اوري افنيري 

أسطورة / أوري أفنيري


طلبت مني مؤخرا، الشركة الألمانية لإحياء ذكرى الشاعرة الألمانية-اليهودية-الإسرائيلية إلزا لسقر- شيلر،أن أصف كيف سيبدو السلام، عند حلوله. بمناسبة يوم الغفران، يخطر لي أن أنشر هذا الوصف، بدل مقالتي الأسبوعية الاعتيادية.

أسطورة

إن أرادتم فهذه ليست بأسطورة !" بنيامين زئيف هرتسل

ألا تريدون؟ لا داعي!" رسومات جدارية تحمل صور هرتسل في شوارع تل أبيب

10 أيلول 2015.

هذا ما حدث.

على منصة مزيّنة بأعلام إسرائيل وفلسطين، تم إبرام معاهدة السلام بين إسرائيل وفلسطين في مناسبة احتفالية.

لم تستغرق المحادثات وقتا طويلا. العناصر الرئيسية في الاتفاقية كانت معروفة منذ زمن طويل. لم تظهر مفاجئات حقيقية في الوثيقة.

لقد تمت الموافقة على الاعتراف بدولة فلسطين، من قبل إسرائيل. ارتكزت الحدود بين الدولتين على الخط الأخضر (الحدود التي كانت قائمة منذ 04.06.1967 )، ولكن الطرفان وافقا على تبادل محدود للأراضي. حوالي 5% من الضفة الغربية، وبما فيها بعض "الكتل الاستيطانية"،تم ضمها إلى إسرائيل، مقابل أراض إسرائيلية متساوية المساحة، على امتداد قطاع غزه، وفي أماكن أخرى. لقد عبر الطرفان عن أمنيتهما في أن تكون الحدود بينهم مفتوحة أمام تنقل الأفراد ونقل البضائع.

لقد تم ضم الأحياء العربية في القدس إلى الدولة الفلسطينية، بما في ذلك، الحرم القدسي الشريف. أما الأحياء اليهودية وحائط المبكى قد بقيت في إسرائيل. بقي جزءا القدس موحدين تحت نفوذ سلطة محلية، وفيها تمثيل متساو للطرفين.

قد وافقت إسرائيل على إخلاء جميع المستوطنات من الأراضي الفلسطينية.

تم إيجاد حل معقد لقضية اللاجئين. تمت إقامة"لجنة المصالحة وتقصي الحقائق" للتحقيق في أحداث عام 1948 وعام 1967 التي أدت إلى تهجير اللاجئين. وافق الطرفان مسبقا، على قبول استنتاجاتها. تقرر أن تتألف اللجنة من مؤرخين مشهورين، إسرائيليين، فلسطينيين ودوليين.

كانت إسرائيل قد اعترفت بحق العودة، ولكن اتفق الطرفان على عدد محدود من اللاجئين فقط، على أن يكون متفقا عليه من قبل الطرفين، حيث يمكنهم العودة إلى إسرائيل، أما الباقون فسيتم تعويضهم وإعادة تأهيلهم في دولة فلسطين أو أماكن أخرى، وفق رغبتهم، ويتم هذا بمساعدة دولية.

تمت إقامة لجنة لمراقبة التقسيم العادل لموارد المياه، وعلى الأخص إقامة مشاريع كبيرة لتحلية مياه البحر، عن طريق المساعدة الدولية، بما فيه مصلحة الطرفين.

بعد أن تصافح الرئيسان الإسرائيلي والفلسطيني، وقف الحضور دقيقة صمت لذكرى قتلى الصراع على مرور الأجيال.

صرح سكرتير الجامعة العربية أن الاتفاقية تطابق مبادرة السلام التي وضعتها الجامعة العربية في عام 2002 ، وصادق على أن تقيم جميع الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية، علاقات طبيعية مع إسرائيل.

سبقت هذا الحدث التاريخي تغييرات بعيدة المدى لدى الطرفين.

بعد انشقاق متواصل ومؤلم، نجح الرئيس الفلسطيني الجديد في توحيد الفصائل الفلسطينية المتخاصمة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية المجددة، وحكومة فلسطينية مؤقتة. بعد عدة مواجهات، عبرت حماس وفتح عن دعمهما للاتفاقية.

نجح زعيم إسرائيلي جديد ذو حضور، كان قد حظي بتأييد الجمهور الواسع، في أن يثير الرأي العام تجاه المخاطر المنوطة باستمرار حالة الحرب في المنطقة الممتلئة بالصواريخ وأسلحة الإبادة الشاملة. أحرز حزبه الجديد، الذي لم ينجح في استقطاب زعماء من الأحزاب القديمة والممقوتة فحسب، بل في استقطاب جيل الشباب الجديد بأكمله، الذين دخلوا إلى السياسة لإحلال التغيير، نصرا في الانتخابات بأغلبية ساحقة. لعبت حركة السلام، التي كانت في حالة ركود لفترة طويلة من الزمن، دورا هاما في الانقلاب.

لقد تنفس العالم بأكمله الصعداء، عند مصافحة الرئيسين الجديدين.

ولكن التوقيع على الوثيقة من قبل السياسيين، كان بمثابة بداية النزاع. وكما كان معروفا، كانت ستبدأ المواجهة الحاسمة بين الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين.

لقد تأهب المستوطنون وحلفاؤهم لهذا الاختبار طيلة سنوات. لقد تلقوا المساعدة في جمع الأسلحة والأموال من قبل الكثير من مؤيديهم في الجيش والوزارات الحكومية. كان الكثير منهم عاقد العزم على إثارة حرب أهلية، إذا اقتضت الحاجة.

