اوري افنيري 

أوبرا بخمسة فصول / أوري أفنيري


ها هو الساحر الكبير يُخرج، مرة أخرى، أرنبا من قبعته.
وفي هذه المرة أرنب حقيقي، حي.

لقد أذهل الجميع، زعماء الأحزاب، الصحفيين ووزراء حكومته هو.

لقد أظهر أيضًا أن في السياسة كل شيء يمكن أن يتغير بين ليلة وضحاها-– بكل ما في هذه الكلمة من معنى.

الساعة الثانية فجرًا تناولت الكنيست استكمال القانون لحل نفسها، وهو الأمر الذي سيجعل النسيان يطوي نصف أعضائها.

الساعة الثالثة فجرًا، نشأ ائتلاف ضخم. لن تكون هنالك انتخابات، شكرًا لله.

أوبرا بخمسة فصول

الفصل الأول: كل شيء هادئ. تبين استطلاعات رأي الجمهور أن بنيامين نتنياهو يسيطر على الوضع سيطرة تامة. شعبيته تقترب من 50%، وما من شخص آخر يقترب من 20%.

يتدهور الحزب الأكبر في الكنيست، كديما في استطلاعات الرأي من 28 مقعدًا إلى 11 مقعدًا، وتشهد كل الإشارات على أنه سيواصل تدهوره. يحصل زعيمه الجديد، رئيس الأركان السابق شاؤول موفاز، على نسب أقل من ذلك كمرشح لرئاسة الحكومة.

يستطيع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التسفع في الشمس على سطح فيلته الفاخرة في قيصارية والتفكير بهدوء بالمستقبل.

الفصل الثاني: فجأة تحجب الغيوم الشمس.

قررت المحكمة العليا، برئاسة الرئيس الجديد الذي تم انتخابه بدقة من قبل المستوطنين واليمين المتطرف: يجب هدم حي غفعات هأولبناه في مستوطنة بيت-إيل. لا يوجد " إذا" ولا يوجد "لكن". القرار نهائي. يجب إخلاء مستوطنة أخرى أيضا، وهي مستوطنة ميغرون ، خلال شهرين.

أمام نتنياهو عدة خيارات سيئة: تنفيذ قرار المحكمة العليا، الأمر الذي سيؤدي إلى حل الائتلاف؛ سن قانون جديد يتخطى المحكمة العليا ويكون غير قانوني بوضوح؛ أو تجاهل قرار المحكمة بكل بساطة، بما معناه نهاية الديموقراطية كـ"الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".

كما في سفر أيوب، " في الوقت الذي ذاك يتحدث وذاك يأتي". قارب قانون طال، الذي يعفي طلاب الحلقات الدينية من الخدمة في الجيش – نحو 7000 شخص في العام الحالي – على انتهاء سريان مفعوله. ترغب الأغلبية العظمى في الدولة بإلغائه إلى الأبد. هذا سيؤدي بالضرورة إلى حل الائتلاف.

يصل نتنياهو إلى افتتاح مؤتمر الليكود. المؤتمر هو سيناريو جماعي دائمًا "لبوكة ومبولكة"، وهو أشبه بالحلبة في روما القديمة. يسيطر نتنياهو عليه سيطرة جيدة. في هذه المرة أيضا، يتم استقباله بحرارة ويعلن للأمة، أمام عدسات الكاميرات، عن الانجازات الباهرة التي أنجزتها حكومته في السنوات الثلاث منذ يوم إقامتها. إنه يطلب بانتخابه كرئيس المؤتمر، الأمر الذي كان سيكسبه تأثيرًا على تركيبة لائحة المرشحين في الانتخابات القادمة.

وعندها، سيحدث ما لا يمكن تصديقه. نصف الأعضاء في القاعة يقفزون على أرجلهم ويبدأون بالصراخ باتجاهه. مثل نيكولا تشاوشسكو بوضع مشابه، ينظر نتنياهو إلى أتباعه ولا يصدق ما تبصره عيناه.

