اوري افنيري 

شكرا سموتريتش! / أوري أفنيري


أود أن أشكر بتسلئيل سموتريتش. نعم، سموتريتش رجل اليمين المتطرّف، والفاشي الذي

ألقى خطابا أمام مؤيديه قبل وقت قصير. كان يرغب في أن يكون خطابه حدثا وطنيا، وبداية مرحلة تاريخية جديدة للشعب الإسرائيلي. لقد حظيت بمكانة مرموقة في ذلك الخطاب التاريخي.

قال سموتريتش إن أوري أفنيري وزمرة صغيرة من الداعمين ابتكروا أيديولوجيّة "دولتَين لشعبَين"، ونجحوا خلال عشرات السنوات ضمن العمل الدؤوب والصبر في جعل هذه الفكرة بديهية وإجماعا وطنيا. والآن، - قال سموتريتش واعظا لمؤيديه - عليهم صياغة أيديولوجيّتهم والعمل كثيرا من خلال التسامح والإخلاص حتى تصبح إجماعا وطنيا بدلا من فكرة بديهية خاصة بأفنيري.

إن ثناء العدو أفضل بكثير من ثناء الصديق. لا سيما أنني لم أحظَ بثناء كثير من الأصدقاء. الآن، يحاول السياسيون الكبار الذين يؤيدون "حل الدولتين" شطب حقيقة أنني عرضت هذه الفكرة منذ زمن قبل أن يتبنوها.

لهذا، شُكرًا لك يا سموتريتش". شكر ودعاء: يُرجى أن تتبنى اسما عبريا كما يليق بشخص يطمح أن يكون زعيما يهوديا.

بعد المديح تطرق سموتريتش إلى برنامجه بخصوص مستقبل إسرائيل.

يوضح البرنامج أنه على كل العرب الذين يعيشون بين نهر الأردن والبحر المتوسط اختيار إمكانية من بين ثلاث.

الأولى: أن يغادروا البلاد مقابل الحصول على مبلغ مالي ملائم.

الثانية: أن يصبحوا مواطني الدولة اليهودية دون أن يحصلوا على مواطنة وحق الاقتراع.

الثالثة: أن يشنوا حربا ويخسروا.

هذه هي الفاشية بالمعنى الحرفي. ولكن بينيتو موسولينى مخترع مصطلح الفاشية (مصطلح مشتق من الكمة الإيطالية وتعني حزمة الصولجانات التي كانت تُحمَل أمام الحكام في روما القديمة دليلًا على سلطاتهم) لم يوصِ بطرد أحد. ولا اليهود أيضا رغم أن الكثير منهم كانوا فاشيين متحمسين.

إذا كان الأمر كذلك، علينا النظر إلى البرنامج ذاته. هل يمكن أن نقنع شعبا كاملا، بطرق سلمية ببيع وطنه مقابل المال؟ لا أعتقد أن هذا قد حصل على مر التاريخ. في الحقيقة، تتضمن الفكرة احتقارا كبيرا للشعب الفلسطيني.

في وسع القليلين مغادرة وطنهم والهجرة إلى دول أغنى. فعندما اجتاح جوع كبير إيرلندا هاجر إيرلنديون كثيرون إلى أمريكا. وفي السنوات الماضية، هاجر إسرائيليّون كثيرون إلى برلين ولوس أنجلوس. ولكن هل سيهاجر شعب بأكمله؟ بمحض إرادته؟ مقابل المال؟ وأكثر من هذا أن السعر يزداد بشكل طبيعي بين مهاجر وآخر. لن تكفي كل أموال العالم!

أوصي سموتريتش، بأن يقرأ مجددا نشيد "زمير هبلوغوت" (نشيد خاص بكتائب الجيش) للشاعر ناتان ألترمان منذ أحداث 1936: "لا يترك أي شعب موطنه، وبالمقابل، يتمسك بمواقفه". لن يطبّق هذا الخيار.

الخيار الثاني أسهل. سيصبح العرب الذين يشكلون أقلية بين نهر الأردن والبحر المتوسط، عبيدا وسيخدمون الأسياد الإسرائيليين. وسيزداد تعدادهم سريعا لأن نسبة الولادة لديهم عالية. هكذا سيصبح لدينا نظام أبارتهايد (فصل عنصري) وفق نموذج جنوب إفريقيا. وتحدث هذه الحالة عمدا.

يشير التاريخ القديم والجديد إلى أن هذه الحالة تؤدي بالضرورة إلى التمرد وتنتهي بتحرير العبيد دون شك.

