اوري افنيري 

ويل للمنتصر! / أوري أفنيري


ويل للمهزوم، هتف الرومانيون. VAE VICTIS.

كنت لأصلح هذه المقولة: VAE VICTORI، ويل للمنتصر!

أبرز مثال على ذلك هو النصر الباهر الذي حققناه في حزيران من العام 1967. بعد أسابيع من الهلع، هزم الجيش الإسرائيلي ثلاثة جيوش عربية بستة أيام واحتل أراض مصرية، سورية وفلسطينية هائلة.

نحن نعرف الآن أن هذه كانت هي أكبر كارثة حلت بنا في تاريخ الدولة. مجرد حجم النصر أدى بنا أن نصاب بجنون العظمة. لم ننجح حتى اليوم في التحرر من النتائج. التاريخ مليء بمثل هذه الأمثلة.

نحن نشهد الآن نجاح يئير لبيد الباهر في الانتخابات، وهو نجاح لم يكن متوقعًا أبدًا. يمكن لهذا الأمر أن يكون القصة ذاتها ولكن بحجم مصغّر.

كتلة لبيد هي الثانية من ناحية حجمها في الكنيست الجديدة، ولا تكاد تكون أمام بنيامين نتنياهو احتمالات لإقامة ائتلاف من دونها.

أصبح نجم التلفزيون السابق يشبه الآن ولدا في دكان للحلوى، يمكنه أن يأخذ كل ما يريده. بإمكان لبيد أن يختار أي وزارة حكومية يرغب بها، ويكاد يكون بإمكانه أن يملي على رئيس الحكومة أية سياسة كانت.

وهنا تبدأ المشاكل.

ضعوا أنفسكم مكانه، وسترون في أي ورطة وقعتم.

في البداية، ما هي الوظيفة التي من الأجدى لكم اختيارها؟

بصفتكم أكبر شريك في الائتلاف، لكم الحق في اختيار إحدى الوزارات الكبيرة الثلاث: وزارة الأمن، وزارة الخارجية أو وزارة المالية.

هل يبدو الأمر بسيطا؟ فكروا مرة أخرى!

يمكنكم أن تختاروا وزارة الأمن. ولكن أنتم تفتقرون إلى أية تجربة أمنية. حتى أنكم لم تخدموا في وحدة قتالية. لقد اهتم الوالد بإيجاد مكان لكم في هيئة تحرير صحيفة "بمحانيه".

بصفتكم وزير الدفاع، سوف تكونون مسؤولين عن رئيس الأركان. بموجب القانون، الحكومة كلها هي القائد الأعلى، ولكن وزير الدفاع يمثل الحكومة أمام الجيش.

إذن، هذه الوزارة ليست لكم.

يمكنكم أن تختاروا وزارة الخارجية. يبدو وكأن هذه الوظيفة هي الأمثل بالنسبة لكم.

ولأنكم ترغبون في تقلّد منصب رئيس الحكومة في المرة القادمة، أنتم بحاجة إلى شهرة جماهيرية. وزير الدفاع يحصل على الكثير من هذه الشهرة. سوف تظهرون في صور إلى جانب الرئيس أوباما، أنجلا ميركل، فلاديمير بوطين وكثيرين من نخبة العالم. سوف يعتاد الجمهور على رؤيتك في هذه المحافل الدولية الراقية. ولأن لكم طلعة جميلة، فإن هذه الميزة ستتزايد. سوف يفتخر الجمهور بكم.

إضافة إلى ذلك، فهذه وظيفة لا يمكن الفشل فيها. لأنه يتم تحديد السياسة الخارجية - وفي معظم الأحيان تنفيذها أيضا - من قبل رئيس الحكومة ذاته، لا يتهمون وزير الخارجية بأي تهمة، إذا كان حمارًا بالفعل، وأنتم لستم حميرًا.

بعد أربع سنوات، سيكون الجميع على قناعة أنه قد تم نحتكم من مادة رئيس الحكومة.

