اوري افنيري 

إذن، من هو صاحب البيت هنا؟ / أوري أفنيري


في اليوم الأول للحكومة الجديدة تبدد الدخان: ستكون هذه حكومة ليبرمان.

بدأ اليوم بمراسيم احتفالية في بيت الرئيس. كل المجموعة المنتفخة – 30 وزيرا و 8 نواب وزراء – وقفت بأجل ما لديها من حُلل للالتقاط صورة جماعية. قرأ نتنياهو خطابا لا إلهام فيه، وكان يحتوي على الجمل التي تكرر ذاتها لتهدئة العالم: الحكومة ملتزمة بالسلام، إنها مستعدة لإدارة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وكذا وكذا وكذا...

أسرع ليبرمان من هناك إلى وزارة الخارجية مباشرة، إلى المراسيم الاحتفالية التقليدية لتبادل الوزراء. هو أيضا ألقى خطابا – ولكنه لم يكن خطابا اعتياديا أبدا.

"من يريد السلام، يجب أن يستعد للحرب"، أعلن وزير الخارجية الجديد. حين يقوم دبلوماسي باقتباس مثل هذه المقولة الرومانية (" سي فسي فاكم، بارا بلوم" – إذا رغبت بالسلام حضر للحرب) فإن العالم لا ينتبه إلى الجزء الأول، بل إلى الثاني فقط. إن لهذه المقولة حين تصدر من فم ليبرمان وقعا مهددا واضحا: ستسلك الحكومة الجديدة طريق الحرب، وليس طريق السلام.

لقد محا ليبرمان بهذه المقولة أقوال نتنياهو، وخلق عنوانا في وسائل الإعلام العالمية. لقد صادق على أكبر المخاوف التي نشأت منذ إقامة الحكومة الجديدة.

إنه لم يكتف بالحكمة الرومانية، بل فسر وعلّل استخدامها. قال أن التنازلات لا تقرب السلام، بل على العكس. لقد احترم العالم وقدر إسرائيل فقط حين انتصرت في حرب الأيام الستة.

أكذوبتان دفعة واحدة. إرجاع الأراضي المحتلة ليس "تنازلا"، كما أن السارق لا "يتنازل" حين يضطر على إرجاع المسروقات، ومن يسطو على منزل لا "يتنازل" حين يخرج منه. لقد نبع التأييد لإسرائيل عام 1967 من إيمان العالم بأن إسرائيل الصغيرة والشجاعة قد انتصرت على جيوش كبيرة قامت عليها لتبيدها. لقد طوى النسيان هذه الصورة منذ وقت بعيد. أصبحت إسرائيل الآن، بأعين العالم، جليات الجبار، وأما الفلسطينيون الذين احتلت أرضهم فهم داود، حامل المقلاع والمدافع عن حياته.

لقد نجح ليبرمان في خطابه بهز العالم كله، ولكنه بالأساس قد حقّر نتنياهو. لقد كشف عن أن إعلان السلام من قبل رئيس الحكومة الجديد هو حقا كلام فارغ.

وماذا غير ذلك؟ العالم يريد (كما كتبت في الأسبوع الماضي)، العالم يريد أن يكون مغشوشا. أسرع المتحدث باسم البيت الأبيض بالإعلان عن أنه من ناحية الإدارة الأمريكية فإن ما يقرر هو الكذا والكذا والكذا الذي تفوه به نتنياهو وليس الأمور الصادقة التي تفوه بها ليبرمان. وأما هليري كلينتون فلم تخجل من الاتصال بليبرمان وتهنئته على دخوله إلى منصبه.

كان هذا اختبار القوة الأول في مثلث نتنياهو- ليبرمان - براك. لقد أبدى ليبرمان استهزاء بنتنياهو وبراك.

توجد لذلك ركيزة سياسية متينة، لأن بإمكانه أن يسقط هذه الحكومة في أية لحظة. في التصويت على المصادقة على الحكومة، صوت إلى جانبها 69 عضوا فقط. حتى إذا ضممنا إليهم أصوات أعضاء حزب العمل الخمسة الذين "لم يشاركوا في التصويت" (درجة واحدة أقل من درجة "الامتناع") فسيكون المجموع 74 صوتا. من دون الـ 15 صوتا التابعة لليبرمان، لا توجد لهذه الحكومة أغلبية.

لقد أتى خطابه ليعبر عن هذا الواقع. لقد قال لنتنياهو: إذا كنت تنوي أن تقفل لي فمي، فعليك أن تنسى ذلك. ما فعله من الناحية الفعلية أنه أسند مسدسا لرأس نتنياهو- ويمكن لذلك أن يكون، في هذه الحال، مسدس بارابلوم ألماني (وقد أسند له اسمه من ذلك المثل الروماني).

لقد تم الكشف عن وقاحة ليبرمان كلها بعد ساعة واحدة فقط. من الاحتفال في وزارة الخارجية، أسرع إلى احتفال تبادل الوزراء، وفي هذه المرة في وزارة الأمن الداخلي (التي كانت تدعى في الماضي وزارة الشرطة).

