اوري افنيري 

صهاينة معادون للسامية


أثر مشهد التصفيق فيّ حقا.

لقد جلس ممثّلو العالم قرب طاولة مستديرة، وصفّقوا فرحا بالقرار الذي أتّخذوه للتوّ معا. في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما في الكنيست، لا يجري التصفيق والتعبير عن مظاهر عفوية أخرى غالبا. ومع ذلك فقد صفق هؤلاء الممثلين كالأطفال الذين تلقوا هدايا عيد ميلادهم.

كان ذلك حقا قبل عيد الميلاد لدى المسيحيين، واليوم الأول من عيد الأنوار اليهودي. يصادف تاريخ هذين العيدين مرة واحدة فقط كل عشرات السنين. كما هو معلوم، يستخدم المسيحيون التقويم الشمسي، ويستخدم اليهود التقويم القمري الملائم.

كان السفراء سعداء. لقد حققوا للتوّ شيئا عجزوا عنه على مدى سنوات طويلة: إدانة الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي من قبل الحكومة الإسرائيلية.

حتى ذلك الوقت استخدم رؤساء الولايات المتحدة، الواحدا تلو الآخر، حقّهم لفرض الفيتو على قرارات مجلس الأمن (حق تجاوز وقته منذ زمن). وها قد تجرأ الرئيس باراك أوباما، قبيل نهاية ولايته، واستفز حكومة بنيامين نتنياهو، الذي يحتقره جدا.

وهكذا، بعد سنوات من الإحباط، كان بإمكان أعلى مؤسسة دولية أن تتخذ قرارا حول إسرائيل وفق رغبتها. لا عجب أن أعضاءها قد تصرّفوا مثل أطفال المدرسة الذين سيبدأون العطلة المدرسية.

العطلة التي قد تكون، مع شديد الأسف، قصيرة جدا.

للوهلة الأولى كانت فرحة مبالغًا بها. ليس هناك أي معنى عملي لهذا القرار. فهو ليس قوي. كان بإمكان نتنياهو أن يكرر المثل الشرقي: "الكلاب تنبح والقافلة تسير".

ولكن ردة فعل نتنياهو الفورية كانت غريبة جدا. لقد تصرّف مثل حيوان جريح. استعر، هاجم كل العالم، ألحق ضررا بكل من كان حوله.

كانت بعض ردود الفعل سخيفة جدا. كان بإمكان نتنياهو الازدراء من القرار والسخرية - مثل دافيد بن غوريون في السابق، الذي سمّى تلك المؤسسة الدولية "أوم-شموم" (Um-Shmum) (تعبير عن الاستهتار بالولايات المتحدثة استخدمه دافيد بن غوريون للمرة الأولى عام 1955) . بدلا من ذلك، أعاد نتنياهو سفيرين إسرائيليين من نيوزيلاندا والسنغال (صديقتان بالخفاء لإسرائيل)، ألغى زيارات سياسيين أجانب إلى البلاد، دعا سفراء أجانب في يوم عيد الميلاد من أجل توبيخهم علنيا، وبشكل أساسي أهان الرئيس أوباما.

كان ذلك فعلا غبيا. بقي أمام الرئيس أوباما 21 يوما حتى انتهاء ولايته، 21 يوما يمكن أن يستغلها ليلحق ضرار بنتنياهو. يمكن أن يمرر أوباما، على سبيل المثال، قرار لقبول فلسطين كعضو كامل في الأمم المتحدة، فمثل هذا القرار غير قابل للإلغاء. في تلك اللحظة، خشيت كل القيادة الإسرائيلية من هذا الاحتمال.

لو دعا نتنياهو ميكيافيلي، لكان قد علم بأنّه لا ينبغي استفزاز الأسد إذا لم تكن هناك إمكانية لقتله. كنت سأضيف: خصوصا إذا كنتَ قد أهنتَ وجرحتَ ذلك الأسد مرات عديدة في الماضي. يمكن أن تغضب الأسود أحيانا أيضا.

