اوري افنيري 

بيبي الأول هو ملك إسرائيل وإمبراطور اليهود / أوري أفنيري


الصهيونية هي إيمان معادٍ للسامية. وقد كان هذا الإيمان قائما دائمًا.

وكتب الأب المؤسس، بنيامين زئيف هرتسل، وهو كاتب فييني، عددا من القصص المعادية للسامية بشكل بارز. لا تُدرّس هذه القصص في إسرائيل.

وفي نظر هرتسل، لم تكن الصهيونية حركة لنقل الناس من بلد إلى آخر فحسب، بل كانت أيضا وسيلة لتحويل اليهود البائسين من الشتات إلى سعداء يعملون في بلادهم.

سافر هرتسل إلى روسيا لإقناع قادتها المعادين للسامية، منظمي المذابح، بدعم خطته، وفي المقابل، وعدهم بإخراج اليهود من روسيا.

وكان أهم المبادئ الأساسية للأيديولوجية الصهيونية هو أن في وسع اليهود أن يكون فخورين في الدولة اليهودية في المستقبل فقط وأن يعيشوا حياة طبيعية. وكان شعاره أنه يجب "تحويل الهرم الاجتماعي" - أي أنه ينبغي أن يرتكز على العمال والفلاحين، بدلا من السماسرة والمصرفيين.

عندما كنت طالبا في مدرسة فلسطينية في أرض إسرائيل أثناء الانتداب البريطاني، كان يمثّل كل ما تعلمناه الازدراء من "يهود الشتات"، الذين فضّلوا البقاء في بلادهم. وكان من الواضح أنهم أقل شأنا منا من كل النواحي.

وقد حققت مجموعة صغيرة عُرِفت بمجموعة "الكنعانيين" ذروة في أوائل الأربعينيات. ادعت هذه المجموعة أنّنا نمثّل أمة عبرية جديدة، ليست لديها أية علاقة باليهودية. عندما أصبحت أبعاد الهولوكوست المروّعة معروفة، خمدت هذه الأصوات، ولكنها لم تخمد كليا.

لقد فضّل معادو السامية الصهاينة دائما عن بقية اليهود. كما هو معروف، فضّل أدولف أيخمان التفاوض مع الصهاينة لأنهم "عنصر بيولوجي" أفضل من بقية اليهود.

وحتى اليوم، يصفق كارهو اليهود في كل مكان من أجل دولة إسرائيل كدليل على أنهم ليسوا معادين للسامية على الإطلاق. لا يرفض الدبلوماسيون الإسرائيليون إمكانية استخدام هذا الدعم. إنهم يحبون اليمين المتطرّف.

لم يمنع هذا دولة إسرائيل من استغلال دعم اليهود في العالم. في ذلك الوقت شاعت طرفة: قد قسّم الله خيراته بشكل عادل بين العرب والإسرائيليين. أعطى العرب النفط، الذي منحهم قوة سياسية واقتصادية هائلة. بينما أعطى إسرائيل اليهود الأميركيين، بما في ذلك أموالهم وتأثيرهم السياسي.

عندما أنشِئت دولة إسرائيل، كانت بحاجة ماسة إلى المال لشراء الخبز للشهر المقبل، بالمعنى الحرفيّ. وقد أقنِع رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون بالسفر جوا إلى أمريكا للحصول على أموال اليهود. ولكن طرأت مشكلة: كان بن غوريون صهيونيا من صميم قلبه، لهذا كان عازما على إقناع اليهود بترك كل أغراضهم وممتلكاتهم والهجرة إلى إسرائيل. عمل مساعدوه جاهدين لإقناعه بألا يستخدم كلمة "الهجرة".

لا تزال هذه العلاقات غير المتكافئة قائمنا في يومنا هذا. يحتقر الإسرائيليون سرا اليهود الأمريكيين الذين يرفضون أن يعيشوا كشعب مستقل وفخور في الدولة اليهودية، ولكنهم يطالبون بدعمهم السياسي غير المشروط. يقدّم معظم المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة هذا الدعم حقا. لدى هذه المنظمات تأثير هائل في واشنطن. يعتبر الإيباك، اللوبي الصهيوني الثاني من ناحية تأثيره، بعد منظمة "أصحاب الأسلحة".

لسوء الحظّ، فإن العلاقات المتبادلة بين دولة إسرائيل واليهود الأمريكيين تخلق المزيد من المشاكل التي لم يعد من الممكن إخفاؤها.

وقد ظهرت هذه المشاكل مؤخرا من مصدر غير متوقع. من شخصية استثنائية: تسيبي حوطوبلي. هذا الاسم هو جورجي الأصل. في الواقع قدِم والداها من الجمهورية السوفياتية السابقة. من الصعب على الكثير من الإسرائيليين نطق ذلك الاسم بشكل صحيح.

تبلغ تسيبي 39 عاما، وهي ذكية، مثقّفة، جميلة، ويمينية متطرفة. يعبّر رأيها عن الدمج بين الإيمان الديني المتطرف والأرثوذكسي. من المعروف أنها عضوة في الليكود. فقد ساعدتها هذه الحقيقة على أن تشغل المنصب الهام، وهو نائبة وزير الخارجية.

مَن هو وزير الخارجية؟ ليس هناك وزير كهذا. نتنياهو ذكي جدا ولن يُسلّم هذا المنصب المرموق لشخص قد ينافسه. يزيد هذا طبعا من مكانة حوطوبلي.

غالبا، تسكت هذه الوزيرة. ولكن قبل بضعة أسابيع تحدثت فجأة وألقت قنبلة أثناء حديثها.

