اوري افنيري 

ثلاث نساء / أوري أفنيري


هذا إعلان عن الحبّ. في الواقع، ثلاث حالات حبّ.

أحبّ أحينوعام نيني. أحبّها من بعيد. لم نلتق أبدًا.

أحبّها بسبب ما قامت به قبل أسابيع قليلة.

منحتها سلطة الكتّاب والملّحنين (أكوم) جائزة "مصنع الحياة". رغم أنّها في سنّ الثالثة والأربعين فقط، فهي تستحقّ الجائزة. إنّها مطربة رائعة.

قامت نيني بشيء ليس عاديًّا بالمرّة. لقد رفضت قبول الجائزة.

والسبب وراء ذلك: مطرب آخر، أريئيل زيلبر، الذي كان من المفترض أن يحظى بالجائزة معها.

تعتبر نيني يسارية كبيرة. وزيلبر هو يميني كبير. هل هذا هو السبب لرفض قبول الجائزة؟

صرخات الإدانة جاءت من جميع الجهات. كيف يجرؤون على ذلك؟ أين حرية التعبير؟ ماذا عن حرية الفنّ؟

أدانها رجال اليمين بصوتٍ مرتفع. وانضمّ إليهم الكثير من اليساريّين الصالحين. صحيح، هم قالوا أنّ زيلبر رجل يميني، ولكن الديمقراطية تتطلّب الحفاظ على حرية التعبير للجميع، حتى - بشكل أساسيّ - على من يعبّرون عن آراء فاحشة.

أحضروا حتى فولتير الكبير الذي قال: "أنا أعارض ما تقوله، ولكنّني سأدافع حتّى الموت عن حقّ في أن تقوله"!

فما الذي قاله زيلبر، والذي أدّى بنيني أن ترفض الوقوف معه على مسرح واحد؟

بدايةً، فقد عبّر عن كراهية عميقة جدّا للمثليّين جنسيًّا. "أن تكون مثليًّا فهذا يعتبر انحرافًا"، هكذا أعلن، وطالب بمقاطعتهم.

وليس هم فقط. "ليس لدى العلمانيين ما يقدمونه، سوى الإصابة بمرض الإيدز والنظر إلى النساء العاريات. أمر مقزّز!"

المثليّون والعلمانيّون ليسوا المكروهين الوحيدين. اليساريّون أسوأ منهم. "يجب طرد جميع اليساريّين وإرسالهم إلى جهنّم. إنّهم عماليق!" كلّ يهودي يعلم بأنّ الله أمر بني إسرائيل بقتل جميع العماليق، إلى أن ينمحي ذكر العماليق من العالم. تولّى النبيّ صموئيل المملكة بعد الملك شاول لأنّه لم يقتل كلّ الأسرى العماليق، الرجال، النساء والأطفال.

ولكن هذا فقط جزء من تصورات زيلبر، فهو يطالب كذلك بإطلاق سراح يغئال عمير فورًا، وهو قاتل إسحاق رابين. وقد أثنى زيلبر على باروخ جولدشتاين، الذي قتل 29 مسلمًا أثناء تأديتهم الصلاة في الحرم الإبراهيمي.

ويعرب عن تعاطفه مع عصابة "تدفيع الثمن"، والتي تفرض الإرهاب على سكان القرى الفلسطينية. حسب أقواله، فإنّ هؤلاء السفّاحين يفعلون الشيء الصحيح لأنّ "العرب لا يساوون شيئًا. إنّهم لا يحسنون عمل شيء سوى القتل".

وقد وصل زيلبر إلى الذروة في تصريحه: "كان كاهنًا صدّيقًا"! وكانت المحكمة العليا قد عرّفت مئير كاهنا على أنّه فاشيّ وأخرجت حركته "كاخ" خارج القانون. كتب زيلبر قصيدة إلى نبيّ الكراهية.

