اوري افنيري 

مسعور أو مجنون؟ / أوري أفنيري


قد يكون بنيامين نتنياهو مجنونا، لكنه ليس مسعورًا.

قد يكون إيهود براك مسعورًا، لكنه ليس مجنونًا.

استنادًا إلى ذلك: إسرائيل لن تهاجم إيران.

قد قلت ذلك في الماضي، وأنا أكرر ذلك مرة أخرى، حتى بعد الأحاديث اللانهائية. صحيح، لم يتحدثوا كثيرا عن أي حرب إلى هذا الحد قبل أن تندلع. إذا اقتبسنا عبارة كلاسيكية من الأفلام: "إذا كان عليك إطلاق النار، فاطلقها! لا تتكلم!"

من بين جميع الأقوال الرنانة لنتنياهو، تبرز جملة واحدة: "سأتحمل كل المسؤولية في لجنة التحقيق بعد الحرب. أنا، وأنا فقط!"

تصريح يثير الإعجاب.

أولا، يتم تعيين لجنة تحقيق فقط بعد حرب انتهت بالفشل. لم تكن لجنة كهذه بعد حرب 1948، ولا بعد حرب عام 1956، ولا بعد حرب حزيران. لقد عيّنوا لجنة تحقيق بعد حرب تشرين وبعد الحربين على لبنان. حين يتحدث نتنياهو عن لجنة التحقيق التالية، فهو يتوقع في عقله الباطني فشلا في الحرب القادمة.

ثانيا، حسب القانون الإسرائيلي، الحكومة كلها هي القائد الأعلى للجيش. ثمة قانون آخر يقضي بأن جميع وزراء الحكومة يتحملون "مسؤولية جماعية". صحيح أن المجلة الأسبوعية "تايم" التافهة قد توجت "الملك بيبي" ملكا علينا، ولكن لا يوجد لدينا حتى الآن نظام ملكي. نتنياهو ليس إلا "الأول بين السواسية".

ثالثا، يعبّر نتنياهو في هذا الإعلان عن استهزاء عميق بزملائه الوزراء. إنه ببساطة لا يحسب حسابهم.

من وجهة نظره الذاتية، نتنياهو هو وينستون تشرتشل جديد. لا أذكر أن تشرتشل، عند تسلمه لمنصبه، قال أنه يتحمل مسؤولية الهزيمة المتوقعة. على الرغم من أن الوضع في تلك الأيام كان ميؤوس منه، تحدث تشرتشل عن الانتصار. ولم تكد تظهر كلمة "أنا" في خطابه تقريبا.

بغسيل الدماغ اليومي الذي نحن معرّضون له، المشكلة كلها مطروحة بمصطلحات عسكرية. الجدال – إن وجد – يتعلق بالقدرات والمخاطر العسكرية.

نحن نخشى بشكل خاص عشرات آلاف الصواريخ التي من المفترض أن تسقط على كافة أجزاء الدولة، ليس فقط من الجهة الإيرانية، بل من جهة لبنان وغزة أيضا. الوزير المسؤول عن الجبهة الداخلية، متان فيلنائي، هرب هذا الأسبوع وابتعد إلى بكّين. وزير جديد، آفي دختر، لاجئ من حزب كاديما البائس، حل محله. يعرف الجميع أنه لا تتوفر لجزء كبير من الجمهور أية حماية.

أعلن إيهود براك أن الصواريخ ستقتل نحو 500 شخصا فقط. أنا لا أتوق أن أكون من بينهم، على الرغم من أنني لا أعيش بعيدا عن وزارة الأمن.

ولكن المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران هي جزء من الصورة فقط، وليس الجزء الأهم بشكل خاص.

كما ذكرت في السابق، تأثير الحرب على الاقتصاد العالمي، الذي يعاني منذ الآن من أزمة كبيرة، أهم بكثير. سيتعامل الإيرانيون مع الهجوم الإسرائيلي وكأنه هجوم أمريكي، وستكون ردة فعلهم وفقًا لذلك، كما كانوا قد أعلنوا بشكل واضح هذا الأسبوع.

الخليج العربي هو زجاجة، عنقها مضيق هرمز. المضيق كله مرهون بنوايا إيران الحسنة. من الأفضل لحاملات الطائرات الضخمة التابعة للولايات المتحدة، الموجودة حاليًا في الخليج، الخروج من هناك قبل فوات الأوان. إنها تشبه السفن الشراعية التي يقوم الهواة بتركيبها داخل الزجاجات. كذلك لن يتمكن سلاح الولايات المتحدة الهائل من ضمان بقاء المضيق مفتوحًا. تكفي صواريخ أرضية بسيطة جدا لإغلاقه لمدة أشهر. بهدف فتحه، ستكون ثمة حاجة إلى عملية برية من قبل الولايات المتحدة وحليفاتها. ستكون عملية طويلة، منوطة بالكثير من سفك الدماء، ونتائجها غير مضمونة سلفًا.

