اوري افنيري 

حرب حمقاء / أوري أفنيري


"من المستفيد من ذلك؟" هذا السؤال الذي يراود ذهن محقق متمرّس يحاول حلّ لغز جريمة ما. حين نحاول حل لغز الجريمة المدعوّة "حرب لبنان الثانية"، علينا أن نطرح هذا السؤال في مقدمة كل الأسئلة.

أمس الأول كان ذكرى مضي سنة كاملة على العرب، وقد خصصت جميع وسائل الإعلام في إسرائيل كل وقتها لتحليل الحرب، بنظرة إلى الوراء. ساعات طوال، في كل القنالات التلفزيونية والإذاعية، صفحات تتلوها صفحات في الصحافة المكتوبة.

حين نشبت الحرب، كانت كل وسائل الإعلام تصفق لأولمرت. فيما عدا قلة من الأصوات التي علت، كانت وسائل الإعلام بمثابة جوقة مشجعات ترقص في لعبة كرة سلة أمريكية. تم طمس مظاهرات الاحتجاج ضد الحرب. لا عجب، إذن، أنه قد تم هذا الأسبوع أيضا طمس الحركة الاحتجاجية ضد العرب، وكل الانتقادات التي تم طرحها في وسائل الإعلام كان اليمين مصدرها.

لقد طرحت عشرات الأسئلة الثاقبة: لماذا اتخذت القرارات بتهور؟ لماذا لم يكن الجيش مستعدا؟ لماذا لم يتم تحضير الجبهة الداخلية للحرب؟ ولكن موضوعا واحدا لم يطرح أبدا: لماذا نشبت الحرب أصلا؟

سؤال رقم 1: من كان من المتوقع أن يستفيد؟

لكي نفهم سبب نشوب الحرب، لسنا بحاجة إلى فحص من هو المستفيد منها من الناحية العملية. السؤال الحاسم هو من كان سيربح لو توّجت الحرب بالنجاح.

كان من شأن الرابح الرئيسي أن يكون رئيس الولايات المتحدة. لقد كان جورج بوش غارقا في أعماق الوحل العراقي. كان في أمس الحاجة إلى تحقيق إنجاز في الشرق الأوسط.

كان من المتوقع أن يكسر الجيش الإسرائيلي شوكة حزب الله، الذي كان يُعتبر عميلا لمحور الشر، وأن يتيح للحكومة الموالية لأمريكا التي يترأسها فواد السنيورة أن تسيطر على أفراد العصابات، وكان من المتوقع أن يحدث ذلك خلال أيام معدودة.

كانت لهذا السيناريو تتمة: الجيش الإسرائيلي المنتصر كان سيستفز الجيش السوري، وكان نظام بشار الأسد، بعد حرب قصيرة، سينهار. كان محور الشر سيتفكك، وكان الرأي العام الأمريكي سيقتنع بأن "رؤيا" الرئيس بوش قد تحققت. كان من الواضح أن "الديموقراطية" قد انتصرت في الشرق الأوسط، وأن الفشل في العراق سيتحول إلى أمر استثنائي.

كان الرابح الثاني من شأنه أن يكون إيهود أولمرت. رئيس الحكومة، الذي حل مكان أريئيل شارون بسرعة فائقة، والذي كان يُعتبر، حتى ذلك الحين، سياسي لا قيمة له، كان سيُنظر إليه وكأنه زعيم، سياسي وقائد عسكري. كان لأحد رجالات التنظيم المهني، الذي أودع أولمرت الجهاز الأمن الضخم بين يديه، سيستقطع حصته من الفائدة.

كان من المتوقع أن يتم القضاء على التهديد المحدق بشمال إسرائيل، فموجب السيناريو، كان سيتم القضاء على ترسانة الصواريخ، وكان حزب الله سيختفي عن الخارطة؛ كان سيُبرم عهد بين القدس وبين زبائن أمريكا في لبنان. وإذا انهارت سوريا أيضا، فكان سينشأ وضعا مثاليا إلى أبعد الحدود. كل التهديدات الشمالية على إسرائيل، قضت مضجع قادة الجيش الإسرائيل، خلال عشرات السنين – هلال العراق وسوريا ولبنان – كانت ستزول. كان أولمرت سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه كمن حذف من التوراة الآية: "من الشمال يأتي الخطر".

