اوري افنيري 

يمكن لهذا أن يحدث! / أوري أفنيري


الاسم الألماني شطرنهيل (نفس قافية بيت إيل) معناه "واضح كالكواكب". الاسم مناسب: مواقف البروفيسور شطرنهيل واضحة كالكواكب. إنه يحذر من مغبة الفاشية الإسرائيلية. لقد وضع الفاشيون الإسرائيليون، هذا الأسبوع، عبوة ناسفة على عتبة بيته، مما أدى إلى إصابته بجروح.

بدا اختيار الضحية مفاجئا. ولكنهم كانوا يعرفون ماذا يفعلون.

إنهم لم يهاجموا النشطاء الذين يتظاهرون كل أسبوع ضد الجدار العنصري في بلعين ونعالين. لم يهاجموا اليساريين، الذين يتجندون كل سنة - كما في هذه السنة أيضا – لمساعدة الفلسطينيين في قطاف الزيتون بجوار المستوطنات الخطرة. لم يهاجموا "النسوة بالأسود"، اللواتي يتظاهرن كل أمسية سبت، أو نساء "حاجز ووتش" اللواتي يراقبن ما يحدث على الحواجز. لقد هاجموا شخصا جلّ نشاطاته هي نشاطات أكاديمية.

ولكن الهدف الأساسي من الكفاح الميداني، المهم والحيوي جدا، هو تغيير وعي الجمهور. لأن هذا هو الميدان الذي يحسم المعركة، ويلعب المفكرون فيه دورا هاما.

في ساحة هذه المعركة يتواجه مفهومان، بعيدان كل البعد أحدهما عن الآخر كبعد الشرق عن الغرب. من هنا: إسرائيل دولة نيّرة، متحضرة، علمانية، ليبرالية وديمقراطية، تعيش بسلام وبمشاركة مع فلسطين وتندمج في إطار المنطقة. ومن هنا: إسرائيل متطرفة، متدينة، فاشية، معزولة عن المنطقة وعن العالم بأسره، شعب يعيش بمفرده ولا يأبه لغير اليهود، ويُشهر السيف إلى الأبد.

زئيف شطرنهيل هو أحد معلمي الرؤيا النيّرة البارزين. مواقفه واضحة وضوح الكوكب، شديدة العزم، ثاقبة. إنه هدف غير مفاجئ لقنبلة نازية-جديدة.

إن مجال خبرة شطرنهيل يركز على منبع الفاشية، وهو موضوع كان قد أشغلني طيلة حياتي. سبب اهتمامنا بهذا الموضوع هو سبب مشابه: ارتفاع شأن النازية ترك بصمة لا يمكن محوها على طفولتنا وعلى مصيرنا. لقد شهدت ارتفاع شأن النازية في ألمانيا حين كنت ولدا. أما شطرنهيل فقد شهدها حين كان ولدا في بولندا، حيث فقد في الكارثة أمه وأخته، بعد وفاة والده.

من لسعته النار يحذر من الثلج. من هجمت الفاشية على حياته في أيام طفولته، يكون حساسا جدا لأقل المؤشرات لتفشي المرض. في عام 1961، ألفت كتابا باسم "الصليب المعقوف"، وحاولت فيه أن أفك طلاسم مصادر النازية. في ختام الكتاب طرحت السؤال التالي: هل يمكن أن يحدث هذا لدينا؟ كانت إجابتي قاطعة وغير مؤولة: نعم.

من هنا تنبع حساسيتي لأي إشارة تحذيرية في مجتمعنا. بصفتي صحافي ومحرر جريدة، سلّطت الأضواء على كل هذه الظواهر. بصفتي ناشط سياسي، قاومتها في الكنيست وفي الشارع.

