|
||
بعد يومين فقط لم يبق شيئا من ذلك التهديد. إيهود أولمرت قد رفض. وماذا حدث؟ عادة النمرة الشرسة إلى بيتها، وذيلها بين رجليها. معمر القذافي، وهو دمج بين دكتاتور وممثل كوميدي، قد كال المديح لمحبوبته "الإفريقية السمراء"، وكشف النقاب عن أنه يكنّ المودة لها. لقد قال أن إشارة واحدة من إصبعها كافية بأن يعدو إليها كل قادة وكالات الاستخبارات العربية، وهم أصحاب النفوذ الحقيقيون في دولهم. ولكن حتى القذافي ذاته لم يدع بأنها قد أرضخت إسرائيل. لقد أبلغ يوليوس قيصر، كما هو معروف، مجل الشيوخ الروماني: "جئت ورأيت وانتصرت." يمكن لكوندوليسا رايس أن تبلغ مجلس الشيوخ الأمريكي قائلة: "جئت ورأيت وطُردت." من الذي طردها؟ رئيس حكومة إسرائيلي فاشل، تكاد نسبة التأييد له في بلاده تصل إلى الصفر، ولا يوجد أي شخص تقريبا ليصدر بأنه سيبقى حتى أواخر هذا العام. في النقاش حول من الذي يلوّح بمن - الكلب بالذيل أم الذيل بالكلب - قد أحرز من يدعي أن الذيل يلوح بالكلب تقدما على خصومه. لقد لوت إسرائيل، في هذه الجولة التي انتهت لتوها، ذراع الولايات المتحدة. لقد بدأت هذه الجولة حين قرر الرئيس بوش، على ما يبدو، "توجيه السفينة لتنجز المهمة" (كما يقولون في سلاح البحرية الملكي البريطاني). الولايات المتحدة تستعد لحربها ضد إيران. لهذا الهدف عليها أن تضع حدا للفوضى الفتاكة في العراق، وأن توحّد كتلة الدول العربية المساندة لأمريكا وأن تجد حلا للقضية الفلسطينية. كانت كل الأمور في البداية تسير على ما يرام. زعماء كل الدول العربية (فيما عدا القذافي، المتغيّب الدائم) قد اجتمعوا في قمة في الرياض. تصالح الملك السعودي مع بشار الأسد السوري. أحضر أبو مازن إسماعيل هنية معه، لينخرط في العملية. حتى إميل لحود، المقرّب من سوريا وحزب الله، وجد له مكانا إلى جانب الطاولة المستديرة. طرح العالم العربي الموحد مجددا مبادرة السلام التي بادر إليها الملك السعودي، والتي تضمن لإسرائيل الاعتراف بها، السلام والتطبيع مع كل العالم العربي، مقابل الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران من عام 1967. صحيح أن المبادرة تدفع ضريبة كلامية فيما يتعلق بحل عادل لقضية اللاجئين (كيف لا؟) ولكنها تقضي بشكل قاطع أن أي حل سيكون منوطا بموافقة إسرائيل. لو اقترح علينا العالم العربي هذه المبادرة في الثالث من حزيران من عام 1967، لكنا سنرفع أعيننا إلى السماء ونطلق الدعوة اليهودية القديمة: "مبارك أنت يا الله، ربنا ملك العالم، أن أبقيتنا لنشهد هذا اليوم." ولكن في هذا الأسبوع لم يشرك الله أي شخص على مبادرة السلام العربية. على العكس، فقد قُض مضجع إيهود أولمرت وشركاه حول كيفية الخروج من هذا المأزق. ولأنهم لم يجدوا حجة مقنعة، ادعوا انه من غير الممكن قبول المبادرة التي تطرح قرار هيئة الأمم حول قضية اللاجئين. أغلبية وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي يوجهها الناطقون بلسان أولمرت، لم تذكر أن الحل منوط بموافقة إسرائيل. باختصار: "نييت" (لا باللغة الروسية)! لقد كانت هذه