في مُقابلة مع صحيفة أمريكية، هاجمت نائبة وزير خارجية دولة إسرائيل اليهود الأمريكيين بشكل حقير. وكررت شعارات قديمة معادية للسامية. أدانت، من بين أمور أخرى، حقيقة أن اليهود الأميركيين لا يخدمون في الجيش الأمريكي. نتيجة لذلك، ادعت أن هؤلاء اليهود غير قادرين على فهم الإسرائيليين الذين يقاتل جنودهم يوميا.

هذا الاتهام قديم. أتذكر أني شاهدت ملصقا وُزّع في الحرب العالمية الثانية من الطائرات النازية فوق المناطق العسكرية الأمريكية في فرنسا. ظهر في هذه الملصقات يهودي بدين ذو أنف ملتو، وكان يدخن سيجارا سميكا ويعانق امرأة أمريكية شقراء. وكُتب على الملصقات: "بينما تموت في أوروبا، يغتصب اليهود زوجتك في المنزل!".

وكما هو معروف، أُلغيَّ التجنيد الإلزامي في أمريكا منذ فترة طويلة. يتكوّن الجيش الأمريكي الآن من متطوعين من الطبقات الدنيا. لا ينتمي اليهود إلى هذه الطبقة. تشكل اتهامات حوطوبلي غباء تاما.

لقد شُجِبت أقوال حوطوبلي كليا ولكنها لم تُبعد عن عملها. وما زالت الآن مسؤولة عن الدبلوماسيين الإسرائيليين في العالم أيضا.

تشكل هذه الحادثة الحدث الأخير في سلسلة المشاكل في العلاقات بين المجتمعين.

في الأيام الأولى، باعت إسرائيل العديد من الامتيازات الدينية للمؤسسة الأرثوذكسية الدينية مقابل أصواتها في الكنيست، التي كانت ضرورية لتشكيل ائتلاف حكومي.

لا تسمح إسرائيل بالزواج المدني. إذا أراد رجل يهودي في إسرائيل أن يتزوج امرأة مسيحية أو مسلمة - وهو أمر نادر - فعليه أن يسافر إلى قبرص المجاورة.

ولكن في اليهودية الحديثة هناك عدة "تيارات". في الولايات المتحدة، ينتمي معظم اليهود إلى التيار الإصلاحي أو المحافظ. تعترف إسرائيل بهذه التيارات بصعوبة كبيرة. يُعقد الزواج في إسرائيل وفق التيار الأرثوذكسي. ويشكل مجال مراقبة الأطعمة الحلال فيها مصدر دخل كبير.

يعني هذا أن ليس هناك أية حقوق في إسرائيل للجاليات اليهودية الأمريكية. وهناك عدد قليل منها في إسرائيل.

وإذا لم يكن كل هذا كافيا، فهناك أيضا نزاع حقير حول الحائط الغربي، وهو الموقع الأكثر قدسية في اليهودية. وهو يعتبر الآثار الوحيدة المتبقية من الهيكل الثاني، الذي دمره الرومان قبل نحو 2.100 سنة. (في الواقع، يشكل هذا الحائط بقايا من الحائط الذي دعم الأرض التي بُني عليها الهيكل).

نظريا، الجدار هو ملك كل اليهود، ولكن الحكومة الإسرائيلية نقلت الأماكن المقدّسة إلى السيطرة الحصرية للمؤسسة الأرثوذكسية، التي تسمح للرجال فقط بالاقتراب منها. احتجت المنظمات الإصلاحية والنسائية بشدة، وفي النهاية، حُقِقت تسوية: بقي الجزء الرئيسي من الحائط الغربي في أيدي الأرثوذكس، ولكن تُرِك قسم صغير بين أيدي الإصلاحيين والنساء. وقد ألغت الحكومة الآن هذه التسوية أيضا.

بدأ يبتعد حاخمو الجالية اليهودية في الولايات المتحدة عن إسرائيل بوتيرة سريعة. وأصبح يتزوج نحو نصف الشبان من الفتيات المسيحيات.

تكمن المشكلة الأساسية في أن كل العلاقة بين الإسرائيليين واليهود في الشتات تستند على الكذب: الادعاء بأنهم ينتمون إلى الشعب ذاته.

لقد فرق الواقع بينهم منذ زمن. الوضع الحقيقي هو أن "اليهود" في إسرائيل هم أمة جديدة نشأت في ظل الواقع الروحاني، الجغرافي، والاجتماعي في البلاد الجديدة- تماما كما يختلف الأمريكيون عن البريطانيين، وكما يختلف البريطانيون عن الأستراليين.

لدى اليهود شعور قوي بالانتماء المتبادل، التراث، والروابط الأسرية. ولكن هناك اختلاف بينهم.

وكلما اعترف الجانبان بذلك، كلما كان من الأفضل لهما. يمكن لليهود الأميركيين أن يدعموا إسرائيل - مثلا،، يدعم الأميركيون الإيرلنديون إيرلندا. لكن لا يتوجب عليهم الولاء لدولة إسرائيل، ولا أن يدفعوا لنا ضريبة.

من جانبها، يمكن أن تساعد دولة إسرائيل اليهود الذين يتعرضون لضائقة، وأن تسمح لهم بأن يكونوا جزءا منها. أهلاً بالقادمين الجدد.

ولكن نحن لا نشكل جزءا من هذا الشعب. نحن هنا في إسرائيل، نشكل شعبا مؤلفا من مواطني إسرائيل. ينتمي اليهود في أمريكا وفي سائر البلاد إلى أبناء شعبهم، وإلى الطائفة اليهودية العرقية الدينية العالميّة.

كان يرغب بنيامين نتنياهو أن يكون شبيها بالملكة فيكتوريا، التي كانت "ملكة بريطانيا وإمبراطورة الهند. فهو يطمح إلى أن يكون ملكا وإمبراطورا - ملك إسرائيل وقيصر اليهود.

ولكن هو ليس كذلك.