اوري افنيري 

لم لا؟ / أوري أفنيري


إن أردت أن تفهم سياسة دولة ما، تأمل خارطتها ـ هذه كانت نصيحة نابليون.

من يريدون التخمين إن كانت إسرائيل و/ أو الولايات المتحدة ستقومان بشن هجوم على إيران يمكنه تأمل خارطة مضيق هرمز، والذي يفصل بين إيران ونصف الجزيرة العربية.

في ذلك الممر الضيق، والذي عرضه 34 كم فقط، تمر سفن تحمل ما بين 20% الى 30% من نسبة النفط العالمي. وذلك يتضمن النفط الإيراني، العراقي، السعودي، الكويتي، القطري، البحرين وغير ذلك.

يبدو أن غالبية المحللين الذي يتحدثون عن هجوم محتوم من قبل الولايات المتحدة واسرائيل لم يتأملوا تلك الخارطة أبدا.

يدور كلام عن ضربة جوية "مطهرة" "جراحية". سلاح الجو الأمريكي المتمرس ستقلع من على حاملات الطائرات الراسية في الخليج الفارسي ومن القواعد الأمريكية المنتشرة في المنطقة وستقوم بتفجير كل مواقع المفاعلات النووية في إيران، وفي ذات الفرصة مؤسسات السلطة، منشآت الجيش، المراكز الصناعية وكل ما يخطر ببالهم. سيستخدمون من أجل ذلك قنابل يمكنها أن تغور عميقا في بطن الأرض.

ببساطة، بسرعة البرق وبكل نعومة، ضربة واحدة، ووداعا إيران، وداعا آيات الله، وداعا أحمدي نجاد.

إن كان الحديث عن ضربة إسرائيلية فقط، ستكون الضربة أكثر تواضعا. سيكتفون بتدمير كل مواقع المفاعلات النووية ومن يعودون الى البيت.

لدي طلب واحد فقط، متواضع، قبل أن تنطلقوا: تأملوا الخارطة مرة أخرى، في ذلك المضيق المحدودب والذي سمي بذلك الاسم، على ما يبدو، تيمنا بإسم الإله هرمز، اله زاراتوسترا.

ردة الفعل المحتومة على ضرب إيران ستكون إغلاق المضيق، هذا أمر مفهوم، حتى وإن لم يصرح بذلك، بشكل واضح، أحد الجنرالات الإيرانيين، قبل بضعة أيام.

تسيطر إيران على المضيق على طول مسافته. يمكنها أن تقوم بإغلاقه تماما من خلال نيران المدفعية والصواريخ، من اليابسة ومن الماء.

إن حدث أمر كهذا، لكان ارتفع ثمن النفط إلى أعلى المستويات ـ لأكثر من 200 دولار للبرميل، الأمر الذي يتحدث عنه المتشائمون. وكردة فعل متلاحقة: أزمة عالمية كبيرة، انهيار لصناعات كثيرة، زيادة البطالة في أمريكا، في أوروبا واليابان.

ومن أجل إبعاد ذلك الخطر على الأمريكيين أن يحتلوا أجزاء كبيرة من إيران، وربما كل تلك الدولة الكبرى، ولا توجد لأمريكا قوة لتحقيق ذلك، حيث أن كل القوات البرية الأمريكية مستنفرة من أجل العراق وأفغانستان.

الأسطول الأمريكي الرهيب يهدد إيران ـ ولكن، لحظة يقفل المضيق، سيكون ذلك الأسطول ذاته شبيه بالسفينة اللعبة الموجودة داخل الزجاجات التذكارية المزركشة. ربما أدى ذلك الخطر بسلاح البحرية الأمريكي لأن يخرج هذا الأسبوع واحدة من حاملات الطائرات العملاقة، أبراهام لينكولن، لمراقبة ما يحدث في باكستان، على ما يبدو.

ذلك الأمر يلقي الضوء على احتمال أن تفعل الولايات المتحدة ذلك من خلال رسول ـ اسرائيل. اسرائيل ستهاجم، وذلك لن يلزم الولايات المتحدة بشيء وسوف تنكر أي علاقة لها بالأمر.

وهل يجدي ذلك؟ إيران بدورها صرحت أن أي هجوم إسرائيلي سيعتبر هجوما أمريكيا، وذلك سيسترعي القيام بكل الردود التي تلزم، وكأن الهجوم تم على أيدي الأمريكيين ذاتهم. هذا منطقي؟

ما من حكومة إسرائيلية قد تفكر بالقيام بمثل تلك العملية دون أخذ تصريح واضح من البيت الأبيض، الأمر الذي لا يمكن أن يحدث.