كان المستفيدون غير المباشرون هم مصر، الأردن، وربما المملكة العربية السعودية أيضا. كان من شأن الفلسطينيين أن يبقوا وحيدين في الميدان أكثر من أي وقت مضى.

من الذي دفع الآخر إلى الحرب – بوش دفع أولمرت أم أولمرت دفع بوش؟ ستمضي سنوات إلى أن نعرف، وهذا ليس مهما إلى هذا الحد.

سؤال رقم 2: من الرابح من الناحية الفعلية؟

تفاجئ الجميع حين فشل الجيش الإسرائيلي الهائل في مهمته. حزب الله لم ينكسر، بل تمكن من البقاء أمام آلية عسكرية تُعتبر من الأقوى في العالم. أطول حرب في تاريخ إسرائيل منذ عام 1949 انتهت بالتعادل. إذن من هو الرابح؟

إنها ليست إسرائيل. صحيح أن سلاح الجو قد قضى على جزء كبير من الصواريخ بعيدة المدى التابعة لحزب الله، إلا أن الصواريخ قصيرة المدى قد فعلت فعالها في الداخل الإسرائيلي وكشفت للعالم العربي كله، مدى ضعف إسرائيل أمام القذائف.

الأسيران – وهما الذريعة الكاذبة للحرب- لم يتم إطلاق سراحهما. صحيح أنه قد نشأ حاجز بين إسرائيل وحزب الله، وهو قوة دولية، وقد وُصف هذا الأمر وكأنه إنجاز رائع. غير أن الجيش الإسرائيلي قد عارض قبل نشوب الحرب بالذات مرابطة مثل هذه القوة على الحدود. لقد أراد الجيش الإسرائيلي الحفاظ على حريته في العمل ضد حزب الله. ها هي قوة دولية تحمي اليوم حزب الله أمام الجيش الإسرائيلي، ليس بأقل مما تحمي الجيش الإسرائيلي في وجه حزب الله.

الولايات المتحدة لم تربح أيضا. وفق الإفادات المتسربة من واشنطن، فإن فشل الجيش الإسرائيلي قد أثار حفيظة بوش على أولمرت. لقد خيّب الجيش الإسرائيلي أمله. خلال الحرب، عمل بوش مرارا وتكرارا من أجل منع وقف إطلاق النار ومنح إسرائيل المزيد من القوت لإكمال المهمة، باستخدام المساعدة السخية (والملعونة) من قبل عدة دول، ومن بينها ألمانيا. هذا الأمر لم يساعد أيضا.

حزب الله لم يربح هو أيضا. صحيح أن مقاومته الباسلة أمام الجيش الإسرائيلي قد اعتبرت عملا بطوليا يعيد للعالم العربي برمته عزة نفسه، إضافة إلى أن خسائره المادية تجتاز عملية إعادة بناء، غير أن حسن نصر الله، وهو شخص تشع منه استقامة غير اعتيادية، قد وجد نفسه مضطر أن يعلن على الملأ أنه لم يكن لينفذ العملية داخل حدود إسرائيل لو علم أن هذا الأمر سيؤدي إلى ما أدى إليه. لقد اعتذر أمام الشعب اللبناني على كونه قد منح إسرائيل ذريعة للحرب، التي ألحقت بلبنان كله دمارا كبيرا إلى هذا الحد.

حزب الله، بادئ ذي بدء هو جزء من لبنان. هدف نصر الله الأساسي هو أن يضمن للطائفة الشيعية – ولنفسه – مكانا فعالا في الحلبة السياسية في بلاده. تحالفاته مع سوريا وإيران ما هي إلا تحصيل حاصل لهذا الهدف. المؤامرة الشيعة ومحور الشر الإرهابي موجودان في خيال بوش الملتهب.

لم تضعف الحرب مكانة حزب الله في لبنان. لقد تم إثبات ذلك، هذا الأسبوع، الرئيس الفرنسي، نيكولا سركوزي، حين دعا حزب الله للمشاركة في المؤتمر اللبناني في باريس، ولكن يبدو أن الحرب لم تقو حزب الله أيضا.