ولكن يبدو أنّ سلوك نتنياهو ليس غبيا إلى هذه الدرجة كما يبدو. بل من شأنه أن يكون ذكيا جدا. الأمر متعلق بالهدف.

كاستراتيجية دبلوماسية فهو كارثي. ولكن كاستراتيجية للفوز في الانتخابات، فهو منطقي. ها هو نتنياهو البطل الكبير، الملك داود الحديث، المقاتل من أجل شعبه، المعلن عن الحرب ضدّ كل العالم. هل يوجد في إسرائيل شخص يساويه؟

في تلك الأيام السيئة في عهد جولدا مئير كانت إحدى فرق الترفيه في الجيش الإسرائيلي تغني أغنية مرحة، تبدأ بالكلمات "العالم كله ضدنا / لا يهم، سنتغلب...".

لسبب ما، يستمتع اليهود عندما يدينهم كل العالم. هذا يؤكد فقط ما عرفناه دائما: أنّ كل شعوب العالم تكرهنا. هذا يُظهر أننا فريدون تماما. ليست هناك لذلك، معاذ الله، أية علاقة بسلوكنا. إنها ببساطة معاداة محضة للسامية.

تفوّق نتنياهو على جولدا. بالتأكيد فالسيّدة العجوز تنظر إليه بغيرة من الأعلى (أو من الأسفل).

كان يفترض بالصهيونية أن تحرر إسرائيل من تلك التعقيدات اليهودية القديمة، كان أن نصبح شعبا عاديا، إسرائيليين أصحاء بدلا من يهود "شتات"، وأن نكون شعبا مميّزا، تحترمنا شعوب العالم كلها.

يبدو أننا لم ننجح تماما.

ولكن هناك أمل كبير. أمل ضخم. أمل اسمه: دونالد ترامب.

كان ترامب قد غرّد وأعلن أنّه مع دخوله إلى البيت الأبيض، فسيتغيّر كل الوضع في الأمم المتحدة.

ولكن هل سيحدث ذلك حقا. لا أحد يعلم - ولا هو نفسه - ماذا سيفعل حينذاك. هل يمكن لنتياهو أن يكون متأكدا؟

صحيح، أن ترامب سيرسل إلى تل أبيب (أو إلى القدس؟) سفيرا جديدا، صهيونيا متطرفا، صهيونيا جدا إلى درجة أن نتنياهو نفسه يبدو بالمقارنة به كارهًا لإسرائيل، مثلي تقريبا.

ولكن في الوقت ذاته عيّن ترامب عنصريّا أبيض في منصب أكبر مساعديه، شخصا معاد للسامية بوضوح.

هناك من يعتقد أنّ كل شيء سيكون متعلقا بالحالات المزاجية لترامب. من يعلم ماذا ستكون الحالة المزاجية في الصباح الذي سيجري فيه التصويت على القرار التالي الذي يدين حكومة إسرائيل؟ هل سيكون في تلك اللحظة ترامب الصهيوني أم ترامب المعادي للسامية؟

في الواقع، يمكن أن يؤدي الدورين أيضا.

الهدف المعلن للصهيونية هو تجميع كل اليهود المشتتين حول العالم في الدولة اليهودية. بينما الهدف المعلن لمعادي السامية هو طرد اليهود من بلدانهم. يتضح أنّ كلا الطرفين يطمحان إلى الشيء ذاته.

اعترف بنيامين زئيف هرتسل، الأب المؤسس للصهيونية، بذلك منذ بداية الطريق. لقد سافر إلى روسيا القيصرية، التي كان يحكمها معادون للسامية، واقترح صفقة: سنعمل على إخراج اليهود من بلادكم، وأنتم ستعلمون على إقناعهم بذلك. كان ذلك في أيام المذابح الإجرامية. ولكن اليهود الذين غادروا روسيا (التي كانت تشمل جزءًا من بولندا) هاجروا بشكل جماعي إلى الولايات المتحدة. هاجر القليلون فقط إلى أرض إسرائيل.