إذا، لماذا كل تلك المناورات والتي توفر العناوين الدسمة لكل وسائل الإعلام العالمية؟

قام سلاح الجو الإسرائيلي بمناورة ملفتة على بعد 1500 كم عن شواطئنا. ورد عليهم الإيرانيون بمناورة ضخمة على صواريخ شهاب، والتي لها المدى ذاته. سابقا كانت تلك التهديدات تسمى "صقل السيوف". حاليا تسمى تلك "حرب نفسية". ذلك قد يساعد السياسيين الفاشلين على الهاء المواطنين، وتجييش العواطف، ولاخافة المواطنين. وذلك أيضا مفيد للتلفزيون. ولكن المنطق البسيط يقول أن من يود أن يوجه ضربة مفاجئة لا يلوح بذلك من على كل سطح. مناحيم بيغن لم يقم بمناورات قبل أن يرسل الطائرات لتفجر مفاعل تموز في العراق، وحتى إيهود أولمرت لم يعلن من خلف منصة الخطابات أنه ينوي قصف مبنى غامض في سوريا.

منذ أن سمح الملك قورش، مؤسس الإمبراطورية الفارسية، قبل 2500 عام، للاجئي بابل من الذهاب إلى القدس وإقامة هيكل هناك، عرفت العلاقات بين اسرائيل وبلاد فارس حالة من التحسن أحيانا والتراجع أحيانا.

وحتى ثورة الخميني، كان هناك تحالف وثيق بينهما. فإسرائيل أنشأت الشرطة السرية التي كانت وصمة عار وتابعة للشاه. كان الشاه شريكا في صفقة مد أنبوب النفط بين إيلات وأشكلون من أجل عزل وتجاوز قناة السويس (إيران تطالب بمبالغ كبيرة من اسرائيل على حساب تلك الصفقة).

بمساعدة الشاه قام جيش الدفاع بتسريب ضباطه الى منطقة الأكراد في العراق ليساعد مصطفى البرزاني على إدارة حرب تمرد على نظام صدام حسين. وانتهى ذلك حين خان الشاه أكراد العراق وعقد تحالفا مع صدام. ولكن، التعاون عاد الى سابق عهده، تقريبا، حين هاجم صدام إيران. وخلال الحرب دعمت اسرائيل، سرا، إيران آيات الله. قضية (فضيحة) إيران غيت عام 1987 كانت جزءا من تلك القصة.

ذلك الأمر لم يمنع أريئيل شارون من التخطيط لاحتلال إيران، كما كنت قد ذكرت هنا سابقا. خلال كتابة مقالة كبيرة عنه عام 1981، قال لي سرا أنه يود أن يعرض على الأمريكيين فكرة جريئة: أنه مع موت الخميني ستسبق اسرائيل أمريكا بالحصول على إيران. سيحتل الجيش الإسرائيلي إيران خلال بضعة أيام، وسيسلم المنطقة للأمريكيين البطيئين، الذين سيلحقون به. ولذلك الأمر ستقوم أمريكا بتخزين أسلحة جديدة، بكميات كبيرة، تستخدم فقط لهذه الغاية.

كذلك عرض شارون أمامي الخرائط التي كان ينوي أخذها معه الى الجلسة الاستشارية السنوية في واشنطن. كانت خرائط ملفتة للعيان للغاية ومحفزة، لكن، يبدو أن ذلك الأمر لم يجد الاهتمام لدى الأمريكيين.

بحيث أن فكرة التدخل العسكري الإسرائيلي في بلاد قورش ليست فكرة ثورية أبدا. ولكن الشرط المسبق هو التعاون الأكبر مع الولايات المتحدة وبالتأكيد ذلك الشرط لن يتحقق أبدا كون أمريكا ستكون المتضررة الرئيسية من جراء ذلك.

ايران اليوم هي قوة يحسب حسابها في المنطقة ولا فائدة من انكار ذلك.

سخرية القدر هي أن على إيران أن تشكر أكبر من ساهم في تطورها خلال الأجيال الأخيرة: جورج بوش الابن. ولو كان لديهم ذرة من الامتنان لنحتوا له تمثالا ووضعوه في ساحة طهران المركزية.