ولكن عندما حلّ النزاع ، كان أقل دراماتيكية مما خشوا. باتفاق مع الفلسطينيين، مُنح المستوطنون سنة بمحض الإرادة للعودة إلى إسرائيل، والحصول على تعويضات سخية. بعد التردد في البداية، قَََََبل الاقتراح ما يقارب نصف المستوطنين، وتركوا الأراضي المحتلة. لقد انخفضت معنويات البقية انخفاضا مثيرا للدهشة، بعد أن أدركوا أن أغلبية الجمهور تمنح دعما قويا لاتفاقية السلام.

وفي النهاية حدثت نزاعات مسلحة قليلة فقط. عند الاختبار، نجحت الديموقراطية الإسرائيلية في هذا الاختبار. بقي الجيش الإسرائيلي مواليا للحكومة، على الرغم من الجهود المبذولة من قبل المستوطنين طوال السنين، في التغلغل داخل صفوف الضباط.

السهولة النسبية التي تغلبت فيها الحكومتان على المقاومة في دولتيهما، والتي كانت، في العديد من الحالات، عنيفة ومشبعة بالانفعالات، قد نبعت من الدعم الفاعل للمجتمع الدولي، أيضا.

لقد تساءل الكثير من المحللين، فيما إذا كانت اتفاقية السلام ممكنة أصلا، من دون تغيير جذري في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. بعد انتخابات عام 1212، أعلن الرئيس المنتخب أن المصلحة الوطنية الأمريكية تقتضي توجها معتدلا في هذه المنطقة ، بهدف التغلب على الكراهية تجاه الولايات المتحدة، السائدة بين أوساط ملايين المسلمين. لقد صرح قائلا " نحن ندعم إسرائيل وفلسطين أيضا، في جهودهما الشجاعة لتحقيق السلام" لم يجرؤ اللوبي الموالي لإسرائيل على معارضة ذلك، لأنه أدرك التغيير الجذري في الرأي العام الأمريكي، وتخوّف من رد فعل لا سامي.

وكما جرت العادة، حذت أوروبا حذو أمريكا.

لقد أدرك الجمهور الإسرائيلي، بسرعة فائقة، الفائدة العملية للسلام. المبادرات الإسرائيلية- العربية المشتركة قد اجتذبت إليها استثمارات غريبة كبيرة. في أعقاب اتفاقية السلام مع سوريا، التي سبقت الاتفاقية مع الفلسطينيين، كان في ذلك الحين مبادرون إسرائيليون ناشطون في عقد الصفقات في دمشق مع الاقتصادي السوري، الذي كان في مرحلة الانتعاش. على فكرة، سمح السوريون بمواصلة عمل صناعة النبيذ الإسرائيلي في هضبة الجولان . لقد تحقق الحلم القديم "تعال لنأكل الحُمص في دمشق". في الواقع، احتشد الإسرائيليون في أسواق دمشق القديمة والمشهورة، وأصبحت الرحلة إلى هناك مثيرة للمشاعر.

في حين كانت الفنادق في تل أبيب تعجّ برجال الأعمال العرب، للبحث عن مبادرات مشتركة، تدفق زملاؤهم الإسرائيليون إلى الرياض، بغداد، الدوحة ودُبي. لقد حازت نجاحاتهم على مكانة مرموقة في نشرات الأخبار التلفزيونية، وقاموا بتأجيل الأخبار عن المستوطنين الذين حاولوا تكرير سيناريوهات "الانفصال" عن غزة التي حدث قبل عشرة أعوام إلى نهاية النشرة الإخبارية.

بفضل انتمائهم الإسرائيلي والعربي، كان هناك طلب كبير على الوسطاء الفلسطينيين. المسرحون من السجون الإسرائيلية، الذين تحدثوا العبرية بطلاقة، تميزوا بشكل خاص في إنشاء العلاقات التجارية. كذلك الأمر بالنسبة للمواطنين العرب في إسرائيل، الذين أدركوا جيدا العمليات السياسية والاقتصادية الإسرائيلية. لقد أصبح مستوى حياتهم أشبه بمستوى حياة الشعب اليهودي، وكذلك نسبة الولادة، كما يحدث عادة عند تحسُن الوضع الاقتصادي.

وبهذه الأجواء، تمت عودة عدة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل بحد أدنى من العراقيل. ولأن الانطلاقة السريعة للاقتصاد الإسرائيلي قد استقطب يهودا كثيرين من خارج البلاد، ولم يكد يتغير "التوازن الديموغرافي".

لقد بدأ سياسيون واقتصاديون في كلا الطرفين ببلورة فكرة "الاتحاد الشرق أوسطي"- منظمة سياسية، اقتصادية وأمنية على غرار الاتحاد الأوروبي. تحدث الآخرون عن اتحاد بين إسرائيل وفلسطين والأردن، وربما يضم لبنان أيضا، التي أصبح حزب الله فيها حزبا سلطويا متينا.

لقد بقي الجيش الإسرائيلي هو الجهاز الأقوى للدفاع عن الدولة. وكما هي الحال في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، كذلك في إسرائيل، فإن الشباب ذوي المهارات العالية قد اتجهوا نحو مجالات الهاي-تك، العلوم والأعمال. لم يمض وقت طويل وبدأ النزاع يبدو أشبه بموضوع يتم تدريسه في المدارس، ويُذكر في مراسيم الذكرى.

لقد اتضح، في نهاية الأمر، أن السلام لا يُصنع بين الحكومات بل يُصنع بين الشعوب. لقد أكملت المصالح الاقتصادية، سطوع نجم الحلول بالطرق السلمية والعلاقات بين البشر، العملية التي بدأت بالتوقيع على اتفاقية السلام الرسمية.