|
||
قدّم أحد أعضاء الكنيست من حزب الليكود مشروع قانون فريد من نوعه في العالم. إنه ينبع من الخوف بألا يصوت هؤلاء "الليكوديون الجدد" لصالح الليكود. من أجل منع هذه الظاهرة، يقضي مشروع القانون أنه عندما ينضم عضو جديد إلى الليكود، يُحذف اسمه من قائمة الناخبين في الدولة. سيُسجل اسمه باعتباره صوّت لصالح الليكود. وهذا يخالف قانون الأساس، الذي ينص على أنّ الانتخابات في دولة إسرائيل سرية. إذا لم يحذف المستشار القضائي للكنيست هذا المشروع، فستفعل المحكمة العليا ذلك. يُظهر كل ذلك أنّ الليكود هو حيوان غريب. وهذا ليس جديد. منذ سنوات وصل إليّ صحفي فرنسي عريق لتغطية انتخابات الكنيست. فأوصيت له أن يحضر اجتماع انتخابي لمناحيم بيجن. عندما عاد كان مشوّشا. "أنا لا أفهم"، كما قال. "عندما تحدث بيجن عن المشكلة العربية، بدا وكأنه فاشي تماما. ولكن عندما تحدث عن الشؤون الاجتماعية، بدا وكأنه ليبرالي معتدل. كيف يحدث ذلك في الوقت ذاته؟" "بيجن ليس مفكّرا كبيرا"، أوضحت له. "تستند أيديولوجيّته إلى رأي فلاديمير جابوتنسكي". كان فلاديمير ("زئيف") جابوتنسكي مؤسس الحزب "التصحيحي"، زعيم حزب حيروت، والأخير زعيم الليكود. ولد في 1880 في أوديسا. عندما كان صحفيا صغيرا أرسِل إلى إيطاليا، التي كانت مستقلة في ذلك الحين. كانت حركة التحرير الإيطالية دمجا غير عادي من القومية المتطرفة والرؤيا الاجتماعية الليبرالية. صاغت هذا الدمج رؤيا جابوتنسكي كل أيام حياته. فهو كان جذابا جدا، وتمتع بمواهب في مجالات كثيرة. كتب رواية تاريخية ("شمشون")، ترجم للعبرية أشعار إدغار ألان بو، وكان خطيبا مفوّها وصحافيا موهوبا. في الحرب العالمية الأولى ساهم في تأسيس الكتائب العبرية في الجيش البريطاني، وشارك كضابط متدرّب في السيطرة على البلاد من أيدي الأتراك. بعد مرور عدة سنوات قسّم البريطانيّون البلاد وأقاموا وراء نهر الأردن إمارة عربية منفصلة. عارض ذلك جابوتنسكي وأسس الحزب "التصحيحي"، والذي سعى إلى "تصحيح" هذا القرار. احتقر جابوتنسكي "الرواد" الاشتراكيين الذين سيطروا آنذاك على الاستيطان، وكانوا يكرهونه. وأنا أشك بأنه لم يتأسف عندما طرده البريطانيّون من البلاد. سماه دافيد بن غوريون "فاشيّا" - رغم أنّ جابوتنسكي، الذي أحبّ إيطاليا، كان يكره الطاغية بينيتو موسوليني. في تلك الأعوام تنقّل جابوتنسكي في العالم، ألقى خطابات حماسية، وكتب مقالات أسبوعية، قرأتها باهتمام. أعجبني أسلوبه الواضح والمنطقي. كبرتْ حركته في عدة بلدان، وبشكل أساسي في بولندا. بقيت أقلية صغيرة ومعزولة مؤيدة له في البلاد. ولكن عندما حدثت "الأحداث" في البلاد، سيطرت حركته على "التنظيم العسكري القومي" (الإيتسل). فعُين جابوتنسكي قائده الرسمي. بفضل تأثيره انضممت للإيتسل عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري. في بداية عام 1939 جمع جابوتنسكي مؤيديه من كل أنحاء العالم في وارسو. بدت الحرب وشيكة، ولكن جابوتنسكي حكم بحزم أنها لن تندلع، لأن السلاح الحديث فتّاك أكثر من اللازم. عندما عارض مؤيّد بولندي صغير، كان يدعى مناحيم بيجن، هذا الرأي، قال له جابوتنسكي باحتقار: "سيّدي، لو كانت لي رؤيتك، كنت سأقفز في فيستولا"! (نهر وارسو). ولكن الحرب العالمية الثانية اندلعت فعلا. هرب جابوتنسكي إلى الولايات المتحدة، ومات هناك فجأة بعد تعرضه لنوبة قلبية. بيجن، الذي لم يقفز في النهر، قدِم في النهاية إلى البلاد وعُيّن قائدا للإيتسل، وعندها أصبح أحد التنظيمات الإرهابية الأكثر نجاحا في