ماذا كان لديه ليفعله هناك؟ لا شيء. من غير المعمول به أن يشارك وزير مسؤول عن إحدى الوزارات في احتفال تبادل الوزراء في وزارة أخرى. إن حقيقة كون الوزير الجديد للأمن الداخلي، يتسحاك أهرونوفيتش، ينتمي إلى حزب ليبرمان هي حقيقة لا صلة لها. ثمة حقيقة أخرى وهي أن ليبرمان لم يشارك في احتفال تبادل الوزراء في وزارة الاستيعاب التي فاز بها حزبه أيضا.

لقد تم حل اللغز بعد يوم من ذلك. لقد قضى وزير الخارجية الجديد هذا اليوم في منشأة التحقيقات التابعة للشرطة. طيلة سبع ساعات تم التحقيق معه بالاشتباه بأنه هو من قاد فضيحة كبيرة من الرشوة وتبيض الأموال، وأن أموالا طائلة قد وصلت إليه من الخارج بواسطة شركة يُزعم أنها تعود إلى ابنته البالغة من العمر 23 عاما.

وهذا يشرح حضوره الاحتفال الشرطي. لقد تم التقاط الصور له هناك وهو يقف إلى جانب رؤساء قسم التحقيقات. يصعب شرح ظهوره هناك إلا كتهديد واضح، سافر ولا خجل فيه على من كان عليهم أن يحققوا معه غداة ذلك اليوم.

بحضوره الحفل كان قد أعلن: أنا هو الرجل الذي عيّن الوزير، المسؤول الآن عن المستقبل المهني لكل واحد منكم - سواء لتقدمه أو لإقالته. وقد أرسل الرسالة ذاتها أيضا إلى قضاة إسرائيل: أن الذي عينت وزير العدل الجديد، وأنا الذي سأحسم فيما يتعلق بتقدم كل واحد منكم.

هذا يذكرني بحفل دبلوماسي أقامته السفارة المصرية وقد كنت قد شاركت فيه قبل 10 سنوات بالضبط. وجدت هناك معظم أعضاء الحكومة الجديدة التي أقيمت لتوّها من قبل إيهود براك، وجميعهم كانوا مكتئبين.

ما فعله براك في ذلك الحين وصل إلى حد السادية. لقد عين كل وزير في أقل منصب يناسبه. لقد عين شلومو بن عامي، وهو بروفسور مراع لمشاعر الآخرين ودمث، وزيرا للأمن الداخلي (حيث فشل فيه بن عامي فشلا ذريعا في أحداث أكتوبر 2000). أما يوسي بيلين، الدبلوماسي ذو الدماغ المبدع والذي كان مرشحا طبيعيا هو إيضا لمنصب وزير الخارجية، فقد عينه وزيرا للعدل. وهكذا دواليك. كانوا يسكبون كل المرارة التي في قلوبهم على براك في إطار الأحاديث الشخصية.

لقد تفوق نتنياهو على براك في هذه المرة. إن تعيينه لليبرمان وزيرا للخارجية يصل إلى حدود الجنون. إن تعيين يوفال شطاينيتس، بروفسور في الفلسفة وصديق سارة نتنياهو، وزيرا للمالية في خضم الأزمة الاقتصادية العالمية والإسرائيلية، يجتاز حدود اللا معقول. تعيين سلفان شالوم، رقم 2 في الليكود، لوظيفتين صغيرتين، أنشأ له عدوا لدودا. إن خلق سلسلة جديدة من الوزارات الجديدة والخالية من المضمون، قد حول الحكومة إلى نكتة في أعين الجمهور ("وزير للبريد الوارد ووزير للبريد الصادر").

ولكن الحكومة ليست نكتة. وليبرمان ليس نكتة. إنه بعيد كل البعد عن ذلك.

منذ اليوم الأول حدد أنه – هو وليس نتنياهو أو براك – الذي يحدد أسلوب الحكومة الجديدة، سواء بسب قوته السياسية، أو بسبب حضوره الشخصي المكثف، أو بسبب طبيعته الاستفزازية.

إنه سيقيم هذه الحكومة طيلة الوقت الملائم له، وعندها سيسقطها آملا في أن يفوز بالانتخابات القادمة وأن يسيطر على الدولة.

الخشونة وخشونة الأسلوب والقوة البشعة هم أيضا طبيعيون ومحسوبون. إنها تأتي لتدب الرعب، لتكتسب قلوب الشخصيات الرجعية جدا في المجتمع، أن تستقطب الانتباه، أن تمنحه تغطية إعلامية. كل هذه معروفة من بلاد أخرى ومن أنظمة حكم أخرى. ليس صدفة أن وزير الخارجية الإيطالي كان أول المهنئين، الذي كان فيما مضى فاشيا معلنا.