لم يكن ذلك فصلا فريدا من نوعه. طوال التاريخ الصهيوني كانت هناك محاولات لتجنيد مساعدة المعادين للسامية من أجل تحقيق المشروع الصهيوني.

قبل ولادة الحركة الصهيونية، دعا مسيحيون إنجيليون في الولايات المتحدة وفي بريطانيا إلى جمع شمل المنفيين اليهود في الأرض المقدسة. يبدو أن ذلك أثر في هرتسل أيضا. ولكن تضمّنت رسالة نفي اليهود فصلا مخفيا: عودة صهيون ستسمح بعودة المسيح اليهودي ثانية. وحينها ماذا سيحدث؟ سيتنصّر اليهود، ومن لا يفعل ذلك - يُقضى عليه.

عام 1939، عندما أصبح الخطر النازي ظاهرا للعيان، دعا زئيف جابوتنسكي أتباعه إلى مؤتمر في بولندا. كان من بين المدعويين أيضا زعماء "التنظيم العسكري الوطني" في البلاد. كان أحدهم هو أبراهام شتيرن، الذي كان لقبه في الحركة السرية يائير.

تقرر في ذلك اللقاء التوجه إلى قادة الجيش البولندي، وجميعهم معادون للسامية، واقتراح صفقة عليهم: أنتم تدرّبون اليهود الشباب في بولندا وتزوّدوهم بالسلاح. ونحن نحرر فلسطين بمساعدة هذا السلاح وننقل إليها يهود بولندا. استجاب المتطرّفون، وقامت في كل أنحاء بولندا معسكرات تدريب. ولكن ضعت الحرب العالمية الثانية حدّا لهذه المغامرة.

مع اندلاع الحرب أمر جابوتنسكي الإيتسيل التوقف عن كل العمليات ضدّ البريطانيين بل والتعاون معهم. رغم عمليات الإيتسيل أيّد جابوتنسكي البريطانيين. بينما أيّد يائير خطّا معاكسا. كان يعتقد أنّ البريطانيين هم عدوّنا، وأنّ عدوّ العدوّ هو صديق. وفرت الحرب في رأيه فرصة لطرد البريطانيين. كان أدولف هتلر معاد للسامية، ولكنه بات حليفا محتملا.

أنشأ نهج يائير انقساما في الإيتسيل. اندلع جدال عاصف في كل وحدات الإيتسيل. كنتُ حينذاك في السادسة عشرة، وكعضو في الإيتسيل شاركت في ذلك الجدل المحتدم. كمهاجر من ألمانيا النازية عارضت، بالطبع، نهج يائير.

أقام يائير تنظيما خاصا به، وسمّي لاحقا "ليحي" (وعلى لسان البريطانيين "عصابة شتيرن"). لقد أرسل مبعوثا إلى تركيا، التي كانت حينذاك محايدة، ونقل ذلك المبعوث إلى السفير الألماني رسالة إلى "السيّد هتلر"، عرض فيها التعاون. لم يرد هتلر، بطبيعة الحال. (حدث كل ذلك قبل الهولوكوست).

قبض البريطانيون على يائير وقتلوه "عندما كان يحاول الهرب". بعد انتهاء الحرب، عندما أصبح الاتحاد السوفييتي عدوّا بريطانيا جديدا، استمر ورثة يائير في اتباع الخط ذاته في الظروف الجديدة. لقد توجّهوا وطلبوا التعاون من الاتحاد السوفييتي. ولكن تجاهل ستالين الاقتراح.

كان أحد مهندسي الهولوكوست هو أدولف آيخمان، ضابط الإس إس الذي كان مسؤولا عن إرسال يهود هنغاريا إلى أوشفيتز. لقد أقام في بودابست تواصلا مع مجموعة من الصهاينة، بقيادة يسرائيل كستنر، وعرض عليه صفقة. وكدليل على حسن النية فقد سمح لكستنر أن يرسل بضع مئات من اليهود في قطار خاص إلى السويد.

