اوري افنيري 

رعاع برلمانيون / أوري أفنيري


عندما انتخبتُ للمرة الأولى للكنيست، فوجئت من مستوى النقاشات المتدني. فتضمنت الخطابات كلاما مبتذلا سطحيا وشعارات فارغة. كان مستوى المحتويات الفكرية قريبا من الصفر.

كان ذلك قبل 52 عاما. كان من بين أعضاء الكنيست بن غوريون، مناحم بيجن، مئير يعاري، موشيه سانا، وغيرهم.

عندما أنظر إلى الماضي، يبدو ذلك الكنيست أوليمبوسا، مقارنة بتشكيلة البرلمان الإسرائيلي في وقتنا هذا.

في الكنيست في الوقت الحاضر، كان سيبدو النقاش الذكي مثل صلاة مسيحية في كنيس حاريدي.

علينا الاعتراف بالحقيقة: في الكنيست الحالي هناك رجال ونساء لا يمكن تسميتهم إلا رعاعا برلمانيين. رجال ونساء لست مستعدا أن احتسي معهم فنجانا من القهوة. فهناك الكثير منهم الذين أشبه بنكتة. كان أحدهم مشتبها به أنه يشغل بيت دعارة في أوروبا الشرقية. من المتوقع، أن أي صاحب عمل يحترم نفسه كان سيرفض تشغيل هؤلاء الرعاع.

أولئك الرعاع، أعضاء الكنيست، مشغولون الآن بمنافسة غير مسبوقة في تقديم مشاريع قانون "خاصة". وقد ذكرت بعض مشاريع القوانين تلك مؤخرا - مثل مشروع "الدولة القومية للشعب اليهودي" - وهي آخذة بالازدياد أسبوعيًّا. لم تعد مشاريع القوانين تلفت الانتباه، لأنّ معظم مشاريع القوانين الحكومية ليست أكثر ذكاء.

يثور السؤال: كيف وصل هؤلاء الأعضاء أساسا إلى الكنيست؟

في الأحزاب القديمة، مثل الليكود والمعسكر الصهيوني (حزب العمل سابقا) ما زالت تُجرى انتخابات تمهيدية، يختار فيها أعضاء الحزب المرشّحين. على سبيل المثال، سجل رئيس لجنة العمال في مصنع حكومي كبير كل عمال المصنع وأفراد أسرهم لحزب الليكود، فساهموا في دخوله إلى قائمة المرشّحين. فأصبح وزيرا.

لا تكلّف "الأحزاب" الجديدة نفسها عناء الانشغال بهذا الهراء. يختار المؤسس بنفسه أعضاء القائمة، كما يحلو له. يكون المرشّحون متعلّقين به تماما. إذا توقف عن الإعجاب بهم، فببساطة يطردهم في الانتخابات القادمة ويختار مكانهم أشخاصا أكثر خضوعا.

تسمح الطريقة الإسرائيلية لكل مجموعة من المواطنين تقديم قائمة مرشحين. إذا اجتازت القائمة نسبة الحسم، تدخل إلى الكنيست.

في الانتخابات الأولى، كانت نسبة الحسم 1%. هكذا انتُخبت للكنيست ثلاث مرات. منذ ذلك الحين، ارتفعت النسبة المطلوبة باستمرار، والآن هناك حاجة إلى 3.25% من الأصوات الصالحة.

من المفهوم ضمنا أنني كنت أدعم كثيرا الطريقة الأصلية. كانت تتمتع حقا بالعديد من المزايا البارزة. في الشعب الإسرائيلي هناك تصدّعات كثيرة: يهود وعرب، شكناز وشرقيون، قدماء ومهاجرون جدد، متديّنون (من جميع الأنواع) وعلمانيون، أغنياء وفقراء، وغير ذلك. تسمح هذه الطريقة لكل واحدة من تلك المجموعات أن تكون ممثّلة. وبما أنه لم يحصل أي حزب في إسرائيل على غالبية ساحقة، تتأسس الحكومة دائما بموجب ائتلاف، بحيث تتعرض لحواجز وموانع.