لقد اقتبست هذا الأسبوع مرارا وتكرارا أقوال قالها ليبرمان في الماضي. لقد اقترح بشكل علني تفجير سد أسوان الهائل، الأمر الذي سيؤدي إلى تسونامي مرعب وغرق ملايين المصريين. في مرة أخرى اقترح في الحكومة تقديم تحذير للفلسطينيين: في الساعة الثامنة صباحا سنقصف المراكز التجارية الفلسطينية، في الظهر سنقصف محطات الوقود، وفي الثانية بعد الظهر سنقصف البنوك، وهكذا دواليك.

لقد دعا ذات مرة إلى إغراق آلاف الأسرى الفلسطينيين، وحتى أنه اقترح تزويد الحافلات لإحضارهم إلى البحر. في مرة أخرى اقترح طرد 90% من الـ 1.2 مليون من المواطنين العرب في إسرائيل. منذ مدة وجيزة قال عن الرئيس المصري، حسني مبارك، وهو أحد أهم حلفاء إسرائيل، "ليذهب إلى الجحيم".

لقد دمج في برنامجه الحزبي، في المعركة الانتخابية، انتزاع الجنسية الإسرائيلية من كل مواطن عربي لا يثبت بأنه مخلص للدولة. هذا كان أيضا شعاره الأساسي. هذا يذكر ببرامج لأحزاب معينة في التاريخ.

كل هذه الأمور تنضم على العدائية المعلنة ضد "النخبة" الإسرائيلية وضد أي شيء يذكر بمؤسسي الدولة.

هناك من يدعي، بالمقابل، أن ليبرمان ليس ظاهرة جديدة، وأنه يمثل مزايا كانت قائمة دائما في إسرائيل، ولكنها كانت خفية تحت غطاء سميك من المداهنة والنفاق.

ما هو حله للنزاع التاريخي؟ لقد تحدث في الماضي عن نظام كنتونات للفلسطينيين. إنهم سيعيشون في بعض القطاعات في الضفة والقطاع، على أن تكون معزولة أحدها عن الأخرى وتابعة للسلطة الإسرائيلية. ليس دولة فلسطينية، بالطبع، ومن دون القدس الشرقية أيضا. لقد اقترح أيضا أن يضم إلى هذه الكنتونات بعض المناطق من إسرائيل التي يسكن فيها سكان عرب مكتظين، من خلال انتزاع الجنسية الإسرائيلية من السكان.

هذا غير بعيد عن أفكار أريئيل شارون، ولا عن أفكار نتنياهو، الذي يعلن بأن الفلسطينيين "سيحكمون أنفسهم" - من دون دولة بالطبع، من دون عملة، من دون سيطرة على المعابر الحدودية ومن دون موانئ جوية وبحرية.

لقد أعلن ليبيرمان، في الاحتفال في وزارة الخارجية، أن اتفاقية أنابوليس غير سارية المفعول، التي تم إملاؤها من قبل الرئيس جورج بوش، بل "خارطة الطريق" فقط. أسرع الناطقون بلسان وزارة الخارجية يشرحون للعالم أن "خارطة الطريق" تتحدث هي أيضا عن "دولتين". لقد نسوا أن يذكروا على مسامع الجمهور العالمي أن حكومة إسرائيل قد "قبلت" خارطة الطريق ضمن 14 تحفظا، أفرغتها من أي مضمون. من بين هذه الأمور: على الفلسطينيين "القضاء على بنى الإرهاب التحتية" (ما هذا؟ من الذي يقرر؟) قبل أن تخطو إسرائيل أية خطوة كانت، مثل تجميد المستوطنات.

(هذا يذكرنا بالرجل الثري الذي كتب وصيته، حيث وزع فيها ممتلكاته بيد سخية بين أقربائه وأصدقائه. كان البند الأخير في الوصية ينص على ما يلي: "إذا مت، فإن هذه الوصية تكون لاغية".)

بالنسبة للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، فإن الجدال بين إيهود أولمرت وتسيبي ليفنه وبين نتنياهو وليبرمان هو على التكتيك، وليس على الإستراتيجية. إستراتيجية جميعهم هي منع إقامة دولة فلسطينية طبيعية، حرة وقابلة للبقاء. لقد أيدت تسيبي ليفنه حتى الآن إستراتيجية إدارة المفاوضات اللا نهائية، المفعمة بالإعلانات عن السلام و "الدولتين القوميتين". لم يسخر منها نتنياهو هكذا دون سبب: كانت لديكم بضع سنوات للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. إذن، لماذا لم تتوصلوا؟

الجدال هو ليس على السلام، بل على "عملية السلام".

ولكن في هذه الأثناء بدأت تسيبي ليفنه تعتاد على وظيفتها الجديدة كرئيسة للمعارضة. خطاباتها الأولى شديدة اللهجة وهجومية. قريبا سنعرف إذا كانت ستعبئ وظيفتها بالمضامين، ومن كثرت الحديث عن السلام ستقنع نفسها، وتقيم بديلا سياسيا حقيقيا لليبرمان والليبرمانيا.