اوري افنيري 

واليدان يدا إسماعيل / أوري أفنيري


من من هذين الرجلين هو قائد الدولة العظمى الأقوى في العالم، ومن هو رئيس دولة صغيرة متعلقة بها.

لو رأى غريب من كوكب آخر بث المؤتمر الصحفي في القدس، لم يكن من الصعب عليه أن يجيب: أولمرت هو رئيس الدولة العظمى، بوش هو خادمه.

كان أولمرت في مقام أعلى. لقد تكلم دون توقف، في حين كان بوش يصغي بصبر. بالرغم من أن كلام أولمرت كال لبوش أقوال المداهنة والمديح، التي من شأنها أن تُخجل قيصر بيزنطي، كان من الواضح أن أولمرت هو الذي يحدد السياسة، وبوش يتقبل الأمر الإسرائيلي بإذعان. والتملق الذي تفوه به بوش تجاه أولمرت لم يكن بأقل من تملق أولمرت تجاه بوش.

كلاهما، كما نعلم، أشخاص "شجعان". أشخاص "حازمون". كلاهما يملكان "النبوءة". كلمة "النبوءة"، التي أشارت في الماضي إلى كلام الأنبياء، لمعت قي كل جملة وأخرى. (لم يكن بإمكان بوش أن يعلم أنه منذ عشرات السنوات تحولت كلمة "نبوءة" في إسرائيل إلى لقب ساخر لخطابات فارغة من المضمون، ككلمة "الصهيونية").

ولكليهما ميزة مشتركة أخرى: لم تكن أي كلمة نطقا بها في المؤتمر الصحفي حقيقة.

إحدى الحلقات الدرامية الأكثر إثارة في التوراة تدور حول سيدنا العجوز والأعمى إسحاق، الذي طلب أن يبارك ابنه البكر والمحبوب، صياد ذو شعر أحمر وكثيف، ولكن أخاه التوأم، يعقوب، ساكن الخيام، استغل غياب إسماعيل وأتى إلى أبيه ليحظى بالبركة، وهو يلبس ملابس أخيه ويداه مغطاة بجلود كثيفة الشعر. كادت المكيدة أن تُكتشف حين لمس الأب يدي الابن ولكنه سمع صوته أيضا، وبدأت تساوره الشكوك.

فقال إسحاق الجملة المعروفة: "الصوت صوت يعقوب واليدان يدا إسماعيل."

وبالرغم من ذلك حظى المنتحل يعقوب بالبركة وأصبح أبا الأمة، التي تدعى على اسمه. إيهود أولمرت، كما يبدو، هو خليفته. لا توجد لديه علاقة بين الصوت واليدين.

من يستمع إليه – ليس في المؤتمر الصحفي مع بوش فحسب بل وفي أي مناسبة أخرى – يسمع كلام سلام ومنطق: يستحق الفلسطينيون دولة خاصة بهم. يجب على النبوءة أن تتحقق في الوقت الذي تولى به بوش منصب الرئيس، لأن بوش لم يكن صديقا مخلصا لإسرائيل يوما ولن يكون. يجب إسقاط المستوطنات، كما وعدنا دوما. يجب تجميد المستوطنات. وما إلى ذلك.

هذا هو صوت يعقوب. ولكن اليدين، ما العمل، إنهما يدا إسماعيل.

قبل أنابوليس، وقت أنابوليس، وبعد أنابوليس لن نفعل أي شيء من أجل أن نطور حل الدولتين. كادت المفاوضات أن تبدأ لتوها قبل سنة، ومن شأنها أن تبدأ لتوها الآن أيضا. نعم، يتحدثون عن "المسائل الجوهرية" – الحدود، القدس، اللاجئين. بالتأكيد. في كل لحظة.

ولكن يدي إسماعيل تعملان الآن دون توقف. تتسع المستوطنات في كل أنحاء البلاد بشكل سريع. يتواصل تواجد المستوطنات، تنبت بؤر استيطانية جديدة كل صباح، ومن حولها تدور رقصة جيدة الإخراج. نوع من الباليه يقوم به الجيش الإسرائيلي والمستوطنون: هؤلاء يقيمون مستوطنة، الجيش يخليهم، يعود المستوطنون ويعيدون إقامتها من جديد، الجيش يخلي، وهكذا دواليك، ولكن في هذا الوقت تنمو المستوطنات وتكبر. تقوم الحكومة بربطها بشبكات الكهرباء والماء ويشقون شارع للوصول إليها. والجيش الإسرائيلي – بالطبع – يحرسه ليلا ونهارا، فلا يمكن التخلي عن اليهود الصالحين وتركهم بين براثن الإرهاب الفلسطيني الشرير.