يتم اختيار رئيس الحكومة من قبل الغالبية في الكنيست. تم تغيير هذه الطريقة ذات مرة واختير رئيس الحكومة مباشرة من قبل كل الشعب. لكن خاب أمل الشعب سريعا، وأصبحت الغالبية في الكنيست تختار رئيس الحكومة مجددا.

والآن، عندما أرى الرعاع يدخلون إلى الكنيست، أغيّر رأيي. من الواضح أنّ هناك شيئا ما مختلّا جدّا في الطريقة في إسرائيل.

بطبيعة الحال ليست هناك طريقة انتخابات مثالية. انتُخب أدولف هتلر بطريقة ديمقراطية، وانتُخِب قادة حقيرون كثيرون بشكل ديمقراطي. بموجب نظام حكم ديمقراطي في العالم، انتُخب مؤخرا دونالد ترامب، وهو مرشّح غريب الأطوار إلى حدّ ما.

هناك في العالم طرق كثيرة ومختلفة للانتخابات، وهي حصيلة التاريخ وظروف البلدان المختلفة. هناك لدى الشعوب المختلفة طابع وأولويات مختلفة.

الطريقة البريطانيّة هي إحدى أقدم الطرق في العالم. فهي طريقة محافظة جدا، ولا تسمح بمشاركة أحزاب جديدة وشخصيات غريبة الأطوار. تنتخب كل مقاطعة مرشّحا واحدا (أو مرشّحة واحدة). ليس هناك احتمال للأقليات السياسية. البرلمان هو نادي النبلاء والنبيلات، وما زال كذلك إلى حد بعيد أيضا.

الطريقة الأمريكية الأحدث هي أكثر إشكالية. كتب النبلاء الدستور. لقد تخلّصوا من الملك البريطانيّ المحبوب، ووضعوا بدلا منه ما يشبه الملك، والذي يسمّى رئيسا، كحاكم أعلى. ينتخب أعضاء مجلسَي البرلمان وفق مقاطعات انتخاب.

ولأنّ المؤسسين لم يؤمنوا كثيرا بقدرة الشعب البسيط على الاختيار الصحيح، أسسوا ناديا للنبلاء كي يُستخدم كنوع من التصفية. يسمّى "المجمع الانتخابي"، ومؤخّرا اختارت هذه الهيئة (مجدّدا) رئيسا لم يحظ بمعظم الأصوات.

اخترع الألمان، الذين تعلّموا درسًا من ماضيهم البائس، طريقة معقّدة. يُنتخب نصف أعضاء البرلمان مباشرة في مقاطعات انتخاب، ويُنتخب النصف الثاني في قوائم قطرية. هكذا يكون نصف المنتخبين مسؤولا أمام منتخبيه، ولكن هناك أيضا فرصة لتمثيل الأقليات السياسية.

لو ألقيت عليّ مهمة اختيار دستور لدولة إسرائيل، ماذا كنت سأختار؟ (لا تخافوا. أعتقد أن الاحتمال ضئيل جدا).

الأسئلة الأساسية هي:

‌أ. هل يحتاج أعضاء البرلمان إلى الانتخاب في مقاطعات انتخاب محلية أم وفق قوائم قطرية؟

‌ب. هل على رئيس الحكومة أن يُنتخب من قبل كافة الشعب أم من قبل البرلمان؟

لكل إجابة هناك مؤيّد ومعارض، مزايا وعيوب. والسؤال هو ما هو الأكثر ملاءمة في الظروف القائمة في البلاد.

كنت معجبا كثيرا بالانتخابات الأخيرة في فرنسا. تم اختيار الرئيس بانتخابات قطرية مباشرة - ولكن بواسطة مؤسسة مهمة وحكيمة لا مثيل لها: الجولة الثانية.