شطرنهيل هو بالمقابل أكاديمي محض. إنه يستخدم الأدوات الأكاديمية: البحث، الدراسة والنشر. إنه يطمح إلى دقة التعريفات، من دون أن يبحث عن الشعبية أو أن يمتنع عن الاستفزازات. لقد جزم في أحد تحاليله أن رد الفعل العنيف للفلسطينيين على المستوطنات هو ظاهرة طبيعية. لقد استقطب بذلك غضب اليمين المستوطن، ذلك الغضب الذي تجسد بمحاولة أكاديميين آخرين بمنعه من تلقي جائزة إسرائيل.

أما الآن فتتحدث العبوات الناسفة.

من الذي وضع العبوّة؟ شخص وحيد؟ مجموعة؟ حركة سرية جديدة؟ إرهابيو المستوطنات؟ هذا أمر يخص الشرطة وجهاز الأمن العام.

من الناحية الجماهيرية، الأمر أبسط بكثير: من الواضح والمعروف ما هو المشتل الذي تنمو فيه هذه الأشتال المسمّمة، وما هي الأيديولوجية التي يستخدمونها كسماد ومن هو الذي ينادي بها.

هذه هي الفاشية الإسرائيلية الحية والنابضة. إنها تنمو في حديقة نبتت فيها في الماضي الحركات السرية الوطنية-المتدينة على أنواعها، المجموعة التي حاولت تفجير المساجد في جبل الهيكل، الحركة السرية التي حاولت اغتيال رؤساء البلديات الفلسطينيين، زمرة "كاخ"، منفذ المجزرة باروخ غولدشطاين، قاتل إميل غرينتسفايغ، قاتل إسحق رابين، وكل الحركات السرية التي تم الكشف عنها وهي ما زالت في بدايتها، ولذلك لم يعرف بها الجمهور.

كل هذه النشاطات لم يتم تنفيذها من قبل أفراد، "أعشاب ضارة". هناك قطاع فاشي يربض على هوامش المجتمع السياسي في إسرائيل. أيديولوجيته متدينة-عنصرية وزعماؤه الروحيون هم بالأساس "حاخامون"، يبلورون معتقداته وتعاليمه. عبدة الأصنام اليهود هؤلاء، لا يعملون في الخفاء. بل على العكس، إنهم يكشفون عما في جعبتهم على الملأ.

هذا القطاع مركّز في المستوطنات الأيديولوجية. ليس كل المستوطنين هم من الفاشيين. ولكن معظم الفاشيين هم مستوطنون. إنهم يتمركزون في مستوطنات محددة، معروفة جيدا. بالصدفة أو ليس بالصدفة، فإن جميع هذه المستوطنات موجودة في قلب الضفة الغربية خلف الجدار العنصري. تم زرع الأوائل منهم في منطقة الخليل من قبل الزعيم "اليساري" يغئال ألون وفي منطقة نابلس من قبل الزعيم "اليساري" شمعون بيرس.

لقد زادت وتيرة الأحداث، في الأشهر الأخيرة، التي هاجم فيها مستوطنون سكانا فلسطينيين، جنودا، أفراد شرطة و"يساريين".

تمت هذه الأعمال بشكل علني بهدف التخويف والردع. مستوطنون مسعورون في القرى الفلسطينية يستلبون أراضيها، أو بمثابة انتقام، وهذه هي "مجازر" بالمعنى الكلاسيكي للكلمة: مشاغبات لرعاع ثمل بالكراهية ضد أشخاص لا حول لهم ولا قوة، بينما يقف الجيش والشرطة بالمقابل مكتوفي الأيدي. منفذو المجازر يدمّرون، يجرحون ويقتلون.

