اوري افنيري 

وداعا!


اعتراف شخصي: لا أكره بنيامين نتنياهو، ولا زوجته سارة.

لا أكره الآخرين غالبا. ولكن أكره هؤلاء الذين استغلوا ثقتي بهم وحاولوا طعني. حدث ذلك من قبل ثلاثة أو أربعة أشخاص طيلة حياتي. لن أذكر أسماءهم.

التقيت نتنياهو مرتين أو ثلاث مرات في حياتي فقط.

حدث ذلك ذات مرة في رواق الكنيست، وعرفني حينها على زوجته الثانية. كانت تبدو امرأة شابة ولطيفة.

في المرة الثانية التقينا عندما خرجنا من معرض الصور للمصور بول غولدمان، الذي عُرضت فيه صورتي أيضا، وكنت أعتمر فيها قبعة الطيارين. (لا أعرف لماذا).

"أنت تبدو مثل إيرول فلين!" قال لي. لم أرَ ذات مرة فيلما لهذا الممثل، ولكني فهمت أن هذا مديح كبير لي.

لا شك أنه كانت خلافات بيننا في الكنيست وهذا أمر طبيعي.

لهذا إذا كنت أرغب في إبعاد نتنياهو عن الحكومة سريعا، ولكن لا يعود السبب إلى مشاعري تجاهه بل إلى أنه يشكل كارثة على الدولة.

تقضي سلسلة لا نهائية من قضايا الفساد التي بدأت تظهر وما زالت مستمرة - مثل قضية الغواصات - أنه يجب إبعاده فورا. نحن لم نتحدث بعد عن الغواصات المصنعة في ألمانيا، التي تكشف عن قضايا جديدة. بصفتي كنت محررا في المجلة الأسبوعية الخبيرة بقضايا الفساد، أتخيل مدى أهميتها.

سيفرح الكثيرون عند سجن "بيبي". أنا لن أفرح. لو كنت الأمور تتعلق برأي، أعتقد أن رئيس الدولة أو المستشار القضائي كانا سيقترحان اقتراح مفاده: استقل فورا وبعد خمس دقائق ستحظى بالعفو. سنعفو عن زوجتك أيضا. دون أن تحاكم، وتسجن. اذهب إلى البيت، وتمتع بالحياة.

كما هو معروف، ليست هناك مشكلة مادية لدى نتنياهو. فهو غني. بصفته رئيس حكومة سابق، سيحصل على مخصصات سخية. لديه منزل فاخر في قيصريّة وشقة مميزة في القدس. فهو ثري، وجزء من الأموال حصل عليه بالرشاوى، على ما يبدو طيلة سنوات.

علاوة على ذلك، كل دار نشر في العالم ستكون مستعدة لدفع مبالغ هائلة مقابل نشر مذكراته.

لهذا لا داعي للشفقة عليه.

المشكلة هي مَن سيحل محله؟

ستشغل المنصب الشاغر في الكنيست محامية مجهولة، وصلت إلى الكنيست بصفتها "امرأة جديدة" في الليكود. ولكن هذا غير هام.

السؤال الهام هو: مَن سيكون رئيس الحكومة القادم؟

لا تعني استقالة نتنياهو تفكك الكنيست تلقائيا. إذا نجح مرشح آخر في تشكيل ائتلاف يتضمن الأغلبية في الكنيست، فسيكون رئيس الحكومة القادم. يتمتع أعضاء حزب الليكود باحتمال كهذا فقط.

ولكن هل هناك مرشح ملائم في هذا الحزب؟ أشكّ. لم يهتم نتنياهو كسائر الكثير من الزعماء الذين تنقصهم الثقة الذاتية، بأن يهيء بديلا له. بل على العكس، فقد أبعد كل مرشح محتمل.

القيادة الحالية وكل الوزراء الحاليين في الليكود وحلفاء الليكود غير صالحين. يصعب علي أن أتخيل أن أحدا منهم سيكون مسؤولا عن الدولة. من الصعب أيضا أن تكون ميري ريغيف.

إذا لم ينجح أحد في تشكيل حكومة جديدة في الكنيست الحالي، فيجب إجراء انتخابات.

هل ستنجح انتخابات جديدة في كسب أكثرية مختلفة؟ ربما، ولكن أعتقد أن ذلك لن يحدث.

في دولة عادية، بعد سلسلة من قضايا الفساد، كان يُفترض أن ينتقل الحكم إلى المعارضة، وعندها يصبح أحد أعضائها رئيس الحكومة، ببساطة.

ولكن إسرائيل ليست دولة عادية. هناك فجوة كبيرة بين اليسار واليمين الإسرائيلي. ليس هناك احتمال في إسرائيل أن يبدأ عدد كبير من الناخبين المتضامنين مع اليمين بتأييد اليسار. كما أنه ليس هناك اتفاق في إسرائيل حول التصرفات اللائقة التي على رئيس الحكومة العمل بموجبها.

