقدسة - حافظت على الهدوء على الحدود السورية مع إسرائيل. لم يتم إطلاق أية رصاصة من هناك على مدى عقود. السؤال هو ما الذي سيحصل إذا سقط الأسد وحلّ محله إسلاميون مهووسون. قال الإحساس الإسرائيلي: هيا، اضرب الأسد! اضربه بقوة! ولكن العقل الإسرائيلي - ثمة أمر كهذا في مكان ما - يقول: من المستحسن أن يبقى في السلطة. معضلة حقيقية. ولكن ثمة اعتبار آخر لدى نتنياهو وشركائه، اعتبار أكثر خطورةً بكثير: إيران. إنه أمر سيء جدًا أن تتمّ سرقة هجوم موضعي صغير منك. ولكن ها هم قد سرقوا منا حربًا ثانية، عملية كبرى حقًا. منذ زمن ليس ببعيد، أظهر رسم كاريكاتوري في إحدى الصحف رئيس إيران يجلس أمام شاشة التلفزيون ويأكل الذرة المشوية باستمتاع، في حين يتلقى أوباما الضربات في سوريا. يتساءل المحللون السياسيون والساسة لدينا: كيف يستطيع أوباما أن يمارس ضغطًا على إيران حين لا يستطيع الضغط حتى على سوريا؟ بعد أن سمح أوباما للأسد أن يتخطى الخط الأحمر الرفيع، كيف سيمنع الإيرانيين من تخطي الخط الأحمر الأعرض بكثير الذي وضعه هناك؟ أين الردع الأمريكي؟ أين الرعب الذي تدبه القوة العالمية؟ ما الذي سيمنع آيات الله من بناء قنبلة نووية، بعد أن وقع الرئيس الأمريكي في المصيدة البدائية التي نصبها له الروس (كما يبدو ذلك لقادتنا)؟ في الحقيقة، لا يمكنني ضبط نفسي عن الشعور بحد معين من الشماتة بمحللينا. حين أقررتُ بشكل قاطع أنه لن يكون هناك هجوم عسكري أمريكي، ولا إسرائيلي، على إيران، اعتقد بعض معارفي أنني جننت. ألن تجري الحرب؟ بعد أن وعد نتانياهو بأن تكون؟ وبعد أن حذا أوباما حذوه؟ يجب أن تكون هناك حرب! وها هي الحرب تتلاشى في الأفق. بنظر قادتنا، تسيطر على إيران زمرة مجنونة من المتطرفين دينيًا، هدفهم الأساسي في الحياة هو القضاء على إسرائيل. الأمر محتوم بالنسبة للإيرانيين فيما يتعلق بتركيب قنبلة نووية تؤدي هذا العمل. لا يهمهم أنّ ضربة إسرائيلية ثانية أكيدة ستدمّر بلادهم للأبد. هكذا هم. لذلك، يجب منع إنتاج القنبلة بأيّ ثمن، حتى لو كان هذا الثمنُ انهيارَ الاقتصاد العالمي نتيجةً لإغلاق مضيق هرمز. هذه صورة واضحة، كل تفاصيلها متناسق. لكننا محظوظون لأنها لا تمت للواقع بصلة. رسمت الأحداث الأخيرة صورةً مختلفةً كليًّا. بدأ ذلك في الانتخابات الإيرانية. محمود أحمدي نجاد، الرئيس المجنون بعض الشيء، منكر المحرقة الاستحواذي، اختفى عن الساحة. بدلًا منه، انتُخب حسن روحاني، المتواضع والمعتدل. لم يكن انتخابٌ كهذا ممكنًا دون موافقة المرشد الأعلى، علي خامنئي، الذي يصادق مسبقًا على المرشّحين. من الواضح أنّ روحاني كان مرشّحَه. ما معنى ذلك؟ بالنسبة لمحّللينا، الأمر واضح تمامًا: الفرس المحتالون والمخادعون يخاتلون العالم كله من جديد. فهم سيستمرون، طبعًا، في تطوير القنبلة. لكنّ الأمريكيين السذّج سيصدّقون أكاذيبهم، ممّا سيؤدي لإهدار وقت ثمين، ليعلن الإيرانيون يومًا ما: انتهى الأمر، لدينا قنبلة نووية، ويمكننا الآن أن نفعل ما نشاء، وبشكل خاصّ، تدمير الكيان الصهيوني. هذا التفكير مبنيّ على خيال. الإيرانيون بعيدون كلّ البُعد عن أن يكونوا شعبًا بدائيًّا وانتحاريًّا. فهم على وعي تامّ بكونهم ورثة حضارة عظيمة، لا تقلّ قِدَمًا أو ثراءً عن الحضارة