|
||
لا تنبع الإثارة أيضا من تحقيق آخر مع رئيس الحكومة الحالي في موضوع فضائح فساده. هذا لم يعد يثير أي ردة فعل. مصدر الإثارة العام في "المؤتمر الصحفي" للرئيس السابق، موشيه كتساف، بعد أن أعلن المستشار القضائي عن نيته باتهامه بالاغتصاب. كتساف، كما يتذكر من يذكر أمور كهذه، اتهم من قبل بعض من عملن تحت إمرته بالتحرش الجنسي المنهجي، وفي حالة واحدة بالاغتصاب أيضا. لقد اضطر إلى الاستقالة. لقد وصل حينها إلى العظمة تحت رعاية مناحيم بيغين، الذي أمن بالحاجة إلى دفع القادمين الجدد من بلاد الشرق قدما بهدف الدمج بين الطوائف. ولد كتساف في إيران، وكان سياسي يمني تقليدي، صاحب أفكار يمينية تقليدية. تمت ترقيته إلى درجة وزير السياحة، وفي النهاية انتخبته الكنيست في منصب لا صلاحيات فيه ليكون رئيسا للدولة. ادعى المهرجون أنه انتخب فقط لأن الكنيست لم ترغب في كسر ذروة المرشح الخصم، شمعون بيرس، الذي لم يحسم انتخابات أي كانت ذات مرة. منذ استقالته، قبل سنتين، تمت إطالة فضيحة كتساف أكثر وأكثر، حتى إلى ما لا نهاية. قامت الشرطة بتسريب اعترافات، كشفت بعض النساء تفاصيل إباحية، عمل الرئيس السابق على تنفيذ تسوية بين النيابة والمتهم، وتراجع عن التسوية، تردد المستشار القضائي للحكومة مرارا وتكرارا، ويبدو أنه اتخذ أخيرا قرارا فيما يتعلق بالاتهام. دعا كتساف إلى "مؤتمر صحفي" في بلدته، وأسرع نخبة من أبرز الصحافيين إلى هناك. كانت هذه لعبة لا مثيل لها. تحدث الرئيس السابق لوحده خلال ما يقارب ثلاث ساعات وصرح عن ادعاءاته ضد العالم كله وزوجته (زوجة العالم)، هاجم الشرطة، المدعي العام، وسائل الإعلام وغيرهم. من الصعب أن نصدق، ولكن تم بثه في بث مباشر في قنوات التلفزيون الثلاث، وكأنه خطاب رئيس حكومة إلى الأمة عشية الحرب. عبر كتساف عن غضبه، هناك من يقولون بشكل ممل وآخرون يقولون بشكل تعاطفي، كرر أقواله مرارا وتكرارا. لم يتح للصحافيين المتشوقين إلى كشف فاضح و/أو نبأ مثير، طرح الأسئلة، على الرغم من ذلك تم طرد من حاول المداخلة وطرح الأسئلة. عند عودتي يوم أمس إلى البلاد صباحا، لاحظت أن هذا الحدث سيطر على الصفحات الرئيسية في جميع الصحف. سائر الأمور تم ذكرها في الصفحات الداخلية. لذلك، لم يتم ذكر تشارلز فريمان أبدا تقريبا. ولكن هذه الفضيحة أهم بألف مرة من أعمال الجنسية لرئيسنا السابق . الأدميرال دنيس بلير، الذي تم تعيينه لتوّه من قبل الرئيس أوباما في منصب "رئيس المخابرات الوطنية"، قد عين فريما رئيسا لـ "مجلس المخابرات الوطنية". من شأن فريمان، في هذه الوظيفة، أن يكون مسؤولا عن تحضير "تقديرات الاستخبارات الوطنية"، التي يتم تقديمها إلى الرئيس مباشرة. هذه التقديرات تجمل التقارير التي تقدمها كل الـ 16 مؤسسة استخبارات في الولايات المتحدة، بمائة ألف مستخدميها، الذين تفوق ميزانيتهم السنوية 50 مليار دولار. أما لدينا في إسرائيل، فهذا المنصب يتم إسناده إلى شعبة الاستخبارات التابعة للجيش الإسرائيلي، وللضابط المسؤول (التابع لرئيس وحدة الاستخبارات) تأثير هائل على سياسة الحكومة. مثلا، في العام 1973 تجاهل رئيس شعبة الاستخبارات كل الإشارات الميدانية وأبلغ الحكومة أنه وفق تقديرات الجيش الإسرائيلي هناك "احتمال ضئيل" لأن تقوم مصر بشن هجوم عسكري. بعد بضعة أيام اجتاز الجيش المصري القنال. خلال التسعينات كان عاموس