اوري افنيري 

بيبي ورجال اليويو / أوري أفنيري


يبدو هذا الأمر مُقرفا إلى حد كبير.

ها هم قد كانوا، أعضاء المجلس التشريعي في الدولة العظمى الوحيدة في العالم، يقفزون إلى الأعلى وإلى الأسفل كاليويو، يصفقون كل بضع دقائق، وكل بضع ثوان أيضا، على وقع أكاذيب وتحريفات بنيامين نتنياهو التي لا أساس لها من الصحة.

كان ذلك أسوأ من البرلمان السوري أثناء خطاب بشار الأسد. من لا يصفق في البرلمان السوري، يمكنه أن يجد نفسه في السجن في اليوم التالي. حتى أنه أسوأ من مجلس السوفييت الأعلى التابع لستالين. كان من الممكن هناك لمن لا يبدي حماسا كافيا، أن يدفع حياته.

المشرعون الأمريكيون خافوا من أمر كان أسوأ من الموت. كان من شأن من يجلس من دون تصفيق أن تلتقطه عدسة الكاميرا، وهذا بمثابة انتحار سياسي. كان يكفي أن يقوم عضو كونغرس واحد ويصفق، لكي يقوم الآخرون ويتصرفون على نفس المنوال. من كان ليجرؤ ألا يفعل ذلك؟

يذكرنا منظر المئات من هؤلاء البرلمانيين الذين يقفزن ويصفقون، مرارا وتكرارا، عندما يلوح الزعيم بذراعيه، بأنظمة حكم أخرى. إلا أنه في هذه المرة لم يكن الطاغية المحلي هو من أثار مشاهد التأييد، بل كان زعيمًا أجنبيا.

الأمر الأكثر إحباطا هو أنه لم يكن هنالك أي عضو كونغرس – جمهوريًا كان أم ديموقراطيًا- ليتجرأ على الاعتراض. عندما كنت فتى في التاسعة من عمري في ألمانيا، تجرأت على عدم تأدية التحية النازية عندما أنشد كافة طلاب المدرسة النشيد الوطني الهيتلري. ألا يوجد شخص واحد في واشنطن دي سي كلها يتمتع بهذه الجرأة؟ هل هذه فعلا واشنطن IOT – منطقة محتلة إسرائيلية – وفق ما يدعي اللا ساميون؟

لقد قمت قبل سنوات بزيارة قاعة السينات وتم تقديمي أمام أبرز السناتورات في ذلك الوقت. لقد استأت من أعماق قلبي. لقد نشأت وأنا أقدّر سينات الولايات المتحدة، بلاد جفرسون ولينكولين، تقديرا كبيرا. وها أنا أقابل زُمرة من المغرورين، وكثيرون منهم أغبياء لم تكن لديهم أي معرفة عما يتحدثون عنه. أخبروني أن مساعديهم هم الذين ينجزون العمل الحقيقي.

إذن ماذا قال الزعيم الفذ أمام هذه المؤسسة السامية؟

كان ذلك خطابا ممتازًا، استخدمت فيه كافة الحيل والألاعيب التي يتمتع بها شخص مهني: التوقف الدراماتيكي، الإصبع المرفوعة، النكت الصغيرة، الجُمل التي تكررت بهدف التأكيد. إنه ليس خطيبًا فذًا، ليس وينسون تشرتشل، ولكنه جيد إلى حد كاف لهذا الجمهور وهذه المناسبة.

ولكن يمكن إيجاز الرسالة بكلمة واحدة: "لا!"

بعد هزيمتهم النكراء في حرب حزيران، اجتمع زعماء العالم العربي في الخرطوم وتبنوا "اللاءات الثلاث" الشهيرة: لا للاعتراف بإسرائيل، لا للمفاوضات مع إسرائيل، لا للسلام مع إسرائيل. كان ذلك بمثابة هدية رائعة لزعماء إسرائيل. فقد استطاعوا هؤلاء مواصلة تدعيم الاحتلال وإقامة المستوطنات دونما أي إزعاج.

يوجد الآن لدى نتنياهو "الخرطوم" الخاصة به. لا للعودة إلى حدود عام 1967. لا لعاصمة فلسطينية في القدس الشرقية. لا لعودة اللاجئين، حتى ولو عدد رمزي. لا لانسحاب الجيش الإسرائيلي من نهر الأردن، بحيث يحيط الجيش الإسرائيلي بالدولة الفلسطينية التي ستقوم من كافة الجهات. لا للمفاوضات مع الحكومة الفلسطينية. تلك الحكومة التي ستكون "مدعومة" من قبل حماس، على الرغم من أنه لا يوجد ممثلون لحماس فيها. وهلم جرّا- لا ولا ولا

الهدف الواضح هو الضمان بألا يحلم أي زعيم فلسطيني بالشروع بمفاوضات، حتى وإن كان على استعداد للاعتراف بإسرائيل- الأمر الذي لا يخطر على بال- بإسرائيل كـ "دولة الشعب اليهودي" – بما في ذلك، ما يخص، عشرات السناتورات وأعضاء الكونغرس اليهود، الذين كانوا يقفزون إلى الأعلى وإلى الأسفل، إلى الأعلى وإلى الأسفل، مثل الدُمى.

لقد عقد نتنياهو وشركاؤه العزم أن يمنعوا بأي ثمن إقامة دولة فلسطينية. إن هذا يتعدى بكثير سياسة الحكومة الحالية - هذا الهدف مغروس في أعماق الحركة الصهيونية من الناحيتين النظرية والعملية. لقد حدد مؤسسو الحركة المسار، وتصرف دافيد بن غوريون على أساسه في حرب عام 1948 (بمساعدة الملك عبد الله)، وها هو نتنياهو يساهم بنصيبه.