هل ربحت إيران؟ بعد أن صنعت معها الولايات المتحدة معروفا ودمرت العراق، التي كانت طيلة مئات السنوات تشكل حاجزا بين إيران والشرق الأوسط العربي، وقد أصبح لديها اليوم نفوذا قويا في العراق وفي لبنان. ولكن لا ورد من دون أشواك: كشف هذا الواقع يحذو بأعدائها، وعلى رأسهم مصر والسعودية، إلى اتخاذ إجراءات مانعة.

الاستنتاج: لم يربح أحد من هذه الحرب، التي كانت منوطة بكل هذا الدمار والقتل.

سؤال رقم 3: هل استخلصت إسرائيل العبر؟

يتعاملون هنا، منذ سنة، في موضوع "استخلاص العبر". ابتداء من لجنة فينوغراد وانتهاء بآخر المراسليم في التلفزيون. جـــمــــيـــــعــــهـــــم.

لكن هذا خداع نظر، لأن هناك صمت حول الأسئلة الأساسية عن الحرب، وليست هناك إمكانية أيضا لمعالجة جذر المشكلة.

الكل منشغلون، بالطبع، بإعادة تأهيل الجيش. الحمد لله، لقد تغير كل شيء. فبدل رئيس الأركان ذي الأجنحة، دان حالوتس، جاء رئيس أركان تعلوه الغبار، غابي أشكنازي. يمكننا أن نرى يوميا كيف تتدرب الألوية العسكرية في التلفزيون، كيف يزحف الجنود في حقول الأشواك وكيف تنتشر الدبابات على الأرض. هذا جميل. في المرة القادمة، (والجميع يفترضون كأمر مفروغ منه أنه ستكون هناك مرة قادمة)، سيكون الجيش الإسرائيلي مستعدا.

ليس ثمة شخص يشير إلى هذه المسرحية المخزية. الجيش الإسرائيلي لم يكن مستعدا للحرب الأخيرة، ولذلك فهو يستعد الآن بنشاط – للحرب الأخيرة. لقد تم استخلاص العبر من عدم الاستعداد للمعركة التي جرت، وأما الآن فكل شيء جاهز للمعركة التي ستأتي.

إذا كان هناك أي شيء يمكنا أن نؤكد افتراضه فهو أن الحرب القادمة، إذا نشبت، لن تكون نسخة عن الحرب التي كانت. ستلعب فيها القذائف، على سبيل المثال، دورا كبيرا، وستصل إلى أماكن أبعد بكثير. ستكون الأسلحة أكثر ذكاء وتطورا، وسيكون ميدان المعركة مختلفا.

لقد تحدثوا كثير عن عدم قدرة الحكومة المنتخبة على الصمود أمام القيادة العسكرية حين يتناولون مسائل الحياة أو الموت، الخروج إلى الحرب وإدارة المعركة. إنهم يواسون أنفسهم الآن بحقيقة وجود وزير دفاع "ذي خبرة"، إيهود براك، الذي كان فيما مضى رئيس أركان ووزير دفاع. ولكن تبديل الأشخاص لا يغير، بالضرورة، موازين القوى: لن تجرؤ زمرة السياسيين، في المستقبل أيضا، الذين وصلوا بمجرد الصدفة إلى الحكومة، على الصمود في وجه الرأي القاطع والجازم للقيادة العسكرية، التي تستند، دائما، إلى استشارات استخباراتية "مهنية".

هذه الظاهرة ترافق إسرائيل منذ إقامتها. يمكن لزعيم قوي مثل دافيد بن غوريون أو ربما أريئيل شارون، أن يوازن بعض الشيء موازين القوى. ولكن هذه الظاهرة باقية.

هذا يتجسد الآن في التفوهات اللا متناهية عن "الحرب القادمة"، "حرب هذا الصيف"، "فشل في الحساب من شأنه أن يؤدي إلى حرب مع سوريا"، "الهجوم الذي لا مفر منه على منشآت إيران النووية" وغيرها. الجيش هم من يحدد إطار الحوار الجماهيري. وكما قال هذا الأسبوع من كان الحاخام الأكبر في فرنسا: لقد تحول السلام في إسرائيل إلى كلمة بذيئة.

كل حرب تكاد تكون حمقاء. الحرب الأخيرة كانت أحمق الحروب. الحرب القادمة، إذا نشبت لا سمح الله، ستكون أحمق بكثير.