حين يكون هناك تدخل من قبل الجيش والشرطة، لا يتم توجيهه ضد المستوطنين، بل ضد المزارعين الفلسطينيين الذين تتم مهاجمتهم وضد نشطاء معسكر السلام الذين يهبون لمساعدتهم. يحاول الناطقون بلسان الأجهزة الأمنية والمحللون أن يساووا الأمر ويتحدثون عن "مشاغبين من اليمين ومن اليسار". هذه المساواة المدحوضة بحد ذاتها هي جزء من خزينة المكائد الفاشية. المجازر التي يقترفها المستوطنون هي مجازر عنيفة من ناحية جوهرها، سواء في معتقداتها أو في أعمالها، مقابل نشطاء السلام غير العنيفين من ناحية معتقداتهم وأعمالهم. يتم تفعيل العنف من قبل الجيش وحرس الحدود، بذريعة أن الشباب المحليين يلقون الحجارة عليهم. ما لا يأتون على ذكره هو أن هؤلاء الجنود وأفراد حرس الحدود المحميين بشكل جيد يطاردون المتظاهرين بسيارات جيب مصفحة، الذين يحاولون الهرب إلى داخل أزقة قريتهم.

إن "جرأة" البلطجيين اليمينيين – أو "نشطاء اليمين"، كما تصر وسائل الإعلام على تسميتهم بشكل دمث - ترتفع يوما بعد يوم. إنهم يفعلون كل ما يحلو لهم، لأنهم يعلمون حق العلم أنه لن يلحق بهم أي مكروه. الشرطة لا تتدخل، لأنه لا توجد هناك محكمة تفرض عليهم العقوبات أصلا.

كل من يعرف تاريخ النازية يعرف أيضا الوظيفة البائسة التي لعبتها المحاكم وسائر مؤسسات تنفيذ القانون في الجمهورية الألمانية، حين كانت تعالج من كان هدفهم المعلن هو القضاء على الديمقراطية. كان القضاة يحكمون بشكل منهجي بعقوبات تثير السخرية على المشاغبين النازيين، الذين كانوا ينظرون إليهم "كوطنيين وضعوا القانون بين أيديهم"، خلاف للمشاغبين الشيوعيين، الذين كانوا يعتبرون خونة وأعداء لألمانيا.

منذ سنوات ونحن نرى هذه الظاهرة هنا. يحظى المستوطنون المشاغبون بعقوبات رمزية، بينما تُفرض على الفلسطينيين الذين يتم اتهامهم بأعمال أقل حدة بكثير، عقوبات أشد بكثير. والآن، حتى المستوطن الذي يحث كلبا على مهاجمة قائد فرقة، يخرج من الحادث من دون أي عقوبة. هكذا الأمر أيضا بالنسبة لمن يكسر عظام قائد كتيبة.

يمكننا أن نسمي المحاكمات الداخلية في الجيش بأنها محاكمات وحشية: من لا يسمح لامرأة حامل تنزف دما باجتياز الحاجز في طريقها إلى المستشفى ويتسبب بوفاة الجنين، يُفرض عليه الحكم بالاحتجاز العسكري لمدة أسبوعين. من يأمر جنديا بإطلاق النار على رجلي معتقل فلسطيني مقيّد "يتم نقله من منصبه". أي أن مجرم الحرب يمكنه أن يخدم في وحدة أخرى.

هل يشهد الارتفاع في عدد الحوادث وحدتها على تعاظم قوة الفاشية الإسرائيلية؟ يمكننا للوهلة الأولى أن نأخذ انطباعا أن هذا ما يحدث بالفعل.

ولكننا إذا تعمقنا في التفكير، يبدو لي أن العكس هو الصحيح.

لقد ذوّت المستوطنون المتطرفون أنهم قد خسروا الرأي العام المركزي في الدولة، وأن أغلبية الجمهور تعتبرهم بلطجيين خطرين. أعمالهم، التي تُعرض في التلفزيون، تثير الرفض والاشمئزاز. رؤيا "أرض إسرائيل الكبرى" لم تفقد من قيمتها فحسب، بل انحطت وتحطمت على أرض الواقع. يعمل المتطرفون انطلاقا من الإحساس بالضعف والإحباط.