هل يحقّ لشخص كهذا أن يتمتّع بحماية "حرية التعبير"؟ يدين اليهود في كل العالم الحكومة الفرنسية، لأنّها تمنح حرية التعبير للنازيّ الجديد المثير للاشمئزاز ديودونا مبالا - مبالا، الديماغوجي المعادي للسامية، والذي اخترع التحية النازية المقلوبة التي تسمى "بيت الكلب". ولكن هذا الديماغوجي يعتبر معتدلا مقارنة بزيلبر.

هل كان على نيني أن تظهر سويًّا مع هذا النازي الجديد؟ (بالمناسبة، فإنّ ترجمة اسمه هي نتنياهو). وإنْ كانت تعيش وقتها في جمهورية الفايمار الألمانية، هل كان عليها أن تظهر على خشبة المسرح مع مهرّج يدعى أدولف هتلر؟ وهل كان الديمقراطيّون الصالحون عندنا سيدينونها على الرفض؟

حسنًا، أنا معجب بأحينوعام نيني. لقد قامت بعمل شجاع من التضحية بالنفس. لقد قدّمت تضحية كبيرة. سيقاطعونها رجال اليمين. لن يدعونها للمهرجانات التي يخشى منظموها من أن تلغي الحكومة مخصّصاتهم.

قبل 45 عامًا، بعد اندلاع الانتفاضة الأولى، أقيمت مظاهرة كبيرة من أجل السلام في ميدان "ملوك إسرائيل" في تل أبيب، الذي يسمى اليوم "ميدان رابين". تقريبًا معظم الفنّانين الكبار قدّموا عروضًا فيه يومذاك. وقد تنافس المطربون فعلا على حقّ الغناء به.

مرّت تلك الأيام منذ زمن. وأيضًا، يخشى الفنانون اليساريّون المشهورون اليوم من التعبير عن آرائهم السياسية. لا سمح الله. فعل كهذا، قد يشكّل خطرًا على أرزاقهم.

من أين أتت شجاعة القلب لنيني لتقوم وترفض؟ كلا أبويها يمنيّ الأصل، كأم زيلبر، بركة تسفيرا، والتي كانت فنانة شهيرة أيّام شبابي. بشكل عام، فإن القادمين من اليمن، كاليهود الشرقيين الآخرين، يميلون نحو اليمين.

حلّ اللغز بسيط: ترعرعت نيني في الولايات المتحدة، حيث عمل والدها. زرع التعليم في المدارس اليهودية بالولايات المتحدة في سنوات السبعينات والثمانينات قيّمًا معيّنة، افتقر إليها التعليم الإسرائيلي منذ زمن.

أنا أحبّ نيني.

أحب عنات كام.

كانت عنات جندية. وفرت لها وظيفتها إمكانية الوصول إلى وثائق سرّية. قامت بنسخ 2000 منها، والتي تضمّنت أدلّة على جرائم حرب قام بها جنود الجيش الإسرائيلي، وأعطتها لمراسل "هآرتس". قامت الصحيفة بنشر تقرير سرّي حول هذا النوع من الجرائم. اكتشف محقّقو الجيش المصدر.

بعد ما نحو عامين من الحبس المنزلي، أدينت عنات بعقاب السجن الطويل. وبعد الاستئناف تمّ تخفيض الحكم إلى أربع سنوات. في الأسبوع الأخير، بعد عامين وشهرين في السجن، تم الإفراج عنها تحت التحفظ. بعد مرور عدّة أيام، في مقابلة صحفية، كشفت عن مزاجها الحاليّ.

إنها مادة ممتازة للقراءة. عنات شابّة ذكية، صاحبة نظرة ثاقبة. تصف تجربتها في السجن بصورة حيّة وساحرة. ويبدو أنّ سلطات السجون عاملوها بشكل إنساني نسبيًّا. قبل دخولها للسجن، خشيت من أن يضربوها أو يغتصبوها. هذا لم يحدث. السجينات الأخريات، معظمهنّ وطنيّات أكثر بدائيّة، لم يتطرّقوا إطلاقًا إلى الأعمال التي وصلت من أجلها للسجن، والتي كنّ يظنّن أنّها بالتأكيد أعمال خيانة. تصادق معظمهنّ معها. النساء اللواتي قتلن أطفالهنّ أو عشاقهنّ طلبنَ منها المساعدة في كتابة الالتماسات. يبدو أنّ عنات شابّة لديها الكثير من التعاطف.