في الانتخابات العادية، يقرر الناخبون في البداية بشكل عاطفي. وربما أيضا يكونون غاضبين من مرشّح ما ويريدون التعبير عن مشاعرهم. إنهم يريدون أيضًا انتخاب شخص يعجبهم، دون علاقة باحتمال فوزه. لذلك هناك فائزون قلة، ومن المفترض أن يصل إلى المركز الأول شخص حظي فقط بأقلية من الأصوات.

تصحح الجولة الثانية كل هذه العيوب. بعد الجولة الأولى يكون لدى المرشّحين وقت للتفكير من جديد، وبشكل أكثر منطقيا. المرشح الذي يشعر الناخب أنه أقرب إلى قلبه تكون لديه فرصة أقرب للفوز (أو من يشكّل أهون الشرّيْن)؟ في النهاية يفوز مرشّح واحد بغالبية ساحقة.

تنطبق القاعدة ذاتها على المرشّحين لـ "الجمعية الوطنية"، البرلمان. يتم انتخاب المرشحين في المقاطعات، ولكن إذا لم يفز أحدهم بغالبية ساحقة، تُجرى جولة ثانية أيضًا.

يمكن لذلك أن يعيق ظهور أشخاص جدد - ولكن ها هنا، بشكل عجيب، أثبت انتخاب إيمانويل ماكرون أنّه بهذه الطريقة أيضا يمكن لشخص شبه جديد أن يصل إلى قصر الرئاسة.

بالتأكيد، يمكن أن يجد الخبير عيوبا في هذه الطريقة أيضًا. ولكن يبدو أنّها جيّدة بشكل كاف.

على مرّ السنين زرت العديد من البرلمانات. أتذكر معظم أعضائها.

ليس هناك برلمان يتكوّن من فلاسفة. يحتاج المرء إلى الكثير من الطموح، المكر والصفات السلبية الأخرى كي يُنتخب. (هذا لا ينطبق عليّ، بطبيعة الحال).

كنت دائما معجبا بمجلس الشيوخ الأمريكي - حتى زرته وتم تقديمي في القاعة الرئيسية أمام بعض أعضائه البارزين. كانت تلك خيبة أمل فظيعة. لم يعرف بعضهم، ممن تحدثت معهم عن مشاكل منطقتنا، رغم أنهم كانوا يعرّفون كـ "خبراء". وكان بعضهم أعتذر عن التعبير، حقيرا. (الحقيرون هم نوع يتم تمثيله بشكل جيّد في كل برلمان).

اتضح لي أنّ العمل الحقيقي يديره من خلف الكواليس المستشارون والمساعدون البرلمانيون لأعضاء مجلس الشيوخ، والذين هم أكثر ذكاء ومعرفة من رؤسائهم. تكمن وظيفة عضو مجلس الشيوخ في أن يظهر بشكل جيّد، أن يجمع التبرّعات وأن يلقي خطابات فارغة.

يغيّر التلفزيون الصورة (حرفيّا) في كل مكان.

لا يمكن أن يُظهر التلفزيون برنامجا انتخابيا، لذا مضى عصر البرامج الانتخابية. لا يمكن أنّ يُظهر التلفزيون الأحزاب، لذا اختفت الأحزاب في بلدان كثيرة، وفي إسرائيل أيضًا. يُظهر التلفزيون الوجوه، لذا فهي التي تقرر. هذا يفسّر لماذا يؤسس عندنا السياسيون ذوو الظهور الجميل أحزابا جديدة ويعيّنون أعضاء الكنيست من حزبهم، بما في ذلك الرعاع، وهم أشخاص لا يتوقع انتخابهم أبدا في انتخابات خاصة في مناطقهم.

عندما قدّم أدلاي ستيفنسون ترشيحه لرئاسة الولايات المتحدة، قيل له: "لا تقلق، كل مواطن ذكي سيصوّت لصالحك"!

كما هو معروف أجاب ستيفنسون قائلا : "نعم، ولكني بحاجة إلى الغالبية"!