العالم. عندما وُلدت دولة إسرائيل، أصبح بيجن زعيم المعارضة وتمسّك بشدّة بالديمقراطية. ألغى التسمية التصحيحية وأقام حركة الحرية. عندما ترأس هذا الحزب خسر في ثماني معارك انتخابية. عام 1977 وصل بيجن أخيرا إلى الحكم وفاجأ العالم عندما أقام سلاما مع مصر، الدولة الأهم من بين الدول العربية. أعاد بيجن لها كل شبه جزيرة سيناء، وأنا لم أتفاجأ. لم يكن بيجن لامعا مثل جابوتنسكي، وقد تمسّك بنظرية أستاذه ومعلّمه بشدّة. تأسست أيديولوجيّة جابوتنسكي على خارطة جغرافية: "أرض إسرائيل (الانتدابية) من كلا جانبي النهر". لم تشمل تلك الخارطة سيناء. (لو كان بإمكان بيجن كان سيعيد أيضًا هضبة الجولان مقابل السلام). ولكنه لن يعيد الضفة الغربية أبدا. مع مرور الأيام نسي بيجن ومؤيّدوه شرق الأردن. ومع ذلك، ما زالوا يقولون "ضفتان للأردن - إنها لنا، هي أيضا!"، ولكن الأفعال أقوى من الأقوال. بات الأردن الآن حليفا وثيقا لإسرائيل. وقد أنقذته إسرائيل عدة مرات من أيدي أعدائه. ومع ذلك، فإنّ التحديد أنّ الأردن، مثل الضفة الغربية، يشكل جزءا من الدولة اليهودية لم يُمح من برنامج الليكود. ولكن الجميع نسيه - حتى هذا الأسبوع. كانت لدى مساعدي نتنياهو، وعلى رأسهم دافيد بيتان، فكرة مبتكرة. طُلِب من "المنضمين" الجدد أن يصرّحوا عن ولائهم لكل بنود برنامج الليكود، بما في ذلك أن يصبح الأردن جزءا من دولة إسرائيل. إن نتنياهو أضعف بكثير من بيجن، وكان بيجن أضعف بكثير من جابوتنسكي. لم يكن هناك أدنى شك بخصوص مستوى أخلاقية بيجن، الذي عاش حياة متواضعة حتى بعد السنوات التي خاطر فيها بحياته في كل لحظة. بالمقابل، فإنّ نتنياهو محاط بالفساد. والآن تجري ضدّه وضدّ زوجته سارة عدة تحقيقات، قد ينتهي كل منها بعقوبة السجن. كان جابوتنسكي سينظر إليهما مشمئزا. ولكن... تتحدث طرفة يهودية عن الرجل في الغيتو الذي توفي. كما هو معتاد، كان يجب أن يرثيه شخص ما، مع ذكر محاسنه فقط. لم يكن أي شخص في الجالية مستعدا للقيام بهذا الواجب. حتى تطوّع أحدهم. "نعلم جميعا أنّ السيد ميوشا كان شخصا غير جذاب"، وقد قال، "لقد كان بخيلا، سيئا، وقاسيا. ولكن مقارنة بابنه، كان ملاكا!" تحدث حالة شبيهة الآن في إسرائيل. باتت الأضواء مسلطة على ابن نتنياهو البكر، يائير ابن السادسة والعشرين. "تولى بيبي الحكم منذ 12 عاما (لفترات غير متواصلة) وهو يتصرف كملك. وتتصرف زوجته، "سارليه"، كملكة، أشبه بماري أنطوانيت. ولكن يائير، الابن البكر، أصبح كما يقال "وريث العرش". فهو أمير غير مؤهّل أبدا، يعيش مع والديه في المسكن الرسمي ويزعج جدا. لا يبدو أنه يعمل عملا ثابتا. ولكنه يتنقّل بينما يرافقه الحراس على حساب أموال خزينة الدولة. في الأيام الأخيرة شاع صيته السيء. فهو أشبه بدونالد ترامب، يتفوه بألفاظ بذيئة. على سبيل المثال، سمّى "الصندوق الجديد لإسرائيل" بتسمية "صندوق القضاء على إسرائيل". وأطلق على منظمة ديمقراطية أخرى، "مولد"، تسمية غير تسميتها الصهيونية، لهذا يطالب المسؤولون فيها بمحاكمته بسبب الاعتداء عليها. تتعلق القضية الأخيرة بالقانون المساعد الذي يلزم أصحاب الكلاب بجمع براز حيواناتهم الأليفة في الأماكن العامة. في يوم ما، كان يائير يمشي في الشارع مع الكلبة الملكية، كايا، ولكنه لم يجمع برازها. عندما أوقفته امرأة محترمة وطلبت منه العمل بموجب القانون، أشار إليها بإشارات بذيئة، لهذا صوّرت السيّدة بُراز الكلبة ويائير وهو يشير إليها إشارات مهينة. جابوتنسكي، بيجن، بيبي، يائير - ما هذه المستويات! |