إن عدم إقامة الدولة الفلسطينية معناه أنه لن يكون هناك سلام، لا الآن ولا في الغد، ولا في أي مرة. وأما ما تبقى فما هو سوى ثرثرة. كل الأقاويل المتفذلكة حول سعادة أولادنا، رفاهة للفلسطينيين، سلام مع العالم العربي، مستقبل زاهر للجميع، هي ما يلي تماما: ثرثرة. بضع الحضور على الأقل كانوا يعرفون ذلك، رغم كل القفزات.

لقد بصق نتنياهو في وجه براك أوباما. من شبه المؤكد أن الجمهوريين الحضور قد استمتعوا بذلك، وربما بعض الديموقراطيين أيضا.

يمكن أن نفترض أن أوباما لم يستمتع. إذن ماذا سيفعل الآن؟

تروي النكتة اليهودية عن بلطجي جائع، دخل إلى فندق وطلب أن يقدموا له الطعام. لقد هدد أنه في حال لم يستجيبوا إلى طلبه فسوف يفعل ما فعل والده. قدم له صاحب الفندق المرعوب وجبة، وفي النهاية سأله: "ولكن ماذا فعل أبوك؟" بينما كان الرجل يبتلع اللقمة الأخيرة أجاب: "لقد خلد إلى النوم جائعا".

من شبه المؤكد أن هذا ما سيفعله أوباما. سيتظاهر وكأن البصقة على وجهه هي مطر. لقد أفرغ وعده بأن يمنع قرار الجمعية العامة في الأمم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطين كل ما لديه من ذخيرة. لا يخاف نتنياهو من أي شيء.

يبدو أن شخصا ما في واشنطن ينشر الفكرة بأن أوباما سيأتي إلى القدس ويلقي خطابا أمام الكنيست. يمكن لهذا أن يكون رد فعل: سيخاطب أوباما الجمهور الإسرائيلي رغما عن أنف نتنياهو، كما خاطب نتنياهو الجمهور الأمريكي رغما عن أنف أوباما.

يمكن لهذا أن يكون حدثا مؤثرا. كعضو سابق في الكنيست، ستتم دعوتي إلى هذا الخطاب. ولكني ما كنت لأنصحه بذلك. لقد اقترحت ذلك قبل سنة. أما الآن فأنا لا أقترح ذلك.

السابقة البارزة هي الخطاب التاريخي الذي ألقاه أنور السادات في الكنيست. ولكن لا مجال للمقارنة. لقد كانت مصر وإسرائيل في حينه لا تزالان في حالة حرب. لا سابقة لزيارة إلى عاصمة العدو في زمن الحرب، فكم بالحري بعد أربع سنوات فقط من معركة دامية. لقد هزت هذه الفعلة إسرائيل، كسرت بضربة واحدة المفاهيم المرسخة وفتحت الدماغ لاستيعاب مفاهيم أخرى. لن ينسى أي منّا، أبدا، اللحظة التي فُتح فيها باب الطائرة وها هو يقف هناك، ذلك الشخص جميل الطلعة الذي تفوح منه السعادة، قائد العدو.

بعد فترة، حين أجريت مقابلة مع أنور السادات في بيته، أخبرته: "أنا أسكن في شارع رئيسي في تل أبيب. حين خرجت من الطائرة، ألقيت نظرة على الشارع. لم يكن أي شيء يتحرك هناك، سوى قط واحد، ربما كان يبحث هو أيضا عن جهاز تلفزيون."

ستكون زيارة أوباما مختلفة جدا. سيتم استقباله، طبعا، باحترام – رغم أن ذلك سيكون من دون القفزات الفرحة والتصفيق الحار. من المؤكد أن أعضاء كنيست من اليمين المتطرف سيقاطعون حديثه. وهذا سيكون كل شيء.

لقد كانت زيارة السادات عملا كبيرا بحد ذاته. لن تكون زيارة أوباما كذلك. لن يهز الرأي العام في إسرائيل، إلا إذا جلب معه برنامج عمل ملموس – برنامج سلام مفصّل، مع جدول مواعيد متشدد، مدعوم بقرار حازم لتطبيقه، وليكن الثمن السياسي ما يكون. هذا لن يحدث.

خطاب رنان آخر لن يُحدث أية أعجوبة. بعد فيض خطابات هذا الأسبوع، فقد سئمنا ذلك. من الممكن أن تكون الخطابات مهمة إذا تم إرفاقها بالأعمال، ولكنها ليست بديلا عن الأعمال. لقد ساعدت خطابات تشرتشل على تغيير التاريخ – ولكن ذلك كان فقط لأنها جسدت أعمالا تاريخية. من دون المعركة على بريطانيا، الهبوط في نورمندي والنصر في العلمين، لتحولت هذه الخطابات إلى نكتة.

الآن، وجميع الطرق إلى السلام مسدودة، بقيت طريقة عمل واحدة: قرار الجمعية العامة في الأمم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين، وعمل جماعي فلسطيني غير عنيف ضد الاحتلال. سيكون لقوات السلام الإسرائيلية جزءا في ذلك، لأن مصير إسرائيل متعلق بالسلام، تماما كما هو مصير فلسطين.

من المؤكد أن الولايات المتحدة ستحاول تخريب ذلك، سيقفز الكونغرس إلى الأعلى وإلى الأسفل. ولكن الربيع الإسرائيلي الفلسطيني آت لا محالة.