|
||
بطريق الصدفة، طُرحت فكرة تنظيم "لقاء" بين السياسيين من أجل تحريك العملية الإسرائيلية الفلسطينية. لطالما كان اللقاء الدولي جيدا – يبدو جيدا في التلفزيون، إنه يوفر "فرص التقاط الصور"، وهو يوحي بالتفاؤل. توحي اللقاءات بوجود تحرك ما. وهكذا طرح بوش فكرته: "لقاء" لدفع السلام قدما بين إسرائيل والفلسطينيين. لم يسبق ذلك أي تخطيط استراتيجي، أي تحضير مسبق، لا شيء. ولذا لم يقدم بوش، في تلك الفرصة، أية تفاصيل: لا هدفا واضحا، لا جدول أعمال، لا مكانا، لا تاريخا، ولا قائمة مدعوّين. لقاء مبتذل. هذه الحقيقة التي تشهد بنفسها على عدم جديّة الأمور، تشهد مرة أخرى، في حال كانت هناك حاجة لذلك، على عدم جدية جورج بوش ذاته. من شأن ذلك أن يذهل أشخاصا لم يروا كيف تُدار الأمور السياسية قط. من الصعب تقبل السهولة التي لا يمكن تحملها، التي تتخذ القرارات فيها، انعدام المسؤولية من قبل الزعماء، والصدفة التامة التي يتم فيها الشروع بعمليات تكون نهايته - الله أعلم. في اللحظة التي يتم فيها طرح فكرة كهذه، لا يعود بالإمكان إيقافها. الرئيس تكلّم، وها هو الأمر ينطلق إلى حيز التنفيذ. وكما يقول المثل: مجنون يقذف حجرا في البئر، ألف عاقل لا ينتشلونه. وبعد أن تم الإعلان عن "اللقاء"، بات هذا اللقاء هدفا بحد ذاته. بدأ الخبراء، من كل الأطراف، العمل بجهود حثيثة لبلورة الحدث غير المعرّف. وحاول كل منهم تصميمه بطريقة تجعله يجني الفائدة الكبرى لنفسه.
يحتاج إيهود أولمرت، بشكل مستعجل، إلى إنجاز سياسي تكون له أصداؤه، لكي ينسينا إخفاقاته في حرب لبنان الثانية ولينقذه من "دزينة" التحقيقات الجنائية الجارية ضده في مسائل الفساد. لقد أراد أن ينجز إنجازا بارزا: أن يلتقي بالملك السعودي وأن يلتقط معه الصور وهو يصافحه. لم يتمكن أي رئيس حكومة من أن يفعل ذلك من قبل.
كان من الممكن لذلك أن يكون مؤتمرا ناجحا، تاريخا حقيقيا. لو لم... لو لم يكن كل ذلك أحلاما في اليقظة. لم يكن أحد هذه الأحلام حقيقة، لسبب بسيط واحد: لا يوجد لأي من الشركاء الثلاثة ما يبذله.
ولكن بوش لا يملك أية قدرة لتفعيل ضغط على إسرائيل، حتى ولو كان ضغطا طفيفا، وحتى لو أراد ذلك. لقد بدأ في الولايات المتحدة موسم الانتخابات للرئاسة، والحزبين الكبيرين يقفان سورا منيعا أمام كل اضغط على حكومة إسرائيل. اللوبي اليهودي واللوبي الإنجيلي، إلى جانب المحافظين الجدد، لا يسمحون بكلمة انتقاد واحدة تقال عن دولة إسرائيل.
وافقت الكنيست، هذا الأسبوع، على اقتراح قانون أولي يلزم بتوفر أغلبية من 80 عضو كنيست لأي تخل عن أي حي في القدس الكبرى. أي أنه ليس بإمكان أولمرت التخلي حتى عن القرى الفلسطينية التي كان قد تم ضمها إلى القدس. يُمنع حتى من الاقتراب إلى "المشاكل الجوهرية".