يتضح أنه في الانتساب الأخير للليكود، بذل المستوطنون جهدًا منظمًا لتعبئة المؤتمر بأتباعهم. لا توجد لدى هؤلاء أي نية في التصويت إلى جانب الليكود (غالبا يصوتون إلى جانب الأحزاب اليمينية المتطرفة)، لكنهم يريدون ابتزاز نتنياهو. وقد سبقوا الآخرين أيضا في مجيئهم، وهكذا غصت بهم القاعة الصغيرة نسبيا التي تم عقد المؤتمر فيها. من السهل التعرّف عليهم، فجميعهم يعتمرون الكيبا. يصرخون بكل ما أوتوا من قوة ويطالبون بإجراء تصويت سري. استسلم نتنياهو وتم تأجيل الجلسة كلها إلى موعد آخر.

مصعوقا وذليلا، يحيك نتنياهو انتقامًا.

الفصل الثالث: يعلن نتنياهو بشكل مفاجئ عن قراره حلّ الكنيست وإجراء انتخابات جديدة.

الجميع مذهولون. بقيت سنة ونصف السنة حتى نهاية فترة تولي الكنيست. بسيناريو فكاهي، يعارض زعماء المعارضة الانتخابات الجديدة، لكن نتنياهو مصرّ على قراره.

التوقعات كئيبة: من الواضح أن نتنياهو سيفوز، وسيفوز بقوة. لا يوجد مرشح معقول يمكنه أن ينافسه على عرش رئيس الحكومة. كديما محطمة وقد تختفي بشكل تام تقريبا. من المتوقع أن تزيد قوة حزب العمل قليلا، لكن هذا الأمر ليس مهمًا. حزب يئير لبيد الجديد ( المدعو "يش عتيد" – يوجد مستقبل) يحوم حول 10%. لن تكون هناك أية معارضة جدية في الكنيست القادمة.

بالنسبة لليسار، هذه كارثة مؤكدة. أربع سنوات أخرى تحت سلطة ائتلاف اليمين المتطرف، المتدينين والمستوطنين.

الفصل الرابع: في الوقت الذي يحسد الجميع فيه نتنياهو وفوزه الكبير المؤكد، يقبع نتنياهو في حالة من المزاج المعكّر.

يجب عليه أن يزيل المستوطنات في خضمّ المعركة الانتخابية. تزيد في الليكود، حزبه هو، قوة اليمين المتطرف بقيادة المستوطنين، على الرغم من توجهه لقيادة الحزب باتجاه المركز. القنبلة الزمنية لتملص الحاريديين من الخدمة في الجيش من المحتمل أن تنفجر في أي لحظة.

وعندها، تأتي فكرة مذهلة، شيء ما يسحب البساط من تحت أرجل الآخرين ويخلق طيفًا سياسيًا جديدًا تماما.

هناك 28 عضو كنيست لا يتم استخدامهم في مكان ما، ويتزعمهم زعيم جائع. مصير جميعهم هو الضياع السياسي. من الممكن شرائهم مجانا تقريبا - يكفي منح سنة ونصف من الحياة الإضافية.

وعندها سيحدث الأمر: في الوقت الذي عملت فيه مجموعة من أتباع الليكود في الكنيست على إكمال سن قانون حل الكنيست، تقوم مجموعة أخرى من أتباع الليكود بالتوقيع على اتفاقية مع كديما في غرفة مجاورة. الائتلاف الموسّع يشمل 75% من أعضاء الكنيست. لا أحد ينسحب من الائتلاف، وينضم إليه 26 عضوًا جديدًا. هذا بدوره يبقي للمعارضة 28 عضوًا فقط ( 8 من حزب العمل، 3 من مرتس، 7 من الكتل العربية، 4 شيوعيين، 4 من الجبهة الوطنية).

الفصل الخامس: هذا يغيَر المشهد السياسي تمامًا. اليمين المتطرف، من خارج الليكود ومن داخله أيضا، يفقد قوة الفيتو التي كان يتمتع بها. كذلك الأمر بالنسبة للمتدينين والحاريديين أما شعلة يئير لبيد فقد انطفأت قبل اشتعالها.