طوال سنوات كانت العراق تحمل على عاتقها حماية حدود المنطقة العربية حيث كانت الحصن المنيع الذي صان الدول العربية من خطر الفرس. يجب ألا ننسى أن الحرب العراقية الإيرانية استمرت طوال 8 سنوات (1980 ـ 1988) حيث حارب الشيعة العراقيون (أبناء الأمة العربية) بحماسة شديدة ضد الشيعة الإيرانيين (أبناء الأمة الفارسية).

عندما اجتاح الرئيس بوش العراق ودمرها، فتح المنطقة على مصراعيها أمام القوة الإيرانية المتعاظمة. في الأجيال القادمة سيحتار المؤرخون حيال هذا الحدث والذي يستحق جزءا كاملا في كتاب "مسيرة الحماقة".

اليوم أصبح واضحا للجميع أن الهدف الأمريكي الحقيقي كان (كما سبق ونوهت في هذه الزاوية من اللحظة الأولى) هو السيطرة على النفط في كل المنطقة وزرع حامية أمريكية ثابته في قلبها. ذلك الهدف بدأ يتحقق فعلا ـ الأمريكيون يتحدثون عن وجود عسكري "طوال المائة عام المقبلة"، وحاليا يوزعون مخزون النفط العراقي الضخم بين الشركات الأمريكية الأربع أو الخمس الكبيرة.

لكن هذه الحرب، بأسرها، تم التخطيط لها بدون أي تفكير استراتيجي مستفيض وبدون تأمل الخارطة الجيوسياسية. لم يتم تحديد العدو الرئيسي لأمريكا، ولم يتم الاتفاق على محور صراع رئيسي. ثمن السيطرة على العراق قد يكون خاسرا ويتضمن بزوغ نجم إيران كقوة نووية، عسكري وسياسية، من شأنها حصر التحالف الأمريكي العربي.

وأين نحن من هذه اللعبة؟

منذ أعوام تدور في اسرائيل حملة إعلامية يومية، والتي تصف النووي الايراني بأنه خطر يهدد قيام دولة اسرائيل. دعونا من الفلسطينيين، اتركوا حماس جانبا وحزب الله، دعوا سوريا جانبا الآن ـ الشيء الوحيد الذي يهدد بقاء الدولة الاسرائيلية هو القنبلة النووية الإيرانية.

أعود وأكرر أنني لا أشاركهم هذا القلق الوجودي. ربما، الحياة أفضل بكثير بدون القنبلة النووية الإيرانية، وأيضا أحمدي نجاد ليس لطيفا. ولكن، بأسوأ حال ستنتج حالة "توازن الرعب" بين الدولتين، كمثال التوازن الذي كان بين أمريكا والاتحاد السوفيتي الذي أنقذ العالم من حرب عالمية ثالثة، وكذلك حال "توازن الرعب" الهندي الباكستاني والذي أدى الى تقارب، لأول مرة، بين الدولتين اللتين كانتا عدوتين لدودتين.

هذا ليس جيدا، لا بأس ـ وفق الشعار الاعلامي المشهور.

استنادا على كل تلك الاعتبارات أجرؤ على التنبؤ على أنه لن توجه هذا العام ضربة عسكرية لإيران ـ لا أمريكية ولا إسرائيلية.

وأنا أكتب هذه الكلمات، اشتعلت في رأسي لمبة حمراء. تتعلق بذاكرة شخصية: في شبابي كنت أقرأ بشغف مقالات زيئيف جابوتينسكي الأسبوعية، والتي لفتت انتباهي بسبب طابعها الهادىء وأسلوبها الواضح. في آب عام 1939 كتب جابوتنسكي مقالة وفيها أكد على أن حربا لن تندلع، رغم كل الشائعات التي انتشرت في العالم في ذلك الحين، وقد كانت حجته أن السلاح الحديث هو مريع جدا بحيث لن تجرؤ أي دولة على استخدامه.

بعد مرور بضعة أيام اجتاح الألمان بولونيا، وبدأت أسوأ حرب في تاريخ البشرية (حتى الآن)، والتي بنهايتها قام الأمريكيون بالقاء قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناغازاكي. منذ ذلك وطوال 63 عاما لم يستخدم أحد السلاح النووي.

الرئيس بوش سوف ينهي حياته السياسية بعار وخزي والمصير ذاته يهدد إيهود أولمرت. القادة من هذا النوع، في مثل هذه الحالات، من السهل أن يقدموا على مغامرة كبيرة أخيرة، على أمل أن تنقذ مكانتهم تاريخيا.

ورغم كل ذلك لا زلت أتنبأ أن ذلك لن يحدث.