غلعاد هو الضابط المسؤول عن التقديرات الوطنية. لقد زيّف عن سابق قصد استنتاجات الاستخبارات وأبلغ الحكومة أن ياسر عرفات يغش ويحضر لإبادة إسرائيل سرًا. بعد مرور الأيام اتهموه تابعوه بشكل علني أنه خزن تقارير الخبراء وقدم عوضا عنها تقديراته الشخصية، التي لم تكن ترتكز إلى أية استخبارات. بعد أن تحول إلى معلم إيهود باراك، وضع غلعاد الشعار "لا يوجد لدينا شريك فلسطيني للسلام". قام رؤساء المخابرات في الولايات المتحدة بتزويد الرئيس جورج بوش بالاستخبارات المزيفة التي كان يحتاجها بهدف اجتياح العراق. كل ذلك يجسد مدى الأهمية إلى أي مدى يكون الرجل المسؤول عن تقديرات الاستخبارات صاحب استقامة فكرية ومعرفة واسعة. لم يكن بإمكان الأدميرال بلير أن يختار إنسانا أكثر ملاءمة من تشارلز فريمان، وهو رجل ذو طبيعة ممتازة، ويعرف زملاءه في المهنة، وذو معرفة مهنية لا غبار عليها، وخاصة بالنسبة للصين، حيث عمل هناك في حينه كمترجم للرئيس ريتشارد نكسون حين قام الأخير بزيارة إلى بيجين. إنه خبير ليس بأقل فيما يتعلق بالعالم العربي. وهذا كان السبب في هزيمته. كسفير سابق في المملكة العربية السعودية، فإن فريمان هو خبير في العالم العربي وفي النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. لديه أفكار ثاقبة حول سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهو لم يخفها. في الخطاب الذي ألقاه عام 2005، وجه انتقادا إلى "السياسة التعسفية التي تهزم نفسها" لإسرائيل، ومصدرها في "الاحتلال المتواصل والمستوطنات على الأراضي العربية"، وأعمال "عنيفة من ناحية جوهرها". في الخطاب الذي ألقاه عام 2007 أشار إلى أن "الولايات المتحدة تتعامل مع أعداء إسرائيل وكأنهم أعداء الولايات المتحدة ذاتها" وأن العرب يردّون على ذلك بـ "تعريف الولايات المتحدة كعدو، مثل إسرائيل ذاتها". وقال أن الولايات المتحدة "تدعم الآن جهود إسرائيل في قمع السكان المدنيين العرب المأسورين وحبسهم أكثر فأكثر في جيتوهات، بهدف الاستيلاء على المزيد من الأراضي العربية لصالح المستوطنين". وأضاف أن "إسرائيل من جهتها لا تتظاهر وكأنها تطالب بالتوصل إلى السلام مع الفلسطينيين". أحد استنتاجاته كان هو أن الإرهاب الذي يتهدد الولايات المتحدة ينبع، بشكل كبير، من "القمع الوحشي للفلسطينيين من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي يتواصل أكثر من 40 عاما وأنه لا توجد أية إشارة للنية في إنهائه." من المفهوم ضمنا أن تعيين مثل هذا الشخص قد أثار تخوفا كبيرا بين أوساط اللوبي المساند لإسرائيل في واشنطن. لقد قرر أن يشن هجوما شديد اللهجة. ليست محاولات حذرة من وراء الكواليس، ليس احتجاجات سرية، بل إظهار للقوة غير المحدودة لعظمتها، منذ بداية عهد براك أوباما. تم تأليف استنكارات شديدة اللهجة، وتم تفعيل سيناتورات وأعضاء كونغرس، وتجنيد الإعلاميين. تم التشكيك باستقامة فريمان، "تم الكشف" عن علاقات مشتبه بها وكأنها كانت لديه مع مؤسسات اقتصادية صينية وعربية. صحيح أن الأدميرال بلير قد دافع بحماس عن رجله، ولكن دون جدوى. لم يبق أمام فريمان خيار سوى التخلي عن المنصب. يجب ألا نتجاهل كامل المعنى من هذه المسألة. لقد كان هذا هو الاختبار الأول للوبي في عهد أوباما الجديد. لقد خرج اللوبي من هذا الاختبار فائزا، وفائزا كبيرا. لقد تم تحقير حكومة أوباما بشكل