كما أن النازيين كانوا يكرهون الجمهورية الألمانية، فقد تطورت بين أوساط هؤلاء المتطرفين كراهية تجاه دولة إسرائيل أيضا. لم يكن ذلك سهوا. إنهم يرون أن لا مكان لهم في الإجماع الوطني الآخذ بالتبلور والذي يقول "دولتان لشعبين"، سواء أكان الحل سيُقبل لأسباب سلبية، مثل الخوف الديموغرافي وأضرار الاحتلال، أو لأسباب إيجابية مثل الاستعداد للانسحاب من الأراضي المحتلة مقابل عهد من السلام والنمو.

صحيح أنه ما زال هناك جدل حول الحدود، غير أن رأي الأغلبية يرى في الجدار العنصري الحدود المستقبلية. (كما كنا قد وضحنا منذ البداية، لم تتم إقامة الجدار بهدف سد طريق المنتحرين الفلسطينيين، بل كحدود سياسية بين الدولتين.)

المؤسسة الإسرائيلية تنوي ضم الأراضي الواقعة بين الجدار وبين الخط الأخضر، وهي تدعي أنها مستعدة لتقديم أراض إسرائيلية بالمقابل. ما معنى ذلك بالنسبة للمستوطنين؟

معظم المستوطنين يسكنون في المستوطنات المجاورة للخط الأخضر، والتي من شأنها، وفق هذه الفكرة، أن يتم ضمها إلى إسرائيل. هؤلاء هم، وليس بالصدفة، المستوطنون غير الأيديولوجيين، أولئك الذين بحثوا عن مساكن رخيصة و"جودة حياة" على مسافة قصيرة من تل أبيب ومن القدس، "خمس دقائق عن كفار سابا". هؤلاء المستوطنون سيوافقون، في نهاية الأمر على السلام الذي يبقيهم في إسرائيل.

تسكن الأغلبية العظمى من المستوطنين المتطرفين، أصحاب الأيديولوجية المتدينة-الفاشية، في المستوطنات الصغيرة الواقعة شرقي الجدار العنصري، والتي سيتم القضاء عليها في إطار السلام. هذه هي أقلية متطرفة بين أوساط جمهور المستوطنين أيضا، وهي مدعومة من قبل أقلية متطرفة في اليمين الإسرائيلي. هناك تنبت معظم الفاشية الإسرائيلية العنيفة.

لقد ساد ذات مرة الرأي القائل أن هناك خطا أحمر يوازي الخط الأخضر: أن الإرهاب العنصري-المتدين سيمس بالفلسطينيين "فقط"، ولكن ليس بالإسرائيليين. حتى مئير كهانا، الفاشي مذ ولدته أمه، كان يدّعي ذلك.

لقد تم كسر هذا الوهم بعد اغتيال إسحق رابين. لقد ظهرت الفاشية الإسرائيلية كفاشية كلاسيكية، تحرّض دائما ضد "العدو الغريب" ولكنها تقوم دائما بتفعيل الإرهاب ضد "العدو الداخلي". إن العبوة الناسفة التي وضعت على عتبة منزل شطرنهيل يجب أن تضيء كل الأضواء الحمراء، كونها تنظم إلى اغتيال إميل غرينتسفايغ ورابين وإلى التهديدات الموجهة إلى حياة نشطاء سلام بارزين آخرين.

المعركة الحاسمة، المعركة على إسرائيل، قد دخلت في مرحلة جديدة – أكثر عنفا وأكثر خطورة. ولكن الأهم من أي خطورة على الأفراد هي الخطورة المحدقة بالمجتمع الإسرائيلي. فما بالك إذا لم يقوم المجتمع بتجنيد كل وسائله - الحكومة، الشرطة، جهاز الأمن العام، القانون، الجهاز القضائي، وسائل الإعلام والجهاز التربوي استعدادا لحرب ضروس ضد هذه الظاهرة.

أنا لا أومن بأن الفاشية ستنتصر لدينا. أنا أومن بصلابة الديمقراطية الإسرائيلية. ولكن إذا ضيّقوا الخناق علي وسألوني: هل يمكن لهذا أن يحدث لدينا؟ فسأضطر إلى الإجابة: "نعم".