يمر جزء كبير من إمدادات النفط العالمي عبر هذا المسار الضيق. يكفي التهديد بإغلاقه لرفع أسعار الوقود إلى السماء. ستؤدي حرب حقيقية إلى انهيار اقتصادي عالمي. مئات الآلاف، وحتى الملايين، سيفقدون أماكن عملهم.

سيوجه كل من هؤلاء الضحايا الشتائم إلى إسرائيل. لأنه سيكون من الواضح تماما أن هذه هي حرب إسرائيلية، وسيُوجّه الغضب ضدنا. بل أسوأ من ذلك، أسوأ من ذلك بكثير: من شأن الأزمة أن تؤدي إلى ثورة من اللاسامية لم يسبق لها مثيل. إن إسرائيل تدعي أنها "دولة الشعب اليهودي". سيعود مضطهدو الإسلام الجدد ليكونوا مضطهدو اليهود القدامى. "اليهود هم مصيبتنا!" كشعار النازيين في حينها.

من شأن وضع كهذا أن يكون الأسوأ في الولايات المتحدة. حتى الآن، تعامل الأمريكيون بصبر كبير مع الحقيقة أنه تتم إدارة سياستهم الخارجية في الشرق الأوسط وفق الإملاءات الإسرائيلية. ولكن الإيباك القادرة على كل شيء لن تتمكن من الوقوف أمام ثورة الغضب الجماهيري. ستنهار كافة السدود، كما في نيو-أورلينس في حينه.

سيؤثر ذلك على الحسابات الرئيسية التي يحسبها مروّجو الحرب.

في أحاديث خاصة، وغير خاصة إلى حد كبير، يدعي نتنياهو وبراك أن الولايات المتحدة ستكون مشلولة عشية الانتخابات هناك. في الأسابيع الأخيرة التي تسبق تشرين الثاني سيخاف المرشّحون خوفا كبيرا من اللوبي اليهودي.

الحساب كما يلي: سيهجم نتنياهو وبراك متجاهلين تماما رغبة البيت الأبيض. سيُوجه الهجوم الإيراني العكسي ضد أمريكا. الولايات المتحدة ستنجرّ إلى داخل الحرب رغمًا عنها.

ولكن في حالة تكاد تكون غير معقولة يضبط فيها الإيرانيون أنفسهم ولا يهاجمون أهدافا أمريكية، على عكس تصريحاتهم، سيكون الرئيس أوباما مضطرا إلى إنقاذنا. سيضطر إلى إرسال كميات هائلة من الأسلحة والذخائر إلينا وزيادة حمايتنا من الصواريخ، وتمويل الحرب. وإلا سيتهمون أوباما بالتخلي عن إسرائيل، وسيتم انتخاب منافسه، ميت روماني، كمنقذ للدولة اليهودية.

يرتكز هذا الحساب على التجربة التاريخية. كافة حكومات إسرائيل كانت قد استغلت، على مر الأجيال، الانتخابات في أمريكا لأهدافها.

في العام 1948 طولب رئيس الولايات المتحدة الاعتراف بدولة إسرائيل الجديدة، تماما على عكس الموقف الصريح لوزراء الخارجية والدفاع لديه. في ذلك الوقت ناضل الرئيس طرومان من أجل حياته السياسية. كانت حملته الانتخابية على وشك الإفلاس. قدم له أصحاب أموال يهود، في اللحظة الأخيرة، تبرعات كثيرة. نجا طرومان ومعه دولة إسرائيل.

في العام 1956، كان الرئيس أيزنهاور في خضم حملته الانتخابية، حين هاجمت إسرائيل مصر متآمرة مع فرنسا وبريطانيا. كان ذلك حساب غير مجدٍ. لم يكن أيزنهاور بحاجة إلى اليهود، لا إلى أصواتهم ولا إلى مالهم. لقد وضع حدا للمغامرة. في سنوات انتخابات أخرى كان الوضع أقل دراماتيكية، ولكن حكومة إسرائيل استغلت دائما الفرصة لابتزاز بعض التنازلات.

هل سيعمل هذا في هذه المرة أيضا؟ إذا تسببت إسرائيل بنشوب حرب عشية الانتخابات، بمحاولة علنية لابتزاز الرئيس، هل سيدعم جمهور الناخبين الأمريكي إسرائيل، أو أنه سيتوجه إلى الاتجاه المعاكس بالذات؟

كان هذا رهانا بأحجام تاريخية. ولكن نتنياهو، مثله مثل روماني، يحميه إله المقامرة اليهودي شلدون أدلسون، وقد يكون يميل إلى مقامرات مثل الأغبياء الذين يتركون مالهم في بيوت الكازينو التابعة له.