والأفضل من هذا كله: يمكنكم فرض الشروع الفوري بالمفاوضات مع الفلسطينيين. لن يكون بمقدور نتنياهو أن يرفض، ناهيك عن أن براك أوباما سوف يضغط عليه هو أيضا. حفل افتتاح المفاوضات سيكون بمثابة الاحتفال بنصركم. لن يطالب أحد ولن يتوقع أحد أي تقدم حقيقي.

إذن لماذا لا تختارون هذه الوزارة؟

لأنه ستظهر أمام وجهكم لافتة تحذيرية كبيرة.

المواطنين الـ 543,289 الذين صوتوا إلى جانبكم لم يصوتوا من أجل وزير خارجية. لقد صوتوا من أجل تجنيد الحاريديين في الجيش، من أجل توفير مساكن يسيرة، من أجل خفض أسعار الأغذية وتقليل الضرائب المفروضة على الطبقة الوسطى. العلاقات الخارجية، الاحتلال وسائر الأمور التافهة لا تهمهم بأي شكل من الأشكال.

إذا تملصتم من هذه الشؤون الداخلية وذهبتم إلى وزارة الخارجية، فستقوم ضجة كبيرة: خائن! مارق! محتال!

نصف منتخبوكم سوف يتركونكم على الفور. سيكون اسمكم موضع احتقار وازدراء.

إضافة إلى ذلك، لكي تسلكوا طريق السلام حتى ولو ظاهريا، سوف تحتاجون إلى التخلي عن ضم نفتالي بنط وحزبه العنصري المتطرف إلى الائتلاف. سوف تضطرون إلى إدخال الأحزاب الحاريدية مكانهم. كيف ستجبرون الحاريديين على الخدمة في الجيش؟ هذا أشبه بأن تجبروهم على أكل الخنزير!

الاستنتاج المنطقي: عليكم اختيار وزارة المالية.

ما عاذ الله!!!

أنا لا أتمنى هذا لأكبر أعدائي. ولا أكن أية عداوة تجاه نجل طومي لبيد.

وزير المالية القادم سوف يضطر إلى فعل عكس ما وعد به يئير في الانتخابات تماما.

سوف تكون مهمته الأولى هي تمرير ميزانية الدولة للعام 2013 في الكنيست خلال بضعة أسابيع. بموجب الأرقام الرسمية، يجب سد فجوة من 39 مليار شيكل. من أين ستأتون بالمال؟

الإمكانيات قليلة، وكلها مؤلمة. ستكون هنالك حاجة إلى فرض ضرائب جديدة، وخاصة على الطبقة الوسطى المعروفة وعلى الطبقات الفقيرة. لبيد هو نيو-ليبرالي مثل نتنياهو، وهو لن يفرض ضرائب على الأغنياء.

إضافة إلى ذلك يجب تقليص كافة خدمات الحكومة، مثل التربية والتعليم، الصحة والرفاه الاجتماعي. المستشفيات على وشك الانفجار الآن، وهذا الأمر يلحق الخطر بحياة المرضى. العديد من مباني المدارس آخذة بالانهيار. تقليص رواتب التقاعد سوف يجعل حياة المسنين، المعاقين والعاطلين عن العمل بمثابة جحيم. جميعهم سوف يشتمون وزير المالية. هل هكذا تريدون أن تبدأوا حياتكم السياسية؟

هناك بطبيعة الحال ميزانية الأمن الضخمة. ولكن هل ستكون لديكم الجرأة على المس بها؟ في الوقت الذي يخيّم فيه خطر القنبلة الإيرانية فوق رؤوسنا (في خيالنا على الأقل)؟ حين يحذرنا نتنياهو من سقوط الأسلحة الكيماوية السورية بين أيدي المتطرفين المسلمين؟

صحيح، يمكنكم تقليص رواتب التقاعد لضباط الجيش الذين يتقاعدون في سن 45 سنة. هل تجرؤون؟

يمكنكم أيضا تقليص المبالغ الهائلة التي يتم تبذيرها على المستوطنات بشكل دراماتيكي. هل أنتم أبطال إلى هذا الحد؟

وإذا لم يكن هذا كله كافيًا، فإن النخبة الاقتصادية تتعرض الآن إلى وضع من التفكك. عميد بنك إسرائيل، ستنلي فيشر، هرب في منتصف الفترة. الموظفون الكبار في وزارة المالية يُمسكون بأعناق بعضهم البعض.