يعرف بوش هذا كله، ويواصل القول بأنه "يجب إخلاء المستوطنات". وهكذا يستمر الأمر: الصوت صوت يعقوب واليدان يدا إسماعيل.

ولكن لا يمكن خداع العالم بأسره، كما قال رئيس أمريكي كان أكثر ذكاء بقليل من وريثه الحالي.

وهكذا، بعد أن كرر أولمرت وبوش الحاجة إلى تفكيك البؤر الاستيطانية وتجميد المستوطنات، سأل أحد الصحافيين سؤالا ساذجا: كيف يتوافق هذا مع الإعلان عن بناء حي كبير جديد في هار-حوما؟

إذا اعتقد الصحفي أن هذا سيحرج أولمرت، فقد أخطأ. لا يمكن إحراج أولمرت. لقد حدد ببساطة أن التزامه لا يشمل القدس، ولا "التجمعات السكانية اليهودية" خلف الخط الأخضر أيضا.

"القددس" – منذ عهد ليفي إشكول – ليست البلدة القديمة ولا "الجرن المقدس". إنها المساحة المغلقة التي ضُمت إلى دولة إسرائيل بعد حرب الأيام الستة، من مدخل بيت لحم وحتى مشارف رام الله. في هذه المساحة تتواجد أيضا التلة التي كانت مكسوة بالأشجار والتي كان اسمها في الماضي جبل أبو غنيم، والتي تحولت الآن إلى حي هار-حوما. ولكن "التجمعات السكنية" هي كتل المستوطنات الضخمة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي قدمها الرئيس بوش هدية لأريئيل شارون.

أي: كل البناء الذي يتم تنفيذه الآن تقريبا عبر الخط الأخضر غير مشمول بالتزام إسرائيل بتجميد المستوطنات. وفي حين أن أولمرت أعلن ذلك على الملأ، وقف إلى جانبه الرئيس بوش، تبسم ابتسامة متكلفة وأمطر عليه وابلا آخر من المديح.

غداة ذلك اليوم زار بوش أبا مازن في رام الله، وهناك أخبر الفلسطينيين المذهولين أن مئات الحواجز الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي تحول حياتهم إلى جحيم، هي حاجة ضرورية لأمن إسرائيل، ولذلك يجب أن تبقى في أماكنها – إلى ما بعد قيام الدولة الفلسطينية الديمقراطية.

سارعت كوندوليسا رايس إلى تذكيره بهدوء بأن هذا ليس ذكيا، لأنه ينوي أن يزور عددا من الدول العربية المختلفة. لذلك سارع بوش إلى عقد مؤتمر في القدس، مؤتمر صحفي آخر، مرتجل، تحدث فيه عن "المسائل الجوهرية": تقام دولة فلسطينية "متواصلة جغرافيا"، ولكن حدود 1949 (الخط الأخضر) لن تعود. لم يتكلم عن القدس. إضافة إلى ذلك، سيتم حلل مشكلة اللاجئين من قبل صندوق دولي – أي، لن تكون هناك أي عودة أبدا.

كان هذا أقل من "خطة كلينتون" عام 2000، وأقل مما يستعد أغلب الإسرائيليون لتقديمه. كان هذا دعم بنسبة 110% للخط الإسرائيلي الرسمي.

بعد هذا شارك بوش بوجبة عشاء مع الوزراء الإسرائيليون الكبار، لقد صافح رافي إيتان بشكل ودي، الذي كان مُشغل جوناتان بولارد، الذي يرفض بوش أن يعفو عنه. (من المتوقع اعتقال إيتان في اللحظة التي ستطأ قدمه فيها أرض الولايات المتحدة). لقد تكلم بلطف مع أفيغدور ليبرمان، صاحب الأفكار التي تكاد تكون فاشية، وحثه على دعم أولمرت. أثناء العشاء تكلم من دون توقف، إلى أن أرسلت له كوندي بطاقة صغيرة واقترحت عليه بأن يلزم الصمت. بوش، الذي كان في مزاج مندفع، قرأ البطاقة بصوت مرتفع.

لطالما تذكرت اللافتة التي علقها البريطانيون في فلسطين إبان الحرب العالمية الثانية: "هل هذا السفر ضروري حقا؟"

وهذا هو السؤال الآن أيضا: هل هذه الرحلة التي يقوم بها بوش ضرورية حقا؟

والجواب هو: بالطبع. ضروري لبوش، ضروري لأولمرت، وضروري أيضا لأبي مازن.