والإسرائيليون أنفسهم – كيف يتعاملون مع الموضوع برمّته؟

على الرغم من غسل الأدمغة المتواصل، تبيّن الاستطلاعات أن معظم الجمهور يعترض على الهجوم. يتعامل الكثيرون مع نتنياهو وبراك على أنهما مدمنين على المخدرات، إن لم نقل أنهما مريضان بجنون العظمة، ولا يستطيعان التعامل مع الأمور بتفكير منطقي.

إحدى صفات الوضع المدهشة هي أن جميع قادة الأجهزة الأمنية – رئيس الأركان، قيادة الأركان كلها، رؤساء الموساد والشاباك، هم وجميع سابقيهم تقريبا، يعترضون على الهجوم بشدة وبشكل علني.

هذه إحدى الحالات النادرة التي يكون فيها المستوى العسكري أكثر اعتدالا من المستوى السياسي. كيف سيشنّ القادة السياسيون الحرب خلافا لرأي المستشارين العسكريين المهني، الذين يعرفون القدرات العسكرية واحتمالات النجاح والفشل؟

قادة الجيش يعرفون حق المعرفة، أكثر من أي جهة أخرى، تعلق إسرائيل التام بالولايات المتحدة. إنهم يعرفون أن العلاقات مع الولايات المتحدة هي حجر أساس أمننا القومي.

أشك في أن يحظى نتنياهو وبراك حتى بأغلبية في الحكومة والمجلس الوزاري المصغّر لهذه المغامرة. يعرف الوزراء أن الهجوم سوف يجر وراءه هروبًا للمستثمرين والسياح، مما سيؤدي إلى إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد. وقد رفع هذا الأسبوع رئيس الدولة، شمعون بيريس، أيضا صوته ضد الهجوم – وهذه فعلة شجاعة تكفر عن الكثير من أفعاله السابقة.

إذن، لماذا يؤمن معظم الإسرائيليين أن الهجوم على وشك الحدوث؟

تم إقناع معظم الإسرائيليين تماما أن (أ) إيران تتزعمها مجموعة من آيات الله المعتوهين، الذين لا يمكنهم التفكير بشكل عقلاني، و(ب) أنه إذا كانت للإيرانيين قنبلة نووية، فمن المؤكد أنهم سيلقونها علينا.

ترتكز هذه المعتقدات على تصريحات محمود أحمدي النجاد، التي قال فيها أنه سيمحو إسرائيل عن الخارطة.

ولكن هل قال ذلك حقا؟ بالتأكيد، لقد عاد وعبر عن إيٍمانه بأن الكيان الصهيوني سيختفي عن وجه الكرة الأرضية. ولكن يبدو أنه لم يقل بوضوح أبدا أنه هو نفسه – أو إيران – سيهتم بذلك.

من شأن هذه الحقيقة أن تبدو كفارق صغير من ناحية الصياغة، ولكن في السياق المعطى هذا أمر هام جدا.

ناهيك عن أن أحمدي النجاد يملك فما كبيرا، ولكن لم يكن له تأثير كبير في بلاده ذات يوم. وكذلك القوة التي كان يملكها آخذة بالتقلص بسرعة. الحكام الحقيقيون هم آيات الله، وهم بعيدون كل البعد عن أن يكون غير عقلانيين. يشير تصرفهم كله منذ الانقلاب إلى أنهم حذرين جدا، وأنهم لا يميلون إلى المغامرات في الخارج. إنهم لا يزالون يحملون جراح الحرب الطويلة مع العراق، حرب لم يرغبوا بها ولم يبدأوها.

إيران المسلحة بالسلاح النووي ليست جارة مريحة، ولكن التهديد بـ"كارثة ثانية" هو ثمرة الخيال. لن يُطلق أي من آيات الله القنبلة باتجاهنا في الوقت الذي سيعرف فيه أن الرد الأكيد سيكون تدمير كافة مدن إيران ونهاية الحضارة الفارسية الراقية. فإن هذا كان منذ البداية المنطق في إنتاج القنبلة الإسرائيلية.

لو كان نتنياهو وشركاه يخشون حقا القنبلة الإيرانية، كانوا سيفعلون أحد الأمرين:

إما أن يوافقوا على نزع السلاح النووي من المنطقة وأن يتنازلوا عن قنبلتنا النووية (لا يوجد أي احتمال لذلك)؛

وإما أنهم سيصنعون السلام مع الشعب الفلسطيني والعالم العربي بأسره، الأمر الذي كان سيسحب البساط من تحت سياسة إيران تجاه إسرائيل.

إلا أن تصرف نتنياهو يثبت أن احتلال الضفة الغربية وتوسيع المستوطنات أهم بنظره أكثر بكثير من القنبلة الإيرانية.

أكثر من أي حقيقة أخرى، تكشف هذه الحقيقة الجنون المطلق لفكرة الهجوم على إيران.