إن شخصا جريئا جدا أو أحمق جدا (أو كلاهما) سيختار هذه الوظيفة.

يمكنك بطبيعة الحال الاكتفاء بوزارة أقل هيبة.

وزارة التربية والتعليم مثلا. صحيح، تعتبر هذه الوظيفة وظيفة من الدرجة الثانية، على الرغم من أن عشرات الآلاف يعملون في هذا الجهاز وميزانيته هي الثانية بعد ميزانية الأمن. ولكن توجد في وزارة التربية والتعليم سلبية جدية واحدة: أي إنجاز يتم إحرازه فيها سوف يظهر بعد سنوات.

يتمتع الوزير السابق، جدعون ساعر، بمهارة خاصة على لفت الانتباه. إنه يطرح مرة في الأسبوع على الأقل مبادرة جديدة ويحظى بتغطية واسعة في وسائل الإعلام. ولكن إنجازاته الحقيقية شحيحة.

لقد تعلمت من تجربة زوجتي التي كانت معلمة، أن "الإصلاحات" اللامعة في الوزارة لا تصل إلى الصفوف عادة. ولكي يتم تغيير الوضع التربوي هناك حاجة إلى مبالغ طائلة، ومن أين ستأخذونها؟

وهل وزارة من الدرجة "ب" سوف تلبي الأنا لديكم بعد مثل هذا النصر الباهر في صناديق الاقتراع؟ يمكنكم بطبيعة الحال أن توسّعوا الوزارة وأن تضموا إليها الثقافة والرياضة، اللتان تم فصلهما عنها لتوفير وظيفة لوزير إضافي. هذا سيكون ملائما أيضا لوعودكم الانتخابية في خفض عدد الوزارات من 30 إلى 18.

ولكن هل سوف يكتفي ناخبوكم بأن تركّزوا على التربية، بدل أن تركّزوا على الإصلاحات الاقتصادية كما وعدتم؟

كل هذه المآزق لا وزن لها أمام مأزق أساسي واحد: من ستختارون ليكون شريككم في الائتلاف؟

ينحصر الاختيار بين الـ 12 مقعدًا التي حظي بها بنط وبين الـ 11 مقعدًا التي حظيت بها شاس، والتي ستتحول إلى 18 مقعدًا إذا تم إنشاء كتلة حاريدية.

لبيد يفضل بنط، وهو صورته في اليمين، لكي يحقق وعده بوجود "مساواة في تحمل العبء"، غير أن سارة نتنياهو التي تسيطر على ديوان رئيس الحكومة دونما رادع، قد فرضت الفيتو على بنط. لا أحد يعرف لماذا تكرهه، ولكن هذا هو الوضع.

إذا أصبح بنط عضوا في الائتلاف، فأي تقدم حقيقي باتجاه السلام سيكون غير ممكن.

بالمقابل، سيكون مثل هذا التقدم ممكنًا إذا انضم المتدينون إلى الائتلاف، ولكن عندها ستتحول "المساواة في تحمل العبء" إلى شعار فارغ من أي مضمون. الحاخامون يخافون من أنه إذا اختلط شبابهم بالإسرائيليين الطبيعيين، وخاصة بالإسرائيليات الطبيعيات، فسوف يفقدونهم إلى الأبد.

(بالنسبة لي، أنا مستعد للانضمام إلى حركة ضد المساواة في تحمل العبء. إن آخر الأشياء التي نحن بحاجة إليها هو جيش من معتمري الكيبا. يوجد لدينا الآن الكثير منهم في الجيش).

هذه هي الأسئلة التي يتوجب على لبيد المسكين أن يواجهها الآن بسبب نصره الكبير. الناخبون يتوقعون أمورًا مستحيلة.

لا يوجد وقت. يتوجب عليه أن يقرر الآن وفورا، وكل مستقبله متعلق باتخاذ القرار الصحيح - إذا كان هناك أي قرار صحيح بالأصل.

وكما قال برنارد شو: "في الحياة مأساتان. الأولى هي ألا تحصل على مبتغاك. والثانية هي أن تحصل على مبتغاك".