ظل الحل الثالث واردا. فهو ملائم أكثر للطابع الإسرائيلي: الحرب. لا يجري الحديث عن حروب صغيرة وبائسة ترافقنا منذ بداية الصهيونية، بل عن حرب على نطاق واسع، رهيبة، تضع حدا نهائيا. وتلحق ضربة قاضية بالعرب وتتخلص منهم. وهكذا تكون النهاية.

في نهاية حرب الاستقلال، في بداية عام 1947، استنتجت أن الطريقة الوحيدة لوضع حد للنزاع التاريخ هي مساعدة الفلسطينيين على إقامة دولتهم الوطنية، إلى جانب دولة إسرائيل الجديدة. بدأت تراودني هذه الفكرة بناء على افتراض ثوري تماما: الشعب الفلسطيني قائم حقا.

في الواقع لم أكن أول من فهمه. عرض شخص ذكي، مؤرخ يساري يدعى أهرون كوهين، هذا الافتراض قبلي. رفض كل الصهاينة هذه الفكرة بغضب. قالت غولدا مئير كما هو معروف: "ليس هناك ما يُعرف بالشعب الفلسطيني!".

إذا، مَن هم هؤلاء العرب الذين حولنا؟ ببساطة: إنهم مجرد رعاع. وصلوا إلى البلاد بعد أن أقمناها. وحضروا بسهولة وسيغادرونها ببساطة.

كان من السهل التفكير هكذا عندما كانت الضفة الغربية تحت سيطرة الأردن وكان قطاع غزة تحت حكم مصر. حينها اختفت "فلسطين" عن الخارطة. حتى وصل ياسر عرفات وأعادها إلى نصابها.

منذ ذلك الحين، الحقيقة البسيطة هي أن الشعبين يعيشان في هذه البلاد الصغيرة معا.

لن يختفي أي منهما. يؤمن كل منهما أن هذه البلاد هي موطنه.

أدت هذه الحقيقة البسيطة إلى أن استنتج استنتاجا منطقيا وهو أن السلام بين دولتين قوميتين هو الحل الوحيد: إسرائيل وفلسطين، مع حدود مفتوحة بينهما وتعاون، ربما على شكل منظومة فدرالية أيا كانت.

الحل الثاني المحتمل هو أن يعيش الشعبان في دولة واحدة. وقد ذكرت كثيرا في الماضي أني لا أؤمن بهذا الحل. فالحديث يجري عن شعبين وطنيين جدا. إن الفارق بين مستوى الحياة بيننا وبينهم هائل. وطابع كلا الشعبَين مختلف تماما.

إضافة إلى هذا يقترح سموتريتش إمكانية ثالثة، يدعمها الكثيرون سرا: قتل الفلسطينيين وطردهم تماما.

هذه الخطوة أسوأ من خطة موسوليني. فهي تذكّر بشخصية تاريخية أخرى. (تجدر الإشارة إلى أن موسوليني قتله شعبه، وعلقوا جثمانه على علاقة جزارين، بينما كان رأسه متجها نحو الأسف)

ويجب الأخذ بعين الاعتبار أقوال سموتريتش. ليس لأنه عبقري سياسي بل لأنه يتحدث علنا، صراحة، وبصوت عال عما يفكر فيه الإسرائيليون سرا.

يبلغ سموتريتش 37 عاما وهو بهي الطلعة ومُلتح. وُلِد في الجولان المحتل، وترعرع في الضفة الغربية المحتلة، ويعيش في مستوطنة في الضفة الغربية، في بيت مبني خلافا للقانون على أرض مسلوبة، أصلها أرض زراعية عربية. كان والده حاخاما، وترعرع سموتريتش في حلقات دينية عريقة، درس القانون، ويعمل عضو كنيست في يومنا هذا.

اعتُقِل ذات مرة في تظاهرة لمدة ثلاثة أسابيع. صرح أنه فخور بكونه "كارها للمثليين" ولكنه اعتذر لاحقا. عندما ولدت زوجته طفلة من بين أطفاله الستة، اعترض لأن زوجته مكثت في المستشفى مع امرأة عربية. وهو يعارض بيع شقق للعرب في أحياء يهودية. ويقترح قتل الأطفال العرب الذين يلقون الحجارة.

قال حاييم نحمان بياليك ذات مرة إننا لن نكون شعبا عاديا حتى يكون لدينا مجرمون يهود وعاهرات يهوديات. والحمد لله، لدينا الآن مجرمون يهود حقيقيون وعاهرات يهوديات أصليات. ولدينا فاشيون يهود حقيقيون أيضا. هللويا!