لبوش، لأنه فرخ بط أعرج، في السنة الأخيرة من فترة نيابته، ولأنه كذلك فهو شبه مشلول. فسرعان ما تحول، في الولايات المتحدة ذاتها، إلى غير ملائم. لم تكن لزيارته في الشرق الأوسط أهمية كبيرة فقد كانت الأنظار موجهة نحو ضجيج الانتخابات المبكرة، التي تولد فيها كل يوم دراما جديدة. حين تتنازع هيلاري مع أوباما، والمراوغ بيل ينافس الجدة السوداء المثيرة للإعجاب، من يأبه هناك أين يتنزه أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة؟

يدرك أولمرت هذه الحالة جيدا. حين يقول أنه يجب استغلال السنة الأخيرة من تولي هذا الصديق النبيل منصب الرئاسة، إنه يقصد أن يقول: إنه لا يستطيع أن يمارس أي ضغط علينا، إنه لا يستطيع حتى أن "يدفعنا بلطافة" كما كان قد وعد. لا حاجة لأن نخلي، من أجله، حتى بيت متنقل واحدة. إذا فلننتفع منه بقطرة العصير الأخيرة قبل أن يتم رميه في نفايات التاريخ.

ولكن أولمرت بحاجة إلى وجود بوش إلى جانبه، لأن وضعه ليس أفضل من وضع بوش بكثير. إذا كان بوش مفلسا بشكل كبير، وقد تسبب بنشوب الحرب الأكثر فشلا في تاريخ الولايات المتحدة، فإن أولمرت قام بنفس الأمر بشكل مصغر: مفلس قد سبب حربا فاشلة.

ستنشر لجنة فينوغراد بعد أسبوعين استنتاجاتها النهائية، وكل الأمور تشير إلى أن حمولة تزن 16 طنا سوف تسقط فوق رأس أولمرت. إنه يأمل أن ينجو – وليس فقط لأنه ليس هناك أي بديل معقول، ولكنه يحتاج إلى أي مساعدة تقدم له – وأي مساعدة تكون أفضل من "قائد العالم الحر" الذي ينظر إليه بأعين مغرورقة بالدموع؟

هذه هي عودة إلى مثل الأعمى الذي يقوده كسيح.

لم تكن هذه هي الزيارة الأخيرة للرئيس بوش في إسرائيل. لقد وعدنا بأن يعود إلينا في يوم الذكرى الستين لاستقلال الدولة، الذي سيصادف هذه المرة في 8 أيار. وماذا يمكن للرئيس أن يفعل في الأشهر الأخيرة من توليه لمنصبه سوى أن يلمع في احتفالات مع الملوك، رؤساء الدول، ورؤساء الحكومات؟

من الممكن أنه كان ينوي أن ينهي فترة توليه المنصب بضربة كبيرة، عمل تاريخي من شأنه أن يلقي جانبا حتى اجتياحه للعراق وأفغانستان – هجوم كبير على إيران. ولكن كما يبدو فإن أوساط المخابرات الأمريكية قامت بعمل وطني تعويضا عن أخطائها في الماضي، لقد أفسدت هذه المؤامرة حين نشرت تقريرها.

في الواقع، حدث هذا الأسبوع أمر سلط ضوءا أحمر، حين تحدت بعض السفن الإيرانية الصغيرة السفن الحربية الضخمة التابعة للولايات المتحدة في مضيق هورموز. لقد نقلنا هذا على حين غرة إلى 1964، لما يسمى "حادثة خليج طونكين". ادعى الرئيس ليندون جونسون في حينها أن سفنا فييتنامية هاجمت سفنا حربية أمريكية. كان هذا كذب، ولكنه كان كافيا ليجعل مجلس النواب الأمريكي يفوض الرئيس لتوسيع الحرب، التي انتهت بكارثة أمريكية (ودفنت مستقبل جونسون).

ولكن هذه المرة انطفأ الضوء الأحمر بسرعة. مجلس النواب الأمريكي ليس كما كان، لم يعد يرغب الأمريكيون بحرب أخرى، المثل التاريخي كان واضحا جدا. لم تعد هناك أي إمكانية حرب أمام الرئيس بوش، لم يعد لديه أي شيء.

سوى، بالطبع، كلام المراوغة والمديح من قبل أولمرت.