اليهودية. فكرة "تبادل المُلك" - نحن ندمّرك وأنت تدمّرنا - سخيفة، لا سيّما وأنّ الشطرنج لعبة فارسيّة. (اسم الشطرنج مشتقّ من الكلمتَين الفارسيتَين: "الشاه مات"). في الواقع، القادة الإيرانيون هم رجال حذرون ومتّزنون جدًّا. لم يقوموا أبدًا بمهاجمة جيرانهم. فهم لم يفتتحوا الحرب الفظيعة ذات الثماني سنوات مع العراق، بل صدام حسين العديم المسؤولية. نشأ دافع إنتاج القنبلة النووية الإيرانية حين تحدّث المحافظون الجدد في واشنطن، ومعظمهم يهود صهيونيون، صراحةً عن نيّتهم مهاجمة إيران، مباشرةً بعد انتهاء الحرب الصغيرة واللطيفة التي بادروا إليها في العراق. يبدو أنّ القيادة الإيرانية قرّرت مؤخرًا أنّ ترميم الاقتصاد أكثر أهميةً بكثير من اللعب بالقنابل. وبما أنهم تجّار بطبعهم - فكلمة "بازار" هي فارسيّة - يُحتمَل أن يتخلَّوا عن القنبلة مقابل رفع العقوبات وتطوير الكنوز الكبرى لإيران. يتوق المواطنون الإيرانيون إلى مجتمع عصريّ متقدّم. ولهذا السبب، اختار خامنئي والشعب روحاني. تمّ هذا الأسبوع بثّ فيلم وثائقي في التلفزيون لدينا عن حياة الإسرائيليين في إيران إبّان حُكم الشّاه. جنة حقيقية. عاش الإسرائيليون على أطايب البلاد. فقد شكّلوا الشرطة السرية للشاه، التي دُعيت ساباك (لا الشاباك، الذي كان قدوةً لها). وقد رافقوا كبار ضبّاط الشاه، الذين تلقى معظمهم تدريبًا في إسرائيل. وقد بنوا صناعة الشاه، وبدؤوا بتطوير قنبلته النووية. وصل النفط الإيراني إلى أوروبا عبر الأنبوب الذي وُضع بين إيلات وأشكلون، بتمويل من الشاه. وعُقدت الصفقة الأمريكية - الإسرائيلية - الإيرانية، التي عُرفت بـ "إيران غيت"، أيام حكم آيات الله. (آية الله: علامة من الله). من يعُد في التاريخ إلى الوراء يمكنه أن يتذكر أن اليهود عادوا من السبي البابلي إلى أورشليم برعاية الملك الفارسي، كورش، كما جاء في الأسفار المقدسة، في سفرَي عزرا ونحميا. قام التحالف العصري بين إسرائيل وإيران على العداء المشترك للعرب، ويمكنه أن يعود بسهولة إلى سابق عهده. السياسة، مثل الإباحيّة، قضية جغرافية. الأمة الأمريكية مثقلة بالحروب، ويبدو أنّها مستعدة للتسوية مع إيران. سيلتقي رجال الأعمال مع تجّار البازار لينسجوا صفقةً جديدة. لا حرب. في الوقت نفسه، تُحتمَل تطوّرات إيجابية في سوريا أيضًا. الآن، حين اكتشف الروس والأمريكيون أنهم يستطيعون التعاون في هذه المنطقة، فإنّ طرفَي القتال في سوريا يمكن أن يستنتجا أنّ ما حدث من القتل المتبادل كافٍ، وأنه يمكن التوصّل إلى حلّ سياسيّ (كذاك الذي وصفتُه الأسبوع الماضي). وهكذا، تُلغى الحربان - تُسرقان تمامًا تحت ناظرَي من يمتلك الإيمان البدائي بأنّ القوة العنيفة هي الحلّ الوحيد لجميع المشاكل. أرسلت لي سيّدة من باكستان هذا الأسبوع كلمات عالم الرياضيات، الفلسفة، والمنطق، البريطاني برتراند راسل: "لديّ إيمان في غاية البساطة: أنّ الحياة، السعادة، والجمال أفضل من الموت الحقير. حين أستمع إلى الموسيقى، أظنّ أننا نشعر جميعًا أنّ القدرة على إنتاج موسيقى كهذه، والقدرة إلى الاستماع إلى موسيقى كهذه، هما أمر يجدر الحفاظ عليه، وعدم إهماله لأجل نزاعات تافهة. يمكنكم أن تقولوا إنّ هذا إيمان بسيط، لكنّ كل أمر هامّ هو، حسب رأيي، بسيط جدًّا". |