علني. لم يحاول البيت الأبيض حتى إخفاء خنوعه المخجل. لقد أعلن أن التعيين لم تتم المصادقة عليه من قبل الرئيس، وأن أوباما لم يتدخل فيه وحتى أنه لم يعرف به. أي: أنه كان سيعارض تعيين أي موظف لم يحصل على شهادة استقامة من قبل اللوبي. قوة اللوبي، كما تم وصفها من قبل البروفسورين جون ميرسهايمر وستيفان وولط، أثبتت مرة أخرى بشكل واضح. معنى الأمور يفوق بكثير التأثيرات الفورية للقضية ذاتها، ولتكن شديدة بقدر ما تكون. كثيرون في إسرائيل ينظرون بقلق إلى أقامة حكومة اليمين المتطرف، وبالأساس لأنها ستؤدي، حسب رأيهم، إلى مصادمة لا يمكن منعها مع إدارة أوباما. مثل هذه المصادمة، يؤمنون هم، تلحق الخطر بأمن إسرائيل. ولكن أفراد اليمين يتطرقون إلى هذا الخوف باستهزاء. إنهم على ثقة من أن أي رئيس أمريكي لن يجرؤ أبدا على مواجهة اللوبي الإسرائيلي. أي نية كهذه سوف يتم إحباطها في بدايتها من قبل السيناتورات وأعضاء الكونغرس المأسورين بين أيدي اللوبي، وكذلك من قبل "أصدقاء إسرائيل" في وسائل الإعلام وفي البيت الأبيض ذاته. حتى الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لا يوجد لديها ما تخاف منه. الآن تجري المعركة الأولى، وقد رمشت أعين الرئيس الأمريكي أولا. قد يكون علينا ألا نسرع ونستقي العبر، قد يكون أوباما بحاجة إلى المزيد من الوقت لينظم نفسه، ولكن المؤشرات لا تنبئ بالخير بالنسبة للجمهور الإسرائيلي المعني بالسلام. ربما ما زال من المبكر أن نسمي هذه القضية "اغتصاب في واشنطن"، ولكن لا شك في أنها مهمة بشكل لا يمكن مقارنته مع كل فضائح موشيه كتساف. على فكرة، وربما ليس على فكرة، ها لكم كلمة عن سفري إلى لندن. سافرت إلى هناك في رحلة جوية لمساعدة مجموعة من اليهود، من أصحاب المناصب في الأكاديمية وفي مجالات أخرى، ممن أقاموا مؤسسة باسم "أصوات يهودية غير منحازة". أصدرت هذه المجموعة مؤخرا كتابا يحمل العنوان "حان الوقت لرفع الصوت"، وفيه مقالات لعشرات من أعضائها حول النقاش الدائر داخل المجتمع المحلي اليهودي بالنسبة لإسرائيل، حقوق الإنسان والأخلاقيات اليهودية. تم التعبير فيها عن آراء قريبة جدا من تلك الآراء السائدة بين أوساط معسكر السلام الإسرائيلي. ولكن حين طالبوا بعرضه في "أسبوع الكتاب اليهودي"، تم رفضهم بخشونة. احتجاجا على ذلك نظموا مناسبة مضادة، حيث شاركت فيها. أنا أرى أهمية كبيرة في المحاولات الجارية الآن في دول مختلفة من قبل يهود شجعان، يهبون ضد المؤسسة اليهودية التي تدعم، دون قيد أو شرط، اليمين الإسرائيلي والسياسة الرسمية. يبرز هذا الأمر بشكل خاص في الولايات المتحدة، التي أقيمت فيها – إلى جانب المجموعات ذات الأقدمية، عدة مجموعات جديدة، ومن بينها هيئة باسم "جي ستريت" التي تنوي المنافسة في "إيباك" البغيض. من المهم أن تعرف حكومات العالم أن الدعم غير المحدود لليمين الإسرائيلي لا يعبر عن رأي الأغلبية اليهودية في الولايات المتحدة، في بريطانيا وفي الدول الأخرى. الجمهور اليهودي ليس أحادي الصبغة، ومعظمه لبرالي، يدعو إلى السلام وحقوق الإنسان. كانت هذه الأغلبية حتى الآن أغلبية صامتة، لم تجرؤ على رفع صوتها ومواجهة المؤسسة الساحقة. بالفعل، حان الوقت لرفع الصوت. أنا أومن أن المصلحة الإسرائيلية تلزم بتشجيع مثل هذه الأوساط – وهذا أهم أيضا من الحياة الجنسية التي يمارسها السيد كتساف. |