سيجلس لاعبو البوكر الثلاثة حول طاولة اللعب، سيتظاهرون على الأقل باللعب، فلا احد منهم يملك قرشا واحدا يضعه على الطاولة. ولذلك فإن الجبل الشامخ آخذ بالتقلص أمام أعيننا. هذا وكأنه يتناقض وقوانين الطبيعة: كلما اقتربنا من هذا الجبل بدا أصغر. ما كان يبدو للكثيرين، في البداية، كجبل إفرست أصبح يبدو جبلا عاديا، ومن ثم مجرد تلة، وما بقي الآن لا يكاد يتعدى أكمة صغيرة. وحتى هذه الأكمة آخذة بالانهيار. كان من المزمع، في البداية، أن يناقشوا "المشاكل الجوهرية". بعد ذلك، قيل أنه ستتخذ قرار-نوايا لها وزنها. ثم جرى الحديث عن مجموعة تعابير فارغة المضمون. هذا أيضا يشوبه الشك الآن. لم يعد أحد من القادة الثلاثة يحلم بأي إنجاز. يحاول الثلاثة الآن تقليص الأضرار – ولكن كيف الخروج من هذا المأزق؟ كالعادة، نحن الأكثر إبداعا. فنحن خبيرون بإقامة الحواجز، الجدران والأسيجة. هذا الأسبوع تم اختراع حاجز سيفوق عظمة سور الصين العظيم. يطالب الآن إيهود أولمرت، وقبل أي مفاوضات، بأن يعترف الفلسطينيون "بإسرائيل كدولة يهودية". ومن ثم يأتي شريكه اليميني المتطرف في الائتلاف، أفيغدور ليبرمان، ويطالب الحكومة باتخاذ قرار بعدم الذهاب إلى مؤتمر أنابوليس، إلا إذا قبل الفلسطينيون هذه المطالبة أولا. يجدر بنا أن نتوقف للحظة فيما يتعلق بنوعية هذا الطلب. لم يُقال أنه يتوجب على الفلسطينيين الاعتراف بدولة إسرائيل. لقد فعلوا هذا من قبل في اتفاقية أوسلو – على الرغم من أن إسرائيل ذاتها لا تعترف، حتى الآن، بحق الفلسطينيين في أن تكون لهم دولة تكون حدودها الخط الأخضر. لا، إن حكومة إسرائيل تطلب أكثر بكثير: يجب على الفلسطينيين الاعتراف بدولة إسرائيل كـ"دولة يهودية". هل طالبت الولايات المتحدة بالاعتراف بها كـ"دولة أنجلو سكسونية"؟ هل طالب ستالين باعتراف الولايات المتحدة بالاتحاد السوفييتي كـ"دولة شيوعية"؟ هل طالبت بولندا بالاعتراف بها كـ"دولة كاثوليكية"؟ هل تطالب الباكستان بالاعتراف بها كـ"دولة إسلامية"؟ هل هناك سابقة أن يُطلب من دولة ما الاعتراف بنظام داخلي لدولة أخرى؟ تبدو هذه المطالبة، للوهلة الأولى، مطالبة مبتذلة. لكن من السهل تحولها إلى قاعدة سخيفة. ما هي "الدولة اليهودية"؟ لم يتم تحديد ذلك قط. هل هي دولة تكون الأغلبية فيها يهودية؟ هل هي "دولة الشعب اليهودي" – أي أنها دولة تخص يهود بروكلين، باريس وموسكو؟ هل هي "دولة الديانة اليهودية" – وإذا كان الأمر كذلك، ما هي مكانة الأغلبية العلمانية فيها؟ هل تخص اليهود "الذين ينطبق عليهم قانون العودة" – أي من وُلد لأم يهودية ولم ينضم إلى ديانة أخرى"؟ لم تتم الإجابة على هذه الأسئلة حتى الآن. هل يجب على الفلسطينيين الاعتراف بما هو غير محدد في إسرائيل ذاتها؟ وفقا للتعريف الرسمي، إسرائيل هي دولة "يهودية وديمقراطية". وفقا لقواعد الديمقراطية، يحق لي أن أطمح إلى تغيير هذا التعريف. إذا تم في أحد الأيام قبول اقتراحي وأصبحت إسرائيل "دولة إسرائيلية"، تتبع لكل من يحمل الجنسية الإسرائيلية، ولهم فقط – كيف يجب على الفلسطينيين التعامل معها؟ (الولايات المتحدة هي مثال على ذلك: إنها تتبع لكل مواطنيها، ومن بينهم أمريكيين-هسبان وأمريكيين-أفريقين، ناهيك عن "الأمريكيين من مواليد البلاد".) المشكلة هي، بطبيعة الحال، أن الفلسطينيين لا يستطيعون تقبل هذه الصيغة أبدا، لأنها تمس بمليون ونصف مليون الفلسطينيين مواطني إسرائيل. التعريف "دولة يهودية" يحوّلهم، تلقائيان إلى مواطنين من النخب "ب" – وهذا في أحسن الأحوال. لو قبل أبو مازن وزملاؤه هذا الطلب، فسيكونون قد طعنوا أخوتهم وأبناء عائلاتهم من الخلف. أولمرت وشركاه يعرفون هذا جيدا. إنهم يم يطرحوا هذا الطلب ليُقبل. لقد عرضوا هذا الطلب لكي لا يُقبل. إنهم يأملون في التخلص، بواسطة هذه الخدعة، من الحاجة إلى الشروع بمفاوضات حقيقية. إضافة إلى ذلك: وفقا لـ"خارطة الطريق" رحمها الله، التي يتظاهر الجميع بالاستناد إليها، يجب على إسرائيل في المرحلة الأولى من المفاوضات إخلاء عشرات المستوطنات التي تمت إقامتها بعد آذار 2000، وتجميد الأخريات. هل أولمرت قادر على ذلك. في الوقت ذاته، يجب أن يدمر أبو مازن "بنية الإرهاب التحتية". وهو أيضا غير قادر على ذلك، طالما ما زالت الدولة الفلسطينية غير قائمة. أظن أن بوش يتقلب في الليل على مضجعه ويشتم ذاك الذي أدخل تلك الجملة البائسة عن المؤتمر في خطابه. ستقرع شتائمه أبواب السماء، مثلها مثل شتائم أولمرت وأبي مازن. في الوقت الذي كان من المتوقع فيه أن يوقع زعماء الاستيطان العبري على وثيقة الاستقلال، لم تكن الوثيقة جاهزة بعد. لذلك فقد وقعوا، الواحد تلو الآخر، أمام عدسات الكاميرات وفي صفحات التاريخ، على أوراق فارغة. إنني أخشى أن يحدث أمرا مماثلا في أنابوليس. وعندها سيعود أحدهم تلو الآخر إلى بيته وسيتنفس الصعداء شعورا بالارتياح. |