تتحدّث بمرارة عن "هآرتس" وعن الصحفي، والتي تعتقد أنّهما خاناها بدافع الخوف. يمكن أيضًا الحديث بمرارة عن معسكر السلام الإسرائيلي، والذي خاف هو أيضًا لدرجة أنّه لم يرفع أحدٌ صوته تقريبًا من أجل الدفاع عن أفعالها الشجاعة.

أحزنني ندمها. فقد صرّحت في المقابلة أنّها تتأسف على أفعالها.

يبدو لي أنّها لا تعتذر على الثمن الغالي الذي دفعته. في سنّ 28، عليها الآن أن تبدأ حياتها من جديد، حيث التصقت بها تسمية "خائنة". أربع سنوات ثمينة سُلبت من حياتها. إنّها ترفض الهجرة. "لماذا أهاجر؟ هذا بيتي!"

الأمر الذي يجعلها نادمة على أفعالها هو الاعتقاد بأنّ كلّ شيء كان دون جدوى. بدا لها بخلاف زملائها الأمريكيين، إدوارد سنودن وتشلسي منينج، اللذين غيّرا العالم، أنّ أفعالها لم تثمر. هم لم يغيّرا شيئًا.

أودّ أن أشارك هذا الاعتقاد. فهو ليس صحيحًا. مثل هذه الأعمال الأخلاقية، التي يقوم بها أشخاص شجعان، لن تذهب سدى أبدا. ستكون نموذجًا. ستشجّع الآخرين. ستزرع البذور. كما يتكوّن البحر من قطرات كثيرة، فهكذا تحدث التغيّرات التاريخية على يد الكثير والكثير من الأعمال الصغيرة كهذه.

أنا أحبّ دافني ليف.

هي مثل عنات، في سنّ 28. لقد جُنّت من غلاء إيجار الشقق وأقامت خيّمة صغيرة في شارع روتشيلد للعيش فيها. نما الاحتجاج بشكل عفويّ، وبلغت ذروته 400 ألف شخص في مظاهرة ليست مسبوقة.

لقد أثّرت الاحتجاجات على الانتخابات. اعتمد يائير لبيد، الذي لم يقم بشيء من أجل الاحتجاجات، شعاراتها وفاز في الانتخابات بفوز كبير. تم انتخاب اثنين من شركاء دافني. ولكنّ دافني نفسها توارت عن الأضواء.

لم أتحدّث معها مطلقًا، سوى بضع كلمات في إحدى المظاهرات. كنت قد انتقدتها بسبب قرارها في تجاهل المشاكل الوطنية المصيرية، كالاحتلال، والتركيز على أسعار السكن والجبنة.

ظهرت دافني هذا الأسبوع من جديد، على مقعد المتّهمين في المحكمة. رغم أنّ جميع الاحتجاجات كانت دون عنف بالمطلق، فقد نشب في إحداها شجار. ضرب رجال الشرطة دافني، وأصيبت في يدها. ولكن، كالعادة، اتّهمت الشرطة دافني بالاعتداء على رجل الشرطة وبالأخلال بالنظام العام.

ألقى القاضي لائحة الاتهام في القمامة.

أحبّ هؤلاء النساء الثلاث، لأنّهنّ يُظهرن لنا بأنّه يوجد في إسرائيل شبّان وشابّات يعملون بموجب الضمير.

إنّهم يجعلوننا نفخر بإسرائيل.

كلّما كان لدينا شبّان وشابّات كهؤلاء، الذين هم على استعداد للدفاع عن الديمقراطية، السلام والعدالة، وعلى استعداد للمخاطرة والتضحية الشخصية؛ فهناك مستقبل لإسرائيل.

في رأيي، هم إسرائيل الحقيقية.