هي اللحظة الكبيرة، التي كان من شأن المحدلة الأمريكية الضخمة فيها أن تبدأ بالتحرك. ففي نهاية الأمر قد كانت المصلحة الأمريكية القومية موضوعة على كفة الميزان. جميع الزعماء العرب المنصاعين للولايات المتحدة قد صرخوا بأنه من غير الممكن أن يدعموا الولايات المتحدة كما هو مطلوب، طالما دمّل الاحتلال ما زال ينزف قيحا. كيف يمكن للملك السعودي أو للرئيس المصري أن يهيجا شعبيهما للحرب على إيران، في وقت يشاهدان فيه هما ومواطنوهما، من على شاشة قناة الجزيرة، السورة الفظيعة للكلب التابع للجيش الإسرائيلي وهو ينهش لحم عجوز عربية ولا يتركها؟ لقد حددت كندوليسا رايس لقاءا حاسما مع أولمرت وقد جهزت نفسها لتنذره إنذارا نهائيا. ولكن الأمر الذي أصدره البيت الأبيض كان، على ما يبدو، عكسيا: غادري وعودي إلى البيت. لقد إتضح أن الرئيس بوش ضعيف، حتى أكثر من أولمرت. لقد مُني في مجلسي الشيوخ بهزيمة نكراء حول موضوع العراق. لم يعد الجمهور الأمريكي يتوق إلى الحرب أكثر من ذلك، وفي هذه المرة ضد دولة موحدة وأكثر إصرارا من العراق. في مثل هذا الوضع السياسي، لا يحلو لبوش أن يدخل في صدام مع اللوبي المساند لإسرائيل، اليهودي والمسيحي. البروفيسوران ستيفان وولت وجون ميرسهايمر قد انتصرا في هذه الجولة. لقد انتصر الطرف الإسرائيلي في التعارض بين المصلحة الوطنية الأمريكية وبين حكومة إسرائيل ومؤيديها في الولايات المتحدة. المحدلة لم تدحل. لقد ذهبت كوندوليسا رايس إلى أولمرت وجلست معه لمدة ثلاث ساعات. كانت إعلانها النهائي أشبه بمواء قطة من صوت حيوان مفترس. والجمهور الإسرائيلي؟ الجمهور الذي يرى فرصة تاريخية أخرى تغيب عن ناظريه؟ لا شك في أن أغلبية هذا الجمهور تؤيد أولمرت، لو أعلن أنه يوافق على المبادرة العربية، ولكن قلة قليلة فقط مستعدة للهبوب ضد أولمرت في حال لم يفعل ذلك. إن في هذا الجمهور ضحايا الحرب القادمة أيضا، أهل وأولادهم. هل من الممكن أنهم لا يأبهون لذلك؟ أليس الأمر متعلقا بهم أيضا؟ هذا الجمهور لا تثور مشاعره. إنه لا يتذمر. لا يرفع صوته. لا يخرج في مظاهرات. لقد دعت حركة "السلام الآن" هذا الأسبوع للمشاركة في مظاهرة تطالب أولمرت بالاستجابة إلى مبادرة السلام التي طرحتها القمة العربية. أجريت المظاهرة أمام منزل رئيس الحكومة، وقد أحضر منظمو المظاهرة كل أعلام الدول العربي، ومن بينها علم فلسطين. كان هذا المشهد مشهدا مفرحا لمن يتذكر أنه قبل عشرين سنة كان نشطاء "السلام الآن" قد طردوا لأنهم رفعوا علما فلسطينيا صغيرا. كم كان عدد الذين شاركوا؟ لقد جاء إلى المظاهرة التي كانت تجند ذات مرة 400 ألف متظاهر أسطوري بعد مجزرة صبرا وشتيلا (صحيح أنه كان يوم عمل) حوالي 250 شخصا. الأنكى من ذلك هو أنه لا صحيفة "هآرتس" ولا أي صحيفة أخرى ذكرت هذه المظاهرة الصاخبة، حتى ولو بكلمة واحدة، لم تقم أية قناة تلفزة ببث صورها، فيما عدا قناة الجزيرة. ما هو مصدر هذه اللامبالاة؟ حماقة؟ خيبات الأمل من الماضي؟ عدم الثقة بالحكومة و/أو بالعرب؟ لا شك في أن هناك حاجة إلى أمر دراماتيكي لزعزعة هذا الجمهور. لقد اقترح أحد البروفيسورات أن يقوم الملك السعودي بمحاكاة أنور السادات وأن يحضر إلى القدس، أن يلقي خطابا في الكنيست ويتوجه إلى الجمهور الإسرائيلي بشكل مباشر. ولكن السادات كان قد أعلن عن نيته زيارة القدس بعد أن أعلن موشيه ديان فقط، في محادثة سرية في المغرب، أن مناحيم بيغين مستعد لإعادة شبه جزيرة سيناء كلها. أولمرت لا يعد بشيء. هل استجاب أولمرت. فمن غير الممكن عدم الرد أبدا. لقد أعلن أنه مستعد للقاء الملك السعودي. لقد كان وقع هذا الحديث على آذان أشخاص سُذج في ميامي وقعا واعدا. رئيس حكومة إسرائيل مستعد للقاء رؤساء الدول العربية. هذا أمر جميل من قبله. جميل جدا. عمليا هذه صرعة قديمة انتهجتها حكومة إسرائيل، حتى منذ فترة بن غوريون. اللقاء بزعيم الدولة العربية الأكبر معناه التطبيع، والتطبيع هو المطالبة الإسرائيلية الأساسية. أي أن إسرائيل تحرز هدفها الأساسي من دون أن تقدم أي تنازل مقابل ذلك. من الواضح أن أي رئيس عربي لن يسقط في هذه المصيدة. فور ذلك مباشرة أعلن أولمرت أنه لن يتم تفكيك أية بؤرة استيطانية ، حتى يتصدر الفلسطينيون "للإرهاب". ها لنا خلفية تاريخية: حين وافق الرئيس بوش على الاعتراف "بالتجمعات السكانية" الإسرائيلية – أي بالمستوطنات الكبيرة التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية المحتلة بخلاف تام لمطالبة الأمريكيين – التزم أريئيل شارون بتفكيك كل المستوطنات التي أقيمت منذ وصوله إلى السلطة، في مستهل عام 2001. يقضي القانون الإسرائيلي أيضا أن هذه المستوطنات ("البؤر الاستيطانية") ليست قانونية. لقد تم شمل هذا الالتزام في "خارطة الطريق" المسكينة أيضا. كان على إسرائيل، في المرحلة الأولى، أن تفكك جميع هذه البؤر الاستيطانية، وكان على الفلسطينيين، في الوقت ذاته، نزع سلاح المنظمات لديهم. عمير بيرتس، المسؤول عن هذا الموضوع بصفته وزير الدفاع، قد أعلن مرارا وتكرارا أنه سيبدأ لتوّه في تفكيك البؤر الاستيطانية. من الناحية العملية، لم يتم تفكيك حتى بؤرة واحدة. ها هو أولمرت الآن يعلن أن على الفلسطينيين، قبل كل شيء، أن "يحاربوا الإرهاب"، وبعد ذلك فقط تقرر الحكومة ما يجب فعله بالبؤر الاستيطانية. بكلمات أخرى: لن يتم تفكيك أية بؤرة. هكذا تأخذ "نافذة الفرص" بالانغلاق. (إنه تعبير أمريكي أحمق للغاية، فالنافذة هي فتحة يمكن عن طريقها النظر إلى ما يحدث في الخارج، ولكن لا يتم العبور عن طريقها للقيام بأمر ما. إن الباب هو الذي يُستخدم لهذا الهدف.) قبيل عيد الفصح أخذ أولمرت يعرض نفسه في كافة وسائل الإعلام. ظهر في الصحيفة الأكثر انتشارا عنوان رئيسي مثير: "أولمرت: سنتمكن من إحراز السلام خلال خمس سنوات"! ماذا، حقا؟ خمس سنوات؟ لقد وقعنا عام 1993 على اتفاقية أوسلو، التي تحدد فيها أنه خلال خمس سنوات سيتم إحلال السلام الدائم بين إسرائيل والشعب الفلسطيني. لقد مرت منذ ذلك الوقت 13 سنة، وحتى المفاوضات لم تبدأ بعد. يبدو أن "السنوات الخمس" أشبه "بالأفق السياسية" لكوندوليسا: كلما اقتربنا من الموعد، كلما ابتعد عنا. |