في السنة والنصف القادمة، يمكن لنتنياهو أن يفعل ما يشاء، أن يلعب على هواه، أن يناور كما يحلو له. تقف المعارضة اليسارية عاجزة أكثر مما كانت عليه حتى الآن. الملك بيبي يسيطر.

النهاية. (حتى الآن).

لقد تخوف كثيرون، للوهلة الأولى، من أن الحيلة كلها موجّهة ضد إيران.

تتم إقامة حكومة - وحدة عادة في أوقات الحرب. بريطانيا في العام 1939، إسرائيل في العام 1967. ولكن، مثله مثل جميع الجنرالات والجنرالات المتقاعدين تقريبا، أعلن موفاز إعلانا واضحا أنه يعارض الهجوم على إيران. حسنا، إنه يبدّل آراءه كما يبدّل جواربه.

حسب رأي مؤيدي الحرب، الفرصة قائمة. تدعم أغلبية مطلقة القرار في الكنيست. براك أوباما يخوض معركة انتخابية ولن يتجرأ على المعارضة. يسير الجمهوريون خلف نتنياهو في السراء والضراء.

(هذا يعتبر، في إسرائيل، فرضية استراتيجية متجذرة. تم توجيه العديد من المبادرات الخطيرة مسبقا لفترة ما قبل الانتخابات في الولايات المتحدة. قامت الدولة عام 1948 في الوقت الذي كافح فيها الرئيس هاري ترومان من أجل حياته السياسية. بدأت حرب 1956 في الوقت الذي كان فيها الرئيس أيزنهاور في خضم معركة انتخابية. على فكرة، لقد فشلت هذه المحاولة: غضب أيزنهاور ولم يكن بحاجة إلى أصوات اليهود ولا إلى مالهم. لقد طرد إسرائيل من المناطق التي احتلتها).

ولكن يمكن القول بالتأكيد أنه ليس لخطوة نتنياهو علاقة بإيران – على الرغم من أن اللا بطل الخاص به هو من مواليد إيران. (لا يبدو موفاز كجنرال، بل يبدو ويتحرك وكأنه بائع في بازار).

يبدو السياسيون الأمريكيون من كلا الجانبين كأناس عديمي المسؤولية، ولكن عندما يتم وضع مصالح الولايات المتحدة الأمنية الحيوية على كفة الميزان، فإن القول لا يكون كالفعل. حتى في خضم المعركة الانتخابية، لن تسمح أمريكا لإسرائيل بدفعها إلى كارثة دولية.

يبدو نتنياهو أكثر فأكثر بأنه شخص قد استسلم لهذا الواقع. ليست هناك حرب منظورة. في جميع فصول الأوبرا، تم ذكر إيران بصعوبة. لم يكن هنالك مسدسا يطلق الدخان في الفصل الأول.

معظم الصحافيون والسياسيون شجبوا اتفاقية نتنياهو- موفاز واعتبروها أمرًا قبيحًا. "حيلة نتنة"، كانت بمثابة تسمية معتدلة.

أنا لست شريكا في هذا الاستنكار. الحيل النتنة هي خبز السياسيين، وهذه الحيلة ليست أكثر نتانة من غيرها.

في نهاية الأمر، الحكومة الموسّعة أكثر اعتدالا وأقل تعرضا لابتزاز المستوطنين والحاريديين من الحكومة المحدودة السابقة. توجد احتمالات أقل لسن قوانين فاشية. أصبحت مكانة المحكمة العليا أقل تهديدا الآن. إذا تم انتخاب أوباما مرة أخرى في شهر تشرين الثاني، فإنه سيمارس ضغطا حقيقيًا على الحكومة.

المهم هو أن الانتخابات قد تأجلت. بعد أن كانوا قد واجهوا الكارثة التي كانت متوقعة في الانتخابات الفورية، وبعد أن كسبوا وقتًا ثمينًا، من اللائق أن يتحد رجالات السلام والعدل الاجتماعي معًا وأن يقيموا قوة سياسية حقيقية وقوية بهدف الانتصار نضالهم.

وإذا كان هناك شخص مستعد لتلحين هذه الأوبرا، فليباركه الله.