في الوقت ذاته أرسل آيخمان أحد أعضاء الفرقة الصهيونية، يوئيل براند، إلى إسطنبول المحايدة، وفرض عليه مهمة جنونية: أن يتواصل مع القيادة الصهيونية في القدس، وأن يعرض عليها صفقة: إذا أرسل الحلفاء إلى ألمانيا (وسط الحرب!) عددا كبيرا من الشاحنات، سيتم إيقاف إرسال يهود هنغاريا إلى أوشفيتز.

بخلاف الأوامر التي تلقاها من آيخمان، اجتاز براند الحدود إلى سوريا، التي كان البريطانيون يقيمون فيها، فسُجنوه. استمر إرسال اليهود إلى معسكر الموت - عشرات الآلاف - يوميا.

ماذا كان هدف النازيين الذين اقترحوا هذا الاقتراح الغريب؟ أعتقدُ أن هاينريخ هيملر، رئيس الإس إس، درس مسبقا حينها فكرة طرد هتلر والسيطرة على الحكم بدلا منه. كانت خطّته صنع السلام على حدة مع الحلفاء الغربيين، ومتابعة الحرب ضدّ السوفييت. كمعاد واضح للسامية كان هيملر يعتقد أنّ اليهود يسيطرون على العالم.

بعد الحرب، عندما انتظر آيخمان محاكمته في إسرائيل، كتب أنّ "الصهاينة هم الأساس البيولوجي الإيجابي" في العرق اليهودي.

(بالمناسبة، عندما كان أبو مازن طالبا في جامعة موسكو، تناولت رسالته الدكتوراه التعاون بين النازيين والصهاينة).

هل يمكن أن تتضمن دائرة مساعدي دونالد ترامب، جنبا إلى جنب، أشخاصا صهاينة متطرّفين بالإضافة إلى أشخاص ذوي آراء متطرّفة معادية للسامية؟

بالتأكيد نعم.

هذا الأسبوع أدان وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، الخطة الفرنسية لعقد مؤتمر في باريس من أجل السلام الإسرائيلي - الفلسطيني. تخاف الحكومة الإسرائيلية أن يقدّم وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، في ذلك المؤتمر، برنامجا مفصّلا لاتفاقية السلام، يتضمّن إقامة دولة فلسطين المستقلّة. من شأن ذلك البرنامج أن يحظى بموافقة، وبعد ذلك يوافق عليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أيضا.

وفقا للمخاوف، ستكون تلك طلقة الوداع للرئيس أوباما. لن يكون هناك فيتو في الأمم المتحدة.

(بالمناسبة، يشبه برنامج كيري بشكل عجيب برنامج السلام الذي وضعناه أنا وزملائي قبل 59 عاما، عام 1957، والذي سمّي "البيان العبري").

ليبرمان غاضب. لقد قارن هذا البرنامج بمحاكمة دريفوس، النقيب اليهودي في الجيش الفرنسي الذي أدين قبل نحو 120 عاما بالتجسس لصالح ألمانيا. لقد أرسِل إلى جزيرة الشيطان مقابل سواحل غويانا الفرنسية. وفي النهاية تمت تبرئته. كان هرتسل آنذاك يعمل ككاتب في صحيفة نمساوية في باريس، ووفقا للقصة الصهيونية فقد صُدم إلى درجة أنّه في أعقاب قضية دريفوس فكر في الفكرة الصهيونية.

يدّعي ليبرمان الآن أنّ مؤتمر باريس القريب ليس سوى طبعة ثانية من محاكمة دريفوس، وهذه المرة ضدّ الشعب اليهودي.

ولكن لا حاجة للقلق. سيعيد دونالد ترامب ومجموعة المعادين للسامية الصهاينة التابعة له الأمور إلى نصابها.