قال لي ذات مرة شخص ذكي: "إذا اهتم رئيس حكومة بريطاني بأن يشغل مقربوه المناصب الهامة، فسيقال إنه فاسد. وإذا لم يفعل كذلك زعيم مصري، فسيُقال إنه زعيم سيء. "كيف لك أن تتمتع بالجائزة الكبيرة دون أن تشارك أقرباءك بها؟".

يبدو أنه كلما ظهرت شهادات أكثر حول قضايا الفساد الخاصة بنتنياهو، يزداد دعم أعضاء الليكود له. فهم يعتقدون أن كل هذه القضايا هي إهانات غير صحيحة من جهة اليسار الحقير. تتعاون الشرطة مع حزب العمل الشكنازيّ الخائن (رغم أن المفتش العام للشرطة من أصل يميني ويعتمر القلنسوة، وقد اختاره نتنياهو بشكل شخصي من بين أعضاء الشاباك).

إذا، سيكون رئيس الحكومة القادم شبيها إلى حد معين بنتنياهو. ماذا سيحدث حينها؟

هناك 30 عضوا في الكنيست الحالي من "الليكود"، 10 من حزب "كلنا"، 8 من "البيت اليهودي"، 7 من "شاس"، 6 من حزب "إسرائيل بيتنا"، و 6 من الحزب الحاريدي. هذه الأحزاب هي التي تشكل الائتلاف وعدد إجمالي مقاعدها هو 67 مقعدا.

في المقابل، المعارضة مؤلفة من 24 عضوا من حزب العمل (الذي يدعى حاليا "المعسكر الصهيوني")، 11 من حزب "هناك مستقبل" برئاسة يائير لبيد، و 5 أعضاء من "ميرتس". الأعضاء الـ 13 الآخرين هم من الأحزاب العربية، التي لا يأخذها أحد في الاعتبار. المجموع: 53 عضوا.

لو افترضنا أن نتائج الانتخابات القادمة ستكون شبيهة، عندها ستتجه الأنظار نحو حزب "كلنا" بشكل تلقائي. فزعيمها موشيه كحلون، وزير المالية الوسيم، الذي لا منازع له، يعتبر معتدلا وليبراليا نسبيًّا. هل هو قادر على الانتقال من حزب إلى آخر؟

يتوقع الجميع أن حزب العمل سيتراجع في الانتخابات القادمة. فبعد أن تغير زعماؤه كثيرا، اختار الحزب زعيما شرقيا يدعى آفي غباي، للتخلص من اللعنة التي لحقت به بصفته "حزبا شكنازيّا". ولكن هذه الخطوة لم تنجح. لقد تدهور الحزب أكثر فأكثر برئاسة غباي. (يختار الليكود دائما زعيما شكنازيّا رغم أن الأكثرية فيه من الشرقيين).

إذا تدهور حزب العمل، عندها سينجح حزب "هناك مستقبل" برئاسة لبيد أكثر. قد يصبح حزب "هناك مستقبل" حزبا كبيرا في الكنيست، لهذا سيصبح لبيد مرشحا رائدا لرئاسة الحكومة، شريطة أن ينجح في الحصول على دعم كحلون.

ولكن مَن هو لبيد؟ إنه سياسي مثالي. يبدو ويتحدث جيدا في التلفزيون. كان والد لبيد الذي عرفته جيدا ناجيا من المحرقة، وكان يتذكر طفولته في الغيتو في بودابست جيدا. كان سياسيا ليبراليا، ولكن كانت آرائه وطنية متطرفة. ربما ابنه شبيها به.

ماذا سيفعل رئيس الحكومة لبيد من أجل السلام؟ لا أحد يعلم. سيكون من الصعب عليه أن يرأس حكومة تتضمن أعضاء عربا، الأمر الذي يقف حجرة عثرة في طريقة لتحقيق الأغلبية في الكنيست. ولكن ربما يدعمه العرب "ظاهريا" مثلما دعموا يتسحاق رابين في الماضي، مما سمح له التوصّل إلى اتّفاق أوسلو. ولكن هناك مَن يحذر أن لبيد قد يجعلنا "نتوق لنتنياهو".

يحلم الكثيرون بحزب جديد كليا - جبهة جديدة من الليبراليين، المتقدمين، ودعاة السلام، برئاسة قيادة شابة وجديدة، تنجح في إحداث تغييرات جذرية في السياسية في إسرائيل. ولكن ليست هناك علامات على ذلك.

بل على العكس، سئم شبان كثيرون السياسة وبدأوا يعملون ضد المستوطِنين ويحافظون على السكان العرب. هناك شبان كثيرون يمارسون نشاطات هامة ولكن لا يؤثرون في السياسة. ولكن لسوء الحظّ فإن السياسة هي التي تحدد مُستقبلنا.

أحب إسرائيل. فقد أقامها أصدقائي وأنا ودفعنا ثمنا مقابل إقامتها. أشعر بالحزن عندما أشاهد ما يحدث.

ولكن أظل متفائلا. ما زلت أؤمن أن الخلاص سيأتي بطريقة ما. ستظهر قوات سياسية جديدة.

كما يقول المسلمون: إن شاء الله.